عنوانان بارزان رافقا الحديث عن مصر ما بعد دونالد ترامب، وتحديداً مصر عبد الفتاح السيسي الذي كان قد وصفه الرئيس الأمريكي السابق بـ"ديكتاتوره المفضّل" على هامش قمة مجموعة الدول السبع في فرنسا العام الماضي.
العنوان الأول دفعت به وسائل الإعلام المصرية بشكل أساسي وأتى على الشكل التالي: "السيسي أول رئيس عربي يهنئ جو بايدن على فوزه بالرئاسة"، والثاني فرض نفسه بحكم المعروف عن بايدن الذي عبّر عن ازدرائه للرئيس المصري في مناسبات مختلفة، وكان حول "مفاعيل خسارة السيسي لرئيس داعم كترامب" لم يكن يمانع استمراره في الرئاسة ولم ترَ الأخيرة في الإدارة الأمريكية من يغض النظر مثله وبهذا الشكل "البديهي" عن انتهاكات حقوق الإنسان.
جمع العنوانان سؤال أساسي: "ما سيكون شكل العلاقة بين القاهرة وواشنطن في عهد الرئيس الجديد؟". اكتسب السؤال زخماً بعد تأكيد فوز بايدن، لكن طرحه يعود إلى أشهر ماضية منذ حمّل المرشح الديمقراطي ملامح سياسته الخارجية خططاً تخص ملف حقوق الإنسان في مصر، كما عندما حذّر خلال حملته في تموز/ يوليو الماضي قائلاً: "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل".
هكذا، وإن كان السيسي أول رئيس عربي يُهنئ بايدن، إلا أنه وبعيداً عن المجاملات ثمة ما يشبه الإجماع على أن خسارة ترامب للانتخابات هي بداية مرحلة أقل قبولاً وتقبلاً للوضع السائد في مصر، أقله في الشكل والخطاب، وستعيد قضايا اعتقال وتعذيب وإخفاء عشرات المعارضين إلى طاولة النقاش، بعدما بدا ترامب متصالحاً معها بينما كان يصف السيسي بـ"الرجل الصلب والجيد الذي قام بعمل رائع في مصر".
ورقة الحريات
في القاهرة، خرج محللون بداية للاستهزاء ببايدن والتقليل من حظوظه، لكن مع اقتراب النتيجة من الحسم كانت التحركات السياسية والدبلوماسية تأخذ منحى آخر.
قبل أيام، أفرج النظام المصري عن مئات المعتقلين على خلفية قضايا سياسية، منهم خمسة من أقارب الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان الذي كان بايدن قد طرح قضيته قبل أشهر في معرض انتقاد النظام المصري، وذلك ما جعل محللين يربطون توقيت الإفراج عنهم باستباق وصول بايدن للبيت الأبيض.
وأشارت تقارير نقلت عن مصادر دبلوماسية إلى أن الإفراج عن المعتقلين أتى استجابة لنصائح عدة تلقتها القاهرة من سياسيين ودبلوماسيين تواصلت معهم بعثتاها في أمريكا، خلال السعي للتقارب مع بايدن ونائبته كامالا هاريس، كما أتى رداً على رسالة بعثها أعضاء من الكونغرس الأمريكي للرئيس المصري تطالبه بإطلاق السجناء السياسيين.
يُدرك المسؤولون المصريون أن الملفات العالقة مع ترامب باتت بحاجة إلى مقاربة جديدة في ظل إدارة بايدن، لا سيما وأن الأخير يُعتبر امتداداً لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي لم يدعُ السيسي لزيارة البيت الأبيض خلال عهده وانتقده مرات عدة
تكاد لا تُذكر المحطات التي اختلف حولها ترامب مع السيسي، إذ ظهر الطرفان كحليفين شديدي التفاهم في وجه كل الانتقادات الموجهة للرئيس المصري، لا سيما في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، من اعتقالات وإخفاءات قسرية وتعذيب وصلت تحت حكم السيسي إلى مرحلة غير مسبوقة في مصر.
وجمعت الاثنان نقاط مشتركة كالملف الليبي، وحجم التقارب من السعودية والإمارات، وسد النهضة، وعمليات التنقيب عن الغاز وترسيم الحدود البحرية المتأزمة في البحر المتوسط، حتى لو لم يزر ترامب القاهرة، وتخلّلت علاقته بالرئيس المصري "نظرة استعلائية" أتى الكاتب الأمريكي بوب وودوارد على ذكرها في كتابه "الخوف" حين نقل عن ترامب وصفه للسيسي بـ"القاتل السخيف".
عندما كان بايدن نائباً للرئيس
يُدرك المسؤولون المصريون أن الملفات العالقة مع ترامب باتت بحاجة إلى مقاربة جديدة في ظل إدارة بايدن، لا سيما وأن الأخير يُعتبر امتداداً لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي لم يدعُ السيسي لزيارة البيت الأبيض خلال عهده وانتقده مرات عدة.
في عام 2013، كان أوباما في البيت الأبيض حين تم عزل الرئيس المصري محمد مرسي بإشراف من قائد الجيش آنذاك (عبد الفتاح السيسي). وقتها، اعتبرت الإدارة الأمريكية ما جرى "خطوة غير ديمقراطية"، وعمدت إلى فرض قطع جزئي ومؤقت للمساعدات الأمريكية للقاهرة.
وفي عام 2015، تمت استعادة المساعدات، لكن العلاقات الثنائية بقيت متوترة، وسط تصريحات لأوباما بشأن عدم ارتياحه للصداقة مع "الحكام المستبدين"، حتى أتى ترامب فكان السيسي أول من اتصل به مهنئاً عندما تولى الرئاسة، بينما قال الرئيس الأمريكي وقتها إن ثمة "كيمياء" بينهما ظهرت منذ اللقاء الأول.
مع الوقت، ظهر الخلاف حتى بين الجمهوريين أنفسهم وذلك على إمكانية الوثوق بالسيسي. من جهة، كان ثمة من ركز على "التهديد" الذي يمثله الإسلاميون على الولايات المتحدة ورأى في الرئيس المصري حليفاً رئيسياً في الحرب على التطرف وعلى الإسلام السياسي، في مقابل من رأى أنه ليس قادراً على إدارة الشراكة التاريخية التي جمعت البلدين، ولا على قيادة سياسات المنطقة حيث يتبع سياسات السعودية والإمارات، وبدلاً عن ذلك يركز على أمن نظامه منتهجاً سياسة "قمع شديد" دفعت بالكونغرس لوضع شروط صارمة على المساعدات العسكرية للقاهرة.
وتقدم واشنطن للقاهرة نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.
جوهر العلاقات بين دولة ودولة لن يتغيّر كثيراً في عهد بايدن، وذلك في ظل مصالح استراتيجية مستمرة أساسها إسرائيل وإغلاق المجال أمام روسيا والصين في مصر، لكن ما سيشهد تغيّراً واضحاً هو دينامية العلاقات الشخصية التي ستختلف عما كانت عليه بين ترامب والسيسي
ثمة اتفاق على أن وصول بايدن لم يكن أفضل السيناريوهات بالنسبة للنظام المصري، ولكن هل سيكون الرئيس الجديد بالحزم نفسه الذي أوحت به تصريحاته ضد السيسي؟
في 27 يناير من عام 2011، كان بايدن نائباً للرئيس الأمريكي حين قال في مقابلة تلفزيونية إنه يعرف مبارك جيداً ولن يصفه بالديكتاتور، كما استشهد بموقف الأخير "المسؤول" بخصوص جهود السلام في الشرق الأوسط.
وقتها، استبعد بايدن أن يحصل سيناريو شبيه بما حصل في تونس، ولكن مع تسارع الأحداث عاد ورحّب كما فعلت إدارته بالانتقال الديمقراطي للسلطة في مصر. حتى في عز انتقاد أوباما للسيسي لاحقاً، لم تتم تسمية ما جرى بالانقلاب لمصالح سياسية واستراتيجية، وهو ما يعطي مؤشراً بشأن سياسات بايدن المقبلة تجاه مصر.
يُذكّر تقرير سابق نشرته "نيويورك تايمز" لديفيد كيركباتريك أن الأغلبية في إدارة أوباما كانت ضد استمرار الإخوان في الحكم، وأن أوباما استسلم بدوره لهذا الرأي رغم معارضته له بداية، فالكثير من الديمقراطيين تحكمهم المصالح بدورهم.
ثمة ما يشبه الإجماع بين المحللين على أن جوهر العلاقات بين دولة ودولة لن يتغيّر كثيراً في عهد بايدن، وذلك في ظل مصالح استراتيجية أساسها إسرائيل وإغلاق المجال أمام روسيا والصين في مصر، لكن ما سيشهد تغيّراً واضحاً هو دينامية العلاقات الشخصية.
وثمة من يُذكّر أيضاً بأن جورج بوش الابن انتقد سياسات سلفه بيل كلينتون في المنطقة، لكنه بعد ذلك أصبح أكثر انخراطاً بفعل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، ثم قام أوباما بالفعل نفسه، إذ انتقد عند استلامه الرئاسة تورط بوش في المنطقة ليجد نفسه أمام انتفاصات شعبية واسعة اضطر للتعامل معها. وهكذا، يتوقع محللون أن يجد بايدن نفسه أمام تغيرات عديدة قد تبدأ بالظهور مع بدء انحسار كورونا وضرورة التعامل مع ما خلّفه من أضرار على الاقتصاد، والتي قد تؤدي إلى موجات احتجاج أو عنف جديدة.
وبينما ستبقى ثابتة الخطوط الرئيسية للسياسة الأمريكية تجاه القاهرة والتي ضُبطت دائماً على إيقاع اتفاق السلام مع إسرائيل، ستشهد المقاربة الحقوقية التي باتت أكثر حضوراً بعد عام 2011 زخماً أكبر مقارنة بعهد ترامب، بموازاة من يشير إلى "سلاسة" السيسي الذي أظهر دائماً أنه على استعداد للتعاون الاقتصادي والسياسي والحقوقي للحفاظ على نظامه، أو بالأحرى مكانه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع