شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف ركب فنانون عرب موجة الشهرة على حساب اليمنيين؟

كيف ركب فنانون عرب موجة الشهرة على حساب اليمنيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 20 ديسمبر 202011:43 ص

يفتقر اليمن لمشاركة كليبات لفنونها الغنائية والشعبية بين الجماهير العربية، إذ يكاد يخلو أرشيفه من أي فن مماثل لتلك الفنون والأغاني التي يطلقها فنانو الخليج العربي، فبعض الجماهير العربية عند ذكر "اليمن" يخيل لهم ذلك البلد الذي أنهكته الحروب والصراعات الداخلية، والبعض الآخر يسرح بمخيلته بأنه بلد الفقر المفتقرة لأية ثقافة وفنون.

مدرسة الفن اليمني

لكن هل يعرف هؤلاء العرب بأن الفنّ اليمني حاضر في أغلب المهرجانات والأغاني العربية؟ لقد استغل العديد من أهل الفن بالخليج العربي هذا السبات اليمني العميق، وتقصيرهم بواجب تراثهم وثقافاتهم من خلال عدم تسويق فنونهم عبر المحطات والشاشات العربية، ولعل أبرز النجوم والفنانين العرب قد كانوا مستفيدين من هذا السكوت اليمني وركوب الموجة نيابة عنهم.

وقبل ذكر أهم نتاج مدرسة الفن اليمني في دول الخليج العربي خاصة، لا بد من ذكر أهم رواد الشعر والفن اليمني، والذين أصبحت كلماتهم القديمة تُردد في جميع البلاد العربية، بل إن سارقها أصبح لديه من خلالها شهرة عربية واسعة وأصبح نجماً، وأصبح له حضور على ساحة اليوتيوب والسوشيال ميديا، حتى أن بكليب واحد يُنتجه من مسروقات فنية يمنية تدخل عليه ملايين المشاهدات.

يخيّل لبعض الجماهير العربية عند ذكر "اليمن" ذلك البلد الذي أنهكته الحروب والصراعات الداخلية، بأنه يفتقر لحياة فنية غنية... ولكن ما نجهله هو أن  الفنّ اليمني حاضر في أغلب المهرجانات والأغاني العربية

ويعتبر كلاً من ابراهيم الماس، صالح العنتري، عوض المسلمي وأبو بكر سالم، من عمالقة الفن اليمني العريق، خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أي في فترة الزمن الذهبي للفنون العربية العصرية، بنفس الفترة التي كان فيها عبد الحليم حافظ وأم كلثوم مرآة الفن المصري، وفهد بلان يمثل سوريا، وفيروز وسميرة توفيق تمثلان لبنان، ووردة الجزائرية تمثل الجزائر.

وردة الجزائرية وألبوم "سيبوه"

وبالحديث عن أهم نتاج مدرسة الفن اليمنية كما يوضح رئيس البيت اليمني للتراث الموسيقي السيد رفيق العكوري، فقد قدمت الفنانة الشهيرة وردة الجزائرية ألبوماً غنائياً في عام 1994 باسم "سيبوه"، وقد شمل الألبوم عدة أغاني وهي "سيبوه، يا راد يا عواد، يا مروح بلادك، يا بوي أنا".

ويوضح السيد رفيق العكوري بأن الألبوم "سيبوه" قد أخذته الفنانة وردة بشكل كامل من الفنان اليمني الراحل أبو بكر سالم الذي كتبه لها، وأخذ هذا الألبوم صيتاً كبيراً في البلاد العربية، فيما غنى الفنان الكويتي عبد الله الرويشد "يا ناس الحبايب" بإمارة من ملحنها أبو بكر أيضاً.

يعتبر كلاً من ابراهيم الماس، وصالح العنتري، وعوض المسلمي وأبو بكر سالم، من عمالقة الفن اليمني العريق

أخطاء فنية غير مقصودة

أما على صعيد الأخطاء الفنية غير المقصودة بحق الفنون اليمنية، كما يصفها العكوري، حيث كان ينسب الأغلبية بأنها أغان من التراث اليمني دون ذكر كاتبها وملحنها، وبعضهم كان يكتفي بالقول عنها بأنها نُقلت عن أغاني وأشعار تراثية، دون ذكر موطنها ولا صاحبها، مثلما كان يفعل فنان العرب محمد عبده.

وكان الفنان العراقي الشهير كاظم الساهر قد غرد فقرة له من كلمات الشاعر اليمني عبد الغفور عبد الله، بعنوان "إذا ألقى الزمان عليك شراً" حيث وضع القيصر كاظم الساهر نفسه تحت مدافع السوشيال ميديا التي انهالت بالانتقادات الموجهة له، لنقل كلمات من شاعر يمني ونسبها لشاعر المهجر الراحل إيليا أبو ماضي، وكان ذلك خلال عام 2018.

وقال الشاعر عبد الغفور عبد الله لرصيف22: "من الخطأ أيضاً اتهام أسطورة فنية مثل كاظم الساهر بسرقة كلمات، فقد تواصل معي وتفهمت منه الأمر، بأن هنالك صفحة معينة على موقع الفايسبوك قد قامت بنسخ القصيدة من صفحتي ولصقها عبر جداريتها، ونسبتها للشاعر أبو ماضي، فوقع كاظم الساهر بالخطأ غير المقصود بنقل الكلمات من صفحة كاذبة دون علمه، وقام فيما بعد بنسب القصيدة لي".

أكثر من اقتباس... 

أما على صعيد السرقات الفنية المقصودة من الفنون اليمنية ونسبها لدول خليجية لا يتعدى عمرها نصف عمر الفنانين اليمنيين، أوضح العكوري بأن الفنان الإماراتي حسين الجسمي قد تورط بإعادة استخدام عدة ألحان من التراث اليمني بعد تغيير هويتها وأصلها، مثل أغنية "العز عزك يا الإمارات"، التي غير كلماتها وألحانها ونسبها لتراث الإمارات في يومهم الوطني الـ 40 عام 2011، وفي الحقيقة هي كلمات وألحان مسروقة من الأوبريت اليمني التي غنى فيها أكثر من مغن عربي بعنوان "خيلت براقاً لمع"، للشاعر اليمني الكبير عباس الديلمي، وألحان الموسيقار أحمد بن صالح غودل.

ولم يكتف ذلك الفنان الإماراتي المحبوب في الوسط العربي بأخذ لحن يمني وكلمات تم تحريفها لصالح بلاده دون الاعتذار وذكر المصدر الأساسي لها، بل قام بنشر أغنية "حبيتها" تمدح بالتراث الوطني الإماراتي، وبالأساس هي كلمات وألحان مأخوذة من أغنية تراثية يمنية حضرمية اسمها "عيني تشوف الخضيرة"، غناها الفنان اليمني أبو بكر سالم، وكتبها الشاعر حداد بن ‏حسين الكاف.

قدّم الفنان الإماراتي حسين الجسمي عدة ألحان من التراث اليمني، مثل أغنية "العز عزك يا الإمارات"، التي غير كلماتها وألحانها ونسبها لتراث الإمارات في يومهم الوطني الـ 40 عام 2011، وفي الحقيقة هي كلمات وألحان للأوبريت اليمني

لكن هذه المرة انهال اليمنيون بالانتقادات الموجهة للجسمي ليضطر بحذف أغنيته من اليوتيوب بعد ساعات من نشرها، وإعادة نشرها مرة أخرى مع ذكر صاحب اللحن الأصلي الشاعر الراحل حداد بن حسن الكاف، ليُعلن ذوي وأبناء الكاف بأنهم قبلوا الاعتذار، وأن اللحن تحت تصرف الشركة المنتجة لصالح الجسمي.

ويضيف العكوري: "كما قام الفنان الكويتي خالد الملا، بسرقة أغنية (ما معكم خبر زين يا رسول السلامة) وأضاف فيها كلمتين (المنامة والبحرين) ليجعل منها أغنية موجهة للبحرين، وهي في الأساس يمنية للشاعر محمد ميسري، كما قام العديد بعدها بسرقة نفس الأغنية مع تعديل بعض الكلمات بحسب موطنه، مثل الفنان راشد الماجد، سميرة العسلي ويوسف المطرف، والغريب بأن خالد الملا استغل ضعف وسائل الإعلام اليمنية ونسب الأغنية له، حيث غناها الفنانون من بعده بنسب اللحن لسارقها وليس لكاتبها الأصلي".

ونرى بأن أغلب البلاد العربية اشتهرت بتصدير أعلام فنية خلال القفزة العصرية الأولى لها، خلال تلك الفترة التي سُميت بـ "الزمن الجميل" في حين أن اليمن يكاد لا يسمع عن فنه أي عربي، كالأغاني التي تمت ذكرها سابقاً، بالإضافة إلى أغنية "صبوحة خطبها نصيب" للفنانة اليمنية كفى عراقي، حيث أن أغنيتها تُسمع في مختلف الأفراح الخليجية والعربية، وأبرزها أفراح الكويت والبحرين وقطر، حتى تم الاعتقاد بأنها أغنية من التراث الخليجي.

أسباب اختفاء اسم "اليمن" من ساحة الفنون

لماذا يختفي تداول اسم "اليمن" من ساحة الفنون العربية والكليبات وغيرها؟ يقول رئيس البيت اليمني للموسيقى، رفيق العكوري لرصيف22: "إن ضعف الحالة الإعلامية لدى اليمن والتأخير في تطورها يُعد العامل الأهم وراء طمس التراث اليمني في مجال الأغاني والفنون المختلفة، حيث استغل الكثير من فناني الخليج والعرب هذا الأمر، وسرقوا كلمات وألحاناً يمنية ونسبوها لهم، كما فعل كل من الفنان الكويتي خالد الملا والإماراتي حسين الجسمي وغيرهما".

فقد شهدت البلاد التي أنتجت فناني الزمن الجميل بتطور الحالة الإعلامية لها في شكل مبكر، كمصر وسوريا ولبنان والعراق، وذلك خلال حقبة العشرينيات من القرن الماضي، بينما نشأت الإذاعة اليمنية الأولى في عهد الاحتلال البريطاني للأراضي اليمنية الجنوبية في نهاية الأربعينيات، وكانت تبث 4 ساعات أسبوعياً على يومين، ببرامج تنطق باسم الإنجليز فقط.

بينما عانى الجزء الشمالي في اليمن من صراعات بين العشائر اليمنية من بداية جلاء العثمانيين عنها عام 1918، وصولاً لتدخّل القوات السعودية والأممية فيه حتى عام 1967، حينما انهارت المملكة المتوكلية.

قدّم الفنان الكويتي خالد الملا أغنية (ما معكم خبر زين يا رسول السلامة) وأضاف إليها كلمتيْ (المنامة والبحرين) ليجعل منها أغنية موجهة للبحرين، وهي في الأساس يمنية للشاعر محمد ميسري

وكانت إذاعة المكلا التي افْتُتِحت عام 1967 في مدينة عدن أول إذاعية يمنية خالصة، كونها الأولى بعد جلاء الاحتلال البريطاني عن اليمن بأشهر قليلة، ولكنها كانت تبث أيضاً سويعات قليلة في الأسبوع، ويجدر بالذكر بأن الوضع العام في اليمن في تلك الفترة لم يكن مهيأ لاستخراج برامج إذاعية ترفيهية وفنية، بسبب الحروب بين اليمن الجنوبي وبين اليمن الشمالي، وذلك في مرحلة ما بعد الاستقلال من 1967 إلى عام 1970.

وكانت أغلب الدول العربية في تلك الفترة قد تطورت إعلامياً بفتح محطات تلفزيونية ومحطات بث فضائية، وخاصة أبناء فلسطين المحتلة الذين لم تمنعهم الهجرة من إنشاء محطات إذاعية وتلفزيونية في أراضي المهجر، في حين أن اليمن ظل على الوسائل البدائية بنقل الأخبار.

ويوضح العكوري بأنه من الأربعينيات إلى السبعينيات، كان الشيوخ الخليجيون والفنانون يأتون إلى اليمن عبر البحار، يحضرون جلسات غنائية يمنية ويقيمون بالأسابيع، وعند عودتهم لبلادهم كان يصاحبهم رواد الفن اليمني ليغنوا لهم على متن السفينة طيلة فترة الرحلة، وكان أبرزهم الفنان اليمني يحيى عادل، الذي قضى معظم حياته في رحلات الغناء عبر السفن، ما بين اليمن ودول الخليج العربي، بل ويبيتون في جلسات خليجية في السعودية وسلطنة عمان كاستضافة متبادلة، وهو ما وضع اللبنة الأولى لنشأة الفنون بأنواعها في المنطقة الخليجية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard