شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"سأحذفه من لائحة الدول الراعية للإرهاب"... هل يتمكن ترامب من منح السودان حصانة قانونية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 20 أكتوبر 202005:44 م

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما يمهد الطريق لانضمام الخرطوم إلى النظام المالي العالمي بعد ما يقرب من ثلاثة عقود كانت خلالها منبوذة دولياً.

وكتب ترامب على تويتر في 19 تشرين الأول/أكتوبر: "خبر ممتاز! وافقت الحكومة الجديدة في السودان التي تحرز تقدماً فعلياً على دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم. بعد تسديد المبلغ، سأحذف السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب"ومن دون أن يحدد موعداً لذلك.

ووافقت السودان على دفع 335 مليون دولار أمريكي لأسر ضحايا الهجمات على سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية "كول" في اليمن عام 2000. 

واتهمت الولايات المتحدة النظام السوداني السابق بالتورط في دعم تنفيذ هذه الهجمات التي تولاها تنظيم القاعدة تحت قيادة أسامة بن لادن، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص وجرح الآلاف.

وفي تعليق له على تغريدة ترامب، اعتبر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أن بلاده حققت إنجازاً عظيماً، مؤكداً أن الشعب السوداني لم يكُن في يوم من الأيام راعياً أو داعياً للإرهاب.

وكتب حمدوك على تويتر: "هذه التغريدة وهذا الإخطار الذي سوف يُرسل هما في الواقع أقوى دعم للانتقال نحو الديمقراطية في السودان وللشعب السوداني. إننا نقترب اليوم من التخلص من أثقل تركة من تركات النظام المباد".

ومن المقرر أن يبدأ السودان أولاً بتحويل 335 مليون دولار إلى حسابات مصرفية أمريكية، ستوزع على ضحايا وأسر ضحايا الهجمات، ثم تقوم إدارة ترامب بالتوصل مع الكونغرس لحذف اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

وفي وقت سابق، أفاد تلفزيون السودان الرسمي بأن حمدوك أكد تحويل مبلغ التعويضات الذي طالب به ترامب. ولم تؤكد الولايات المتحدة وصوله.

بعد ذلك تتولى الإدارة الأمريكية تسوية الدعاوى القانونية التي تم رفعها ضد السودان، لكن ستظل الخطوات الأمريكية معلقة حتى يوافق الكونغرس بغرفتيه مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

وفي 18 أيار/مايو الماضي، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية بالإجماع قراراً بإلزام السودان دفع 4.3 مليار دولار تعويضات عقابية، علماً أن هناك حكماً آخر بستة مليارات أقرته محكمة اتحادية في واشنطن ضد الخرطوم.

وقال إد رويس، العضو السابق في الكونغرس عن الحزب الجمهوري السابق، والذي يمثل بعض أسر ضحايا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إن هذا الاتفاق "بأي مقياس موضوعي، يعد خطوة تاريخية للسودان"،  لكن هذا يحدث إذا صادق الكونغرس على هذه الصفقة.

وأطاحت ثورة شعبية في السودان عام 2019 الرئيس عمر البشير بعد ثلاثة عقود من حكم البلاد، وقد اُتهم خلالها بدعم الجماعات المتشددة وانتهاك حقوق الإنسان، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور.

وقال الدبلوماسي الأمريكي السابق  كاميرون هدسون لـ"فورين بوليسي": "هذا الاتفاق نهاية لعهد البشير، وهو يعيد ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة التي كانت على مسار عدائي مع السودان طوال 30 عاماً". 

ورأى أن هذا الاتفاق يعد انتصاراً سياسياً كبيراً للحكومة الانتقالية ويفتح قنوات جديدة للتمويل والدعم الاقتصادي الذي تحتاجه البلاد.

علماً أن السودان وكوريا الشمالية وسوريا وإيران هي الدول الأربع الوحيدة على قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب.

الرئيس الأمريكي أعلن عن رغبته حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد دفع أكثر من 335 مليون دولار لضحايا الهجمات الإرهابية التي تورطت فيها الخرطوم، لكن التعوضيات لـ12 أمريكي فحسب، وهناك أكثر من 200 ضحية أخرى لا يحملون الجنسية الأمريكية، فكيف "سيحمي" السودان؟

التطبيع مع إسرائيل

بحسب مجلة "فورين بوليسي"، فإن إدارة ترامب رفضت خلال الأسابيع الماضية حذف اسم السودان من القائمة ما لم توافق الخرطوم أولاً على الاعتراف بإسرائيل، لتحقيق انتصار دبلوماسي آخر للرئيس الأمريكي قبل انتخابات 2020.

وذكرت المجلة أنه من المتوقع أن تعلن الحكومة الانتقالية السودانية أنها ستبدأ عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تعد أولوية قصوى لإدارة ترامب بعد إعلان الإمارات والبحرين تدشين علاقات دبلوماسية مع تل أبيب في الشهر الماضي.

ووصف المسؤولون المطلعون على المفاوضات بين الولايات المتحدة والسودان بأنها مشحونة ومتوترة نتيجة ضغط إدارة ترامب على السودان للاعتراف بإسرائيل، وهي خطوة حساسة سياسياً في الخرطوم، حيث تكافح حكومة ما بعد الثورة للتغلب على التحديات السياسية والاقتصادية، التي تجعلها على شفا الانهيار.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون إن الولايات المتحدة عرضت على السودان مجموعة من الإغراءات الاقتصادية والسياسية تشمل مساعدات إنسانية إضافية، وتنظيم مؤتمر تجاري واستثماري أمريكي لدعم الخرطوم، وإرسال وفد تجاري رفيع المستوى إلى السودان لبحث الفرص الاستثمارية فيه.

ووعدت واشنطن السودان بتسريع المناقشات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعمه وتخفيف الديون.

في أيلول/سبتمبر الماضي، أعلن حمدوك إن السودان يرفض الربط بين حذفه من قائمة الإرهاب الأمريكية، التي تعرقل حصوله على تمويل أجنبي لاقتصاده، وبين تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وشدد حمدوك على أن قضية التطبيع مع اسرائيل تحتاج إلى نقاش عميق وسط قطاعات المجتمع السوداني، ولفت إلى أن حكومته الانتقالية غير مخولة بتّ قضية إقامة علاقة مع تل أبيب.

تقارير أمريكية تتوقع أن تعلن الحكومة الانتقالية السودانية أنها ستبدأ عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تعد أولوية قصوى لإدارة ترامب قبل الانتخابات الرئاسية

اتفاق غير كامل

من المؤكد أن هذا الاتفاق لن يكون نهاية لأزمة السودان في ما يتعلق بملف تورطها في هجمات سابقة، ولن يمنح الخرطوم حق الوصول الكامل إلى الأسواق المالية العالمية، لأن هناك قضايا أخرى رفعها المصابون والضحايا الذين لا يحملون الجنسية الأمريكية، كذلك ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر.

 عمل الكونغرس منذ شهور على دفع التشريعات التي من شأنها أن تمنح السودان "حصانة قانونية"، ومن المقرر أن يمنع استئناف دعاوى قانونية ضده في المحاكم الأمريكية باعتباره دولة ذات سيادة. 

سبق أن شنّ أفراد كثر من بعض عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر حملة لإقناع المشترعين بمعارضة مثل هذه الخطوة، قائلين إنهم يريدون من المحكمة تحديد ما إذا كان السودان يتحمل أي مسؤولية عن الهجمات. 

بحسب "فورين بوليسي"، شكك بعض المسؤولين الأمريكيين في احتمال أداء النظام السوداني السابق أي دور في تلك الهجمات، إذ غادر بن لادن السودان إلى أفغانستان في ذلك الوقت.

وذكرت المجلة أن السودان إذا لم يحصل على "حصانة قانونية"، فإن المحامين الذين يمثلون عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية يمكنهم إعاقة التعاملات التجارية بين الولايات المتحدة والسودان من خلال ملاحقة أي أصول سودانية موجودة في الولايات المتحدة.

في آيار/مايو الماضي، رأى مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن التسوية مع السودان تحل جميع مطالب المواطنين الأمريكيين، لكنها لن تستطيع واشنطن إسقاط مطالب الرعايا الأجانب عبر المحاكم.

في التفجيرات التي نفذها تنظيم القاعدة ضد السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، قُتل 12 أمريكياً من مجموع القتلى الذين بلغ عددهم 224، وهذا ما يعني أن واشنطن تفاوض لدفع أكثر من 300 مليون دولار إلى عدد قليل من مواطنيها، فيما سيستمر ذوو سائر الضحايا غير الأمريكيين في ملاحقة الخرطوم قضائياً.

ومن المقرر أيضاً أن يسمح السودان للولايات المتحدة ببدء عملية لمكافحة الإرهاب على أراضيها، كما أن هناك العشرات من قوات الدعم السريع "الجنجويد" والقوات المسلحة السودانية النظامية مطلوبون على لائحة الإنتربول لتورطهم في عمليات إبادة جماعية في دارفور.   

في سياق متصل، غرد الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد أن التفاهمات التي تم التوصل إليها بين البيت الأبيض والحكومة السودانية تضمنت تمرير مجلس الشيوخ مشروع قانون حصانة يحمي الخرطوم من الدعاوى القضائية المستقبلية في أمريكا من قبل ضحايا الهجمات.

لكن لا يُعرف ما إذا كان مجلس النواب الذي يسيطر عليه خصوم ترامب من الحزب الديمقراطي سيمررون هذا القانون الذي يحمي السودان ويسقط مطالب سائر الضحايا غير الأمريكيين، بعدما حوّلت الخرطوم الأموال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image