عندما شرعت الولايات المتحدة في غزو العراق كانت فرنسا من المعارضين لهذه الخطوة واعتبرتها انتهاكاً للقانون الدولي، وحينما شرع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بناء مفاعل نووي حُكي عن مساعدة باريس له في إنجازه.
قد يبدو التذكير بهاتين المحطتين مقدمة مناسبة لإظهار ما تختزنه ذاكرة عراقيين كثر حول فرنسا، وذلك على ضوء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد يوم أمس الأربعاء، في الثاني من أيلول سبتمبر.
وبينما يُحاجج فريق حول قدرة باريس على مساعدة العراق في الخروج من أزمته وفي أن يصبح دولة قادرة على لعب دور في الساحة الدولية، يشكك آخرون في نوايا الرئيس الفرنسي إذ يقول البعض إنه يريد الضغط على تركيا من العراق علماً أن ماكرون جاء بمبادرة تدعو إلى دعم السيادة العراقية وعدم تدخل الدول في شؤونه.
ما الذي يمكن أن يقدمه ماكرون؟
أعلن ماكرون أنه توجه إلى بغداد "لإطلاق مبادرة بالتعاون مع الأمم المتحدة لدعم مسيرة السيادة العراقية"، بينما لم يكشف تفاصيل المبادرة، لكن بعض المسؤولين العراقيين توقعوا إعلان مساعدات مالية أو عسكرية جديدة تحقق للعراق استقلاله.
وتحدث الرئيس الفرنسي عن تحديات قائمة لتأمين سيادة العراق، محدداً اثنين منها وهما القتال ضد مسلحي تنظيم داعش والتدخل الأجنبي في شؤونه. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي: "سنبقى ملتزمين بالاستمرار في محاربة تنظيم داعش، لكن يجب أن يكون ذلك في سياق اتفاق وبروتوكول يحترم سيادة العراق".
وعليه، حدّد الرئيس الفرنسي في كلامه ضرورة عقد اتفاق وبروتوكول ينظم مشاركة وتواجد قوات فرنسية في القتال ضد تنظيم داعش على الأراضي العراقية.
ويرى العميد ركن متقاعد إسماعيل السوداني أن زيارة ماكرون مهمة للعراق لأنها تأتي في وقت تبحث فيه الحكومة العراقية عن فرصة للانفتاح على أوروبا بشكل عام، ودول حلف الناتو بشكل خاص، من أجل الدعم السياسي و الأمني والاقتصادي.
ويضيف العميد العراقي، في حديثه لرصيف22، موضحاً وجود ربط بين دور فرنسا المتزايد في شرق المتوسط ومحاولة العراق والأردن ومصر إنشاء تحالف اقتصادي (مشروع الشام) في المنطقة يكون لفرنسا دور في دعمه.
في المقابل، يستبعد السوداني أن تمثل الزيارة دعماً للكاظمي في مواجهة المجموعات المسلحة في العراق، قائلاً: "هناك حديث عن موضوع دعم سيادة العراق كأحد أهداف الزيارة، لكن الميليشيات تعتبر نفسها جزءاً من الدولة العراقية وإحدى مكونات الأجهزة الأمنية الحكومية وهي بذلك لا تخرق السيادة".
بينما يُحاجج فريق حول قدرة باريس على مساعدة العراق في الخروج من أزمته، يشكك آخرون في نوايا الرئيس الفرنسي إذ يقول البعض إنه يريد الضغط على تركيا من العراق علماً أن ماكرون جاء بمبادرة تدعو إلى "دعم السيادة العراقية"
من جهته، يقول الباحث والأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل فراس إلياس لرصيف22 إن "مبادرة دعم مسيرة السيادة العراقية" هي تأكيد على ما تم التباحث عليه في زيارة الكاظمي إلى واشنطن، وهو إنشاء "مشروع الشام الجديد" الذي سيكون حجر الزاوية لازدهار التجارة وحركة رأس المال في البحر الأبيض المتوسط.
وأثارت مبادرة ماكرون ردود أفعال واسعة بين السياسيين العراقيين الذين شككوا في نوايا فرنسا تجاه بغداد، استناداً إلى سجلها السياسي.
في تغريدة على حسابه في تويتر، كتب المعارض العراقي والنائب السني السابق للرئيس العراقي طارق الهاشمي: "الرئيس الفرنسي ماكرون يتعهد خلال زيارته للعراق بإطلاق مبادرة مع الأمم المتحدة تهدف إلى تعزيز الانتقال للديمقراطية واستعادة السيادة، لا ننكر أن العراق بحاجة لدعم المجتمع الدولي للتغيير الذي انطلق بثورة تشرين الشبابية، لكن سجل فرنسا في العلاقات الدولية يضع المبادرة محل شك".
وقال نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ظافر العاني في تغريدة: "أدهشتني ‘مبادرة السيادة للعراق‘ التي جاء بها ماكرون إلى بغداد وكأن السيادة منحة خارجية وليست إرادة وطنية"، مضيفاً "إنها مثل نكتة الديمقراطية والتحرير التي جاءت بها أمريكا على ظهور دباباتها. لست أدري لماذا كلما تحدثت دولة أجنبية عن مبادرة تجاه العراق أضع يدي على قلبي".
وحول الوضع الاقتصادي ناقش ماكرون التعاون مع العراق في مجال الطاقة ودعم الحكومة لإنشاء مترو أنفاق في بغداد.
في هذا الشأن، يرى المحلل السياسي العراقي واثق الجابري أن العراق يريد أن يعقد عدة اتفاقيات في كافة المجالات مع الجانب الفرنسي وأن يظهر على الساحة العالمية.
ويلفت الجابري لرصيف22 إلى أن العراق يمكن أن يستفيد منها في تعزيز جهوده للعب دور الوسيط في حل مشكلات المنطقة، وربما يكون التعاون دولياً مع الجانب الفرنسي أكثر مقبولية من نظيره الأمريكي الذي يعتبر بعض العراقيين أنه جزء من المشكلة أو يريد ضم العراق الى محوره المعادي لإيران.
ويضيف الجابري: "يسعى العراق للابتعاد عن المحاور في ظل أجواء سياسية داخلية منقسمة بين المحور الأمريكي والإيراني، ولهذا فإن المحور الفرنسي قد يساعد العراق في جهوده".
ما الذي تريده فرنسا من العراق؟
يقول إلياس إن زيارة ماكرون هي أول زيارة لمسؤول أوروبي رفيع المستوى للعراق، بعد تولي الكاظمي رئاسة الوزراء، وهي جاءت بعد زيارته لبيروت، ما يعطيها الكثير من الدلالات وقد يكون أهمها أن مشروعه السياسي الذي طرحه على القادة اللبنانيين، سيُكتب الجزء الثاني من نجاحه في بغداد.
ويرى أن زيارة ماكرون تأتي نيابة عن أغلب دول أوروبا، للتأكيد على الدعم الدولي للعراق، وصد التوجهات الإيرانية والصينية فيه، وهو ما يؤشر للأبعاد المتعددة وراءها.
وحول هدف ماكرون من دعم السيادة العراقية، يرى إلياس أن الرئيس الفرنسي يريد إيجاد منطقة ضغط أو ورقة نفوذ تأثير جديدة حيال تركيا، ومحاولة فرنسية لنقل التأثير والضغط على حدود تركيا، ما قد يؤثر على مسارات الصراع في شرق المتوسط الذي يشهد خلافات فرنسية تركية معقدة، سواء على مستوى الصراع في مياه البحر المتوسط، أم في ما يتعلق بمسارات الحل السياسي في ليبيا.
من جهة ثانية، يشير الباحث والأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل إلى أن العلاقات الفرنسية الكردية تُعد أحد أبعاد زيارة ماكرون لبغداد، إذ يتواجد عدد من السجناء الفرنسيين المنتمين لتنظيم داعش في السجون الخاصة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية شرقي الفرات، وتطمح باريس باستغلال نفوذ إقليم كردستان العراق في الإبقاء عليهم داخل السجون في الأراضي السورية.
وبحسب إلياس، فإن باريس ستقدم حوافز اقتصادية للإقليم الكردي في مقابل إنهاء هذا الملف، لافتاً إلى أن هناك أيضاً سجناء فرنسيين من داعش في السجون العراقية، وهو ملف أثّر على طبيعة العلاقات الفرنسية العراقية الفترة الماضية، وسيحاول ماكرون إيجاد حل له في زيارته لبغداد.
أما بالنسبة للقوات الفرنسية المتواجدة ضمن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق، فيشير إلياس إلى أن هذا الملف خضع أيضاً للنقاش، بعد الاتفاق الذي حصل بين بغداد وواشنطن الأيام الماضية على تخفيض عدد القوات الأمريكية المتواجدة ضمن التحالف الدولي إلى 3500 جندي، وهو ما قد يتكرر مع القوات الفرنسية التي قد تخفض عدد قواتها أيضاً في قادم الأيام.
في سياق آخر، يقول السوداني إن أمريكا تنظر للزيارة على أنها مهمة كون فرنسا ساهمت بشكل فعال بالحرب ضد داعش ولديها قوات تدرب القوات العراقية، كما أن فرنسا جزء من دول الناتو، لذا ترحب بالزيارة طالما تُبعد العراق عن إيران والصين وروسيا.
"زيارة ماكرون هي أول زيارة لمسؤول أوروبي رفيع المستوى للعراق، بعد تولي الكاظمي رئاسة الوزراء، وهي جاءت بعد زيارته لبيروت، ما يعطيها دلالات كثيرة قد يكون أهمها أن مشروعه السياسي الذي طرحه على القادة اللبنانيين، سيُكتب الجزء الثاني من نجاحه في بغداد"
وحول حديث البعض أن فرنسا يمكن أن تملأ فراغ الانسحاب الأمريكي، يرى السوداني أن فرنسا لا يمكن أن تكون بديلاً لأمريكا في العراق كما يتصور البعض، لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود توافق فرنسي أمريكي منذ بداية احتلال العراق وحتى الآن في عدد من المجالات على الرغم من ترحيب واشنطن بالزيارة.
محطات في علاقات البلدين
تنظر الطبقة السياسية في بغداد إلى فرنسا باعتبارها الدولة التي وقفت ضد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وعليه يعتبر سياسيون كثر أن باريس كانت تعارض سقوط الرئيس الراحل صدام حسين.
في 18 آذار/مارس 2003 ، اعتبر الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت جاك شيراك أن العراق لا يمثل تهديداً مباشراً يبرر حرباً فورية عليه، مؤكداً أن فرنسا تناشد الجميع احترام القانون الدولي.
تسبب موقف شيراك في توتر علاقات فرنسا مع الولايات المتحدة لسنوات عدة، وعليه شهدت علاقات باريس مع العراق بعض البرود لأن الأخير كان يسير في فلك واشنطن بعد الاحتلال.
في عام 2004، أعادت فرنسا فتح سفارتها في العراق كذلك فتحت الأخيرة سفارته مرة أخرى في باريس.
ومن المفارقات في تاريخ العلاقات الفرنسية العراقية أن باريس في عهد شيراك عقدت اتفاقاً مع صدام حسين على المساعدة في بناء مفاعل أوزيراك النووي، والذي تعرض لضربة جوية إسرائيلية.
كما دعمت فرنسا العراق في الحرب مع إيران، وهو الأمر الذي يضعه أنصار طهران في العراق باعتبارهم. ومع ذلك عارضت فرنسا احتلال العراق للكويت حيث أرسلت حينذاك 18 ألف جندي لتقديم المساعدة الجوية في طرد القوات العراقية والخدمات الطبية وفرض حظر تجاري على بغداد.
وخلال الأشهر الأخيرة، ضاعفت فرنسا إشارات الدعم للعراق عبر زيارة قام بها وزير خارجيتها جان إيف لودريان، في تموز/يوليو الماضي، وأكد خلالها على "أهمية النأي بالنفس عن توترات المحيط".
وفي 27 آب/أغسطس الماضي، زارت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي بغداد وأربيل، مشددة على ضرورة مواصلة مكافحة تنظيم داعش.
وحول الاهتمام الفرنسي بالعراق قال كريم بيطار، أستاذ العلوم السياسية الذي يعمل بين باريس وبيروت، لوكالة "فرانس برس"، إن "ماكرون يحاول وبالتأكيد الدفع باتجاه شرق أوسط يتطلع نحو فرنسا".
وأضاف أن الرئيس الفرنسي كان يركز على لبنان والعراق، وكلاهما له علاقات مع إيران والسعودية، لأنه يعتقد أن باريس يمكن أن تلعب دور الوسيط إذا تصاعدت التوترات الإقليمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...