شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
قال لي إنني أشبه ممثلة بورنو

قال لي إنني أشبه ممثلة بورنو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 8 أكتوبر 202006:06 م

أنا امرأة نشأت في بيئة محافظة جداً. كيان المرأة فيها يتساوى تماماً مع جهازها التناسلي. والقاموس المعتمد له مفاهيمه الخاصة، فالأخلاق بالنسبة لنا كنساء هي العذرية، والسعادة زوج صالح وبيت وسيارة. ونجاح الأسرة هو في تزويج بناتها أو عفواً "سترهن" بالزواج.

شرف العائلة محفوظ في قطر صغير أو سنتميترات قليلة من جسد المرأة. رضا الله إلا من رضا الوالدين تلاحق مرأة ترعرعت "أَمَة" لتقاليد متوارثة، وتنفذ حسابات الوالدين.

أنا أيضاً هذه الأكاديمية الحاصلة على الأستاذية في الصحافة وعلوم الأخبار، وقريباً أحصل على شهادة الماجستير في الصحافة. وأنا أيضاً مشروع باحثة في المستقبل. أجمع فيّ البيئة الأولى والبيئة الثانية والثالثة وبيئات أخرى.

أنا هذه الحيرة بين ما يجب أن أكونها وبين مخزون معشَّش بالداخل، بين من يملك منا الحقيقة ولو نسبية.

ما رضاء الله إلا برضاء الوالدين معناها الوحيد حيث ربيت المرأة "أَمَة" لتقاليد متوارثة، وهي الآلة العبقرية التي تنفذ بشطارة كل حسابات الوالدين

قد تقرأ، وتبحث، وتتعمق، وتشرح، وتجادل في الأفكار التنويرية، لكن أن تخرج من دائرة الموروث، فيلزمها اختبارات، وأنا وقفت أمام أول اختبار في علاقة بخياراتي الخاصة في حياتي.

تصوروا أن هذه المرأة التي حدثتكم عنها تصلها رسالة من صديق على فيسبوك تقول: "أنت تشبهين إحدى ممثلات البورنو".

ممثلة بورنو وكاتبة

من البديهي أن تكون ردة فعلي حظر الصديق، مسموح جداً أن يقال لي: "يخلق من الشبه أربعين" حين يتعلق الأمر مثلاً بنجم أو نجمة هوليوودية، ولكن أن أكون شبيهة بممثلة بورنو، فلا يختلف الأمر عندي عن نعتي بالعاهرة.

ما بقي من تلك القصة هو تأملات حملتني دون أن أشعر إلى مساحات أخرى من التفكير: ماذا يعني أن أشبه ممثلة بورنو؟ سؤال يجر سؤالاً إلى أن وجدتني متسمرة أمام الحاسوب مع قهوتي، وترشيحات "غوغل" لقراءات في البورنو، وكانت المفاجأة.

قرأت قصة نشرها أحد المواقع قصة تقول إن هناك ممثلة بورنو فيلسوفة، تسمى أوفيدي، وهي واحدة من أشهر ممثلات البورنو، وتراوحت تجاربها المهنية بين الإخراج والكتابة والتمثيل، ولها كتب عديدة في فلسفة الجنس، وهي مناضلة في مجالها، حيث جعلت من البورنوغرافيا قضيتها الأساسية، وترجمت أفكارها في ما يقارب عشرين كتاباً، منها: "نؤمن بالجنس" (2004)، "الأجساد في أفلام إكس" (2005)، "الجنوسية النسائية" (2010)، "الهيبي الجيد هو الهيبي الميت" (2012)، "قصص غير معترف بها" (2013). كما كتبت توطئة "النسوية والبورنوغرافيا" لديفيد.

ونشرت بالشراكة مع فرنسيس ميتفييه كتاب "جنس وفلسفة" (2012)، الذي يتحدث عن وضعيات اللذة الجنسية بالاستناد الى النظريات الفلسفية.

البورنو كفن

أوفيدي لخبطت عقلي قليلاً، وجعلتني أواصل البحث في موضوع ما، تصورت نفسي أمنحه كل هذه الأهمية.

قرأت بعض المقالات، والدراسات، والصفحات الفايسبوكية المهتمة بالموضوع، فقفز إلى ذهني السؤال التالي: لمَ نشيطن تمثيل البورنو؟

لعل المسألة لا تتعلق بالتمثيل مباشرة، وإنما بنظرتنا للجنس والعلاقات الجنسية. وعلى رغم تفاوت التحرر والديمقراطيات، يظل ممثلو البورنو من "الطبقة الرخيصة" في العديد من المجتمعات.

وربما هي نظرة مشتركة بين أفراد المجتمع وممثلي البورنو، فغالبية الممثلين قد لا يتعاملون معها كتمثيل، بل كأداة كسب المال، وقلة من هؤلاء لا يخجلون من أنفسهم. من يتبرأ من مهنته في أول مناسبة تمنحها له الحياة فيذهب إلى مكان يوصف عادة باللائق والمحترم.

"طفلي العزيز أنت لم تصل إلى الحياة بعد".

أتذكر في هذا السياق قصة قرأتها عن إحدى ممثلات البورنو التي كتبت رسالة لطفلها، هذا نصها: "«طفلي العزيز، وأنا أكتب هذا الخطاب، أنت لم تصل إلى الحياة بعد، ليس قبل شهر ديسمبر (كانون الأول)، ومع مرور الوقت بعد ولادتك، ستكون كبرت بالقدر الذي يسمح لك بتصفح الإنترنت، ستكون كبرت بما يكفي لتعجب بالفتيات، ستكون كبيرًا بما يكفي لتعرف اسم أورورا سنو، وأتمنى أن تقرأ هذا الخطاب قبل أن تقابل صورة أو مقطعاً مصوراً يحمل اسمي».

علماً أن من بين نجوم هوليوود من كان أو كانت في عالم البورنو، بوبي أيدن المعروفة بباربرا دخلت عالم البورنو وهي في الحادية والعشرين من عمرها، كانت قد عملت قبل ذلك في مجال عرض الأزياء لمجلات مثل هستلر، وبينت هاوس، وبلاي بوي.

تقول بوبي نقلاً عن أحد المواقع: "في ذلك الوقت وصلتني عروض التمثيل في أفلام بورنو، جربت وأحببت الفكرة فتابعت، قررنا أنا وشريكي في ذلك الوقت أن ندخل المجال معاً ونمثل، أعجبني العمل كثيراً، وبدأت تصلني عروض جديدة". وتقول في رسالة واضحة إن البورنو ليس دعارة ولو أن خيارها جعلها تفقد صديقاتها اللواتي ظنن أنها مدمنة جنس، وخفن على أزواجهن منها.

عدت إلى داخلي

البحث في عالم ممثلي البورنو حرك داخلي فعقدت مقارنة بين الممثل في المطلق وممثل البورنو. أولاً ما يقوم به ممثل البورنو أكثر صدقاً، إذ يتجرأ على أن يحول جسده إلى لغة. لغة تتسع لمخيلته وحقيقته أيضاً، لغة تتسع لحضارته وتوجهاته ولحظات الخذلان في الحياة، لحظات القوة والضعف... لغة بإمكانها أن تقول جميع اللغات دون حرف واحد، هي اللغة التي تكسر كل حدود وتنتصر على كل مألوف وترسم مفهوماً خالصاً، جديراً بأن يكون حراً…

هي لغة الجسد، اللغة الخالصة، والمخلصة لما نحمله في داخلنا، نحن نقول أنفسنا بأجسادنا وليس بلغتنا.

ما يقوم به ممثل البورنو أكثر صدقاً وجرأة، إذ يتجرأ على أن يحول جسده إلى لغة. لغة تسع مخيلته وحقيقته أيضا، لغة تسع حضارته، انتماءه، فكره وتوجهاته وحتى لحظات الخذلان في الحياة

بينما الممثل في المطلق يضع لنفسه حدوداً، شخوصه لا تشعر بحرية، لا تقبل، لا تمارس الجنس، لا تمارس الجنون، جاهلة بجسدها، شخوصه معاقة سطحية لا عمق لها... تعابيره لا تتعدى حد الوجه، وحواسه ممنوعة من "التفاعل الحقيقي".

مثلاً المحب الحقيقي ينجذب إلى الطرف الآخر، يريد ملامسته، معانقته، يريد كسر الحواجز للانعتاق من معتقدات الممثل العادي، المقيد، غير الحر، يؤدي هذه الشخصية وفق قيود المجتمع. لهذا نجد أن غالبية الأدوار التي يصنفها "العقل العربي" مثلاً أدوار إغراء وعهر قد يجلب لها المخرج ممثلات بورنو بل بائعات هوى "حقيقيات".

"ممثل الطبقة الراقية لا يتعرى".

ولأن هذا "العقل" تسيره الطبقية حتى في ممارسة الفن، هناك ممثل الطبقة الراقية، لا يتعرى، لا يشعر، لا يعبر، ويُكرم بالجوائز، والمهمة الصعبة تقع على ممثلات. يلعبن الدور، ولا يقيمن أداءهن، إذ يكتفي المشاهد بمحاكمتهن.

ذاك ما حرضني عليه الصديق الذي قال إنني أشبه ممثلة بورنو، هو التأمل والبحث والعودة الى داخلي، وفجأة تكونت لدي الرغبة في معرفة من أشبه، وأصبح محل فخر أنني شخص متوازن، أحمل جسداً غير معاق، أتحرك داخله، وأظهر عليه كل علامات إنسانيتي. كل العلامات التي تشير إلى أني ما زلت حية أرزق.

هل أكملتم القراءة؟ إذاً لا تنتقدوا كلامي أيها الذكور، فلو عاد هذا الشخص، وكتب لي الجملة نفسها "تشبهين ممثلة البورنو" فسأحظره مجدداً، لأن التغيير لا يحصل من طرف واحد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image