ذكر تقرير حقوقي جديد أن الحكومات والشركات الكبرى في عدد من دول الخليج العربية "مذنبةً" بـ"التمييز العنصري" و"سوء المعاملة" مع العمال الأجانب الموجودين على أراضيها خلال جائحة فيروس كورونا على نحو بلغ في آلاف الحالات "العمل القسري والعبودية الحديثة".
استناداً إلى شهادات نحو 200 من العمال المهاجرين في السعودية والإمارات وقطر، قالت منظمة "Equidem" المعنية بحقوق الإنسان، لا سيما القوى العاملة، إن الواقع على الأرض بالنسبة للعمالة الوافدة "مختلف تماماً عن التطلعات النبيلة" والتعهدات التي تقطعها هذه البلدان على نفسها.
وأضافت: "كانت الحكومات والشركات في السعودية والإمارات، وبدرجة أقل في قطر، مذنبةً بالتمييز العنصري في استجابتها لوباء كوفيد-19، إذ كانت تتصرف بسرعة لتوفير المزايا المالية وغيرها من الفوائد للأعمال التجارية والمواطنين المحليين، وتركت الآلاف من العمال المهاجرين في حالة فقر وتعطل عن العمل، وفي بعض الحالات، يواجهون الموت، والخطر الدائم للإصابة بفيروس قاتل".
على الرغم من أن العمال الوافدين يمثلون العمود الفقري في البلدان الثلاثة المشمولة، إذ يبلغ عددهم نحو 24 مليوناً، نبهت المنظمة إلى أنهم يظلون على الهامش، حيث يتعرضون للتمييز وسوء المعاملة والآن لجائحة مميتة، بحسب التقرير المعنون: "تكلفة العدوى: الآثار الحقوقية لكوفيد-19 على العمال المهاجرين في دول الخليج"، والذي يقع في 57 صفحة.
"لم أتسلم راتبي منذ آذار/ مارس الماضي. ولا نحصل على بدل للطعام أيضاً. علينا أن ننتظر الجمعيات الخيرية للحصول على الطعام، وأحياناً نجمع ما يكفي من المال لشراء بعض العناصر الأساسية للطهو. في بعض الليالي أذهب إلى الفراش جائعاً. كان مفترضاً أن يدفع أصحاب العمل بدل الإيجار لنا لكنهم لا يدفعون بانتظام. جئت إلى هنا للعمل من أجل عائلتي، وليس لأكون متسولاً يعيش وحيداً"، قال آرول، عامل نظافة في الدوحة.
الآلاف أُجبروا على "العمل القسري والعبودية الحديثة"... تقرير حقوقي يبرز آثاراً اجتماعية ونفسية واقتصادية هائلة على العمال الأجانب في الخليج في ظل الجائحة، أحدهم حذّر: افعلوا شيئاً من أجلنا أو سترسلون جثثنا إلى أوطاننا
كيانات كبيرة متورطة
الانتهاكات التي رصدتها المنظمة، والمتمثلة في خفض أو عدم دفع الأجور والاستغلال بإجبار العمال على ساعات عمل إضافية غير مدفوعة أو إجازات غير مدفوعة الأجر وغيرها تكررت في البلدان الثلاث حتى مع المشتغلين في كيانات كبرى بما في ذلك شركات عاملة على مشاريع البناء المتعلقة بكأس العالم 2022 في قطر وإكسبو دبي وشركة أرامكو السعودية.
اعتبر التقرير أن "عدم كفاية المراقبة من قبل سلطات الدولة" كان سبباً رئيسياً في وقوع هذه الانتهاكات وتكرارها، علاوةً على "إضعاف تدابير حماية العمال" و"الإخفاق في تطبيق القوانين والبرامج" ذات الصلة، لافتةً إلى وقوع حالات ترقى إلى التمييز أو العبودية الحديثة أو العمل القسري لآلاف العمال الأجانب.
على سبيل المثال، قال 15 عاملاً وافداً يعملون لحساب ست شركات مقاولة من الباطن لحساب أرامكو، عملاقة النفط والغاز السعودية وثانية كبرى شركات العالم، إنهم لم يتقاضوا رواتبهم المستحقة قبل تفشي الوباء في المملكة وخلاله.
ذكر رابندرا، يعمل لدى مقاول من الباطن لأرامكو في الدمام: " صاحب العمل لم يدفع لي أجراً منذ آذار/ مارس الماضي. قيل لنا إننا سنتقاضى 50% من رواتبنا، لكننا لم نتلق أي شيء بعد".
أما في دبي، فأُعيد الآلاف من عمال شركات معرض إكسبو دبي إلى بلدانهم، في حين تُركت البقية في معسكرات سكن مزدحمة وبدون أجور.
"هناك 3000 عامل في المخيم الذي أعيش فيه. يحتوي كل طابق على مطبخ ومرحاض يتشاركهما نحو 80 شخصاً. يزدحمان كثيراً. في الصباح، ننتظر في طوابير لاستخدام الحمام. لا توجد طريقة يمكننا بها الحفاظ على التباعد الاجتماعي في مثل هذه المساحة الصغيرة"، قال غوفندا، دهّان يعمل في دبي.
"الحكومات والشركات في السعودية والإمارات، وبدرجة أقل في قطر، مدانة بالتمييز العنصري في استجابتها لوباء كوفيد-19؛ كانت تتصرف بسرعة لتوفير المزايا المالية وغيرها لمواطنيها، وتركت آلاف العمال المهاجرين في فقر. أحياناً يواجهون الموت، ودائماً خطر الإصابة بفيروس مميت"
آثار نفسية واجتماعية شديدة
سلّط التقرير الضوء على الآثار الاجتماعية والنفسية الخطيرة التي ترتبت على مكافحة العمال الأجانب لأجل البقاء في ظل الجائحة. وحددت منها انعدام الأمن والتوتر بشكل كبير، والاكتئاب، والتفكير في الانتحار.
"لا أحد يعرف حجم الضرر النفسي الذي سببته لنا هذه الحالة (الجائحة). هناك فرصة قوية جداً لأن يلجأ العديد من العمال إلى الانتحار. يجب على الحكومة أن تفعل شيئاً من أجلنا. إما هذا أو سيتعيّن عليها إرسال جثثنا إلى الوطن"، حذّر بلال، عامل بناء في دبي.
أوضح التقرير أنه بينما تُرك آلاف العمال المهاجرين يصارعون فقراً وقلقاً شديدين إزاء عدم صرف مستحقاتهم، كان الاعتداء والطرد عقاب من يطالب بحقه منهم في بعض الأحيان.
"عندما نطلب مستحقاتنا، نتعرض للضرب. هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها العاملون في الشركة للإيذاء الجسدي. يجعلوننا نعمل ساعات إضافية دون دفع مقابل. كل من يرفض العمل يتعرض للضرب. هرب العديد من العمال من الشركة. قال لي عامل في الشركة إنه تعرض للضرب من قبل المشرف كثيراً. كلنا خائفون من تقديم شكوى لأننا بعد ذلك سوف نتعرض للضرب أكثر. أريد فقط الحصول على مستحقاتي والعودة إلى المنزل"، أوضح بارث، عامل بناء في السعودية، لم يتقاضَ هو وزملاؤه أجورهم منذ خمسة أشهر.
"جئت إلى هنا للعمل من أجل عائلتي، وليس لأكون متسولاً ووحيداً"... بينما تُرك آلاف العمال المهاجرين يصارعون فقراً وقلقاً شديدين، لعدم صرف مستحقاتهم، كان الاعتداء والطرد عقاب من يطالب بحقه
"في 26 آذار/ مارس الماضي، إبّان الإغلاق، أصبت بحمى شديدة. أرسلت زميل عملٍ إلى المدير لإخباره بشأن مرضي. لكن لم يأت أحد لرؤيتي بعد مرور يومين. ثم ذهبت بنفسي إلى مكتب المدير. وبخني قائلاً: ‘لماذا أتيت إلى هنا؟‘، مستطرداً بعدها بلغة أخرى لم أفهمها. عقب ذلك، أمسك بيدي شخص آخر وحاول سحبي خارج المكتب، وصفعني شخص ثالث، قبل أن يبدأ آخرون بضربي. ضربني أحدهم على رأسي بعصا. كان رأسي ينزف"، ذكر عامل بناء في قطر.
ما السبيل إلى وقف الانتهاكات؟
رغم كل ما سبق، أقرت المنظمة بالخطوات الإيجابية التي أقرتها الحكومات الثلاث لأجل تحسين وضع العمال الأجانب بما في ذلك تقديم رعاية صحية مجانية لهم بغض النظر عما إذا كانت إقامتهم قانونية أو لا. كذلك انتقدت بعض الممارسات الرسمية مثل حظر المشاركة النقابية على العمال المهاجرين، وهذا ما يؤدي إلى غياب عنصر حاسم في حل النزاعات العمالية أو تطوير سوق عمل احترافي متوافق مع الحقوق.
وطرح التقرير بعض الحلول لمعاناة العمال الأجانب في الخليج على هيئة توصيات. أولها، وضع حد للتمييز العنصري ضد العمال المهاجرين عن طريق توفير نفس ظروف العمل والرواتب والمزايا المالية والمعنوية وأشكال الحماية للجميع بغض النظر عن جنسيتهم أو جنسهم أو أي تفاصيل أخرى تتعلق بهوياتهم.
يقترح التقرير الحقوقي فتح باب التجنيس أمام العمال الأجانب باعتباره سبيل إلى إنهاء جميع أشكال التمييز ضدهم في الأجور والرعاية الصحية والحماية والامتيازات الأخرى
من الحلول المقترحة لإنهاء التمييز ضد هذه العمالة المواطنة عبر فتح باب التجنيس أمامهم، جنباً إلى جنب مع تعديل القوانين والمباديء التوجيهية الخاصة بحماية الأفراد ومنحهم امتيازات في مجال التعليم والصحة ليتساوى الجميع بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو مكانتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو لونهم إلخ.
ينبغي أيضاً النظر في تدابير حماية العمال والقوانين الأخرى التي قد تُلزم الحكومات والشركات احترام حقوق العمال المهاجرين، واستحداث آليات لمنح معاشات تقاعد لهذه الفئة من العمال، مع تقديم الدعم النفسي لهم وتسهيل سبل تقدمهم بالشكاوى المتعلقة بظروف العمل وانتهاكات حقوقهم.
وحث التقرير دول الخليج على التعاون مع المراقبين الدوليين والسماح لهم بالتواصل المباشر مع العمال الأجانب للوقوف على أوضاعهم وتقديم المشورة لتحسين بيئة العمل بما يعود بالإيجاب على كفاءة العمل والإنتاجية.
في غضون ذلك، أوصى التقرير الشركات العاملة في دول الخليج باحترام حقوق العمال والتزام آليات شفافة للكشف عن الانتهاكات والتعامل معها بالاستعانة بخبراء حقوق الإنسان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع