شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مدة الإيلاج ومسائل جنسية أخرى... نقاش طبي وإنساني بعيداً عن تصورات

مدة الإيلاج ومسائل جنسية أخرى... نقاش طبي وإنساني بعيداً عن تصورات "البطولة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 سبتمبر 202001:18 م

في أحاديث رجال كثر حول الجنس، تطغى فكرة مدة الإيلاج في العلاقة الجنسية على معظم النقاشات، ويستحسن الأغلب إطالة فترتها، وهي أحاديث تتشاركها نساء كذلك وتظهر أحياناً عبر مجموعات وسائل التواصل في إطار ساخر يُعاير الرجال بقصر مدة الإيلاج، دون أن يكون الموقف العلمي واضحاً لدى الطرفين.

ولأن طول مدة الإيلاج اتخذ في الأحاديث العامة شكلاً "بطولياً"، انتشرت بين رجال كثر عادة تناول العقاقير التي تطيل هذه المدة، وشكّلت الفكرة سوقاً رائجة لشركات الأدوية، بينما امتلأت الشبكة العنكبوتية بإعلانات عن ذلك، وكأن الإيلاج هو صراع مع المرأة حول من يستسلم أولاً؛ الرجل حين يقذف، أم المرأة حين تعلن كفايتها، سواء بسبب الألم أو لأنها وصلت إلى الذروة.

وفي الطرف الآخر، تظهر مشكلة سرعة القذف عند الرجال، وهي شائعة بحسب معظم التقارير الطبية، ويلجأ معظم الرجال لإنكارها أو علاجها بإطالة مدة القذف بشكل مبالغ فيه من خلال العقاقير، عوضاً عن فتح نقاش منطقي بين طرفي العلاقة يتناول تفضيلات كل منهما والطريقة التي تناسبه للقيام بالأمر.

وفي غياب النقاش الواعي حول المسألة، قد يتحول الطرفان إلى خصوم، يحشد كل طرف أسلحته للفتك بالآخر، فالرجل قد يتهم الأنثى بالتسبب في المشكلة لأنها غير مثيرة كفاية، بينما ترد الأنثى بالتشكيك في فحولته. 

تصورات مغلوطة عن الإيلاج

في العلاقة الجنسية، يحتلّ الإيلاج مكانة أساسية، لها متطلباتها النفسية والصحية، دون أن يكون العنصر الوحيد.

حول تصوير الإيلاج كإثبات للرجولة، يقول أستاذ الطب النفسي في جامعة القاهرة يحيى الرخاوي: "لا يُنظر للمسألة بهذه البساطة أو هذا الاختزال، فبعد تشرذم المجتمع وتباعد المسافة بين طبقاته، وتنوع طرق تنشئة الجيل الأصغر، أرى أن أي تعميم للرد على مثل هذا التساؤل هو نوع من الاستهانة بهذه العلاقة الجوهرية الحساسة التي هي أصل الحياة، فالمسألة ليست إثبات رجولة أو احتجاج أنوثة".

ويتابع الرخاوي في حديثه لرصيف22 قائلاً: "هذا التصوير هو جهل بطبيعة ووظيفة هذه الغريزة الكريمة التي خلقنا الله بها لحفظ النوع أساساً، وجعل اللذة فيها بمثابة الرشوة لتحمل التقارب الضروري والصعب مع الجنس الآخر لنكون بشراً، فالجنس هو من أعلى درجات تحقيق علاقة بشرية حقيقية تحمل مقومات الاستمرار".

وفي شهادتها لرصيف22 قالت منى إسماعيل: "من تجربتي، تشيع التصورات المغلوطة عند الرجال حول الإيلاج، فالكثيرون لا يهتمون بمراعاة متطلبات الأنثى، ويهتمون فقط ببلوغهم الذروة، حتى لو تسببوا بألم لشريكتهم، ولا يفتحون مجالاً لمناقشة متطلبات الأنثى في كيفية العلاقة، ولو لدى بعضهم مشاكل جنسية لا يعترفون بها، ويرون في الحديث عنها انتقاصاً من رجولتهم، ما يدفع بنساء كثيرات للقبول بأي شكل للعلاقة، حتى تتحول إلى عمل روتيني يجب الانتهاء منه لإرضاء الرجل".

في غياب النقاش الواعي حول المسألة، قد يتحول الطرفان إلى خصوم، يحشد كل طرف أسلحته للفتك بالآخر، فالرجل قد يتهم الأنثى بالتسبب في المشكلة لأنها غير مثيرة كفاية، بينما ترد الأنثى بالتشكيك في فحولته... نقاش حول طول مدة الإيلاج والقذف المبكر بعيداً عن التصورات الخاطئة

وفي حديثه عن عدم مراعاة الرجال لتطلعات المرأة الجنسية، يعلّق الرخاوي بالقول: "المسألة في طبيعة النظر للزواج من كلا الطرفين، فإذا كان الرجل يرى في الزواج أداة لتفريغ الطاقة واستعمال الشريكة كمهدئ أو منوم أساساً، فضلاً عن خدماتها الأخرى، فهو يمارس العلاقة البشرية التي أكرمه الله بها بأدنى درجاتها، وحين تشعر المرأة بأن زوجها لا يقترب منها على نفس المستوى من الرعاية والاحترام وإنما يستعملها فقط لتفريغ احتياجاته، تنغلق عنه جزئياً أو كلياً، ويصبح بقاؤها معه إما لضغوط اجتماعية أو تحت لافتة رعاية الأولاد".

ما هي مدة الإيلاج المُرضية؟

تختلف مدة الإيلاج وكيفيتها حسب الأشخاص، بل وتختلف بين الشخصين نفسهما من وقت لآخر، وفق الحالة النفسية والجسدية والإثارة، لكن يوجد حد أدنى طبي لوقت الإيلاج، وما أقل منه يراه الطب مشكلة تُعرف باسم "سرعة القذف".

لا يوجد رأي علمي قاطع حول المشكلة، إذ تحدد تقارير عدة الحد الأدنى للعلاقة الصحيحة بـ4.5 دقائق، وأخرى تجعلها بين 3 و7 دقائق. وحول ذلك، تقول خبيرة الصحة العامة والصحة الجنسية الطبيبة علياء جاد: "سرعة القذف هي أن يقذف الرجل بعد مدة قصيرة من العملية الجنسية بحيث لا يشعر الزوجان أنها كانت كافية. وفي التعريف يُقال أقل من 6 دقائق في المعدل، لكني لا أحب تحديد المدة الزمنية هكذا لأنه لو اكتفى زوجان بعد خمس دقائق، فالأمر يكون طبيعياً".

وتردف جاد لرصيف22: "الطبيعي أن تكون ذروة القدرة الجنسية للرجال بين الـ20 والـ30، وتقلّ تدريجياً بعد ذلك، لكنّ انتشار مشاهدة الأفلام الجنسية يؤثر سلباً على هذه القدرة، ويدفع الرجل لاستخدام العقاقير لزيادة قدرته بشكل يفوق المعدل الطبيعي".

وتقول مريم فاروق في شهادتها لرصيف22 عن رؤيتها للمدة المُرضية للجماع مع شريكها في العلاقة الجنسية: "بدايةً تحقيق الرضا بيننا هو المقياس، سواء طالت مدة الإيلاج أو قصرت، لكن كأنثى أرى أن المدة المناسبة تتراوح بين 10 و15 دقيقة، بشكل متقطع، و5 دقائق في حال الإيلاج المتصل".

وترى مريم أن الرجل يجب أن يراعي المرأة، فيكون الإيلاج سلساً دون ألم، كما أنه ليس مطلوباً في كل مرة في العلاقة. ومن التصورات المغلوطة عن العلاقة الجنسية برأيها، هو "حصرها في عملية الإيلاج، فيما الغائب عن الكثير منهم أن الإيلاج ليس ضرورياً كل مرة".

أما عن رأي الرجل في المدة المُرضية للإيلاج في العلاقة الجنسية فيختلف عن نظرة المرأة. يقول أيمن طارق في شهادته لرصيف22: "المدة المُرضية تتراوح بين دقيقتين و5 دقائق، وأقل من 3 دقائق بشكل متواصل يُعتبر مشكلة طبية". ويرى أيمن أنه كلما طال وقت الإيلاج كان أفضل، ويتفق معه أكثر من شخص تحدث إلى رصيف22.

ويختلف أحمد سعيد مع الرأي السابق، ويرى أن المدة الأطول ليست هي الأفضل، بل ما يحقق رضى الطرفين. ويقول لرصيف22: "الوصول للذروة عند الرجل شيء سهل تحقيقه، لكن عند الأنثى ليس سهلاً، خصوصاً لمن تعرضن لجريمة الختان، ولذلك أنا وشريكتي نتحدث حول الشكل الأفضل للإيلاج، ونراعي متطلباتنا سوياً، وبشكل عام أعتبر المدة التي تقلّ عن 3 دقائق هي مشكلة سرعة قذف يجب علاجها".

هل يتناقش الشريكان حول المشاكل الجنسية؟

كلما كان الرجل والمرأة أكثر تعلماً وفهماً للثقافة الجنسية كلما تقبّلا النقاش حول المشاكل الجنسية التي تواجههما، أما عن عدم تقبل مناقشة ذلك، فيقول الرخاوي: "أعتقد أن اللوم يعود على الرجل أكثر في عزوفه عن مثل ذلك، لأن مجتمعنا الشرقي لا يزال يفرض على المرأة أن تكون أكثر حياءً أو يفترض فيها ذلك على الأقل، والرجل لا يفتح هذه المواضيع نتيجة لغروره غالباً، ولأنه لا يعترف لنفسه بأن الصعوبات الجنسية إن وجدت هي نتيجة خطأ فى طبيعة العلاقة أكثر من كونها خطأ أحد الشريكين".

 "معظم الرجال يظنون أن المرأة لو طلبت شيئاً في العلاقة الجنسية فمعنى ذلك التشكيك في رجولتهم، على الرغم من أن الرجل يطلب كل ما يرغب فيه في الجنس"... أطباء وأصحاب تجربة يناقشون مدة الإيلاج المُرضية للشريك بعيداً عن أوهام "البطولة"، والقذف المبكر كمسألة طبية واجتماعية

وفي سياق ذلك، تقول آلاء سالم في حديثها لرصيف22: "معظم الرجال يظنون أن المرأة لو طلبت شيئاً في العلاقة الجنسية فمعنى ذلك التشكيك في رجولة الذكر أو عدم الإعجاب به، على الرغم من أن الرجل يطلب كل ما يرغب فيه في الجنس". 

وتقول رنا سعيد لرصيف22: "من خلال تجربتي أتناقش مع زوجي، ولا نجد حرجاً في الحديث عن المشاكل الجنسية التي تواجهنا".

وخلال حديث رصيف22 مع شخصين آخرين، ألقيا باللوم على بعض النساء حول عزوف الرجال عن مناقشة مشاكلهم الجنسية، بسبب معايرتهن للرجال في حال وجود مشكلة جنسية.

وتتطلب مناقشة المشاكل الجنسية دعماً من الطرف الآخر لصاحب المشكلة، كي لا يفقد ثقته في نفسه، خصوصاً بالنسبة للرجل الذي تربى في ظل ثقافة جنسية تُقلل من شأن من لديه مشاكل جنسية، رغم أنها يمكن أن تكون مرضاً قابلاً للعلاج مثل أي مرض آخر.

وتنصح الطبيبة علياء جاد المرأة بطمأنة زوجها وتشجعيه على حل المشكلة وتقول: "للمرأة أقول إن للمشكلة أسباب كثيرة لا علاقة لها بأنه لا يرغب فيك، بل بالعكس قد يحدث قذف سريع بسبب زيادة إثارة الزوج، طمئنيه وشجعيه وتحدثي في الأمر بحب وهدوء".

وتتوجه بحديثها للرجل بالقول: "أما الرجل فعليه أن يكون صريحاً مع نفسه ليعرف السبب، فهل هو إدمان الأفلام الإباحية والعادة السرية، أو إرهاقه نفسياً وجسدياً، أو شيء ما يضايقه في علاقته بزوجته، أو مرض عضوي محتاج علاج، أو استعمال أدوية معينة تسبب ذلك؟".

ويلقي الرخاوي مزيداً من الضوء على هذه المشكلة، فيقول: "سرعة القذف تعلن عن أشياء كثيرة متنوعة، فهي عادة ليست نتيجة قصور في الغدد الجنسية أو القدرة الجنسية، وإنما ترجع لأسباب كثيرة منها عدم ثقة الرجل في نفسه، ومنها المبالغة في استعمال الزوجة كإناء لتفريغ شحنته وليس كشريك فى تبادل الرحمة والرؤية والمحبة، ومنها عوامل قديمة يمكن أن ترجع إلى نشأته الباكرة المتزمتة التي تعلّم منها أن الجنس رذيلة حتى في الحلال".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard