شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لا كشك ولا آورما في سوريا... أسرار المؤن مع أنيسة الحلو

لا كشك ولا آورما في سوريا... أسرار المؤن مع أنيسة الحلو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 16 يونيو 202110:49 ص

"المونة" عادة متوارثة لدى القرويين، فعادة تحضير المونة الشتوية تعتبر من التراث، ولا تزال متوارثة لدى الكثير من السوريّين واللبنانيّين. في هذا الحوار، تخبرنا أنيسة الحلو عن أسرار المؤن وارتباطها بالتاريخ والثقافة.

هل يمكنك تزويدنا ببعض أطعمة المونة المفضلة لديك من الثقافة اللبنانية والسورية؟

هناك فرق طفيف بين لبنان وسوريا في المونة، فمثلاً لا أعتقد أن هناك الكشك أو الآورما في سوريا. كانت عمتي في سوريا في مشتى الحلو تجفّف الكثير من الفواكه والخضروات. كانت هذه هي طريقتها الأساسية في الحفظ والتخليل. في دمشق يلفّون ورق ملفوف حول الجوز، ولم أره في لبنان حتى الآن. أنا شخصياً أحب جميع المؤن تقريباً.

تعجبني فكرة عدم إهدار الطعام ومحاولة حفظ الفائض من إنتاج الصيف لتعويض قلة النضارة أو بعض المكونات في الشتاء. أحببت عندما كانت عمتي تصنع التين المجفّف على سطحها. ثم كانت تصنع معهم مربى من السمسم والجوز. لا أتذكر أن الخضروات المجفّفة ممتعة للغاية، لأنه عند طهيها، يختلف المذاق قليلاً عنه عندما تكون طازجة. كما يتم استخدام النعناع الطازج وتجفيفه وصنع نوع من الخليط يمكنك استخدامه مع الخبز أو أطعمة أخرى.

كيس اللبنة

هناك الشنكليش والذي يعتبر مونة رائعة لاستخدام القريشة وصنع الجبن المخمّر لحفظه طويلاً. يمكنك العثور على الشنكليش في شمال لبنان، لكنها ليست شائعة في لبنان كما هي في سوريا. ما أحببته في صيف مشتى الحلو كان الملبن. تذوّقته في شرقي تركيا لكنّه يبدو مختلفاً تماماً لأنه ربما مغطّى بنوع من بودرة نشاء الذرة. عندما تكون محلية الصنع، فإنها تبدو بطعم مركّز أكثر من الصنف التجاري. الملبن وجبة خفيفة حلوة ورائعة. وهناك أيضاً قمر الدين الذي يعتبر واحداً من إنتاجات المونة أيضاً.

أنيسة الحلو: "أعتقد أن نسب المؤن لبلد ما، في أغلب الأحيان، هو للأسف مجرّد 'ادعاء وطني'. فكلما قلّت معرفة الإنسان بتاريخ بلده، كلما اعتقد أن 'بلده' هو مصدر كل شيء"

 هناك أيضاً الخضار والأعشاب المجفّفة وأهمّها الملوخية. هناك المربى أيضاً، وهي واحدة من طرق حفظ الطعام. تعد عملية تحضير أكلات المؤن من أحلى الطقوس الصيفية، حيث تشارك العمة والأبناء والأم والأب والجميع في العمل على تحضيرها. أعتقد أن روح المجتمع في صنع أكلات المؤن أصبحت أقل بكثير الآن. ربما يعود هذا لتقلب الأوضاع التي مرت بها الدولتان. لقد غير ذلك في الطريقة التي يعيش بها الناس، ونظراً لانشغال الكثير من النساء في العمل. ولكن إذا ذهبت إلى الأماكن الصحيحة للمؤن، مثل الأماكن الحرفية والتي لا تشبه المصانع الخاصة الكبيرة، فيمكنك الحصول على جودة منزليّة الصنع تقريباً.

هناك تصور عام بأن الناس الذين يعيشون في القرية يفضلون صنع المؤن، ما تعليقك على ذلك؟

لا أعتقد أنهم يفضّلون صنع المؤن، ربما لديهم الوقت الكافي وإمكانية الوصول إلى منتجات جيدة لحفظها وتموينها وكيفية صنعها. وأعتقد أيضاً أنها فلسفة عدم هدر أي طعام أو أي شيء تزرعه يحتاج إلى الحفظ والتموين إذا لم يتم طهيه في الحال، لذلك فهو ليس تفضيلاً لاستخدام أو تناول المؤن بقدر ما هو تفضيل للحفظ وحصولهم على الوقت للقيام بذلك.

أظن أن الناس في القرى إذا لم يتمكنوا من عمل مؤنهم بأنفسهم، سيعرفون من يذهبون إليه للحصول على أفضل جودة، ومن المحتمل أن يكونوا أشخاصاً يعرفونهم أو تجاراً، مثل البقالين أو الجيران. في حين أنه في المدينة، فصنع المؤن يعتمد على المكان الذي تعيش فيه وكيف تعيش ووسائلك أيضاً، يمكنك إما الذهاب إلى السوبر ماركت حيث ستكون المؤن صناعية، ما لم يكن سوبر ماركت خاصاً بإنتاج مؤن عضوية أو متجر يُعرف كيف يتم حفظ المؤن فيه. إذن لديك تجربة مختلفة تماماً بين سكان المدن وسكان الريف.

سألنا مشاركينا عن مصدر المعلومات اللازمة لصنع المؤن. أجاب معظمهم، من والديهم، الإنترنت والكتب، أو وسائل التواصل الاجتماعي، مثل Facebook أو YouTube. هناك تنوع في المعلومات المتعلقة بإعداد المؤن اليوم، كموثّقة طعام، كيف تشعرين بالمسؤولية حول إيجاد الطرق المثلى للحصول على أفضل النتائج لتلك الأطعمة الثقافية ولحفظ هذا التراث؟

كنت سأذهب إلى المصدر والأشخاص. إلى والدتي، جدتي أو خالتي. كنت سأسأل أصدقائي عن عائلاتهم ومن يعرفون أنه خبير بصنع المؤن. الإنترنت مفيد كمرجع تبادلي، ولكن ليس كمصدر أساسي. سيكون كتاب الطبخ الجيد مصدراً أساسياً بالنسبة لي إذا كنت أحترم المؤلف وأعلم جودة عمله. الجيل الأكبر سناً دائماً الأفضل لأنهم حراس التقاليد، وهم عالمون فيها ومهتمون بها أيضاً.

لماذا تعتقدين أن الناس يميلون إلى جعل الطعام المحفوظ في الإفطار والعشاء أكثر منه في الغداء؟

هذا مثير للاهتمام، لم أفكر في المؤن من قبل لجهة الوقت التي يجب أن نأكلها بها. فمثلاً لا تؤكل المخللات، أو من النادر أن تؤكل المخللات على الفطور، حيث تُعتبر نوعاً قوياً من الطعام. لذلك يمكنك تناوله على الغداء أو العشاء مع أكلات أخرى.

المخلّلات

المكدوس شيء مختلف تأكله مع الخبز. لكن المكدوس لتناول الإفطار؟! أنا أتناوله على الفطور، لكن ليس بالضرورة، إنه ليس نوعاً من الطعام اللطيف لبدء يومك.

أنيسة الحلو: "تعجبني فكرة عدم إهدار الطعام ومحاولة حفظ الفائض من إنتاج الصيف. ومن ميزات المؤن أنّها بالإضافة إلى عدم هدر الطعام الذي تضمنه، فإنّها تخلق وصفات لذيذة جدًّا تضيف إلى المطبخ الشامي"

هذا يعتمد على نوع المؤن التي نتحدث عنها: إذا كنت تتحدث عن المربى، فإنها بالطبع ستكون طعام للإفطار أكثر من الغداء أو العشاء، ولكن يمكن أيضاً استخدامها كوجبة خفيفة مع القهوة، مثل مربى التين أو الملبن الملفوف حول الجوز، والتي يمكنك تناولها أيضاً على الإفطار. لذلك أنا شخصياً لم أفكر في الأمر حقاً. الكشك هو نوع من المؤن التي تأكل على الإفطار في المناطق الجبلية، ولكن يمكنك أيضاً تناوله على الغداء. فكما قلت يعتمد الأمر حقاً على نوع المؤن، سواء كانت أطباق جانبية مثل المخللات، أو مؤن تستعمل في الطبخ، مثل الآورما التي يمكن أن تأكلها مع البيض.

كيف تعتقدين أن الانقسام السياسي قد أدّى دوراً في الفصل بين أصول الطعام والتاريخ والثقافة؟

حسناً، أعتقد أنه فخر وطني ولا أريد أن أبدو لئيمة، لكنه أيضاً جهل. لذا كلما قلّت معرفتك بتاريخ بلدك، كلما كنت تعتقد أن "بلدي" هو مصدر كل شيء. لذا فإن الأشخاص، نوعاً ما، يلعبون دوراً وطنياً، ويرجعون ملكية أشياء معينة إلى بلادهم، فهم ليسوا على دراية كاملة بالتاريخ. لبنان لم يكن لبنان حتى عام 1942، وكان تحت حكم سوريا الكبرى والتي كانت تحت حكم العثمانيين.

على سبيل المثال، معجون الطماطم سيعود إلى جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، ولن يكون فقط في سوريا، لبنان، الأردن أو فلسطين؛ فجميع البلدان التي لديها طماطم تعتمد ببساطة على الطماطم في أطباقها. فمثلاً هنا في صقلية يصنعون معجون الطماطم عبر تجفيف العجينة تحت الشمس.

لا يغلونها كما نفعل في لبنان وسوريا، بل يجففونها في الشمس، وهي أكثر كثافة من الذي نصنعه في منطقنا. دبس العنب يعتبر تركياً وسورياً ولبنانياً. وفي الواقع، يستخدم في تركيا أكثر مما يستخدم في لبنان أو سوريا. يستخدم دبس الرمان أكثر في سوريا، لكنه لبناني.

لذلك أعتقد أن نسب المؤن لبلد ما هو ادعاء وطني، ويحتاج لأن نفكر ونعرف عنه أكثر. هناك بعض الأشياء التي تنتمي عادة لبلد معين، مثل المكدوس، لا يمكن لشخص لبناني أن يدعي أنه لبناني الأصل، ولكن الجيل الأصغر في الوقت الحالي قد يعتقد أنه لبناني كما هو سوري، ولكن إذا عدت إلى المصدر ستجد أنه سوري. لذلك في البحث والمعرفة يمكن أن تنسب المؤن بثقة إلى بلد وثقافة معينة، ويمكن أن ينسب إلى أكثر من بلد.

لماذا قد يمتنع البعض عن مشاركة أسرار صنع أكلات المونة؟

- إذا كانت النساء غير عاملات، فإن فخرهن الرئيسي الحالي هو ما ينتجنه لعائلاتهن وسبيلهن للتقدير في العائلة. قد لا يرغبن في مشاركة السر لأن هذا يجعلهن الشخص الذي يحقق أقصى استفادة مما هو عليه. إنه أمر مفهوم. من ناحية أخرى، أنا قد أستاء من هذا الأمر شخصياً، لأنه إذا كنت مثلي تعمل على الحفاظ على التقاليد، فأنت تريد الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات ووصفات جيدة بقدر المستطاع، حتى تستطيع تركها للأجيال القادمة، كما هي، دون أي عنصر واحد مفقود.

أنيسة الحلو: " من المهم جداً أن تحافظ على هويتك وثقافتك وجذورك التي أتيتَ منها. عشتُ في إنجلترا سبعة وأربعين عاماً، وما زلت أعتبر نفسي نصف لبنانية ونصف سورية"

قد أتفهم تمنّع تسريب المؤسسات التجارية لأسرارها المهنية، لأن عليهم كسب المال وهو مصدر رزقهم. لم أستطع مرة الدخول لمطبخ أحد المطاعم لأنهم لم يرغبوا في مشاركة أسرارهم معي. كان الأمر مزعجاً، لكنني تفهمت ذلك. لكن طاهية منزلية لا تشارك وصفاتها بشكل كامل أو لا تعطيك هذا السر الصغير الذي يجعل مكدوسها مختلفاً عن أي شخص آخر هو أمر محزن نوعاً ما، لأنك تحتاج إلى الحصول على هذه المعلومات إذا كنت تريد تدوينها.

مع بائع ورق العنب

الملوخية والمكدوس والكشك والمخللات والمربيات هي من الأطعمة التي يعدها الناس في كل الظروف. هل تتفقين على أن المؤن هي ضرورة يجب على الناس صنعها مهما كان الوضع؟

بالطبع وذلك لسببين، عدم إهدار أي طعام من جهة واستخدام المكونات بشكل مختلف من جهة أخرى. فعندما تصنع مربى الفراولة، فإن طعم هذا المربى يختلف تماماً عن طعم الفراولة الطازجة. وبهذا لديك نفس المكون ولكنك تستخدمه بشكل مختلف. وهي لذيذة وطازجة كما هي في المربى.

بالنسبة للكشك، إنها طريقة رائعة للحفظ، للحصول على نوع من منتجات الألبان التي لم تكن متوفرة في الأيام القديمة، لأن الحيوانات لم يكن لديها إمكانية الوصول إلى العشب الطازج، لذلك كانت منتجات الألبان أقل في الشتاء. وبالنسبة للملوخية، بدلاً من التخلص من الأوراق الطازجة الزائدة، فأنت تجففها.

النتيجة ليست نفسها، فالملوخية المجففة ليست بنفس جودة الملوخية الطازجة أو حتى المجمدة. لكن في الأيام الخوالي، لم تكن هناك مجمدات وبرادات لذلك كان عليهم التجفيف. وفي الواقع، في الحجر الصحي، لديك كل الوقت وأنت في المنزل، وإذا كانت لديك المكونات فيمكنك فعل أي شيء بها.

عندما سافرت لأول مرة إلى لندن من لبنان، ما هو نوع المونة التي حملته معك؟

لم أفعل. عندما ذهبت إلى لندن لأول مرة لم آخذ أي شيء. لم أكن أهتم حقاً بأخذ أي شيء. لم أطبخ عندما كنت صغيرة، لأنني لم أرغب في الطهي. لم أكن أرغب بذلك حتى بدأت الكتابة عن الطعام، وأصبحت مهتمة بجلب المكونات معي. وبعد ذلك، بدأت بحزم ما يمكنني إضافته في الحقيبة من البلد.

قبل أن أبدأ الكتابة عن الطعام، اعتقدت أنه من الغباء ملء الحقيبة بالطعام. وأتذكر عندما كانت أختي تعيش في ألمانيا، أرسلتني أمي إليها مع محشي، حيث وضعت الكثير من الأكل في حقيبتي لأعطيها لأختي، وظللت أخبرها: "لماذا أحتاج إلى أخذ كل هذه الأشياء معي؟".

لقد كان نوعاً من الغطرسة، حيث تعتقد أنك لا تسافر بالطعام لأنه غير أنيق للغاية، أمّا الآن فأنا أسافر كثيراً بالطعام، وأصبحت أفكر بشكل مختلف تماماً. عندما عدت المرة الأخيرة من لبنان، أحضرت كل شيء من هناك، مثل كشك الماعز والمكدوس والزيتون والبقلاوة والكرابيش. أسافر الآن بشكل مختلف تماماً عن السابق.

سألنا الناس، هل ترغبون في تعليم أطفالكم كيفية صنع المؤن؟ وحصلنا على أغلبية موافقة. وأشاروا أنها ستجعل أولادهم مستعدين لأية قضايا ملحة أو ظروف صعبة، وتجعل المؤن تراثاً يمكن المحافظة عليه وجعله مستداماً. برأيك ما مدى أهمية نقل تراث المؤن من جيل إلى آخر؟

إنه أمر مهم للغاية. لكن المشكلة ليست الاعتماد على الجيل الأكبر سناً الذي قد يكون سعيداً تماماً ومستعداً لمشاركة معرفته. إنها تعتمد على الشباب المستعدين لأخذ تلك المعرفة والعمل بناء عليها. ربما تغير هذا قليلاً في الوقت الحاضر، لأن الناس أصبحوا مهتمين أكثر بالتقاليد والحفاظ على المعرفة والتراث.

أنيسة الحلو: "هدفي الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الوصفات الأصيلة الجيدة لأتركها للأجيال القادمة"

ولكن عندما يبدأ الشباب العمل، وخاصة الفتيات، فلن يصبح لديهم الوقت الكافي للطهي، ونتيجة لذلك قد يقل اهتمامهم ووعيهم بالحفاظ على التقاليد والمؤن. مثل تجربتي، عندما كنت في العشرينيات من عمري، لم أكن أرغب في الطهي ولم أكن مهتمة على الإطلاق بفعل أي شيء له علاقة به. لقد كنت أعرف لأنني قضيت الكثير من الوقت مع والدتي وجدتي، لكنني لم أكن مهتمة بهذا الجزء من تراثي كامرأة شابة وعاملة ومتحررة. ثم وفي الواقع، أصبحت مهنتي الحفاظ على التقاليد. لذا فإن المسؤولية تقع على عاتق جيل الشباب الذي يريد الحفاظ على التقاليد أكثر من أن يكون الجيل الأكبر سناً سعيداً جداً بنقلها.

هل الأجيال الأكبر سنا مسؤولة عن جعل الأجيال الشابة أكثر اهتماماً بهذا النوع من التراث؟

نعم، هناك طرق لجعل جيل الشباب أكثر اهتماماً بذلك، بدلاً من إجباره على ذلك أو جعله واجباً، وقد يُفضل التوضيح لهم أنه جزء من ثقافتهم وتراثهم. إنهم بحاجة إلى معرفة ذلك على الأقل، أو أن يصنعوها بأنفسهم. تقع المسؤولية في هذا المجال على عاتق الاثنين، ولكن عادةً ما يكون جيل الشباب أكثر تردداً بالتعرف عليه، لأنهم قد لا ينظرون إليه على أنه جزء من ثقافتهم. إنهم ينظرون إليها فقط على أنها حياة منزلية.

كيف يمكننا جذب اهتمام الأجيال الشابة لذلك، لأن البعض منهم قد يراه كما قلت، عملاً منزلياً أو شيئاً قديماً جداً؟

علينا ان نشرح لهم أنه أكثر من مجرد مهنة منزلية، وأنهم إذا لم يحافظوا على هذه التقاليد يوماً ما، فلن يتمكنوا من استعادة هذا الذوق. لقد كتبت كل وصفات والدتي، لأني إذا لم أفعل ذلك، فربما لم أتمكن أبداً من تحضير الكبة بالصينية، على سبيل المثال، كالطريقة التي كانت تصنعها بها.

تقريباً كل الطعام اللبناني الذي أصنعه هو عملياً مثل أمي وجدتي، لكن هذا لأنني أخذت كل الوصفات، وكتبتها كلها وتعلمت منها. لذا فطريقة طرحنا لهذا الموضوع ستشجع جيل الشباب على التعلم، إن قدمناه على أنه تعليم وحفظ للتراث وأنه جزء من ثقافتنا واستمرارية لحضارتنا للأجيال القادمة، ليس لأنه "عليك أن تطبخي لزوجك". من المهم جداً الحفاظ على هذا التقليد حياً لنفسك ولأطفالك إذا كنت ستنجبين أطفالاً مستقبلاً.

لكن لماذا تعتقدين أنه يجب على الناس الحفاظ على هذا التراث؟ لماذا يجب عليهم الاحتفاظ به كما هو وحفظه؟

لأنها جزء من هويتك، إذا فكرنا في كل هؤلاء السوريين الذين نزحوا، إذا فقدوا معرفتهم وتقاليدهم، فإنهم ضاعوا نوعاً ما في بلد ليس لهم. لذا، من المهم جداً أن تحافظ على هويتك في ثقافتك وجذورك ومن أين أتيت. لقد عشت في إنجلترا منذ سبعة وأربعين عاماً، وما زلت أعتبر نفسي نصف لبنانية ونصف سورية قبل أن أفكر في نفسي كبريطانية. 

نأخذ السوريين كمثال مرة أخرى. إنها حضارة عظيمة ولديها تاريخ هائل، وفي الخارج يُنظر إليهم على أنهم لاجئون فقراء. وربما لا يُحترمون أحياناً. لكن عندما يأتي شخص ما من حضارة غنية جداً، فهذا أمر مختلف تماماً. ربما تكون الظروف قد تغيرت وقد تكون فقيراً أو مطروداً خارج بلدك، لكنك تأتي بحضارة غنية جداً تحتاج للاعتراف بها والاحتفاظ بها لنفسك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image