تتعدد أنواع الصرخات في الشارع العربي المليء بالغضب، لتتجه الصرخة اليوم كمتنفس في سبيل الحصول على المراد، حتى أن الأنواع بات لها وضع معين ومختلف عن غيره، والجامع بينها هو "فشة الخلق"، أو الحاجة لها على الأقل. بتأمل ذاتي لأنواع الصراخ التي تشهدها بعض الشوارع العربية، وصلتُ إلى التالي.
صرخة النداء
هي ذاك النوع من الصراخ الذي انطلق مع البشرية، والقصد منه الطلب من شخص ما للحصول على حاجات معينة، حتى أن الصراخ في بعض الأحيان في هذا النوع بدأ من كهف لكهف ثم من جبل لجبل ووصل اليوم من مبنى لآخر، طالباً إما المساعدة أو التهديد في أحيان أخرى.
ويروح البعض لاعتبار أنها أداة نداء مفيدة في بعض الشوارع أو القرى، لتكون بديلاً عن الجرس، أو التكنولوجيا، حتى أنها تكون مخصصة للشخص المنادى إليه، دون إضاعة الوقت.
صرخة الإنذار أو التنبيه
هنا يأخذ الصراخ معنى أعمق وأكثر إنسانية لكون الصارخ يطلق عنانه لإنذار شخص ما لسيارة قد تدهسه أو قشرة ما على الأرض، لو أنه داسها، لوقع، فيما تكون أيضاً من الأهل تجاه ابنهم الذي يقترب من الفرن مثلاً أو "المدفأة" فيصرخ الأب منذراً ابنه بالابتعاد.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أخذت صرخة التنبيه جانباً للمزاح، فتجد الكثير من الأشخاص الذين يختبئون بالقرب من الغرفة أو الحمام "بمكان مظلم" ويصرخون، بطريقة مفاجئة للشخص الآخر الذي مع "الصدمة" يتحوّل لون بشرته إلى الأصفر، ثم تتعالى الضحكات.
تتعدد أنواع الصرخات في الشارع العربي المليء بالغضب، لتتجه الصرخة اليوم كمتنفس في سبيل الحصول على المراد، حتى أن الأنواع بات لها وضع معين ومختلف عن غيره، والجامع بينها هو "فشة الخلق"، أو الحاجة لها على الأقل
صرخة الحوادث
قد يتساءل الكثير من الناس عن سبب الشجارات التي تحدث لأن سيارة ما قد اصطدمت بأخرى، وقد يكون ذلك عن غير قصد، إلا أن المفاجئ أنه في أغلب الأوقات، تجد أن كلا الشخصين ترجلا من سيارتيهما وراحا يصرخان، وكل طرف يلقي السبب على الآخر، وسط تجمهر المارة للفضول أو "لفض النزاع"، وأخيراً ينتهي المشهد بأن كل شخص سيقوم بإصلاح أضرار سيارته بنفسه مع صلح ظاهر وشتائم مضمرة.
"ليس باليد حيلة"، يقول البعض، والصراخ هنا جاء كنوع من التفوق على الآخر علّ الشخص الذي يصرخ أعلى ويهيمن على الموقف يحصل على تصليح لسيارته أو يخفف عنه تكاليف تصليح السيارة الأخرى إن كان هو المتسبب. إذاً تتجه الأنظار نحو الواقع الاقتصادي، لأنه في أغلب الأحيان قد يكون ركن السيارة للتصليح مكلفاً ناهيك باستخدام وسائل النقل، في حين قد يضطر البعض لتصليح السيارة المتضررة، وهذا ما يثقل كاهله، ويضاف إلى ذلك تعطل العمل إثر هذه الضربة وكثرة المشاكل التي تلاحق الأفراد، فيلجأون للصراخ كنوع من التعويض عن الخسائر و"فشة خلق".
الأمر لا يتوقف عند هذا المثال، إذ هناك الضغط النفسي الذي يعانيه الكثير من مواطني المنطقة ويجبرهم على الصراخ في حال الشعور بأي تهديد مباشر أو غير مباشر، أو قد ينقلب على الأسرة أو الأصدقاء إن لم يكن باستطاعتهم الصراخ أمام الحادثة التي جرت لهم.
إن الصراخ الوليد عن الصمت هو بدل الكثير من الكلام الذي لا يُحكى أو يقال، بل يبقى في باطن الشخص خوفاً مما قد يتعرض له إن تكلم، أو لأنه ملّ الحديث عن الأشياء التي تثير غضبه والتجأ لنفسه ليصرخ داخل جسده، فلا شيء سيتغير، وبماذا ينفع الكلام؟
الصرخة الصامتة
قد يفاجأ الكثير من الناس حيال هذا المصطلح لما له من سوريالية بعيدة عن الواقع إلا أنهم في الحقيقة قد يكونون من الأشخاص الصارخين بصمت، ودون أن يعرفوا.
إن الصراخ الوليد عن الصمت هو بدل الكثير من الكلام الذي لا يُحكى أو يقال، بل يبقى في باطن الشخص خوفاً مما قد يتعرض له إن تكلم، أو لأنه ملّ الحديث عن الأشياء التي تثير غضبه والتجأ لنفسه ليصرخ داخل جسده، فلا شيء سيتغير، وبماذا ينفع الكلام؟
يتساءل البعض وفي داخلهم الكثير من الكلام، حول مواضيع مختلفة سياسية أو معيشية أو تتعلق بالبيئة والتلوث، لا سيما أن لكل شخص ما يغضبه بحسب طبيعة عمله أو أسرته، فمثلاً المرأة المعنفة من قبل زوجها أو أهلها لا تجد مكاناً لبوح ما بداخلها، لأنها ستتعرض للوم والوصمة إن كان الموضوع يتعلق بالحياة الجنسية أو الزوجية عموماً.
حتى المراهق الباحث عن طريق خاص به قد يتعرض لتعنيف من قبل ذويه لأشياء قد يراها مغايرة عن تقاليدهم، وقد يوسم بكلمات تناسب طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه.
فيما الموظف الذي سئم مكان عمله وتسلط مديره عليه، فكثرة كلامه ستفصله من عمله أو تخفض مرتبه، فماذا ينفع بهذه الحالة سوى الصراخ العميق المشتعل في القلب وكما يقال المثل الشعبي "خليها بالقلب تجرح ولا تطلع لبرا وتفضح".
وإذا ما اتجهنا للحديث عن الصراخ العميق نتيجة مواضيع أشد وطأة عن غيرها، فلا بد أن النفس سيلجم عندها بكاتمٍ للصوت، وتبقى الصرخة في داخل الإنسان كبارود رطب، لن يشتعل بسرعة إلا أنه سيشتعل مع الأيام في حال ارتفع صوت الصراخ الصامت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت