شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
بومة بيضاء وأرز يتساقط على شعر العروس... في عشق الخرافات

بومة بيضاء وأرز يتساقط على شعر العروس... في عشق الخرافات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 ديسمبر 202003:06 م

جهّزت جوليا أغراضها، فستان الزفاف، باقة الزهور البيضاء، اختارت أيضاً تسريحة شعرها، بعد شهر واحد ستدخل "القفص الذهبي"، ستحرص على اتباع كل تقليد تعلّمته من والداتها وجدتها.

تتشوق جوليا لتعرف من هي الفتاة التي ستتمكَّن من التقاط باقة أزهارها البيضاء، إذ تكون سعيدة الحظ بالزواج لاحقاً، تضحك، وتقول: "أتمنى أن تلتقطها أختي الصغرى جمانة".

ترى جوليا سليمان (32 عاماً) أن رمي العروس بباقة الزهور يجلب الحظ السعيد، والزواج القريب للفتاة التي ستلتقطها، تقول لرصيف22: "ليست خرافة بل عادة متوارثة في سوريا، جدتي حدثتني عن فتيات دمشق، كانت الفتاة التي تلتقط أزهار العروس تتزوج بعد ذلك بأسبوع".

والدة جوليا سيدة دمشقية، تؤمن بالكثير من المعتقدات السائدة في المجتمع، لذلك أوصت ابنتها بعدم السماح لزوجها برؤية فستان الزفاف، وفساتين النوم قبل يوم الفرح، لأن ذلك يجلب الحظ السيء.

"السياسيين جابوا لنا الخراب"

تجلس غالية على شرفة منزلها في ضاحية لبنان الجنوبية، تحب احتساء القهوة صباحاً، قبل الانطلاق إلى عملها في إحدى الشركات المتخصصة بالدراسات والتوثيق، تبحث عن البومة البيضاء، التي استقرت منذ عدة سنوات في شجرة قريبة من منزلها.

تقول غالية لرصيف22: "لا أصدق كل الخرافات التي تُحاك حول البومة، إنها تسكن في هذه الشجرة منذ زمن، لم تجلب لنا الخراب"، تضحك، وتكمل حديثها: "نحنا السياسيين هني لي بجيبولنا الخراب مش البومة".

وتروي قصة حدثت في منزلها: "قمنا بتربية قطة صغيرة، كانت تموء طوال الوقت، ما دفع أمي للمطالبة بترحيلها، كانت دائماً تقول: هي البسينه بدها تجبلنا مصيبة، بعد أربع سنوات توفي والدي، فذكرتني أمي بالقطة، وقالت: قد ما نوّت البسينه مات بيّك!".

ترى غالية ضاهر التي تجاوزت الأربعين من عمرها أن الخرافات منتشرة في لبنان، منها رمي العرسان بالأرز يجلب الحياة السعيدة، تقول: "أحب هذه الخرافة، لا أعلم أصولها، لكن مشهد الأرز يتساقط على فستان العروس وشعرها يعجبني".

"كل ما حككتُ يدي اليمنى يصلني نقود بشكل مفاجئ، أحياناً في منتصف الشهر، أحب هذه الخرافة، ما دامت تجلب السعادة"

تتفق والدة حنين مع والدة غالية، فهي أيضاً تتشاءم من البومة والقطط السوداء، وتجدها سبباً للخراب والمصائب، تقول: "منذ عدة سنوات زارتنا في حيّنا وسط مدينة إربد شمال الأردن بومة سوداء، كانت تقف يومياً على أحد أعمدة الكهرباء".

أثارت البومة قلق سيدات الحيّ، من بينهنّ والدة حنين، التي قالت لها: "الله يسترنا من عمايلها"، تضحك حنين، وتقول لرصيف22: "لسوء حظ البومة توفيّ جارنا في اليوم نفسه الذي غادرت فيه حيّنا، وهذا ما أكد كلام والدتي، قالت أمي يومها: البومة عملت لي بدها إياه وراحت".

"قصتي غريبة مع الأرقام"

تعمل حنين العمري (29 عاماً) في مجال المجتمع المدني، لا تهتم بالخرافات بشكل عام، لكنها تضطر أحياناً إلى ممارسة بعض العادات، التي يجدها جميع من حولها جزءاً من ثقافتهم، منها ألّا تقوم عن مائدة الطعام بسرعة حتى لو شعرت بالشبع، لأن ذلك يعتبر إهانة لصاحبة المنزل، كأنها تقول لها: "طبخك مش طيّب".

منذ فترة قريبة، وصلت حوالة مالية باسم حنين، رغم أنها لم تكن بانتظارها، تذكرت أنها قبل وصولها بيوم واحد حكّت يدها اليمنى، تقول ضاحكة: "كل ما حككتُ يدي اليمنى يصلني نقود بشكل مفاجئ، أحياناً في منتصف الشهر، أحب هذه الخرافة، ما دامت تجلب السعادة".

أما سالي عبد الحق من فلسطين فتتمنى أن تكون عطلتها الأسبوعية يوم الثلاثاء، وتكره الأرقام الفردية، تقول لرصيف22: "لا أدري لماذا لا أحب يوم الثلاثاء، أشعر أنه سيحدث لي مصيبة في هذا اليوم، أما قصتي مع الأرقام الفردية فغريبة، رغم أنني أكرهها تظهر دوماً في حياتي، وفي مقدمتها عيد ميلادي في الشهر الخامس".

ترى سالي أن الخرافة جزء من "الموروث الشعبي الفلسطيني"، تقول: "يُعتقد في فلسطين أن العين الزرقاء تمنع الحسد، لذلك يضعها الناس على أبواب منازلهم، كنت قد وضعتها لسنوات طويلة، لكني رميتها الآن، بعد أن علمتني التجربة أن إخفاء سعادتي عن الناس وحده فقط يمنع الحسد وليس العين الزرقاء".

تبيّن سالي (وهي صحافية في مدينة رام الله) أن إسرائيل كلها قامت على مجموعة من الخرافات، تقول: "يقولون إن فلسطين أرض الميعاد، وإن الله وعدهم بهذه الأرض! هل يمكن أن يعد الله أي إنسان بشيء مادي! أرض أو منزل! إنها أكبر خرافة".

"سكب المياه خلف الضيوف"

يوم جميل قضته سارة مع عائلتها التي جاءت لزيارتها في منزلها في أربيل (تقع في إقليم كردستان العراق)، وبعدما حان وقت الرحيل، ودّعت سارة والديها، وهي تمسك بيدها دلواً ملآنَ بالماء، تسكبه بعد رحيلهم أمام باب البيت، تقول: "سكب المياه خلف الضيوف مُعتقد منتشر في العراق، عشان يكون طريقهم سهل، ويوصلوا بالسلامة إلى بغداد".

تقول سارة العقابي (30 عاماً) لرصيف22: "يعجبني أن أتبع العادات نفسها التي اتبعتها أمي، لا أؤمن بها بل أجدها جزءاً من موروثنا، يحمل بعضها قيماً جميلة تجلب التفاؤل والسعادة والحظ".

"اللون الأزرق يمنع الحسد".

تربط سارة سواراً من الخرز الأزرق حول يد ابنتها الصغرى، تضع عين زرقاء كبيرة أمام باب منزلها، تقول: "اللون الأزرق يمنع الحسد، هذه ليست خرافة بل حقيقة، لأن عين الإنسان تنجذب لقوة اللون، وتركز فيه بدلاً من تركيزها في مقصدها".

تلتزم سارة الكثير من المعتقدات الاجتماعية السائدة في العراق، فهي تحرص أن تدخل بقدمها اليمنى إلى أي مكان تزوره، لأن ذلك يجلب الخير ويزيد الأرزاق، كما تبتعد عن اللون الأسود في المناسبات السعيدة لأنه حسب قولها "فال مو زين".

صبي اسمه خرافة

في منزل بالعاصمة المصرية القاهرة، شارفت طبخة ولاء السيد على الانتهاء، بقي فقط أن تسكب الزيت والثوم فوق الملوخية، لكن قبل سكبهما تأخذ نفساً عميقاً، وتشهق، تقول لرصيف 22: "إنها عادة منتشرة لدى السيدات المصريات يشهقن قبل أن تنضج الملوخية عشان ما تبوظش الطبخة".

تقول ولاء (24 عاماً)، تعمل في مجال التصوير: "أشهق قبل ما أرمي الزيت من باب الهزار بس، وعندما تختلج عيني اليسار بتحصل دايماً حاجة مش كويسة، ولما أسيب شوية من كاسة العصير كمان بيحصل حاجة مش كويسة".

يعلق الباحث في التراث والموروث الشعبي السوري، حيدر نعيسة، لرصيف22: "كلمة خرافة جاءت نسبة إلى شخص عربي يدعى خُرافة، ينحدر من الجزيرة العربية أيام الجاهلية، يُقال إنه عايش الجن مدة من الزمن، لما عاد أخذ يروي لقومه حكايات كثيرة عما شاهده وما سمعه".

"لا أصدق كل الخرافات التي تُحاك حول البومة، إنها تسكن في هذه الشجرة منذ زمن، لم تجلب لنا الخراب"، تضحك، وتكمل حديثها: "نحنا السياسيين هني لي بجيبولنا الخراب مش البومة"

بدأ الناس ينسبون كل حديث لا يُصدّق إلى ذلك الصبي خرافة، كانوا يقولون: "حديث خرافةٍ يا أُمَ عمرو"، أما الفارق بين الخرافة والعلم، فالأخير يتكرر على الدوام بالطريقة نفسها، والنتيجة نفسها، أما الخرافة قد تَصدق وقد تَخيب، بحسب نعيسة.

يضيف نعيسة: "يتخوّف الانسان من المجهول، لذلك يحاول أن يجهّز نفسه له، أو يبيّض مسودة عنه، فيتمسك بالخرافة، كما أنه يتهيب من قادم الأيام، لذلك يحاول أن يليّن من قسوتها بخرافات تحمل بعض الأمل، وكلما ازدادت الشعوب حزناً وتعاسة تمسكت بالخرافة بشكل أكبر".

ويتابع: "عندما لا يمتلك الانسان تفسيراً علمياً لأي ظاهرة جيولوجية أو اجتماعية سيعزوها لأسباب خارجة عن الطبيعة، وقوى خارقة، خاصة الأمّهات لأن النساء يعجبهن عالم الخرافة ومعرفة المستقبل أكثر من الرجال".

البومة رمز الحكمة

هناك الكثير من الخرافات التي تورث خطأً في التفكير، كالتشاؤم من البومة، رغم أنها من خيرة الطيور، ورمز للحكمة، وطير نافع للفلاح، فهي تعيش في الليل، تصطاد الجرذان، وأكبر عدو للإنسان والمحاصيل هو القوارض لأنها تتكاثر بسرعة، لكن الناس يتشاءمون منها لأنها تعيش في الظلمة أي الخراب والضياع والمجهول.

يعود نعيسة إلى الماضي البعيد: "كان أجدادنا يتفاءلون باليمين ويتشاءمون من اليسار، إذا وجدو طيراً رموه بالحصىً فإذا سَنَحَ إلى يمينهم أكملوا رحلتهم، وإذا سَنَحَ إلى يسارهم تشاءموا، لذلك يقولون: على جناح الطائر الميمون".

"الغراب هو الطائر الذي اختاره الله ليعلم بني آدم دفن موتاهم".

أما عن الغراب بحسب الموروث الديني، فهو الطائر الذي اختاره الله ليعلم بني آدم دفن موتاهم، إلا أن الناس ما زالوا يتشاءمون منه، يقول نعيسة: "بعث الله تعالى إلى قابيل غرابين يتشاجران، فقتل أحدهما الآخر، ثم قام بحفر حفرةٍ في الأرض، ووضع الغراب الميّت فيها، وبذلك تعلّم قابيل كيف يدفن أخاه هابيل".

يتفاءل العرب برؤية الحمامة لسبب يعود للموروث الديني، تحديداً لما روي عن النبي نوح، بحسب الباحث السوري، عندما أرسل نوح حمامة بيضاء لتخبره ماذا حل بالأرض بعد الطوفان، عادت تحمل في فمها غصن زيتون، لذلك يتفاءل الناس برؤية الحمامة، ويعتبرونها رمزاً للسلام وبقاء البشرية.

يختم حيدر نعيسة: "نحن شعوب شرقية، قصصنا مليئة بالخرافات، نميل لهذه العوالم لتمسكنا بماضينا وموروثنا، الذي يحمل في طياته بعض الطمأنينة، لكنه يورث في الوقت ذاته بعض المعتقدات الخاطئة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard