في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أطلقت الحكومة العراقية مبادرة توظيف، في محاولة منها لـ"استيعاب" جيوش العاطلين عن العمل من حَمَلة الشهادات الأوّلية والعليا وآخرين ممَّن لا يحملون شهادات.
والبطالة هي أحد أبرز التحدّيات التي واجهتها الحكومة العراقية الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي، بعد استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.
بدأت حكومة الكاظمي مبادرتها بموقع إلكتروني يتضمن أسئلة عامة تتعلق بالتحصيل الدراسي والعُمر وكذلك السكن، وهل في الأسرة موظفون في القطاع الحكومي ومعلومات أخرى تُسأل في مقابلات التوظيف.
ومن ضمن الأسئلة التي طرحتها المبادرة على الموقع: هل أنت من ذوي الشهداء؟ هل أنت من ذوي المفصولين السياسيين؟ هل أنت من ذوي ضحايا سبايكر؟ هل أنت من ذوي شهداء القوات المسلحة العراقية؟
وهذه الأسئلة، بجانب أخرى مشابهة، تنطلق من أسس تفضيلية وتمييزية في التعيينات الحكومية التي لطالما عانى منها العراق.
وخلال السنوات الماضية، كانت الحكومات العراقية تُعطي الأولوية في التعيينات وفي بعض المنح الدراسية لـ"ذوي الشهداء"، وهو ما كان يُعتبر "ضرباً" من ضروب التمييز.
والغريب أيضاً أن المبادرة أُطلقت لتوظيف الشباب، لكن الخانة المتعلقة بالعُمر تصل حتى مواليد عام 1960 الذين وصلت أعمارهم الآن إلى الـ60 عاماً.
وسيستفيد من هذه المبادرة التي تحمل اسم "مبادرة توظيف لفرص العمل في العراق"، وفقاً لما جاء في نص التعريف بها، "المواطنون العراقيون من الخريجين أو ممن لهم مهارات للعمل"، و"بما يتلاءم مع تطلعاتهم وطموحهم وحسب المتوفر وعلى قاعدة عادلة"، وستفتح "آفاقاً من الفرص المناسبة للباحثين عنها، وستساهم في تطوير المهارات والقابليات للباحثين عن العمل".
وعلى موقعها، تضع المبادرة تصريحاً للكاظمي يقول فيه إنها "خطة لتوظيف العراقيين من المواطنين والخريجين للانخراط في سوق العمل سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو العمل في الشركات الأجنبية والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية العاملة في العراق".
وتأتي هذه المبادرة للحد من توسّع رقعة البطالة في العراق والتي وصلت عام 2018 بين صفوف الشباب، وفقاً لصندوق النقد الدولي، إلى 40%، في وقت يُعاني العراق حالياً من تدهور اقتصادي بسبب انتشار فيروس كورونا والإجراءات المرتبطة بالحد من انتشاره، وتراجع أسعار النفط الذي يعتمد عليه في رفد ميزانيته العامة.
يحتاج العراق وفقاً لمصدر حكومي عراقي تحدث لرصيف22 إلى "نحو 6.3 مليارات دولار شهرياً لرواتب للموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكات الحماية الاجتماعية"، موضحاً أن "ما يبيعه من النفط لا يوفّر حتى ثلثي هذا المبلغ".
ويضيف المصدر أن مبادرة التوظيف الجديدة "يمكنها أن تساعد الشباب في الحصول على فرص عمل، كما أنها ستساعد الحكومة على معرفة الإمكانيات المتوفرة وتحديد ماذا يحتاج سوق العمل وماذا يمكنها أن تخلق من مشاريع جديدة تلائم حاجة هؤلاء الشباب".
ويعمل العراق الآن على الاقتراض بغية سد العجز الذي تعاني منه ميزانيته، خاصة وأنه ألزم نفسه خلال فترة حكومة عادل عبد المهدي باتفاق "أوبك+" الذي يقضي بتخفيض إنتاج النفط.
وتخرج بين فترة وأخرى في مناطق مختلفة من البلاد تظاهرات للخريجين، للمطالبة بالتعيين. وقال وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي في مؤتمر صحافي، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، إن "الحكومة تواجه أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل بسبب سياسة التوظيف غير الممنهجة"، مشيراً إلى أن "هناك أكثر من 10 آلاف عاطل عن العمل يحملون شهادات عليا"، بينهم 8000 يحملون شهادة الماجستير و2000 يحملون شهادة الدكتوراه، وهنالك "مليون و600 ألف عاطل عن العمل مسجل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
وعود ومبادرات دون جدوى
قدّمت الحكومات العراقية منذ عام 2003 وحتى اليوم وعوداً وبرامج تتعلق بالقضاء على البطالة وتوفير فرص عمل للخريجين ولعموم العراقيين، لكن الأرقام تُشير إلى وجود ارتفاع مستمر فيها.
من ضمن الأسئلة التي طرحتها مبادرة التوظيف التي أطلقتها الحكومة العراقية: هل أنت من ذوي الشهداء؟ هل أنت من ذوي المفصولين السياسيين؟... وهي أسئلة تنطلق من أسس تفضيلية وتمييزية في التعيينات الحكومية التي لطالما عانى منها العراق
وركزت الحكومات المتعاقبة على التوظيف الحكومي، واستخدمته الأحزاب الكبيرة والمتنفذة كورقة سياسية أثناء الانتخابات، وخلقت جيوشاً كبيرة من الموظفين الحكوميين الذين وصل عددهم إلى أربعة ملايين موظف، وفقاً لتصريحات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، فضلاً عن وجود مئات آلاف المتقاعدين والمستفيدين من رواتب الرعاية الاجتماعية.
الآن، يخشى الشباب العراقيون من احتمال أن تكون المبادرة الجديدة مشابهة للتجارب التي سبقتها.
إسماعيل كريم (26 عاماً) هو أحد هؤلاء. يحمل شهادة البكالوريوس في القانون ويعتقد أن الفرصة لن تسنح له في الحصول على وظيفة عن طريق الحكومة.
كريم، وهو عاطل عن العمل، يقول لرصيف22: "كُنّا نتصور بأننا سنجد فرص عمل متعددة عند التخرج، لكن الأبواب أوصدت أمامنا. حتى على مستوى مهنتي المحاماة، الوضع بائس جداً. المحامون كُثر والقضايا قليلة. الناس صارت تحل مشاكلها بالعشائر وليس بالقانون".
ويضيف: "لا أعتقد أن الحكومة العراقية جادة في عملية التوظيف أو إيجاد فرص عمل لنا، لأن مشروعها واضح أنه جاء من دون تخطيط".
تتفق وفاء رحيم (23 عاماً) مع إسماعيل. تقول الشابة التي تخرجت قبل عامين من قسم علوم الحاسبات في جامعة بغداد لرصيف22: "لا نُريد وظائف تدرّ علينا عشرات آلاف الدولارات، بل نريد فرص عمل لا تقتل مواهبنا وتضيع تعبنا وتحترم وجودنا، فإلى متى نبقى نعيش على ما تُعطيه لنا عوائلنا؟ صرنا نخجل من أنفسنا".
وتشير إلى أنها "غير متفائلة بالمبادرة التي طرحتها الحكومة".
كثيرون من الشباب والشابات يرون أن المشروع الذي طرحته لن يأتي بنتائج، وينتقدون خلوّه من سقف زمني يُساعد المتقدمين للوظائف على معرفة مصائرهم.
فرص العمل هي الحل
أهملت الحكومات العراقية على مدى الـ17 سنة الماضية القطاع الخاص، وركزت على توفير فرص عمل في القطاع الحكومي فقط، فكانت النتيجة أن تضخم بشكل كبير. وبعد أن كان عدد الموظفين الحكوميين عام 2005 نحو 650 ألف موظف، بلغ الآن نحو 4 ملايين.
تضخَّم القطاع العام في العراق بشكل كبير. وبعد أن كان عدد الموظفين الحكوميين عام 2005 نحو 650 ألفاً، بلغ الآن نحو 4 ملايين. ورغم أنها تعاني في تأمين رواتبهم، إلا أن الحكومة العراقية أطلقت مبادرة جديدة للتوظيف
تقول الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم لرصيف22: "لا شيء ينقذ الاقتصاد العراقي مثل التشغيل وتوفير فرص العمل، لكن الحكومات العراقية قتلت ذلك".
وتضيف: "في فترة رئاسته للحكومة، أصدر عبد المهدي تعميماً أوقف فيه كل المنح والقروض التي تُقدَّم من المصارف، وحكومة الكاظمي لم تلغِ هذا التعميم، فتضررت المشاريع الصناعية والزراعية التي تنتظر هذه القروض".
وتشير سميسم إلى أن المشاريع الخاصة يُمكنها تشغيل آلاف الشباب في كل المحافظات، "لكن لا أحد يُعطيها الموافقات والقروض والتسهيلات للعمل، وتضيف: "بصراحة الفساد متجذّر في مؤسسات الدولة وبرعاية رسمية، فالدولة ليس لديها الإرادة السياسية والاقتصادية لتحقيق ذلك".
يبدو أن "المبادرة" الجديدة قد لا تُحقق أهدافها مع وجود أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل وغياب الوفرة المالية لدى الحكومة العراقية المثقلة بالأزمات المالية والاقتصادية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...