شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عين على السقف وعين على أخبار المنخفضات... مخيمات غزة وعادة

عين على السقف وعين على أخبار المنخفضات... مخيمات غزة وعادة "الترقيع" الشتوية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 ديسمبر 202002:00 م

"الشتاء قادم"... لم يقلها الشاب الغزي يحيى الكحلوت محذراً من "النايت كينغ" كما فعل جون سنو في مسلسل "غايم أوف ثرونز"، بل أطلقها متندّراً على حاله، وهو يُسلّك لفة النايلون التي بيده، تمهيداً لفردها فوق شروخ سطح منزله "الإسبستي"، أملاً في الحدّ من تسرب مياه الأمطار إلى المنزل خلال فصل الشتاء.

سبع سنوات مضت وعائلة الكحلوت تواظب على تغطية سقف المنزل الإسبستي المتهالك بـ"النايلون"، خشية من تسرب مياه الأمطار إلى المنزل. يسترسل الشاب في حركته، ثم يقول مستسلماً: "على أساس إنه ما رح نغرق بعد ما نفرد النايلون".

"الناس بتحضّر مسليّات وإحنا بنحضّر النايلون"

مع الوقت وبقاء الحال المعيشية في غزة على حالها، غدت هذه العادة لدى عائلة الكحلوت التي تقطن في مخيم الشاطئ للاجئين، غربي قطاع غزة، مرسماً رئيسياً من مراسم استقبال الشتاء. يقول الكحلوت: "الناس بتحضّر للشتاء ملابس ومسليّات، وإحنا بنحضّر النايلون وبنستحضر المخاوف من اللي ممكن يصير".

يصف الشاب الحكاية كلها بـالـ"معاناة"، ويشرح: "تخيّل أن تقضي كل الشتاء، بعين على السقف وعين على أخبار المنخفضات". يُفرج عن ابتسامة خفيفة، ثم يتراجع عنها: "تصوّر أن تكون غارقاً في دفء لحافك، وفجأة، تقطع نومك، موجة باردة من المطر وتصحو مفزوعاً".

"الناس بتحضّر للشتاء ملابس ومسليّات، وإحنا بنحضّر النايلون وبنستحضر المخاوف من اللي ممكن يصير"... سكان من مخيمات غزة يحكون عن "الترقيع" الموسمي الذي بات لديهم عادة ثابتة ويأتي تأكيداً على قلة حيلتهم وكُبر مأساتهم 

يعيش يحيى مع سبعة من أفراد عائلته، في بيت لا تتجاوز مساحته المئة متر، مسقوف بما يُعرف بألواح الإسبست منذ أكثر من 20 عاماً. مع الزمن، لم تعد الألواح صالحة، وباتت مليئة بالشروخ التي تسمح بتسرب الأمطار بكميات كبيرة إلى داخل المنزل، في حين أن وضع العائلة المادي لا يسمح لها بترميمه، أو صب سقف من الإسمنت، يُنهي معاناتها.

يستذكر الشاب، شتاء العام الماضي، ويروي أن منزلهم ومنازل الجيران كانت قد غرقت إثر منخفض حاد. "صحينا من النوم، وصرنا بالجرادل (السطول) ننقل المي لبرا البيت".

الحاج أبو محمد ناجي هو أيضاً أحد سكان مخيم الشاطئ. كان قد انتهى من تجهيز سطح بيته "الزينكو" بالنايلون عندما قابلناه، فيشكو قائلاً: "إحنا على الحال هذه من سنين طويلة. ما حد بيتطلع علينا، في الشتاء برد وغرق، مع كل منخفض جوي، وفي الصيف نار جهنم من شدة الحرارة".

يختصر أبو محمد الحياة في المخيم بالقول: "مأساتنا مستمرة طول السنة الحمدلله. الجهات الإغاثية لو حبّت تساعدنا بتجبلنا نايلون مساعدة! تخيّل! فش سعي لحل الأزمة، لا بس بنظل نرقّع في مأساتنا". ويضيف: "أزمات المخيمات تحتاج إلى حلٍ جذري، وعلى ما يبدو أن ذلك، آخر شيء يمكن أن يحصل في العالم كله".

" حتى النايلون ما بنقدر نشتريه"

من غربي القطاع إلى شماله، الحال ذاته لدى سكان المخيمات. في مخيم جباليا، وهو أكبر مخيمات القطاع، ويسكنه حوالي 114 ألف لاجئ يعيشون في مساحة 1.4 كيلومتر مربع، اختار علي جمعة الذي يسكن شمالي المخيم أن يغطي فقط الشروخ الكبيرة في سقفه الإسبستي، ذلك أنه لا يقدر على شراء قطع نايلون لكامل السطح.

يزفر علي، ويحكي بخنقة: "حتى النايلون، قشتنا الوحيدة، ما بنقدر نشتريه، شو رأيك؟"، معلقاً بأن "قطعة الشادر(النايلون السميك) بـ 80 لـ100 شيكل (24 إلى 31 دولاراً)، ونحتاج لأكثر من لفة، لتغطية كامل السقف، لكن للأسف بالكاد بنجيب مصروف عائلاتنا، لهيك بنكتفي بتغطية الشروخ الواسعة".

أما في ما يخص الشروخ الصغيرة، فتضع العائلة تحت كل واحدةٍ منها، دلواً أو سطلاً حتى تتجمع فيه المياه المتسربة من السقف، على حد قوله، موضحاً: "سكان المخيمات يعانون البرد في الشتاء والحر في الصيف لا مفر من هالمعادلة. في الشتاء كل تفكيرك بيستقر على كيف تحمي عائلتك ومنزلك، سواء من الريح القوية أو الأمطار".

على صعوبة الشتاء، يشرح علي، وهو يكظم سخريته من الواقع: "الشتاء يظل أرحم من الصيف، إلى حدٍ ما. نستطيع في الشتاء أن نشعل ناراً أو أن نرتدي كل ما في البيت من ملابس. لكن في الصيف، لا مهرب من الحر أبداً".

ويستذكر خلال حديثه أن منزله تعرّض للغرق في كثير من المنخفضات الماضية، إضافة إلى تضرر سطح المنزل الإسبستي وتكسّر بعض اللوحات.

"لا أحد يعوّض أو يسأل عن بيوت الفقراء في المخيم. نتوجه للأونروا، ورغم مسؤوليتهم عن المخيمات واللاجئين، لكنهم يماطلون ويصرفونا بدون أي تعويضٍ أو تحسين لحالنا"، يقول علي.

يُشكل اللاجئون مليون و100 ألف من مجمل سكان قطاع غزة الذين يتجاوزون المليوني نسمة. ويعيش معظمهم في مخيمات قطاع غزة الثمانية، بينما تشرف "الأونروا" على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية لهم بشكل مباشر.

دوامة لا متناهية من الأزمات

ما نُقل من شكاوى بعض ساكني المخيمات يقدم صورة موجزة لشتاء المخيمات التي تعيش في دوامةٍ لا متناهية من الأزمات، بدءاً من أزمة الاكتظاظ السكاني الخانقة، حيث تشير مصادر رسمية إلى أن قرابة 55 ألف شخص يعيشون في الكيلومتر المربّع الواحد، وصولاً إلى الأزمات المعيشية والصحية، بفعل تلوّث المياه، وتهالك شبكات الصرف الصحي.

هذه الأزمات كلها معلقة إلى أجلٍ غير معروف، فمنذ زمنٍ طويل، لم تُجرِ الجهات المسؤولة، إصلاحاً للبنى التحتية للمخيمات.

"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين" (الأونروا) هي المسؤولة بشكلٍ مباشر عن المخيمات، لكنها أظهرت عدم قدرتها على تحقيق مشاريع إصلاح حقيقية للبنى التحتية، لأن ذلك يتطلب ميزانية ضخمة، في وقتٍ تتردد فيه الأنباء عن عزم الأونروا، تقليص خدماتها المقدمة للاجئين في غزة، بزعم أزمتها المالية الخانقة التي تعيشها.

"حتى النايلون، قشتنا الوحيدة، ما بنقدر نشتريه"... من غربي القطاع إلى شماله، الحال ذاته لدى سكان مخيمات غزة في الشتاء، إذ ينحصر الهم في منع تسرّب المياه إلى الداخل، وحتى تغطية السطح كاملاً بالنايلون تُعدّ "ترفاً" لعائلات كثيرة 

بدأت أزمة الأونروا منذ آب/ أغسطس عام 2018، بعد أن أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية تمويلها، ما أدى إلى اشتداد أزمة الوكالة المالية ودفعها إلى تقليص خدماتها التي كان لغزة الحصة الأكبر منها، بحسب تصريحات مسؤولين. على المقلب الآخر، تُعاني بلديات القطاع من عجزٍ في الكوادر والإمكانيات، ما يجعل القيام بإصلاحات في المخيمات أمراً مستحيلاً.

تظل المخيمات جزءاً من الصورة الأوسع لواقع قطاع غزة الذي يعاني من حصارٍ إسرائيلي منذ ما يزيد عن 14 عاماً، خلق أزمات لا حصر لها لسكان القطاع.

وفقاً لتقاريرٍ رسمية، يعيش ثلث سكان القطاع تحت خط الفقر المدقع، فيما يعتمد أكثر من 80% من إجمالي السكان على المعونات الإغاثية من المؤسسات الدولية. وهكذا، لا يجد السكان أمام الأزمات سوى محاولة "ترقيعها" كما يقولون، لذلك غدا تجهيز الأسطح بالنايلون خلال الشتاء عادة ثابتة، واستذكاراً موسمياً لقلة حيلتهم وكُبر مأساتهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image