سعياً إلى إبراز التعدد الثقافي لمدينته، عقد المؤرخ العراقي عمر محمد معرضاً رقمياً يسلط الضوء على "الإرث اليهودي المنسي" لمدينته، الموصل.
متحف محمد الافتراضي يعج بذكريات المدينة العريقة، بما في ذلك القصص والوثائق التي تروي الماضي اليهودي لثانية أكبر المدن العراقية مساحةً، وذلك بعدما عكف لسنوات على توثيق الممارسات الإجرامية لتنظيم داعش الذي حاول طمس هوية المدينة.
يعتقد المؤرخ الشاب أن تجاهل هذه الذكريات يجعل تاريخ المدينة غير مكتمل وقد يسهم الجهل بأحداث تاريخية مهمة إلى "تكرار الأخطاء نفسها" مع الافتقار لعبر الماضي.
تفادياً للثغرات وأخطاء الماضي
قال محمد للصحافية والكاتبة والمراسلة في العراق جوديت نويرينك: "خلال انقلاب عام 1958، حصلت في الموصل مذبحة كبيرة. أشخاص تقاتلوا في الشوارع، الشيوعيون ضد القوميين. هذه الأحداث لم يتم توثيقها بشكل كاف بل بشكل متحيز. لذلك تمكن المسؤولون عن تلك الجرائم لاحقاً من أن يصبحوا قادة وأبطالاً".
مدفوعاً باعتقاده أن الجهل بالتاريخ يؤدي إلى تكرار الأخطاء… مؤرخ عراقي شاب يقرر إحياء "الماضي اليهودي" لمدينة الموصل ويعرض قوائم بأسماء ووضع أفراد الجالية اليهودية الذين اضطروا للهجرة بسبب التمييز
يعتقد المؤرخ العراقي أن هذه التجربة تؤثر حتى اليوم على المجال السياسي في الموصل، بل يذهب إلى القول إنها ساهمت بشكل غير مباشر في سيطرة تنظيم داعش المتطرف عليها.
إيماناً بهذا المبدأ، أطلق محمد منذ عام 2014، حين كانت الموصل محتلة من قبل "داعش"، مدونته "عين الموصل" أو Mosul Eye التي وثّقت فظائع داعش، موضحاً "لم أشأ أن تجد أجيال المستقبل من سكان الموصل الثغرات نفسها في تاريخ مدينتها كما حصل لي".
من "الثغرات" التي قصدها محمد التاريخ اليهودي غير المعروف على نطاق واسع حتى الآن لمدينته، والذي اكتشفه بعدما بدأ بحوثه. إبان الحرب العالمية الثانية، هاجر غالبية يهود العراق؛ نحو 150 ألفاً، إلى إسرائيل عقب قيامها. وذلك بحثاً عن الحماية من التمييز والاضطهاد اللذين مارسهما النظام الحاكم في بغداد آنذاك، لا سيما أنه كان متعاوناً مع النازيين الألمان.
مطلع خمسينات القرن الماضي، غادر ثلثا اليهود المتبقين في البلاد، فيما سُنّ قانون يرغم الراحلين على ترك ممتلكاتهم. ويعتقد أن العراق ليست فيه نسبة تذكر من السكان اليهود حالياً، بعدما بادر الباقون إلى اعتناق ديانات أخرى.
بات تاريخ يهود العراق طي النسيان منذ ذلك الحين.
إحياء التاريخ اليهودي
لكن المؤرخ الموصلي يرغب في إحياء تاريخ يهود العراق، تحديداً أولئك الذين عاشوا في الموصل التي تحتاج إلى التنوع الثقافي لكي يسودها "السلام"، حسبما يعتقد.
"لنا حكاية موثوق بها يمكن أن ننقلها إلى الجيل القادم. لا يمكننا السماح بحصول هيمنة داعش مرة ثانية هنا"... مؤرخ موصلي ينظم متحفاً رقمياً للإرث اليهودي لمدينته أملاً في أن يرسي الوعي بتنوعها الثقافي السلام فيها
يقول محمد إن نحو 15 ألف يهودي عاشوا في الموصل قبل الهجرة، في حين استقر قرابة الـ100 ألف في بغداد في الفترة عينها.
وقد تحسر على رحيلهم قائلاً: "أي ضرر كان بإمكان هؤلاء الناس فعله؟!"، مبيّناً أنهم كانوا يدركون عددهم القليل وحاجتهم الكبيرة للحماية.
في سبيل منح الفرصة للغالبية المنسية من السكان اليهود، جمع محمد وثائق من مصادر فرنسية وعثمانية وبريطانية، تضم قوائم أسماء وتفاصيل عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لليهود الذين سكنوا المدينة.
شملت وثائقه رسائل وبطاقات ورسوم تصاميم كنيس الموصل الذي أصبح بشكل جزئي عبارة عن أنقاض.
تواصل محمد أيضاً مع أعضاء الجالية اليهودية السابقين الذين يعيشون حالياً خارج البلاد، في إسرائيل وأمريكا وأوروبا. راعى في ذلك عنصر السرعة، لأنه كان يراهن على ذاكرة المسنين الذين يخشى موتهم في أي لحظة.
سجل محمد قصص السكان اليهود واختلاطهم ببقية المكونات اجتماعياً وتجارياً وفي المدارس، وأشار إلى العلاقة الاجتماعية الطيبة التي استمرت عقب مغادرة البلاد، ووضعها في إطارها التاريخي.
في النهاية، شكلت الوثائق الرقمية التي جمعها والمقابلات التي عقدها وصورها عبر الإنترنت متحفاً رقمياً يعرض للباحثين مادة جديدة عن التاريخ اليهودي للموصل، والذي يرى أنه "هدية" منه لمدينته التي اضطر إلى مغادرتها حفاظاً على سلامته.
ويختم: "المتحف موهوب (هبة) لمجتمع الموصل. عبره، لنا حكاية موثوق بها يمكن أن ننقلها إلى الجيل القادم. إذ لا يمكننا السماح بحصول هيمنة داعش مرة ثانية هنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 18 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...