خلال ندوة افتراضية، مساء 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت نتائج أول دراسة من نوعها لتقييم احتياجات العابرات/ ين جنسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لافتةً إلى تاريخ طويل من التمييز والعنف القائم على النوع الذي ما زالت هذه الفئة من مجتمع الميم عين تعانيه.
الدراسة التي أطلقت بعنوان "مرايتي" اختارت هذا الاسم في إشارة إلى ما تمثله المرآة لمجتمع العابرات/ ين وغير النمطيات/ ين، في ما يتعلق بـ"العلاقة المعقدة بين النفس والجسد". أوضحت الدراسة: "نختبر الكراهية نحو المرآة، هي ذاتها التي ننمو لنحب عندما نجد السلام مع أنفسنا وننمو ونتطور. ترافقنا المرآة أيضاً في درب رحلتنا عندما نشاهد ونترقب التغييرات والندبات والتحولات التي تجعلنا كاملات/ين".
أجرت شبكة M.COALITION والبرنامج الصحي في المؤسّسة العربية للحريات والمساواة (AFE) هذه الدراسة بهدف تقييم احتياجات العابرات/ ين ووضعهن/ م على صعيد مجموعة مختارة من 11 بلداً عربياً: المغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان ولبنان وسوريا والأردن والعراق وفلسطين والكويت.
بين نيسان/ أبريل وأيار/ مايو من العام الجاري، طرح على أفراد العينة العشوائية، التي روعي فيها التنوع من حيث الفئة العمرية والخلفية الاجتماعية والاقتصادية، 95 سؤالاً تركز على الاحتياجات المتنوعة لمجتمع العابرات/ ين قدر الإمكان.
"نتائج مقلقة تستدعي اهتماماً طارئاً"... أول دراسة شاملة لتقييم احتياجات العابرات/ ين جنسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكشف عن معدلات كبيرة من العنف القائم على النوع والنقص الشديد في الحقوق والاحتياجات الأساسية
استجاب للدراسة 185 عابر/ ة، غالبيتهم (83%) في خمس بلدان هي مصر وتونس ولبنان والجزائر والمغرب. القسط الأكبر من أفراد العينة (30.4%) من الفئة العمرية (21 -25 عاماً) تلتها الفئة العمرية (26 -30 عاماً) بنسبة 25.5%.
من حيث الجنس عند الميلاد، كان 73.5% من الذكور، مقابل 23.8% ولدوا إناثاً. وأكد 75% أنهم عازبون أو لم يتزوجوا البتة. اللافت أن 51% أوضحوا أنهم مستمرون في العيش مع أسرهم، و87.6% قالوا إنهم مواطنون شرعيون في بلدانهم.
التمييز والعنف القائم على النوع
لم تكن النتائج صادمة بطبيعتها نظراً للتاريخ الطويل من "النبذ الاجتماعي والتمييز والعزلة والملاحقات الشرطية والاجتماعية" ضد أفراد مجتمع الميم عين في المنطقة، بما في ذلك العابرات/ ون. كان الصادم بعض الشيء هو النسب التي تشير إلى التمييز والعنف القائم على أساس النوع الجندري لهذه الفئة في المنطقة.
أفاد 87% (157 من أصل 181) بأنهم تعرضوا للتحرش على أساس نوعهم. كان المتحرش غالباً شخصاً غريباً في الشارع. وغلبت الإساءات اللفظية (109 من 157) ثم النفسية (74 شخصاً) ثم الجسدية (54 شخصاً). علماً أن نسبة "صارخة" -36%- تعرضت للعنف المذكور بأنواعه الثلاثة.
تقاربت إجابات أكثرية أفراد العينة في ما خص المشكلات العقلية ونقاط الضعف ذات الصلة بتعاطي المخدرات، لتشابه معاناتهم. أقرت الأكثرية بتعاطي صنف واحد من المواد المخدرة على الأقل مقابل تعاطي 16% أكثر من نوع من المخدرات. فيما تناول نحو 60% الكحول، تعاطى قرابة الـ35% المخدرات، ومارس الجميع تقريباً التدخين.
ولفت المستجيبون إلى معاناتهم نوبات حزن وقلق واختبارهم المزاج السيىء والمتقلب وصولاً إلى صعوبات النوم والتركيز وبعض الأفكار الانتحارية والرغبة في إيذاء الذات.
وخلصت الدراسة -في هذا الصدد- إلى أن النتائج "ليست مقلقة فحسب، بل تتطلب اهتماماً طارئاً بغية تعزيز الجهود المبذولة من أجل صحة المجتمع العامة ورفاهيته".
87% من العابرات/ ين يتعرضون للعنف بسبب هويتهم الجندرية، غالباً في الشارع من غرباء. 29.2% فقط كانوا يخضعون للعلاج الهرموني أثناء فترة الدراسة رغم أنه احتياج أساسي لهذه الفئة
العلاقة مع المحيطين
أبلغ المشاركون عن تباينات مختلفة متعلقة بحقوق الإنسان الأساسية والاحتياجات، بما في ذلك تدني مستويي التعليم والدخل والافتقار إلى السكن والمأوى من بين العديد من الأمور.
لفتت غالبية المستجيبين إلى أن العلاقة مع الأهل والشركاء كانت سيئة بدرجات متفاوتة؛ 28.1% وصفوها بأنها "سيئة"، و19.5% اعتبروها "رهيبة" و21.7% "غير معقولة".
قلة من العابرات/ ين -8.9%- قالت إن العلاقة مع الإخوة والأخوات "جداً رائعة". وتحدث 14.5 عن "علاقة جيدة". علماً أن 63% أوضحوا أنهم لم يخفوا هويتهم الجندرية عن ذويهم.
في سياق المستوى المعيشي، قال 70% إنهم ليس لديهم أي مصدر دخل، في حين 30% أشاروا إلى تأديتهم بعض الأعمال. ويعتمد 84.2% على دخل شهري يراوح بين (0-500 دولار أمريكي)، ويجني 12.3% بين (501- 1000 دولار أمريكي) شهرياً.
في غضون ذلك، لم يعبر 60% عن هويتهم الجندرية في أماكن العمل، ورأى 41% أن تعبيرهم هذا لم يكن ليلقى ترحيباً ولا نفوراً. وفيما أشار 10% إلى تقبلهم في مقار عملهم و8% إلى عدم تقبل مطلق، تحدثت نسب متفاوتة عن تقبل/ عدم تقبل مع استثناءات.
35% بينوا أنهم تعرضوا بسبب هويتهم الجندرية لـ"الاعتقال أو التوقيف أو المحاكمة القانونية"، وذلك بنسب متفاوتة في كل بلد؛ كانت أدناها في المغرب 17%، وأعلاها في الكويت وفلسطين بـ100%. من بين هؤلاء، أكد أكثر من 29% تعرضهم للتحرش في أماكن الاحتجاز.
وبدا الحصول على مستندات قانونية مهمةً صعبة لدى غالبية المستجيبين إذ أقر 90% منهم بهذه الصعوبة بينما تحدث 10% عن استحالة في الحصول على مثل هذه المستندات التي تشمل الهوية وجواز السفر والأوراق المصرفية إلخ.
بلغ الأمر بنحو 30% أن اضطروا إلى تغيير مظهرهم المعتاد للحصول على مثل هذه المستندات. ورغم أن نحو 20% قالوا إن الحصول على هذه المستندات "سهل نسبياً" لفت بعضهم إلى القيام بإرسال شخص آخر أحياناً بديلاً منهم.
يرمز اسم الدراسة، مرايتي، إلى ما تمثله المرآة لمجتمع العابرات/ ين من حيث "العلاقة المعقدة بين النفس والجسد" و"اختبار الكراهية نحو المرآة نفسها التي ترافقهن/ م أيضاً في درب الرحلة مع مراقبة التغييرات والندبات والتحولات التي تجعلهن/ م كاملات/ين"
السلوك الجنسي والصحي
أبلغ أكثر من 69% عن ممارسة أنشطة جنسية مع رجال متوافقين جنسياً عادةً. وقال 29.2% إنهم يمارسون الجنس مع عابر، و20.8% مع نساء متوافقات جنسياً، و9.2% مع عابرة.
أشار أيضاً 8.3% إلى إقامتهم علاقات جنسية مع رجال ونساء متوافقي/ ات الجنس على السواء، بينما 5.8% قاموا بذلك بانتظام مع عابرات/ ين.
في الوقت ذاته، كان 10.3% لا يمارسون الجنس بأي حال.
بشأن الوعي بفيروس نقص المناعة البشرية والعدوى المنقولة جنسياً، كان 38% فقط يدركون أهمية استخدام الواقي الذكري بطريقة منتظمة وصحيحة للوقاية من أي عدوى جنسية محتملة.
رغم وعي هؤلاء بأهميته، قال 16% منهم إنهم لا يستخدمون الواقي أبداً، فيما 35% منهم يستخدمونه أحياناً.
ولم يجرِ 60% من المستجيبين فحص فيروس نقص المناعة البشرية من قبل.
تشابهت إجابات غالبية المستجيبين نظراً لتشابه ظروف النبذ الاجتماعي والتمييز والعزلة والملاحقات الشرطية والاجتماعية والقيود القانونية والسياسية ضد أفراد مجتمع الميم عين في دول المنطقة بما في ذلك العابرات/ون
وفيما تشكل إمكانية الحصول على الخدمات المتعلقة بالعبور الجنسي كالعلاج الهرموني إحدى الخدمات الأساسية للعابرات/ ين حول العالم، قال 29.2% إنهم خضعوا لعلاج هرموني في فترة الدراسة. أشار آخرون إلى خضوعهم له في فترة سابقة قبل التوقف.
تبين أن 65.2% كانوا يحصلون على الهرمونات من السوبرماركت وليس بناءً على وصفة طبيب.
علاوةً على عدم توافر منشآت تؤمن خدمات صحية شاملة أو معينة للعابرين/ ات، لا سيما في ما خص فيروس نقص المناعة والأمراض المنقولة جنسياً الأخرى، تبين أن الحصول على مثل هذه الخدمات من أهم أسباب انخفاض السلوك الصحي.
"مقاربة إقليمية للعبور الجندري والجنسي"
في الإجمال، حذرت الدراسة من انتشار "كبير" لفيروس نقص المناعة في أوساط العابرات/ ين في المنطقة بشكل يتخطى معدلات الإصابة في صفوف السكان عامةً.
وحثت على تلبية احتياجات هذه الفئة من السكان وتأمين الرعاية الصحية اللازمة لها والتعامل مع القيود القانونية والسياسية التي تقوض استفادتها من أية برامج وطنية ذات صلة.
كما نبهت إلى أن عدم التقبل الأسري والمجتمعي لا يقتصر على فرض قيود على التعبير عن الهوية فحسب، وإنما يعد السبب في تفشي العنف من قبل الذين يمارسون التمييز. وشددت على الأثر السلبي للمستويات المرتفعة من الوصم بالعار والتمييز والحرمان من الخدمات على مجتمع العابرات/ ين.
ودعت الدراسة في الختام إلى "إتباع مقاربة إقليمية للتعامل مع العبور الجندري والآخر الجنسي لجهة الحقوق والصحة تحديداً" لمجتمع الميم عين، إذ اعتبرته أمراً ممكناً بفضل العوامل الكثيرة التي تربط بلدان المنطقة، بما في ذلك التشابه في أنماط انتشار فيروس نقص المناعة البشرية والإستراتيجيات الوطنية والقوانين القامعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...