كنا نرى أمهاتنا صبورات، يكتمن صراخهن ويمسحن دموعهن خلسة، كل المعارك كانت تنتهي بخسارتهن مقابل الاستمرار.
العديد من المنازل بُنيَت على مبدأ "البقاء رغم ضرورة الرحيل".
العديد من المنازل تراهن على عاطفة الأمهات... "لا بأس بجلدة أخرى، فالضحية لا تستطيع الهروب".
هذه كانت صورتنا الأولى عن الحب وعن العلاقة بين الرجل والمرأة: أن تكون خاضعة لأوامر الرجل، أن تستشيره بأدق التفاصيل وتطلب إذنه في مختلف الأمور اليومية والحياتية، كالذهاب لزيارة والديها، شراء قطعة ملابس جديدة لأطفالها، أخذ الأطفال في نزهة إلى الحديقة وأي تحرك قد ترغب به أو يكون ضرورياً، كل شيء مرجعه الأب في المنزل وخارجه.
هذه صورتنا الأولى عن الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة، ميزان ترجح كفته لصالح الرجل دوماً، في الشجارات، في الرغبات، في الأوامر وفي القوانين.
كم من نزوة جنسية وغرامية سامحت عليها الكثير من الأمهات، وكم من حقوق تنازلت عنها الكثير من الأمهات وكم من صفعة تلقتها الكثير من الأمهات بصمت، من أجل استمرار الترابط الأسري وعدم تشتيت العائلة، والأطفال على وجه الخصوص، وكل هذا كان أمام أعيننا كأطفال، وإناث على وجه التحديد.
كم من نزوة جنسية وغرامية سامحت عليها الكثير من الأمهات، وكم من حقوق تنازلت عنها الكثير من الأمهات وكم من صفعة تلقتها الكثير من الأمهات بصمت، من أجل استمرار الترابط الأسري وعدم تشتيت العائلة
ربما استغرق منا الكثير من الوقت لنرى هذا المشهد بوضوح كما هو، استغرق منا أن ننضج كفتيات لنفهم الأمر أكثر!
أن ندخل للعلاقات العاطفية متشبِّهات بأمهاتنا، نعتقد أنها الطريقة الأنقى والأصدق للحب والأكثر مثالية، تلك هي صورتنا الأولية، هذا ما عايشناه لسنوات، هكذا هي العلاقة بين الرجل والمرأة! هكذا يجدر بها أن تكون...
ومن خلال تجاربي الخاصة في الحب، لقد كنت فعلاً متشبِّهة بوالدتي، بصبرها وغفرانها وتضحياتها. كنت أتنازل عن أبسط حقوقي كطرف في العلاقة، كنت أقبل بأقل درجات الحب، فهكذا تكون المرأة الطيبة: أسامح على النزوات والخيانات، أسامح على الغضب والصراخ في وجهي، أخضع للتحكم بملابسي وصوري ومواعيد خروجي من المنزل والعودة إليه، الأماكن والأشخاص اللذين يسمح أو لا يسمح لي بالتواجد معهم، أُعطي أكثر مما آخذه، سواء في العاطفة أو في الأشياء المادية. كان دوماً الميزان في علاقاتي يرجح لصالح الرجل الذي أكون معه، في الوقت الذي على الميزان أن يتساوى في العلاقات.
ومن ثم... وبعد التجربة مرة تلو الأخرى، ندرك كم كانت أمهاتنا تعيسات حقاً، كم أنه أمر مؤلم أن نصمت ونرضى ونغفر الأخطاء لنستمر... لنكون طيِّبات! لن نستحق هذه الصفة لو لم نفعل كل هذه الأشياء، هكذا اعتقدنا... هكذا علَّمونا، بقصد أو دون قصد.
وحين نفهم مقدار الألم... أن نجلد فلا نهرب لأننا نحب، لأن أحدهم يراهن على هذا الحب، يراهن على مفهوم مكتسب يجعلنا نتحمَّل الجلد بصمت... سيتعيَّن علينا أن نصرخ لأننا فهمنا، لأننا صرنا نعلم كم أن أُمهاتنا كنّ "مظلومات" ولسن "طيِّبات". إن الطيبة لا تعني كون المرء مظلوماً وخانعاً.
ندرك كم كانت أمهاتنا تعيسات حقاً، كم أنه أمر مؤلم أن نصمت ونرضى ونغفر الأخطاء لنستمر... لنكون طيِّبات! لن نستحق هذه الصفة لو لم نفعل كل هذه الأشياء، هكذا اعتقدنا... هكذا علَّمونا، بقصد أو دون قصد
ليس سهلاً صراخنا... ليس سهلاً أن نترك منازلنا ونخرج للعالم أحراراً، أن ننسلخ عن معتقدات رافقتنا طويلاً، ورسمت لنا الصورة النمطية للمرأة الجيدة والمحبّة والمضحية مهما تطلَّب الأمر، ولكن... ليس مستحيلاً!
ليس مستحيلاً أبداً أن نصبِح نساء قويات وطيبات، يغادرن قبل أن يتجرَّأ أحدهم على ترك ندبة، أن نغادر عند أول شعور بأننا نكمل تحت "الرهان"...
نريد أن نكون كأمهاتنا... جميعنا يريد... لكنني لن أكتم صرخة بعد الآن، لن أبكي خلسة ولن أبني منزلاً على أشلائي وفوق الركام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين