تتشابه الوصفات بين سورية ولبنان وتختلف بآن، عن تقاطعات المطبخين السوري واللبناني وافتراقهما، تخبرنا أنيسة الحلو في هذا الحوار.
برأيك، ما هي أوجه الشبه بين المطبخ اللبناني والسوري وما هي الفروقات بينهما؟
بمقارنة المطبخ السوري واللبناني، في المطبخ السوري تنوعات واختلافات إقليمية أكثر لأنه بلد أكبر، وهو أيضاً مثير للاهتمام كونه أقدم. فالمطبخ الحلبي مختلف تماماً عن المطبخ الدمشقي، والمطبخ الريفي ذو طابع مختلف عنهما أيضاً، فالمخبز فيه هو التنور وإن تواجد بشكل أكثر في المدن الآن. فعلى سبيل المثال، في المطبخ الحلبي مفهوم الحلو/المالح، فهم يضيفون الفاكهة وعصائرها ويطبخونها مع اللحوم مثلاً.
حلاوة الجبن في سوريا
أما في لبنان، فهم يضعون دبس الرمان كحد أقصى في مزج الطعمين الحلو والمالح. من ناحية أخرى، هناك أطباق شائعة في كلا البلدين، لكن معاملة هذه الأطباق مختلفة بينهما. لنأخذ محشي ورق عنب في سوريا، سيكون لديه المزيد من دبس الرمان على سبيل المثال وربما بعض الراتنجات المطبوخة في الحشوة، بينما في لبنان، إما أن تكون نباتية أو لحمية. بعض الأصدقاء السوريين يطبخون بصلصة الطماطم، ونحن لا نطبخها على الإطلاق. لا يمكنك جمع الطعام اللبناني والسوري في نفس القارب، لأنهما مختلفان تماماً.
لا يمكنك جمع الطعام اللبناني والسوري في نفس القارب، لأنهما مختلفان تماماً
إذا ذهبت إلى المطعم وطلبت المقبلات، على الرغم من تسميتها بنفس الاسم، لكن لمعظمها مذاق مختلف. فالمحمرة أكلة سورية وليست لبنانية مثلاً، والكبة النية لبنانية، ولكن قد يضعون عليها عجينة الفليفلة في سوريا. هناك الكثير من الأطباق المختلفة الخاصة بمنطقة أو مدينة مختلفة، لذا فإن المعاملة مختلفة، وإذا كنت تعرف كلا الطبقين فستعرف النسخة اللبنانية من النسخة السورية.
لو كنت في مطعم وأردت أن تطلبي طبقاً من الطعام اللبناني وطبقاً من الأكل السوري، فماذا تطلبين؟
في سوريا، من المحتمل أن أطلب الكباب، إما مع كبة نية أو كبة مشوية، أشياء غير عادية هناك، حتى وإن كانت موجودة أيضاً في الشمال اللبناني، ولكنها هناك ذات سحر ومذاق مختلف. أما في لبنان، سأطلب كبة بالصينية وتبولة، وهما برأيي الطبقان الوطنيان للبنان وأفضّلهما عن النسخة السورية.
أنيسة الحلو:"يمكنك فهم البلد وشعبه والتقاليد وردود الفعل والتفاعلات الاجتماعية من خلال الطعام. لذا فإن دراسات الطعام مهمة للغاية، وهناك حاجة إلى المزيد من الجهود لفهم تاريخ منشأ الطعام"
في "الغارديان"، كتبت مقطوعة قصيرة عن الآيس كريم العربي "بوظة". أنت تقولين إنك وجدت جميع المكونات في صقلية، حيث تقيمين. هل تعتقدين أن المطبخ في الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط يتقاطع مع المطبخ في الجزء الشرقي؟ كيف تؤهل ثقافة الطعام المشتركة في البحر الأبيض المتوسط؟
لا أجد كل المكوّنات في صقلية. الحليب والقشطة جيدتان هنا، وأجلب السحلب من تركيا والسكر العضوي، وأحضر الزعفران إما من إيران أو كشمير، وهما أفضل مما يزرعونه هنا. بالتأكيد لا يستخدمون المكونات بالطريقة التي أستخدمها في الآيس كريم. جاء السكر واللوز إلى صقلية مع العرب، كما أنهم يزرعون اللوز هنا ويصنعون بلسماً موسمياً، وهو نوع عربي لاستخدام السكر كمكوّن فيه. القاسم المشترك في المنتجات الموجودة في الأطباق أكثر منه في الأطباق نفسها.
باستثناء أنهم يستعملون الموالح الحلوة، كالفول السوداني أو الزبيب الموضوعين في بعض الصلصات للمعكرونة، لكنهم لا يستخدمون الأعشاب، هم يستغربون عندما أطلب البقدونس للتبولة. في المتاجر، يعطونك القليل من الأعشاب لتضعه في الحساء أو مع بعض الأطعمة، ولكنهم لا يستخدمون البقدونس بالطريقة التي نستخدمها. لا يمكنني شراء بعض المكونات إلا في موسمها وليس طوال العام، كالنعناع مثلاً، وهناك بعض المنتجات التي لا يزرعونها، كالخيار الصغير.
الكبيس في سوريا
هناك أشياء نحتاجها في أطباقنا (اللبنانية والسورية) ولا أجدها هنا. فأخيراً وجدت مورداً جيداً للحم الضأن، لأنهم يستخدمون الخروف وهو صغير جداً. فمثلاً عندما أود طبخ الكبة لا أستطيع أن أستخدم لحم خروف صغير لأن كمية اللحم لن تكفيني. لذلك أطلب من اللحام أن يحضر لي خروفاً كبيراً في العمر. أنا أصنع الآيس كريم الخاص بي لأنني أحب ذلك. أصنع سحلباً بالقشطة، والكريمة هنا تختلف عن القشطة خاصتي.
بشكل عام، أنا لا آكل الكثير من الأكلات اللبنانية والسورية هنا، على الرغم من أن لدي المكونات التي أحضرتها معي. وإذا أردت أن أطبخ بعض الأطباق، كالكبة السماقية، سأحتاج لأن أنتظر الموسم للحصول على باذنجان جيد حقاً. أنا أفضل أن أطبخ الأطباق بشكل كامل وأحب أن تكون المكونات صحيحة وطازجة قدر الإمكان.
هناك معركة سلمية مستمرة بين الثقافات للاستفادة من صنع الطعام للحصول على شرف أصل الطعام الثقافي. كيف يجب أن نحدد هوية المنشأ لأنواع الطعام؟ هل هناك أي منهجية محددة يمكن أن تساعد في هذا الأمر؟
إنه أمر صعب للغاية. لم يكن لتاريخ وعلوم الطعام قديماً أي مكانة في مجالات البحث والمراجع التاريخية الجيدة، لأن الناس لم يعتبروا الطعام كمجال دراسة. في بعض الأحيان، يمكنك تخصيص أطباق للمناطق بدلاً من البلدان. قديماً، وفي ظل الحكم العثماني، كان هناك سوريا الكبرى وجبل لبنان، وتتفرّع سوريا لدمشق وحلب والمناطق النائية في الشرق أو الغرب وغيرها. الأمر نفسه ينطبق على تركيا، فيختلف الطبخ في قونية عن إسطنبول.
خبز الصاج في سوريا
لهذا في بعض الأحيان يكون من السهل تتبّع أصل الطبق، وفي أوقات أخرى ليس الأمر بهذه السهولة. هناك الكثير من التداخلات ولكن تتزامن معها بعض الاختلافات. فالكبة على سبيل المثال تسمى كبة في لبنان وسوريا أما في تركيا فتسمى كفتة، وهم يصنعونها بشكل مختلف أيضاً؛ فليس لديهم كبة بالصينية، والكبة النية مختلفة تماماً عن نسختنا، فهم يضعون الكثير من معجون الفلفل.
الحمّص، الإسرائيليون يزعمون أنه ملكهم، واللبنانيون يزعمون أنه خاصتهم، والسوريون ليس لديهم أي رأي بالموضوع
المثال الكلاسيكي الحمّص، الإسرائيليون يزعمون أنه ملكهم، واللبنانيون يزعمون أنه خاصتهم، والسوريون ليس لديهم أي رأي بالموضوع. الحمّص في سوريا بدون ثوم، ولديهم العديد من الاختلافات أكثر مما لدينا في لبنان. يضعون الجوز لحمّص الآورما في الشمال اللبناني بدلاً من الصنوبر، ولكن في سوريا يوجد الحمّص البيروتي الذي يضيفون له الثوم والبقدونس، وليس له علاقة بالحمّص اللبناني، لأن البقدونس ليس من مكونات الحمّص، أو حمّص خوالي، حيث وضعوا شراب الرمان ومعجون الفلفل، وهو يقدم في مطعم الخوالي بدمشق وهو غير موجود في لبنان.
خبز القطايف
من يقول إن الحمص لبناني؟ إنه أمر صعب جداً. أعتقد أن حبوب الحمص نمت في مصر أولاً. بعض الأطباق يمكنك إرجاعها لبلد ما وأخرى يصعب فعل ذلك. فمثلاً، الكنافة النابلسية تسمى نابلسية لأنها تأتي من نابلس، وهي مختلفة جداً عن الكنافة التي نأكلها في دمشق في سوريا. لكنني أقول إن الكنافة العادية لبنانية أكثر منها سورية، لأنك تجدها في لبنان أكثر مما تجدها في سوريا. تجد في تركيا ما يشبه النسخة النابلسية لأنهم لا يحمّرون الشعيرية، لكنهم لا يلونونها باللون الأحمر كما يفعلون في فلسطين.
أنيسة الحلو: "هناك الكثير من المقالات المكتوبة عن الطعام الفلسطيني اليوم وهناك اهتمام بالطعام الفلسطيني، أكثر من أي وقت مضى، لأن فلسطين تختفي"
ولديك البقلاوة في لبنان كما في سوريا، لكن طريقة صنعها في سوريا أفضل وخصوصاً دمشق. والبورما التي تشتريها في سوريا أفضل من البورما التي تشتريها في لبنان. وأقول إن البرازق سورية الصنع وخاصة في دمشق، أكثر من حلب، لكن توجد في لبنان أيضاً رغم إنها ليست جيدة مثل النسخة السورية. لذلك ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال وليس من السهل تصنيف الأطباق حسب الدولة فقط. من الأسهل تصنيفها حسب المنطقة، بالنظر إلى تاريخ تلك المنطقة ثم الأمة.
في الماضي، لم يكن هناك اهتمام بتصنيف الطعام لمناطق وصنع أرشيف للأطعمة وأصولها... إلخ. هل تعتقدين أن لدينا الآن اهتماماً أكبر بتخصيص الطعام للثقافة والبلدان، والحصول على هذا النوع من الهوية الثقافية المتعلقة بالطعام؟
بالتأكيد، الطعام ثقافة. حيث يمكنك فهم البلد وشعبه والتقاليد وردود الفعل والتفاعلات الاجتماعية من خلال الطعام. لذا فإن دراسات الطعام مهمة للغاية، وهناك حاجة إلى المزيد من العمل لفهم تاريخ منشأ الطعام. أيضاً يوجد الآن خوف من فقدان تقاليد الطعام. بعد جيل أو جيلين آخرين من نزوح نصف السكان السوريين، بعض الأطباق ستصنع بشكل مختلف في كندا أو في سوريا، لأنهم لا يملكون المكونات الصحيحة، أو لا يستطيعون شراء بعض المكونات. لذلك هناك خطر فقدان بعض تقاليد الطهي ومعرفتها.
لأن الفلسطينيين هاجروا منذ 60 عاماً أو أكثر، هل تعتقدين أن ثقافتهم بدأت تتقلص قليلاً، أو لم يكن هذا هو الحال لأن الفلسطينيين عندما كانوا ينتقلون كانوا متمسكين بخلفيتهم، وكانوا يحاولون بذل قصارى جهدهم للحفاظ على تاريخهم؟
في الواقع، ما هو مثير للاهتمام في الطعام الفلسطيني، والذي يصعب تصنيفه بصرف النظر عن مجموعة معينة من الأطباق، هو أن هناك الكثير من المقالات المكتوبة عن الطعام الفلسطيني الآن، والمزيد من الاهتمام بالطعام الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، بشكل رئيسي لأن فلسطين قد تختفي، حيث أن الضفة الغربية وقطاع غزة قد يتم ضمها في نهاية المطاف في إسرائيل، وسيصبح الفلسطينيون عرباً إسرائيليين، لذلك هناك اهتمام كبير بالطعام الفلسطيني واهتمام أكبر بتصنيف الأطعمة على أنها فلسطينية.
إذا نظرت في السنوات الست الماضية، فقد صدرت عدة كتب عن الطعام الفلسطيني. لكن إذا نظرت إلى قائمة الوصفات أو الكتب، فمعظمها ستقول: آه، هذا ليس فلسطينياً، قد يكون سورياً أو لبنانياً. كتبت مقالاً عن الطعام الفلسطيني لصحيفة فاينانشيال تايمز، وقمت بالطهي مع صديقة فلسطينية مغنية، وكل شيء تطبخه كان أطباقاً لم أعرفها. إذن هناك أطباق محددة تكون فلسطينية، أردنية، سورية أو لبنانية على سبيل المثال. لذلك أعتقد أنه من المهم جداً محاولة التصنيف، ولكن بطريقة ذكية وليس بطريقة متعصبة.
هل يوجد في البلد الذي تعيشين فيه مطاعم تقدم المأكولات اللبنانية والسورية؟ لأنه، على سبيل المثال، في السعودية أو في الإمارات أو في أي دولة أخرى، قد نجد مطاعم تمثل المطبخ والثقافة السورية ومطاعم تمثل المطبخ والثقافة اللبنانية في بعض الأحيان. فهل هناك مطبخ من منطقتنا في صقلية أم أنهم غير مهتمين؟
لا، إنهم يحبون طعامهم وهذا ما لديهم. لا يوجد، ولكن ربما يكون ذلك بسبب عدم وجود مجتمع كبير بما يكفي في المدينة التي أعيش فيها، فأنا واحدة من لبنانيين اثنين فقط. يحب الإيطاليون الطعام اللبناني. دعنا نقول إني إذا قررت فتح مطعم لبناني هنا، ربما يكون لدي الكثير زبائن، لكنك لا تجد هذه المطاعم إلا حيث توجد مجتمعات كبيرة من المجتمعات الوطنية.
لذلك تجد المطاعم السورية واللبنانية في دبي، خاصة أنّ عرب الخليج يحبون الطعام اللبناني والسوري. ولكن الآن بما إنه يوجد أكثر من خمسة ملايين نازح خارج سوريا بسبب الأحداث في بلادهم، لذلك لجأ العديد من السوريين إلى الطعام ليكون مدخل رزق لهم، وهذا ساعد في اشتهار الطعام السوري في الخارج، حيث توجد مجتمعات سورية كبيرة.
هل هناك أي طبق أو مكون لم تتوقعي أن تجديه في مدينتك؟
لم أتوقع وجود العكوب هنا. أعتقد أن العكوب موجود هنا لأن مُزارع الأرض التي اشتريتها منه أذاقني إياه. لكن هناك أوقات هنا تذكرني أو تدهشني لأنها مثل لبنان أو سوريا. على سبيل المثال، الآن هو موسم الرمان، وهذا مدهش لأنه أيضاً سيكون في لبنان أو سوريا، وأنا آكلها كل يوم، ولحسن الحظ لدي صديقة لديها أشجار وقمت بأكل الرمان من أشجارها.
أنا أحب هذه الأشياء كثيراً وسبب اهتمامي هو أنها تذكرني بسوريا ولبنان بسبب موسمية الحصاد، والطريقة التي لا تزال تتم بها الأمور بالطريقة التقليدية. هذا شيء يجعلني أشعر بأنني أقرب إلى المنزل.
أنيسة الحلو: "بعد جيل أو جيلين آخرين من نزوح نصف السكان السوريين، بعض الأطباق ستصنع بشكل مختلف في كندا أو في سوريا، لأن الطبّاخين لا يملكون المكونات الصحيحة، أو لا يستطيعون شراء بعض المكونات. لذلك هناك خطر فقدان بعض تقاليد الطهي"
إذا حصلت على شجرة من سوريا ولبنان، فماذا ستكون؟
أحاول أن أزرع القشطة في أرضي وأن أزرع التين. لقد زرعت أرز لبنان ولكن كل شيء مازال صغيراً جداً. لذلك من المحتمل أن أموت قبل أن أرى أي شيء يكبر بشكل كامل. أود أن أزرع الفستق أيضاً لأنه ليس موجودا في منطقتي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.