شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
في بيتنا ديكتاتور... رحل ترامب وبقوا جميعاً

في بيتنا ديكتاتور... رحل ترامب وبقوا جميعاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 11 نوفمبر 202012:01 م

يمكننا أن نتخيّل أنه في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تتحضّر لتنفض عن نفسها حقبة دونالد ترامب وتفتتح صفحة جديدة من تاريخها، كان بعض الحكام العرب لا يتوقفون عن الدعاء والصلاة لاستمرار نهج وحكم "القائد".

ما أجملها من صفة: "الرئيس السابق". هذه الصفة تفتقدها معظم البلدان العربية المبتلية بمجموعة من الحكام الذين يمسكون زمام السلطة ويرفضون رفضاً قاطعاً أي تنازل عن أي صلاحية يمتلكونها، لا بل يرغبون في المزيد والمزيد، وكأنّ إفقار شعوب المنطقة وتحويل بلدانها إلى سجون كبيرة ليس كافياً.

حالياً، لا يزال ترامب يعيش حالة نكران، فهو لا يعترف بهزيمته ولن يستسلم بسهولة. ولكن هيهات أن يستفرد بالحكم ويعدّل الدستور، فهو في النهاية في الولايات المتحدة.

ولكن ماذا لو كان يحكم دولة شرق أوسطية؟ لنتخيل يده تلوّح لمناصريه الذين يجوبون شوارع الولايات المتحدة ويهتفون: بالروح بالدم نفديك يا ترامب.

لو كان ترامب يحكم دولة شرق أوسطية، ربما كنا سنشاهد صورته تضيء "برج ترامب" الضخم في دبي، أو معكوسة على أحد الأهرامات، وربما كانت ستُعَلّق على جدار "مكتبة ترامب" في وسط العاصمة السورية.

يمكن القول عن دونالد ترامب إنه ديكتاتور، فهو يملك كل الصفات التي تؤهله ليكون ديكتاتوراً من طراز عيدي أمين أو أنور خوجة أو حتى بوكاسا. ما يحتاجه فقط هو دولة عالم ثالث. كان ليعيش هو وسلالته لعقود يحكمون ويعيثون فساداً في الأرض، وتصفّق له الجماهير. فالديكتاتور إيديولوجيا بحد ذاتها يموت كثيرون في سبيلها، وهو طائفة ونبيّ تُقطع الأعناق من أجله. بقي سكان ألبانيا يزورون زوجة أنور خوجة في زنزانتها لسنوات بعد وفاة زوجها للتبرك منها.

"ما أجملها من صفة: ‘الرئيس السابق’. هذه الصفة تفتقدها معظم البلدان العربية المبتلية بمجموعة حكام يمسكون زمام السلطة ويرفضون أي تنازل عن أي صلاحية يمتلكونها، لا بل يرغبون في المزيد والمزيد، وكأنّ إفقار شعوب المنطقة وتحويل بلدانها إلى سجون كبيرة ليس كافياً"

لو كان ترامب حاكماً لدولة عربية، لكان ابنه دونالد جونيور فارساً ذهبياً بطلاً مظلياً ومهندساً لا يعلو عليه أحد، ولكان حقق السيناريو الذي يحلم به كل زعيم عربي مرّ على جغرافيتنا المشؤومة: كرسي لا يهتز وعائلة تلتف حوله وتشاركه الصور والمناسبات، وتقف على شرفة القصر تلوّح للناس من علياء وهم على أرصفة الوطن يسيرون جماعات ويهتفون بحياة القائد.

لنتخيل مطبّلي الإعلام العربي وهم يكيلون المديح لـ"سوريا ترامب" بدلاً من "سوريا الأسد"، ولـ"عراق أبو إيفانكا" بدلاً من "عراق أبو عدي". كانت التلفزيونات الحكومية ستعرض صورته فوق علم البلاد، وسيغني له كبار المطربيين "حماك الله يا ترامب"، وسيدعو له شيوخ السلطان بطول العمر وسيكفّرون مَن يخرج عن طاعته. سيكون لديه مركز ثقافي ومسجد وكنيسة ومدينة رياضية تحمل اسمه، وسيكون لابنه مركز ينمّي مهارات الشباب... مسكين ترامب. لم يولد في بلادنا.

كم حزن عليك اليوم يا أبا إيفانكا رؤساء حلموا بأنهم سيحكمون في ظل حمايتك طالما أنهم يدفعون لك الجزية. ظنوا أنك تعيش في بلاد مثل بلادهم، تستطيع تعديل الدستور فيها والبقاء للأبد وسَجن أي شخص يفكّر في منافستك على السلطة

كم حزن عليك اليوم يا أبا إيفانكا رؤساء حلموا بأنهم سيحكمون في ظل حمايتك طالما أنهم يدفعون لك الجزية. ظنوا أنك تعيش في بلاد مثل بلادهم، تستطيع تعديل الدستور فيها والبقاء للأبد وسَجن أي شخص يفكّر في منافستك على السلطة.

ألم ينصحوك؟ ألم يعطوك وصفتهم السرية؟ لماذا لم يقترح عليك "ديكتاتورك المفضّل" عبد الفتاح السيسي سجن جو بايدن بحجة الانتماء للإخوان المسلمين؟ لماذا لم ينصحك بإرجاع ألاسكا للروس طمعاً بمزيد من الرضى وبمساعدتك للبقاء على الكرسي حيث يخلد اسمك كديكتاتور لا يُهزم ولا يموت؟

الآن، يترحم السيسي على زمنك الجميل الذي كانت الحياة فيه سهلة للطغاة، بينما يفرح كثيرون من عشاق بشار الأسد لهزيمتك، فقد رحلت وبقي هو، ولا يهمّ أنه بقي حاكماً لركام دولة تدّعي النصر.

رحلت يا ترامب كما رحل باراك أوباما وجورج بوش الابن وبيل كلينتون وجورج بوش الأب ورونالد ريغان وجيمي كارتر وجيرالد فورد وريتشارد نيكسون، بينما آل الأسد لا يزالون على كرسي الحكم. لا تستطيع الوقوف على شرفة البيت الأبيض والصراخ في وجه الأمريكيين: "أنا لو عندي منصب أو رئيس لكنت لوّحت الاستقالة على وجوهكم".

يرقصون يا أبا إيفانكا في سوريا فرحاً بأن مَن نعت زعيمهم بـ"الحيوان" وفكّر في اغتياله رحل. لا يهم أن بلدهم تحوّل إلى أنقاض وأنهم جائعون وخائفون، المهم أنك رحلت وبقي لديهم رمز التطوير والتحديث.

أيها الرئيس السابق، ألم تسمع الأسطورة التي تقول إن الشعب السوري زادت حدّة بصره وليس بصيرته بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء واضطراره للتكيّف مع السير في الظلام والأكل في الظلام والسجن في الظلام؟ لا يهم، فقد رحلت.

هل سينساك حكام الخليج ويقيمون لخلفك حفلاً ويرقصون رقصة السيف؟

سيتهرب منك الجميع يا أبا إيفانكا. لن يجيبوا على اتصالاتك. قد تسمع الملك أو الأمير يتحدث عن صراخه عليك أثناء حكمك، أو عن إغلاقه سماعة الهاتف في وجهك. ستشعر بالضيق والغبن، فهم بقوا وأنت رحلت. لم تمدد لنفسك. لم تسجن صحافيي "سي أن أن" ونيويورك تايمز وواشنطن بوست. للأسف، أنت تعيش في دولة من دول الشمال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image