اشترتها آية عاطف من محل لبيع الحيوانات الأليفة، أطلقت عليها "جيسمي"، وعاشت معها سبعة أشهر، حتى صارت الكلبة الصغيرة صديقتها المقربة، تنهي عملها كصحافية في إحدى الجرائد المصرية، وتعود إلى المنزل مسرعة لرؤيتها، واللعب معها.
أما وقت غيابها عن المنزل، وذهابها إلى العمل كانت الكلبة تلعب أمام الشقة في الدور الأرضي، وكان أصحاب البيت يحرصون على غلق الباب الرئيسي حتى لا تخرج إلى الشارع، وفي أحيان كثيرة كانت تصعد السلالم إلى أعلى العمارة، ولما كان باب السطح مغلقاً أيضاً كان يصعد خلفها أحد أفراد العائلة لينزلها بسهولة، حتى ذلك اليوم الذي نسوا فيه إغلاق الباب المؤدي إلى سطح العمارة.
تقول آية عاطف لرصيف22 إن كلبتها أرادت في ذلك اليوم أن تخرج إلى الشارع، ومن ثم أغلقوا باب العمارة، فما كان منها إلا أن صعدت على السلالم، وكان أحد السكان قد ترك باب السطح مفتوحاً، فصعدت أختها الصغيرة خلفها لإعادتها، ونادتها كثيراً لكن "جيسمي" الكلبة لم تستجب لها، بل قفزت من أعلى العمارة، وسقطت في حديقة على غطاء بالوعة.
"يلجأ أصحاب الكلاب من غير الأثرياء في مصر إلى الخيار الأكثر قسوة بعد وفاتها، محرقة الجيش في مدينة نصر، والتي يتم فيها حرق الحيوانات النافقة"
"عندما نزلنا إليها أسفل العمارة، كانت جيسمي على قيد الحياة، حملناها مسرعين إلى المستشفى، هناك حاولوا إسعافها بكل الطرق، ولكن إصابتها كانت بالغة، وبعد أقل من ساعة توفيت". تحكي آية عاطف، مشيرة إلى انهيارها فور سماعها خبر وفاة كلبتها، فهي الصديقة التي لازمتها لشهور، تقول: "وقفتُ مذهولة لا أعرف كيف أتصرف، حتى قاطع تفكري أحد المسؤولين معلناً أنهم سوف يتولون إجراءات الدفن".
"تمنيت أن أحضر جنازة كلبتي"
تضيف آية أنها عاشت فترة مكتئبة بعد وفاة "جيسمي"، حتى أنها امتنعت عن تناول الطعام، وكثيراً ما تمنّت لو أنها انتظرت حضور إجراءات الدفن؛ لربما تمكنت من زيارة مدفنها، وحينها تساءلت عن وجود مدافن خاصة بالكلاب في مصر أم أن المسؤولين يكتفون بدفنها في حدائق المستشفيات؟
السؤال الذي واجه آية عاطف، طرحته مجموعة من الشباب لكنهم راحوا يبحثون له عن إجابة، ذلك عندما تبنى شاب ثلاثيني يدعى مايكل عاطف، دعوة لشراء قطعة أرض تصلح أن تكون مدفناً للكلاب، وقد استقر معظم أعضاء الفريق وقتها، وحسب أخبار صحافية نشرت في تلك الفترة، على شراء قطعة أرض مساحتها 170 متراً إلى جوار نزلة الكوبرة الدائري بمنطقة حلوان، على أن يوزع سعر الأرض بالتساوي على أعضاء المجموعة، وعددهم 74 في القاهرة والإسكندرية.
كانت فكرة الشباب قائمة على أن يتكفّل أصحابها بالتكاليف والتجهيزات، ومن ثم "يصبح الدفن بعد ذلك لغير المشتركين فى إنشاء المدافن مقابل تذكرة يتم دفع ثمنها عند كل دفن حيوان، مع توكيل محامٍ للتفاوض فى عملية شراء الأرض والتحقق من سلامة الإجراءات القانونية".
ولكن على أي حال لم يكتب للمشروع الخروج إلى النور بسبب ارتفاع سعر الأراضي بشكل جنوني.
مدافن لكلاب الأثرياء
الفكرة التي فشل في تنفيذها شباب حلوان، سبقهم إليها الأثرياء في نادي الجزيرة، فأنشإوا مدافن الكلاب الشهيرة بأرض مجاورة لملعب الغولف، والخاصة بكلاب أعضاء النادي فقط. وقد وجدت تلك المدافن في النادي منذ عام 1948، لكنها كانت في مكان آخر مهمل بعيداً عن الملاعب، و"تحديداً مكان أسطبل الخيل، لكنها كانت بلا أسوار ولا بوابة ولا عناية"– حسب تحقيق نشر للكاتبة ريم سحاب بصحيفة "العربي" المصرية بتاريخ 9 أذار/مارس 1994.
تصف ريم سحاب المكان، في تحقيقها الصحافي، قائلة إنه جميل، ومحاط بالأشجار والنباتات الرائعة، وفي المدخل بوابة من الحديد والأسوار خضراء منسقة بكل إتقان.
"مقابر لكلاب الأثرياء جميلة، ومحاطة بالأشجار والنباتات الرائعة".
وعن المقبرة كتبت أنها تقع بجوار ملاعب الغولف الموجودة بالنادي مباشرة، وداخلها شاهد على قبر كل كلب مكتوب عليه أصله وعائلته – ملاكه البشريين- على لوحة من الرخام الفخم.
وكان كلب الدكتور بطرس غالي وكلب عثمان أحمد عثمان وكلبان لأبناء وزير – في ذلك الوقت- لم تذكر اسمه، على رأس أشهر الكلاب المدفونة هناك.
يأتي الكلب إلى المقابر بنادي الجزيرة مكفناً جاهزاً، "إذ يلفه صاحبه بقماش من عنده، ويكون الكفن معطراً بالروائح الجميلة.. وبعد ذلك يوضع الكلب في حقيبة فخمة ومحكمة الغلق. وأحياناً يأتي البعض بالكلب موضوعاً في الحقيبة المغلقة، وهنا يصر العاملون في المقبرة على فتح الحقيبة كاحتياطات أمنية، فقد يكون الميت طفلاً وليس كلباً"، حسب قول الحاج إسماعيل لسحاب، الذي عمل"جنايني" لأرض ملعب الجولف طوال نصف قرن.
أما عن مراسم الدفن فيوضحها عامل آخر، ويدعى "عم طلبة"، قائلاً إن أصحاب الكلب الميت يحضرون معهم قطعة رخام أو بلاط ويكتبون فوقها ما يريدون قوله عن الفقيد.
علماً أن دفن الكلاب في مقابر الجزيرة تحتاج إلى تخليص بعض الأوراق، تماماً كما يحدث مع البشر.
لن يفرّطوا في كلابهم
جاء تحقيق ريم سحاب بسبب خبر نشرته صحيفة مصرية آنذاك بشأن نزاع قائم في نادي الجزيرة بين فريقين حول مدافن الكلاب، أحدهم ينادي بضرورة هدم تلك المقابر واستغلالها كملاعب للشباب، في حين يرى آخرون العكس، وقد أكد العمال استحالة هدم المقابر،ولأن المنتفعين من المقبرة من "الناس الكبار، ولن يفرطوا في قبور كلابهم". كما أن عدداً من الأعضاء ممن لا يملكون كلاباً لا يبدون اعتراضاً على وجود المقبرة، ويرون فيها فكرة إنسانية جميلة.
ما قاله صاحب مزرعة الكلاب إسلام مجدي بشأن طريقة الدفن أكدته فرح الملاح، طبيبة بيطرية مهتمة بالدفاع عن حقوق الحيوان.
تقول الملاح لرصيف22: "ثمة سمة مشتركة بين أغلب أصحاب مزارع الكلاب في مصر، هي أن الكلب قيمته في سعره الذي يدفعه المشتري، فالأمر بالنسبة لهم تجارة، والاهتمام بدفن الحيوانات النافقة يعد مصاريف إضافية على أصحاب تلك المزارع، لذلك يلجأون إلى الحل الأسهل، وهو رميها في الطريق العام أو في أقرب مجرى مائي".
الطبيب البيطري والمهتم بحقوق الحيوانات عمرو فهمي يشير في تصريح لرصيف22 إلى أن أغلب زوار عيادته يصطحبون كلابهم معهم بعد موتها لدفنها، يقول: "بعض الناس تربطهم بكلابهم ذكريات ومشاعر، لذلك يصعب عليهم تركها في العيادة، أو رميها في الشارع".
"الدين نصحنا برعاية الحيوانات الحية، وإماطة الأذى عن الطريق، أي عدم إلقائها في الطرقات بعد الموت، ولكن أن يموت عندي كلب في المزرعة فأضعه في شوال وألقيه في الترعة، أو في الشارع، أو دفنه في أي مكان، فهذا لا يصح"
ويلفت فهمي إلى حل آخر يلجأ إليه البعض، وهو الأكثر قسوة، "يذهبون إلى محرقة الجيش في مدينة نصر، حيث يتم فيها حرق الحيوانات النافقة"، ويشدّد فهمي على أن هذا الحل يلجأ إليه كثيرون في حالة عدم وجود حدائق عامة لدفن كلابهم، واقتناعهم بأن ذلك أهون من رميها في القمامة.
ويوضح فهمي أن لجوء الشباب إلى مبادرات إنشاء مدافن للكلاب فكرة جيدة، وتعكس احتياجهم إلى ذلك، في ظل عدم اهتمام الجهات المعنية بمثل تلك الأفكار، مضيفاً: "الدولة لن تتبنّى مثل هذه الدعوات، فكان أولى بها أن تهتم بقضايا مشابهة، ففي تعامل المسؤولين مع كلاب الشوارع اختاروا أن يقتلوها بدلاً من تطعيمها أو جمعها في أماكن بعيدة، وتعديل سلوكها".
صاحب مزرعة كلاب
يعترض إسلام مجدي، صاحب مزرعة كلاب، على اعتبار فكرة مدافن الكلاب بنادي الجزيرة إنسانية، "فهي طبقية أكثر منها إنسانية، وإلا كانوا فتحوها لدفن كلابنا أيضاً"، في حين يشيد بمحاولة الشباب لشراء أرض في حلوان لتشييد مدافن للكلاب، مبدياً مشاركته إذا سنحت الفرصة لذلك.
يؤكد الشاب الثلاثيني الذي تقع مزرعته في مدينة العبور أن على الدولة تبني مثل تلك الفكرة، "بمعنى تخصيص مساحة لدفن الحيوانات، مع تجريم إلقاء الحيوانات النافقة في الطرقات".
بحسب قول مجدي لرصيف22 فقد يتسبب إلقاء الحيونات النافقة في أماكن تجمعات القمامة بإصابة عمال النظافة ببعض الأمراض. أما بشأن طقوس الدفن والعزاء، فيرى أن فيها الكثير من المبالغة، ويعود ويشدد على أن دفن الكلاب بمدافن لائقة، أمر ضروري يأمر به العرف والدين، قائلاً: "الدين نصحنا برعاية الحيوانات الحية، وإماطة الأذى عن الطريق، أي عدم إلقائها في الطرقات بعد الموت، ولكن أن يموت عندي كلب في المزرعة فأنا أضعه في شوال وألقيه في الترعة، أو أطلب من عامل في المزرعة حفر حفرة في أي مكان، ودفنه فيها، فهذا لا يصح".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين