شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
سباق الأوبئة المميت... من سينتهي أولاً، البشرية أم كورونا؟

سباق الأوبئة المميت... من سينتهي أولاً، البشرية أم كورونا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 27 أكتوبر 202006:30 م

في العام 1854، في خضم تفشي وباء الكوليرا، طلب الطبيب جون سنو من مجلس أوصياء أبرشية سانت جيمس، الحصول على إذن لإزالة المقبض من مضخة مياه عامة، في شارع برود في سوهو في لندن، حيث لاحظ أن 61 شخصاً من ضحايا الكوليرا كانوا قد سحبوا المياه من المضخة، فاستنتج سنو أن المياه الملوثة هي مصدر الوباء.

وعلى الرغم من أن الأمر استغرق 30 عاماً حتى يتم القبول بفكرة أن الكوليرا أساسها جرثومي، إلا أن عمل الطبيب جون سنو أنهى الوباء.

واليوم طوال هذه الأشهر الصعبة التي لا نزال نعيشها بخوف وقلق شديدين ومع وجود أكثر من 37 مليون إصابة بكوفيد 19، وأكثر من مليون حالة وفاة على مستوى العالم أجمع، هناك سؤال واحد يتردد على ألسنتنا جميعاً: متى سنتمكن من التخلص نهائياً من هذا الوباء، لكي تعود الحياة إلى طبيعتها من دون قيود وإجراءات صارمة؟

للأسف، يشير التاريخ إلى أن الأوبئة نادراً ما يكون لها نهايات سريعة وبسيطة مثل وباء الكوليرا، إذ تبيّن أن الأمراض تتلاشى وتتضاءل حدّتها، ولكنها لا تختفي أبداً.

نمذجة الوباء

منذ ظهور فيروس كورونا، استخدم علماء الأوبئة والمتخصصون في الصحة العامة نماذج رياضية للتنبؤ بالمستقبل، في محاولة للحدّ من انتشار هذا الوباء، لكن من الصعب نمذجة الأمراض المعدية، إذ يحذر علماء الأوبئة من أن النماذج ليست "كرات بلورية"، مشيرين إلى أن حتى الإصدارات المعقدة، مثل تلك التي تجمع بين التنبؤات أو تستخدم التعلم الآلي، لا يمكنها بالضرورة الكشف متى سينتهي الوباء أو عدد الأشخاص الذين سيموتون.

هناك سؤال واحد يتردد على ألسنتنا جميعاً: متى سنتمكن من التخلص نهائياً من هذا الوباء، لكي تعود الحياة إلى طبيعتها من دون قيود وإجراءات صارمة؟

بصفته مؤرخاً يدرس الأمراض والصحة العامة، اقترح نوخيت فارليك، في مقاله الذي ورد على موقع The Conversation، أنه بدل التطلع إلى حلّ القرائن، يمكن النظر إلى الوراء لرؤية ما الذي أوصل تفشي الأمراض السابقة إلى نهايتها، أو ما الذي ساهم في بقائها.

أين نحن الآن في مسار هذا الوباء؟

في غضون الأيام القليلة الأولى من ظهور وباء كورونا، أعرب عدد كبير من الناس عن أملهم بأن يتلاشى هذا الفيروس بسرعة وبساطة، فقد جادل البعض بأنه سيختفي من تلقاء نفسه مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، في حين زعم الآخرون أن استراتيجية مناعة القطيع ستدخل حيّز التنفيذ بمجرد إصابة عدد كاف من الناس بكوفيد 19، لكن الحقيقة أنه لم يحدث أي شيء من كل هذه التوقعات.

وبالرغم من أنه ثبت أن الجهود التي بذلها القطاع الصحي، سواء كان ذلك لجهة التشديد على إجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة الطبية، ساعدت في عملية احتواء الوباء والحدّ من انتشاره، إلا أن انتشار فيروس كورونا في كل مكان في العالم تقريباً، يجعل مثل هذه الإجراءات وحدها عاجزة عن وضع حدّ نهائي للوباء. وعليه، تتجه أنظار العالم حالياً إلى تطوير اللقاح، وهي العملية التي تتم متابعتها بسرعة غير مسبوقة.

ومع ذلك، يعتبر الخبراء أنه حتى مع وجود لقاح ناجح والتوصل إلى علاج فعال، فقد لا يختفي كوفيد 19 أبداً، وحتى إذا تم كبح هذا الوباء في جزء من العالم، فمن المحتمل أن يستمر في الانتشار في أماكن أخرى، وحتى لو لم يعد يمثل تهديداً فورياً، فمن المحتمل أن يستمر الفيروس في إحداث أمراض أخرى، مثل الأنفلونزا الموسمية، وتاريخ الأوبئة مليء بمثل هذه الأمثلة المحبطة.

الأمراض عبر التاريخ واستحالة القضاء عليها

سواء كانت بكتيرية، فيروسية أو طفيلية، فإن كل مسببات الأمراض التي أصابت الناس على مدى آلاف السنين الماضية لا تزال معنا، لأنه تبيّن أنه يكاد يكون من المستحيل القضاء عليها تماماً.

والواقع أن المرض الوحيد الذي تم القضاء عليه من خلال اللقاح هو الجدري، بحيث نجحت حملات التلقيح الجماعية التي قادتها منظمة الصحة العالمية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهكذا أُعلن الجدري في العام 1980، المرض الأول والوحيد الذي تم القضاء عليه تماماً.

لذا تعتبر قصص النجاح في مثل هذه الحالات استثنائية، في حين أن القاعدة تنص على أن الأمراض تظهر وتبقى.

إذا أخذنا، على سبيل المثال، مسببات الأمراض، مثل الملاريا، فنلاحظ بأنها تنتقل عن طريق الطفيليات، وهي مسألة قديمة قدم البشرية تقريباً، ولا تزال تحمل عبئاً ثقيلاً من المرض حتى اليوم: كان هناك حوالي 228 مليون حالة ملاريا و405000 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم في العام 2018.

وقد تمكنت البرامج العالمية للقضاء على الملاريا من تحقيق بعض النجاحات، لكن المرض لا يزال مستوطناً في العديد من بلدان الجنوب في العالم. وبالمثل، فإن أمراضاً أخرى، مثل السل والجذام والحصبة، ضربت البشرية منذ آلاف السنين. وعلى الرغم من كل الجهود، فإن الاستئصال الفوري لمثل هذه الأمراض لا يزال غير وارد في الأفق، وإذا أضفنا إلى هذا المزيج مسببات الأمراض الأصغر نسبياً، مثل فيروس نقص المناعة البشرية وفيروس الإيبولا، جنباً إلى جنب مع الأنفلونزا وفيروسات كورونا، بما في ذلك السارس وسارس-كوف -2 الذي يسبب كوفيد 19، تصبح الصورة الوبائية العامة واضحة.

وتوصلت الأبحاث حول العبء العالمي للمرض إلى أن الوفيات السنوية الناجمة عن الأمراض المعدية- التي يحدث معظمها في العالم النامي- تشكل ما يقرب من ثلث جميع الوفيات على مستوى العالم.

واليوم، في عصر السفر الجوي العالمي وتغير المناخ والاضطرابات البيئية، نتعرض باستمرار لتهديد من قبل الأمراض المعدية الناشئة، بينما تستمر معاناتنا من أمراض أقدم بكثير ولا تزال متفشية، وبالتالي، بمجرد إضافتها إلى "مخزون" مسببات الأمراض التي تؤثر على المجتمعات البشرية، يمكن القول إن معظم الأمراض المعدية موجودة لتبقى.

الطاعون... الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية

حتى الأمراض المعدية التي أصبح لديها لقاحات وعلاجات فعالة لا تزال تستمر في حصد الأرواح، والحقيقة أنه لا يمكن لأي مرض أن يساعد في توضيح هذه النقطة بشكل أفضل من الطاعون، الذي يعتبر من أكثر الأمراض المعدية فتكاً في تاريخ البشرية، بحيث لا يزال اسمه مرادفاً للرعب حتى اليوم.

والواقع، إن الطاعون ناجم عن بكتيريا يرسينيا بيستيس، وكان هناك عدد لا يحصى من الأمراض المحلية، وثلاثة أوبئة موثقة على الأقل، على مدى 5000 عام الماضية، ما أسفر عن مقتل مئات الملايين من الناس. وقد عرف أكثر الأوبئة شهرةً بمصطلح "الموت الأسود"، في منتصف القرن الرابع عشر.

واللافت أن الطاعون كان يعود مع كل عقد من الزمن، وفي كل مرة كان يصيب المجتمعات الضعيفة، هذا وقد ألحق خسائره بها خلال ستة قرون على الأقل.

وفي حين أن بعض المجتمعات تعافت نسبياً من خسائرها التي سببها "الموت الأسود"، فإن مجتمعات أخرى لم تتمكن من التعافي على الإطلاق، على غرار مصر في العصور الوسطى، والتي لم تنجح من التخلص تماماً من الآثار العالقة للوباء الذي دمر قطاعها الزراعي بشكل خاص.

يشير التاريخ إلى أن الأوبئة نادراً ما يكون لها نهايات سريعة وبسيطة مثل وباء الكوليرا، إذ تبيّن أن الأمراض تتلاشى وتتضاءل حدّتها، ولكنها لا تختفي أبداً

نأمل ألا يستمر وباء كوفيد 19 لآلاف السنين، ولكن لحين التوصل إلى لقاح ناجح، وحتى بعده، لا يمكن اعتبار أحد بمأمن، إذ إن المعادلة هنا حاسمة: عندما تضعف برامج اللقاحات، يمكن أن تعود الأمراض المعدية مرة أخرى. لفهم ذلك، ما علينا سوى إلقاء نظرة على الحصبة وشلل الأطفال، وهي أمراض تعاود الظهور بمجرد تعثر جهود التطعيم.

بالنظر إلى مثل هذه السوابق التاريخية والمعاصرة، يمكن للبشرية أن تأمل فقط في أن يثبت فيروس كورونا أنه يمكن القضاء عليه واستئصاله، لكن تاريخ الأوبئة يعلمنا أن نتوقع عكس ذلك، فتماماً مثل "الموت الأسود"، الأنفلونزا والجدري، من المرجح أن يستمر تأثير كوفيد 19 على كل جانب من جوانب حياتنا تقريباً، حتى بعد ظهور اللقاح.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard