شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
ولدت في ووهان الصينية وتعلّق قلبي باللاذقية

ولدت في ووهان الصينية وتعلّق قلبي باللاذقية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 13 يناير 202101:51 م

كرجل وُلد في الصين، ترعرع في الولايات المتحدة الأمريكية وحالياً أعيش في السويد، وجدت الأمل والإلهام في مدينة اللاذقية، وهي مدينة ساحلية صغيرة وجميلة في سوريا.

كل شيء جديد بالنسبة لي: الابتسامة على وجوه الناس، الحيوية الموجودة فيهم والروتين اليومي في الحياة الطبيعية.

أنا لا أعيش بينهم، لا يمكنني محاولة فهم عمق الحزن والألم والفوضى التي جلبتها حرب استمرت عقداً من الزمن على هذه الأرض. لقد جئت إلى هذه الأرض من أجل حبي لتاريخ يمتد لآلاف السنين، هذه الأرض المباركة والملعونة في آن واحد.

أنا أعشق لغتهم، تلك الحروف الجميلة المفعمة بالحيوية، أحدق بها كثيراً من الوقت، وأستمع إليها تهمس بكلمات الحكمة والمبادئ القديمة. أستمع إليهم، أسمع الريح الأبدية تداعب الرمال. 

تداعب مسامعي مدائح المتنبي، أحد شعرائي العرب المفضلين، وكأن قلبي ينبض مع أنغام أشعاره.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي/ وأسمعت كلماتي من به صمم

الخيل والليل والبيداء تعرفني/ والسيف والرمح والقرطاس والقلم

القصيدة التي اخترتها في أول درس لي في صف اللغة العربية، لأقرأها على خشبة المسرح أمام قاعة مليئة بالناس، لا يحيط بي سوى الصمت وصور الصحراء والقسوة والعاطفة.

كرجل وُلد في الصين، ترعرع في الولايات المتحدة الأمريكية وحالياً أعيش في السويد، وجدت الأمل والإلهام في مدينة اللاذقية، وهي مدينة ساحلية صغيرة وجميلة في سوريا

أحب طعامهم، بالرغم من أنني طوال سنوات حياتي عشت في قارات مختلفة، وجدت إحساساً مختلفاً لدى تذوق الطعام، مثل علامات الأبواب الصغيرة التي تضع الحب والشغف ولكنها أيضاً تحدد الملكية والأرض.

لا أنسى أبداً الشعور الذي شعرت به عندما جربت "البقلاوة" في المرة الأولى، بدأ قلبي بالخفقان، وشعرت أن هنالك حفلة موسيقية يجري تنظيمها في فمي، ليست موسيقى الميتال الصاخبة، إنها موسيقى عميقة بطيئة ومعقدة، حيث يتناغم الكمان مع الكلارينيت، تشايكوفسكي يطفو في حنجرتي، المذاق يتغير مع تغير طبقات المكونات مثل تغير الإيقاع في جميع أجزاء السيمفونية.

على الرغم من أنني لم أتذوّق بعد العديد من الأطعمة اللذيذة في الثقافة العربية، إلا أن تلك التي جربتها لم تترك لي أدنى شك في أن الطعام يعكس ثراء التاريخ، ووسعة الأرض عبر هذه القارة التي شهدت سلالات متعددة من الحضارات، تنهض وتنهار إلى غبار، ولكنها لم تنقص يوماً من خصوبتها في الغذاء.

ولكن من بين كل شيء، وقبل كل شيء، فإن العامل الأساسي هو المرونة غير العادية التي تحملها هذه الأرض والناس الذين يعيشون عليها. في اللاذقية، التقيت بأشخاص لديهم طموح قوي في قلوبهم نحو المستقبل، على الرغم من اللحظة المظلمة التي كانت دائمة، وربما مستمرة. 

أنا أعمل مع الرجال والنساء الذين يتصورون غداً أكثر إشراقاً، ليس فقط لأنفسهم، ولكن لمجتمعاتهم أيضاً، ويستثمرون الوقت والطاقة في بناء حياة أفضل تتميز بالحب والتفاهم والتضامن.

 إنني ممتن لأنني أعمل عن بعد مع مدرسة كروية خيرية في اللاذقية تدعى "مدرسة الأبطال"، والتي سمحت لي برؤية الوجوه المبتسمة لهؤلاء الشباب باستمرار عندما يسيرون إلى ميدان التدريب، والتفاني في أعينهم وهم يتعلمون التقنيات ليصبحوا لاعبين أفضل، والتشويق في الاستماع لصرخاتهم بالكلمة العربية المشهورة "يلا يلا!".

مشاهدة هؤلاء الشباب وهم يركضون في الملعب، التعاون مع زملائهم في الفريق، الاستماع لتوجيهات مدربيهم، التفكير في استراتيجياتهم، العرق الذي يسيل على جبهاتهم، الروابط المخفية بين أرجلهم المتحركة والأمل يتألق مثل أشعة الشمس على أكتافهم. إنهم يضحكون ويؤمنون، كما هو الحال في هذه اللحظة، لا يوجد شيء في هذا العالم أكثر أهمية، كما لو كانوا يملكون العالم، مليئين بالاحتمالات ولا يمكن إيقافهم.

لا أنسى أبداً الشعور الذي شعرت به عندما جربت "البقلاوة" في المرة الأولى، بدأ قلبي بالخفقان، وشعرت أن هنالك حفلة موسيقية يجري تنظيمها في فمي، ليست موسيقى الميتال الصاخبة، إنها موسيقى عميقة بطيئة ومعقدة

ولكن أليس لهم الحق في امتلاك حياتهم ومستقبلهم ومستقبل منطقتهم ومجتمعهم؟ يتعرّى العالم أمامهم وهم يحتضنونه من خلال كرات القدم في الملعب.

هذه المدينة مثل متحف مخفي في بلدة صغيرة مليئة بالكنوز والأحجار الكريمة والقصص، وسكانها مثل تحف ومجوهرات تغطيها طبقة سميكة من الغبار تخفي قيمتها، ولكن بمجرد أن تمسحها، فإن النواة الذهبية تنطلق من خلال هؤلاء الشباب. هذه هي الصورة الحقيقية لهم، وهم أمل هذه المدينة الصغيرة، الواقعة في الساحل الغربي لسوريا، التي عرفتها صدفةً فعشقتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image