شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"حتى نحن لا نفهمه لكن نشعر به"... قصص عن توائم عربية متطابقة وغير متطابقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 6 أكتوبر 202003:47 م

باللهجات المصرية والفلسطينية والأردنية، قالوها بطريقتهم الخاصة واتفقوا عليها لأنهم يحملون طباعاً خاصة، على أنه من الصعب جداً أن يستطيع أي فرد خارج دائرتهم أن يصل لمعرفة سر الترابط الروحي والمعنوي الذي يجمع بين التوائم.

ما يميز التوائم ليس ملامح الوجه المتشابهة. قد تختلف هذه الملامح بالنسبة لتوائم كثر، لكنْ دائماً هناك شعور بأن ما يجمعهما هو مزيج من أحاسيس خاصة تتعلق بفهم بعضهم بعضاً سواء بلمحة النظر أو برفة من قلبين مختلفين لجسدين مختلفين لكن متشابهين في الروح، وهو الأمر الذي برهنوا عليه توائم تواصل معهم رصيف22 من مصر، وفلسطين، والأردن، للحديث معهم عن الميزات المعنوية والروحية للتوائم. 

أحمد الباز، 33 عاماً، من مصر، لديه أخت توأم اسمها أمل، وهما من التوائم غير المتطابقين في الشكل. في حديثه لرصيف22، حاول أن يعود بذاكرته لمواقف تؤكد أن ما يجمعه بتوأمه أمل هو نفسه لا يعرف سره، ويعطي أمثلة من الماضي القريب تثبت مدى شعور كليهما بالآخر حتى لو لم يفصحا عما يشعران به، ويقول: "أنا مثلاً أعيش في دبي وتوأمي أمل في مصر، في أحيان كثيرة جداً أكون أشعر بالمرض ودون إخبارها، لكنها تكون متأكدة أنني اليوم مريض على سبيل المثال، وتكرر هذا الموقف أكثر من مرة، قد تتصل بي أمل وقبل السلام تباغتني بـ: أحمد انت مريض النهار دة!".

كذلك الأمر بالنسبة لأحمد، يقول: "حصل معي أكثر من مرة أن أصحو من النوم قلقاً بخصوص أمل، وعندما أتصل بها يتبين أن مشكلة ما قد حصلت معها"، وهنا يتوقف أحمد قليلاً ويعود إلى الماضي البعيد، ويستذكر: "مرة كنت في المدرسة في مرحلة الإعدادي، كنت ألعب كرة القدم مع أصدقائي في الحارة، أذكر يومها أن أمل خرجت برأسها من الشباك وألحت على عودتي إلى البيت، رغم أنها لم تكن المرة الأولى ألعب الكرة في الحارة، استمرت بالإلحاح لكنني لم أستجب، وبعد فترة بسيطة من اللعب تعرضت لإصابة أدت إلى كسر في يدي"، ويتابع: "هذه الحادثة الغريبة هي من التساؤلات العديدة التي طالما كانت عائلتي تتساءلها في سياق الحديث عن السر الذي يجمع بين إحساسي وإحساس أمل".

أمل وأحمد

"كانت النظرة كفيلة بأن تحيطنا بالأمان"

ويتحمس أحمد أكثر في العودة إلى ذاكرة الماضي البعيد، ويعود بنا إلى أيام المدرسة، حيث كان هو وأمل في الصف نفسه، يقول: "عندما كان يأتي الدور علي بتوجيه الأستاذ سؤالاً لي، كنت قبل الإجابة أنظر إلى أمل، مجرد النظرة إليها كانت تمنحني شعور القوة والارتياح، والعكس صحيح أيضاً".

وتطرق أحمد الباز إلى زاوية كانت بالنسبة لي أول مرة أسمع عنها، تختلف عن كل ما سمعته حول ما يجمع التوائم، وهي زاوية لا ترتبط بتوأمه أمل بل بابنتها، يقول: "أمل أنجبت توأم بنات، وأسمت إحداهما أمل مثل اسمها، سلوك أمل الصغيرة الشخصي تكاد تكون ابنتي فيه من شدة تقارب سلوكها بسلوكي، حتى أن جميع أفراد العائلة لاحظت الملاحظة نفسها، إذ تجمعنا تفاصيل زائدة عن الحد في التشابه... أمل الصغيرة تقريباً أنا!".

ذلك الأمر الذي وكما بيّن أحمد سهّل على توأمه أمل في التعامل مع ابنتها التي تشبهه في كل الصفات، بحيث: "أصبحت أمل تستنتج ما ستكون عليه ابنتها في المستقبل من وحي معرفتها بسلوكي الشخصي، حتى أنها تخطط للحدث الذي ستقوم به ابنتها وكيف ستتعامل معه قبل وقوعه".

هل فعلاً يجمع التوائم شيء لا نفهمه؟ سألت أحمد وأجاب في ختام حديثه: "حتى نحن لا نفهمه، لكن بالتأكيد نشعر به".

قد تختلف ملامح الوجه بالنسبة لتوائم كثر، لكنْ دائماً هناك شعور بأن ما يجمعهما هو مزيج من أحاسيس خاصة تتعلق بفهم بعضهم بعضاً سواء بلمحة النظر أو برفة من قلبين مختلفين لجسدين مختلفين لكن متشابهين في الروح، وهو الأمر الذي برهنوا عليه توائم تواصل معهم رصيف22

"إحساسنا لا يفهمه أحد"

"انتي عرفتي منين؟" سؤال يكرره باستمرار إسلام رأفت، 28 عاماً، على توأمه إيمان في كل مرة تفاجئه بالاستفسار عن وضعه الصحي والنفسي بحسب ما جاء في حديثها لرصيف22، فهي وإسلام توأم غير متطابقين بالشكل، لكنهما متشابهان جداً في شعورهما اتجاه الآخر، كما قالت.

ومنذ أن غادر إسلام مصر للعمل بالخارج، باتت إيمان كما تقول تحلم به كثيراً، وتستشهد بمثال: "أكثر من مرة زوجي يصحى على صوت (خضتي) وأنا مفزوعة في الحلم، وفي آخر مرة حلمت بالتفصيل لمشكلة سوف تحدث مع توأمي إسلام، وعندما صحوت أنا وزوجي على صوت صراخي وبكائي بطريقة هستيرية، أجبرت زوجي على أن نتصل بإسلام وقلت له ماذا سيحصل معه، وأكدت عليه بقولي: خد بالك من فلان، قلت اسمه بالحرف، وبالفعل تبيّن صحة حلمي وتخوفي من ذلك الشخص حيث اصطدم معه إسلام بعد يومين من حلمي".

إيمان وإسلام

وعن ذكريات الطفولة بينها وبين توأمها، قالت إيمان: "في طفولتنا كنت أنا الطرف الشرير، وعندما كنت أرتكب خطأ كان والدي يعاقب إسلام (وما يزعلش)، واليوم عندما كبرنا زادت علاقتنا قوة وتميزاً، حتى أن أهلي حتى اليوم عندما يريدون أن يوجهوا نصيحة لإسلام يعتمدون عليّ لإيصالها إيماناً منهم أنه من المستحيل أن يرفض لي طلباً"، ومن ذاكرة طفولتها أيضاً أن إيمان وإسلام حصلا على الدرجة نفسها في الثانوية العامة، ودرسا التخصص عينه في الجامعة.

ما هو الشيء الذي لا نعرفه عن التوأم؟ سألت إيمان فأجابت: " الإحساس... إحساسنا لا يفهمه أحد غيرنا، وتقبلنا لاختلافاتنا التي لا نتقبلها لأي آخر".

رفضتا المنحة وفضلتا البقاء في الأردن

حتى هي نفسها لم تكن تميزهما في بداية ولادتهما، فأمل عيسى التي أنجبت بكرها توأماً هما سجى وحلا، اليوم بلغتا سنّ 31 عاماً، تقول لرصيف22 كانت تقع في كثير من المرات في خطأ إرضاع إحداهما مرتين اعتقاداً منها أنها أرضعت الاثنتين، كانت تكتشف أنها ارتكبت الخطأ عندما يستمر بكاء التي حرمت من الرضاعة، بسبب تطابق شكلها مع شكل توأمها.

وتضيف أمل وهي وعائلتها من فلسطين: "حتى المدرسة التي كانت سجى وحلا تدرسان فيها، تلح علي أن أميّز إحداهما بشبرة أو (بكلة) على شعرها، حتى تستطيع المعلمات التمييز بينهما، لكن سبحان الله عندما أصبحتا في عمر السبعة أعوام، تعرضت سجى لحرق في يدها اليسرى من جراء إبريق ماء ساخن وقع عليها، وبات الحرق إشارة لأقاربنا وأصدقائنا لتفرقة سجى من حلا".

"ليس فقط إحساسهما القوي إحداهما بالأخرى وملامح الوجه المتطابقة التي تجمع سجى وحلا، بل أيضاً قوة التعلق إحداهما بالأخرى"، تقول أمل عيسى، وتستشهد بأكثر من مثال: "عندما نجحتا في التوجيهي، حصلتا على منحة لدراسة الطب في تركيا، ولأن المنحة اشترطت وجود كل واحدة في مدينة رفضتا ذلك، رفضتا المنحة وفضلتا الدراسة في الأردن، المهم أن تكونا في الجامعة والسكن نفسيهما".

وتضحك عند سؤالها عن مثال آخر وهو ختام حديثها، وتقول: "سجى وحلا لم تفارقا السرير الواحد، إلى أن تزوجت سجى قبل ثلاثة أعوام، من المستحيل أن أنسى الاكتئاب الذي أصيبت به حلا لفترة طويلة، هما جسدان في روح واجدة".

"حتى المدرسة ألحت علي أن أميّز إحداهما بشبرة أو (بكلة) على شعرها، حتى تستطيع المعلمات التمييز بينهما، لكن سبحان الله عندما أصبحتا في عمر السبعة أعوام، تعرضت سجى لحرق في يدها اليسرى من جراء إبريق ماء ساخن وقع عليها، وبات الحرق إشارة لأقاربنا وأصدقائنا للتفرقة بينهما"

"أنا سارة مش دانة!"

الجدير بالذكر أن فكرة كتابة التقرير جاءت بعد تجربة حدثت معي قبل أسبوعين، إذ كنت في زيارة عمل لدى عائلة، وحدث أن سقطت ابنتها على الأرض واسمها دانة عبده، 18 عاماً، وبعد مرور دقائق سألتها كيف أصبحت ركبتك التي سقطت عليها، فأجابت: "أنا سارة مش دانة!".

ربما تكون الصور أو محاولة إيصال فكرة مدى التشابه المتطابق فوق العادي للتوأم دانة وسارة ظالمة، وتبين أن عدم التمييز بينهما لا يقتصر فقط على من يتعرف عليهما حديثاً، بل حتى الآن أشد الأقرباء لهما لا يميزون بينهما بحسب حديث دانة لرصيف22، حتى أن الشامة الأقرب إلى حجم النقطة تحت عينها اليسار لا تفلح دائماً للتمييز بينهما، كما تقول.

دانة وسارة

ومن المواقف التي تعرضت لها دانة وسارة كما تروي دانة: "منذ أيام المدرسة ونحن نواجه عدم قدرة على التمييز بيني وبين سارة، رغم أن إدارة المدرسة وضعت كل منا في شعبة (فرع)، ذات مرة كانت عندي حصة وبعد انتهائها ذهبت المعلمة لتقديم  الحصة نفسها في شعبة سارة، وعندما رأتها بدأت بالصراخ عليها اعتقاداً منها أنها هربت من ذلك الصف!".

"أشعر بها بطريقة غير عادية" تقول دانة عن الإحساس المشترك بينها وبين توأمها سارة، لدرجة أنها تستبق ردة فعل سارة للحدث قبل أن تعبر عنه، وتعطي مثالاً آخر على التقارب: "عندما كنا صغاراً وتقع سارة مريضة، كانت والدتي تأخذني معهما للطبيب للكشف لأنها أكيدة أنني سأمرض بعدها بيوم واحد على الأقل، وحتى اليوم عندما تمرض إحدانا تلحقها الأخرى بعد يوم أو يومين".

"ما زلنا ننام في الغرفة نفسها رغم وجود غرف فارغة في المنزل، ونحب أن نصبغ شعرنا باللون نفسه... نحن نعشق تميزنا"، تقول دانة، وتختم إجابة على سؤالي "هل صحيح أن هناك شيئاً يجمع التوائم لا نعرفه؟": "نعم صحيح، لا أحد يعرف ما يجمعنا، حتى عندما أكون أنا وسارة في الشارع ونشاهد توأماً نتبادل النظر نحن الأربعة على نحو يبين أن التوائم فقط يدركون السر الذي يجمعهم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard