تداولت وسائل الإعلام الإماراتية خلال الساعات الماضية خبراً عن إلغاء المحكمة الاتحادية العليا حكماً استئنافياً وتثبيتها حكماً أولياً بتطبيق عقوبة الجلد 100 جلدة على متهميْن (رجل وامرأة) بارتكاب "فاحشة الزنا"، والسجن لمدة عام للرجل.
أثار الخبر دهشة معلقين عبر مواقع التواصل الاجتماعي نظراً لإظهار الإمارات وادعائها "الانفتاح غير المحدود" و"تعزيز الحريات الشخصية" إذ تعد أكثر البلدان الخليجية احتضاناً لمعتنقي الأديان والعقائد المختلفة.
ورد في الخبر المنشور في 5 تشرين الأول/ أكتوبر أن المحكمة الاتحادية العليا استندت في حكمها إلى أن "المادة الأولى من قانون العقوبات (الإماراتي) تنص على سريان أحكام الشريعة الإسلامية في جرائم الحدود والقصاص، الأمر الذي يستوجب معها تطبيق عقوبات على الزاني غير المحصن (غير المتزوج)، تتمثل في جلده 100 جلدة وتغريب (سجن) عام". قالت المحكمة إن هذه العقوبة "لا يجوز إنقاصها أو الزيادة عليها".
قصة الحُكم
وكان رجل وإمرأة قد أحيلا إلى محكمة إماراتية بتهمة أنهما "مسلمان بالغان عاقلان غير محصنين ارتكبا فاحشة الزنا"، وطلبت النيابة العامة تطبيق "أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والمادة 121/1 من قانون العقوبات الاتحادي" عليهما.
"لا يجوز إنقاص العقوبة المقررة في الشريعة الغراء أو الزيادة عليها"... المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات تؤيد حكماً بالسجن لمدة عام والجلد 100 جلدة لمتهم غير متزوج بـ"الزنا"، وتكتفي بـ100 جلدة للسيدة المتهمة معه
قضى حكم محكمة أول درجة بمعاقبة المتهمين بالجلد 100 جلدة وحبسهما لمدة سنة عن التهمة المسندة إليهما مع إلزامهما بالرسوم القضائية. لكنهما استأنفا ضده لتقضي محكمة الاستئناف بإلغاء حكم الحبس بحق المتهمين والاكتفاء بجلدهما 100 جلدة لكل منهما وإلزامهما دفع الرسوم القضائية.
هذه المرة كان رفض الحكم والاستئناف عليه من قبل النيابة العامة لتُلغيه المحكمة الاتحادية العليا وتقر حكم أول درجة.
وارتاحت المحكمة إلى المبرر الذي ساقته النيابة العامة في طعنها إذ قالت إن محكمة الاستئناف أخطأت حين اكتفت بجلد المتهمين حداً عن "جريمة الزنا" وألغت عقوبة الحبس "التي توازي عقوبة التغريب المقررة شرعاً للزاني غير المحصن".
ويُجمع الفقهاء المسلمون على أن "التغريب" نوع من أنواع الحد وأنه يجب الجمع بين عقوبتي الجلد والتغريب لكن بالنسبة "للذكر" على خلاف الأنثى وفقاً للمذهب الشافعي.
وعقّبت المحكمة الإماراتية على ذلك بالقول: "تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية، وبما مؤداه أن على المحكمة إعمال أحكام الشريعة الإسلامية الغراء على جرائم الحدود ويبطُل كل قضاء يخالف أحكامها".
إلى ذلك، قضت المحكمة بتعديل الحكم بإضافة عقوبة السجن لمدة عام للرجل مع الجلد 100 جلدة لكل من المتهمين.
"الزنا" في الإمارات
وشهدت الأعوام الأخيرة عدة محاكمات لمواطنين إماراتيين وعرب وأجانب بتهمة "الزنا" داخل البلد الخليجي.
عام 2011، قالت مواطنة أسترالية إنها بصدد مقاضاة بلدها بسبب "الخدمة القنصلية السيئة" لأنها تواصلت مع سفارة بلدها في الإمارات عام 2008 لتبلغ عن تعرضها للاغتصاب من قبل زملاء عمل، موضحةً أنها ستلجأ إلى الشرطة ولم ينبهها أحد إلى أنها قد "تُعاقب" و"تُدان" بتهمة "الزنا" عوضاً عن معاملتها كمتهمة.
في حيثياتها، قالت المحكمة الإماراتية إن جمهور الفقهاء أقرّ الجمع بين عقوبتي السجن والجلد للزاني غير المتزوج والاكتفاء بعقوبة الجلد للأنثى. لماذا حُكم عام 2017 إذاً بالسجن ستة أشهر على شابين متهمين بالتهمة نفسها وإضافة 100 جلدة لعقوبة الفتاة وحدها؟
أمضت السيدة الأسترالية حينذاك ثمانية أشهر في السجن بتهمتي "الزنا وشرب الخمر بدون ترخيص" عقب شكواها بشأن تعرضها للتخدير والاعتداء الجنسي. لم تخرج إلا بعد الحصول على عفو رسمي عام 2009.
عام 2013، وقعت حادثة مشابهة. قضت محكمة إماراتية بسجن شابة نرويجية 16 شهراً بتهم "ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج وشرب الخمر وشهادة الزور"، عقب إبلاغها عن تعرضها للاغتصاب من قبل زميل لها أثناء رحلة عمل إلى دبي. الشابة النرويجية قالت إن زميلها جذبها إلى داخل غرفته في الفندق واغتصبها بعد أن طلبت منه مساعدتها في العثور على غرفتها عقب تناولهما بعض المشروبات الكحولية. وحصلت على عفو بعد بضعة أشهر أيضاً.
وهز حكم بجلد فتاة إماراتية (20 عاماً) 100 جلدة المجتمع الكويتي عام 2017، بعدما تبيّن أنها حامل ولم يسبق لها الزواج إذ اعترفت بممارسة علاقة جنسية مع شاب. الحكم شمل أيضاً عقوبة السجن ستة أشهر للشاب والفتاة لكنه طبق الجلد على الفتاة وحدها بعكس الحكم الصادر أخيراً.
وفي تقريرها الشامل لحالة حقوق الإنسان في دولة الإمارات لعام 2018، نددت هيومن رايتس ووتش بالمادة 356 من قانون العقوبات الإماراتي التي تجرم "هتك العرض بالرضا"، قائلةً إن الدولة تستخدمها من دون تعريف المقصود بها لتطبيق عقوبة السجن سنة واحدة على الأقل "للحكم على الأشخاص في جرائم الزنا، والتي تشمل العلاقات بين الرجل والمرأة بالتراضي خارج الزواج".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...