قد لا يعرف قارئ رواية "خالي العزيز نابليون" بأنّ كاتبها الإيراني، إيرَج بِزِشْك زاد، قد كان قاضياً، سمح له منصبه الاطّلاع على الكثير من أسرار القضايا الجنائية التي لعبت دوراً مهماً في اكتمال روايته.
ورغم العنوان المخادع لكتاب "الفرج بعد الشدّة" للقاضي أبي علي المُحسَّن بن علي التنوخي، إلا أنه من الكتب التي نرى فيها الملامح الأولى للسرديات الجنائية في القرن الرابع الهجري؛ الشدّ بين الشدّة والفرج يقع أحياناً بين عوالم جنائية.
وبين بِزشك زاد، قاضي القرن العشرين، والتنوخي، قاضي القرن الرابع، تكتب الكاتبة الإيرانية، شِيوا مُقانلو (Shiva Moqanlou)، نصّها مستحضرة القرن الخامس الهجري وهجوم المغول والقرن الحادي والعشرين وعلماء آثاره في روايتها التي تصدرت حديثاً "أسرار بناية تابان".
بيد أنّ علاقة الرواية الجنائية أو البوليسية مع القارئ الإيراني ليست علاقة وديّة. وإن عدنا إلى تاريخ الرواية البوليسية في إيران نجدها بدأت في نهاية العصر القاجاري، العام 1921، مع المترجِمين نصر الله فَلسفي، وعناية الله شَكيبا بور. وبين العام 1921 و1931 نقرأ النصوص الأولى لترجمة آغاتي كريستي وألفرد هيتشكوك.
لم تنظر النخبة الإيرانية إلى النصّ البوليسي أو الجنائي نظرةَ احترام إلا بعد أن تَرجمت أسماء معروفة من المترجمين الإيرانيين رواياتٍ جنائية، مثل كريم إمامي وفَرزانه طاهري ومُجدِه دقيقي. ويرى مؤرخو الرواية الجنائية أنّ الروائي الإيراني إسماعيل فَصيح (تُرجمت روايته "قصة جاوِيد" للعربية)، هو مَن أخرج الرواية الجنائية- البوليسية من أنها نصّ شعبي يأتي على نصوص متقطعة إلى نصّ يُنظر له باحترام.
لم تنظر النخبة الإيرانية إلى النصّ البوليسي أو الجنائي نظرةَ احترام إلا بعد أن تَرجمت أسماء معروفة من المترجمين الإيرانيين رواياتٍ بوليسية
قد نجد خيطاً آخر في أسباب ابتعاد القارئ الإيراني عن النصّ الجنائي، عند أغاثا كريستي التي زارت إيران برفقة زوجها، إلا أنّ معظم كتبها لم تُترجم، حتى قامت دار "هِرمِس" المعروفة في إيران بترجمة أعمالها. وقد استغرقت الترجمة 10 أعوام. وفي نفس الفترة بادرت دار إيرانية ثانية رزينة ("ثالث") بترجمة أعمال كريستي. وقد ملأ المترجمون في إيران الفراغَ الحاصل في إنتاج مثل هذه النصوص عبر تلقّيها من عواصم أخرى تنقل ما يحدث من جرائم في مدنهم.
بعد أن كتبت وترجمت مُقانلو أكثر من أربعين كتاباً، محددةً نفسها بكتابة القصة، وبعد أن درست في كلية الفن وتركت الدراسة حين نجحت في دكتوراه فلسفة الفنّ، وبعد تجربة طويلة مع الترجمة، وجدت أنه الوقت قد حان هذا العام لإصدار روايتها الأولى "أسرار بناية تابان". و"تابان رودَكي" هي بطلة الرواية الحاصلة على الدكتوراه في علم الآثار.
يفتتح النصّ على حريق يقع في بناية داخل مدينة "بلقيس" الأثرية الواقعة في خُراسان الشمالية. تكشف مُقانلو الشخصيات الأساسية التي تواجه الحريق منذ الفصل الأول: تابان رُودكي، وزميلها في الدراسة آيدين، والعمّ إبراهيم -الأخرس-، وحارس البناية وضابط الشرطة المحنك في اقتناص مهربي الآثار، وأستاذها الدكتور نادِران، الباحث الإيراني المشهور باكتشافاته الأثرية.
الرواية تغوص عميقاً في الحياة اليومية للقرى الخُراسانية، وتكشف للقارئ غير الإيراني، أهميّة الآثار وعلاقته بالهوية الإيرانية
منذ وصول المجموعة إلى مدينة بلقيس تبدأ الحفريات، لكن هناك حفريات أعمق بكثير مما ظنوا؛ فصل واحد فقط جاء عبر لغة فارسية قديمة يحدد ما الذي كانت عليه المدينة وما هو السرّ الذي احتفظت به، والذي هو نصّ موازٍ. إنها المدرسة التي أسستها "مريم بانو" أو السيدة مريم، تحت حماية الأمير نظام الدين علي. فقد قام القائد العسكري بتخصيص بناء لها ولتلميذاتها لدراسة الفلسفة والمنطق والفكر والتاريخ، لكن المغول على أبواب المدينة وأعداد جنودهم كبيرة وإنهم عازمون على فتح المدينة مهما كلّف الأمر.
يتضح أنّ المدرسة النسائية ليست مدرسة عادية، يخالف رجال الدين والتجار والأمراء والقادة العسكريون وجودَها، لكنهم يهابون ناظم الدين علي. في المدرسة خلاصات علوم عصور مضت ووحدها مريم بانو والقائد نظام الدين علي على علم بها، وعليهما تهريب هذه العلوم، لكنّ كلاهما يحاولان إخفاء أمر "سيف" تكمن فيه خلاصة العلم. وهذا ما يضع القارئ أمام حيرة السيوف الواقفة خلف البوابات لتقطع الرقاب، والسيف الذي ينقذ البشرية من الدّماء. إنه السيف الذي يبحث عنه علماء الحفريات والمهربون ويعلم سكّان قرية "إسْفَراين" بأمره وكيف وصل إلى عائلة شيركوهي الإقطاعية التي تمتلك الأراضي ومن عليها.
توّجه أصابع الاتهام للجميع، وتدور الشبهات حول الجميع، لكنّ تابان المرأة المطلقة حديثاً والتي تلتزم بقوانين وضعتها لنفسها، ولا تمرّ عليها جملة دون استخراج المسيء منها للنساء أو التقليل من مكانتهن، تبحث عمّا فعلته مجموعة من العالمات في القرن الخامس الهجري وما توصّلن إليه.
الرواية تغوص عميقاً في الحياة اليومية للقرى الخُراسانية، وتكشف للقارئ غير الإيراني، أهميّة الآثار وعلاقته بالهوية الإيرانية، قد يكون السيف المفقود عملية إنقاذ ماسّة لهويّة الجتمع الإيراني.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع