قبل أكثر من ثلاثة أشهر، تجوّل عملاء إسرائيليون في شوارع العاصمة الإيرانية، طهران، وقتلوا الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري بالرصاص.
أفادت بذلك صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلاً عن مسؤولين استخباراتيين، مبرزةً أن العملاء الإسرائيليين الذين نفذوا العملية في آب/ أغسطس الماضي، كانوا يأتمرون بأمر الولايات المتحدة.
ويُعتقد أن المصري وهو أحد مؤسسي التنظيم كان "الخليفة المحتمل" لأيمن الظواهري، الزعيم الحالي للتنظيم المتطرف، وكان من بين قادة التنظيم القلائل الذين نجحوا في الإفلات من استهداف أمريكا لهم عقب هجمات عام 2001.
ثأر في ذكرى الهجمات
في حين لفتت "نيويورك تايمز" إلى أن دور واشنطن في العملية ليس واضحاً في مقتل القيادي الجهادي المولود بمصر، وذكرت أن السلطات الأمريكية كانت تتعقب المصري وغيره من أعضاء تنظيم القاعدة الطلقاء في إيران منذ سنوات.
أمريكا لا تنسى ثأرها ولا تتحرك من فراغ. في الذكرى السنوية للهجمات على سفارتين لها في أفريقيا، قتلت عبر عملاء لإسرائيل في طهران الرجل الثاني في القاعدة المتهم بالتخطيط لهذه الهجمات بعد نحو ربع قرن من تنفيذها
وكان مكتب التحقيقات الفدرالي قد رصد 10 ملايين دولار لمن يرشد أو يساعد في الوصول إلى المصري الذي أدت الهجمات المتهم بالضلوع فيها إلى مقتل 224 شخصاً وإصابة المئات.
لم يكن المصري وحيداً حين قتل بل قتلت معه ابنته مريم، أرملة حمزة نجل أسامة بن لادن الذي قُتل هو الآخر في عملية أمريكية أيضاً العام الماضي.
وكانت واشنطن قد قتلت الزعيم السابق للقاعدة أسامة بن لادن، الذي اتهم بتدبير هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة، في غارة أمريكية على باكستان عام 2011.
وذكر مسؤولو استخبارات أمريكيون للصحيفة أن المصري كان رهن الاحتجاز في إيران منذ عام 2003، لكنه كان يعيش بحرية في ضاحية راقية بطهران منذ 2015.
ونوهت الصحيفة الأمريكية بأن مسؤولي مكافحة الإرهاب يعتقدون أن إيران ربما سمحت له بالعيش هناك لإجراء عمليات ضد أهداف أمريكية في ظل علاقة العداء المتصاعدة التوتر بين البلدين.
لبناني وابنته...
ويعد أمراً مثيراً للدهشة أن تؤوي إيران المصري، نظراً إلى العداء -المفترض- بين إيران والقاعدة؛ فإيران، وهي دولة دينية شيعية، والقاعدة، وهي جماعة جهادية سنية، تتقاتلان في ساحات القتال في العراق وأماكن أخرى.
لكن الدهشة تقل بالإشارة إلى دعم إيران مقاتلين سنة في جماعات عدة، منها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) والجهاد الإسلامي الفلسطيني وطالبان.
حين اغتيل القيادي في القاعدة بطهران، قالت وسائل إعلام إيرانية إن الضحية أستاذ تاريخ لبناني ينتمي إلى حزب الله، وابنته. الحقيقة، كان أبو محمد المصري وابنته مريم أرملة حمزة نجل أسامة بن لادن... وجميعهم قتلوا في هجمات أمريكية
وفي إحدى الليالي الصيفية الدافئة، أطلقت خمس رصاصات على المصري الذي كان يقود سيارته البيضاء رينو L90 مع ابنته قرب منزله. دخلت أربع رصاصات السيارة من جهة السائق وأصابت خامسة سيارة قريبة.
عقب انتشار نبأ إطلاق النار، زعمت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن الضحيتين هما حبيب داوود، أستاذ تاريخ لبناني، وابنته مريم البالغة من العمر 27 عاماً. ونقلت وسائل إعلام لبنانية آنذاك أن داود كان عضواً في حزب الله اللبناني الشيعي المدعوم من إيران.
بدت الرواية معقولة في البداية. قتل على يد مسلحين على دراجة بخارية على نحو يناسب طريقة الاغتيالات الإسرائيلية السابقة لعلماء نوويين إيرانيين. لاحقاً، ظهر أن قيام إسرائيل بقتل مسؤول في حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل، أمر منطقي أيضاً، باستثناء أن إسرائيل كانت في تلك الفترة تتجنب عن قصد قتل عناصر حزب الله حتى لا تثير الحرب.
لكن الحقيقة أنه لم يكن هناك "حبيب داوود". قال عدد من اللبنانيين المقربين من إيران إنهم لم يسمعوا به أو بقتله. وقال باحث تربوي لديه إمكانية الوصول إلى قوائم جميع أساتذة التاريخ في البلاد إنه لا يوجد سجل بهذا الاسم.
وأوضح أحد مسؤولي المخابرات الأمريكية أن حبيب داوود كان "اسماً مستعاراً" أعطاه المسؤولون الإيرانيون للمصري، وأن وظيفة تدريس التاريخ كانت لغرض التغطية.
ربما هدفت إيران من ذلك إلى إخفاء إيوائها عدواً صريحاً.
"يفتت مركزية القاعدة"... ما تأثير مقتل أحد آخر القادة المؤسسين للقاعدة على استمرارية هجمات التنظيم المتطرف؟ ولماذا لم ينعه التنظيم أو "يزفه شهيداً" حتى الآن؟
أي تأثير على التنظيم؟
ولم يعرف على الفور أي تأثير شكّله موت المصري على أنشطة القاعدة، إذا حصل فعلاً. لكن التنظيم استمر في تنفيذ هجمات رغم مقتل كبار قادته على نحو عقدين من الزمن. وينشط التنظيم في الشرق الأوسط وأفغانستان وغرب أفريقيا.
مع ذلك، رأى بعض المحللين الأمريكيين أن وفاة المصري قد تقطع الصلات بين آخر قادة القاعدة المؤسسين والجيل الحالي من المتشددين الإسلاميين، الذين انضموا عقب مقتل أسامة بن لادن.
قال نيكولاس ج. راسموسن، المدير السابق للمركز الأمريكي الوطني لمكافحة الإرهاب: "إذا كان هذا صحيحاً (مقتله)، فإنه يقطع الروابط بين القاعدة القديمة والجهاد الحديث"، مضيفاً "إنه يساهم في تفتيت حركة القاعدة".
وبينما نُفذت العملية في إطار عالم من المؤامرات الجيوسياسية وعمليات التجسس لمكافحة الإرهاب، ظلت وفاة المصري "شائعة" لم يؤكدها أو تنفِها أي جهة مزعوم تورطها، إسرائيل أو إيران أو الولايات المتحدة أو حتى التنظيم نفسه الذي عادةً ما "يزُف" القتلى من قادته "شهداء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين