تقف ليندا مراد، فتاة ثلاثينية، أمام المرآة ساعة على الأقل قبل استكمال ارتداء ملابسها، ومن ثم النزول إلى مقر عملها الذي يبعد مسافة ساعة عن منزلها، كموظفة مصرية في مجال حجز تذاكر الطيران.
تُحضر علبة وحقيبة صغيرة أمامها تحتوي على مجموعتها اليومية فوق الكومود الملاصق للتسريحة حتى يسهل عليها استخدامها، ومع ذلك تُبقي دائماً أدواتها الخاصَّة بالتجميل متبعثرة يميناً ويساراً لكثرتها بالنسبة لمساحة الكومود.
خلطات سحرية لا يعرفها الرجل
في البداية غسلت ليندا وجهها بغسول الصباح، ثم تابعت وضع عدة أدوات الماكياج بحسب ترتيبها: كريم للصباح، برايمر، كريم أساس، قليل من الكونسيلر، ثم بودرة، وأخيراً بلاشر ثم هايلايتر بروزني.
كل هذه الخلطات التي يبدو منطوقها للرجال وكأنها تعويذات سحرية وضعتها على وجهها فقط، أي هناك أشياء أخرى على العين والرموش والحواجب وبالطبع الشفاه.
هناك من تستغني عن بعض أدوات الماكياج، وتحرص على اقتناء أخرى، لكن في النهاية، معظم الفتيات يحرصن على وضع ماكياج قبل النزول، أو على الأقل شراء أدوات اعتناء بالبشرة والشعر، لذا كم تدفع النساء مقابل الجمال؟ وكم يكلفها نفسياً أيضاً؟
كتبت ميلانى لوكيرت في مقالها على موقع centsai، إنها أنفقت آلاف من الدولارات على الحبوب والمنتجات والخدمات والأصباغ والكريمات- كل ذلك "في محاولة لأكون أكثر جمالاً".
فالضغط الشديد لتظهر النساء بمظهر أكثر شباباً وجمالا يأتي بالتوازي بالطبع مع فكرة "التكلفة"، حيث يقدّر أن سوق صناعة التجميل بقيمة 126 مليار دولار سنوياً، وهو يفوق إلى حد كبير التكلفة النفسية لعدم الأمان لدى النساء، الفكرة تخاطب فينا ميلاً عاطفياً حول الحفاظ على شبابنا وتألقنا.
ومن المتوقع أن يصل سوق الجراحة التجميلية العالمية إلى 43.9 مليار دولار بحلول عام 2025، وفقاً لتقرير صدر عام 2017 عن Grand View Research.
تقول ليندا لـرصيف22: "قد تمثل إعلانات الجمال في كل جزء من حياتنا ضغطاً علينا في شعورنا اللاواعي، وهو ما يدفعنا للبحث عن السبل المتاحة، للحفاظ على الشعر، البشرة، القدمين، الأظافر، وقائمة لا تنتهي من التفاصيل التي تدفعنا لنكون أسرى لأدوات التجميل طيلة الوقت".
في النهاية لا تعتبر ليندا نفسها مدمنة على أي حال، فهي تشتري احتياجاتها شهرياً بتكلفة تقترب من 4 آلاف جنيه في المتوسط (ما يقارب 260 دولار)، ما بين الشامبوهات والبرفانات، والأظافر الصناعية، والرموش، وغيرها من الأدوات التي تحرص أن تكون في خزانتها، وتضيف عليها كل شهر أدوات أخرى بحسب حاجتها لها،، المهم ألا تتعدى هذه التكلفة التي تعتبرها في متناول يدها ومتوافقة مع مرتبها.
أما سونا غسان، مدونة أزياء شهيرة في لبنان، تأخذ تكلفة الجمال لديها بعداً آخر، بعيداً عن مجرد استخدام المستحضرات المختلفة من مساحيق الوجه، فهي تعتبر أن العمليات التجميلية جزء لا يتجزأ من حياة المهتمين بعالم الموضة، أو كل من يريد زيادة الثقة بنفسه.
"العمليات التجميلية جزء لا يتجزأ من حياة المهتمين بعالم الموضة، أو كل من يريد زيادة الثقة بنفسه".
الجزء الأبسط بالنسبة لها الخاص بمستحضرات التجميل، فهو يكلفها في المتوسط 300 دولار، هذا دون الأدوات نفسها المستخدمة لتنسيق هذه المستحضرات، ومع هذه التكلفة الباهظة فهي يمكنها أن تستغني فقط عن "الفاونديشن" أو كريم الأساس، لكن بأي حال لن تستغني عن أحمر الشفاه، والماسكرا.
مزيد من الثقة وحب النفس
تحدثت غسان لـرصيف22 عن تكلفة أخرى للجمال، فهي قامت بالعديد من عمليات التجميل، تقول: "هي تعطي المزيد من الثقة بالنفس، وتزيد من حب الشخص لمظهره، وليس بها ما يدعو للخجل، لكنها هامة جداً وأصبحت جزءاً من حياتنا. وتؤكد أن أكثر عمليات تجميل طلباً بلبنان، هي شفط الدهون بالبطن، وأيضاً إعادة حقن الدهون بالمؤخرة، أو زيادة حجم المؤخرة بشكل عام، سواء بالسيليكون أو الفيللر".
على عكس المتوقع، النساء اللواتي يرتدين النقاب أو الملابس المغطاة في الخليج العربي، هنَّ الأكثر استخداماً لأدوات التجميل، والميل إلى اتجاهات تظهر الإكسسوارات، والماكياج بصورة مشرقة وجذابة، تعوض ما يخفيه الحجاب الأسود، والعباءات ذات الأقمشة السميكة، وذلك وفقاً لتقرير نشر في أسوشيتد برس حول إنفاق المرأة السعودية للماكياج حتى لو لم يظهر منها الكثير.
"تمثل إعلانات الجمال في كل جزء من حياتنا ضغطاً علينا في شعورنا اللاواعي، وهو ما يدفعنا للبحث عن السبل المتاحة، للحفاظ على الشعر، البشرة، القدمين، الأظافر، وقائمة لا تنتهي من التفاصيل التي تدفعنا لنكون أسرى لأدوات التجميل طيلة الوقت"
"النساء اللواتي يرتدين النقاب أو الملابس المغطاة في الخليج العربي، هنَّ الأكثر استخداماً لأدوات التجميل، والميل إلى اتجاهات تظهر الإكسسوارات، والماكياج بصورة مشرقة وجذابة، تعوض ما يخفيه الحجاب الأسود، والعباءات ذات الأقمشة السميكة"
تتفق مع هذا الرأي سلمى سلطان، امرأة أربعينية من السعودية، وقالت لرصيف22: "أنفق كل أموالي تقريباً على الماكياج"، فهي لا تستغني عن النزول إلى مكتب عملها بمنطقة القصيم، وهي مصطحبة مستحضراتها في حقيبة يدها، حتى ما إن تصل العمل صباحاً في حضانة خاصة بالأطفال، فإنها تبدأ في وضع الرموش الصناعية والكحل ورسم حاجبيها، ولا يهم استكمال باقي الماكياج، فالعين فقط ما تظهر من وراء النقاب.
ووفقاً لمجموعة أبحاث التسويق "يورو مونيتور"، فإن ارتفاع معدلات التوظيف، وخاصة بين النساء، قد زاد من القدرة على تحمل تكلفة منتجات التجميل والعناية الشخصية، وشجع المستهلكين على إنفاق المزيد، وذكر التقرير أن مبيعات التجزئة على الماكياج ارتفعت من 410 ملايين دولار في عام 2012 إلى 576 مليون دولار في العام الماضي.
وتتصدر المرأة السعودية قائمة النساء الأكثر استخداماً لمستحضرات التجميل في دول الخليج، لاسيما منتجات العناية بالشعر والبشرة والعطور، فحسب تقديرات المؤسسة فإن حجم الإنفاق من السعوديات على كافة مستحضرات التجميل بلغ 1.5 مليار دولار، في العام الواحد، منها 800 مليون دولار على العطور فقط، بينما توزعت القيمة المتبقية على مواد التجميل الأخرى.
ثم تأتي المرأة الإماراتية في المركز الثاني، بإجمالي إنفاق على مستحضرات التجميل قدره 900 مليون دولار سنوياً، تليها المرأة الكويتية بـ 80 مليون دولار، بينما تتكلف المرأة العمانية 75 مليون دولار، أما بالنسبة للمرأة القطرية فتتجاوز 27 مليون دولار، فيما تصل المرأة البحرينية إلى 22 مليون دولار.
أما المرأة المصرية فتنفق ما يقترب من 24 مليار جنيه (3 مليار دولار) على مستحضرات التجميل فقط.
"الضريبة الوردية" على الماكياج
يبدو أن السلوك التجاري العالمي لا يكتفي بنهم النساء على مستحضرات التجميل، ليزيد الأمر صعوبة بإضافة ما يعرف عالمياً بـ«الضريبة الوردية»، أو ضريبة على منتجات النساء اللواتي يدفعن مقابل باهظ للجمال من المهد إلى اللحد في كل شيء يخصهن.
في الولايات المتحدة، بحسب مجلة "فوربس"، ينفق النساء في ولاية كاليفورنيا في المتوسط 1351 دولاراً كل سنة أكثر من الرجال مقابل منتجات العناية الشخصية نفسها، كشفرات الحلاقة، الشامبو، مزيل العرق، والعطور وغيرها، فمنتجات الشعر المخصصة للنساء تباع بسعر يزيد 48% من نظيرتها المخصصة للرجال.
أما في فرنسا، فإن النساء الفرنسيات ينفقن حوالي 770 يورو في السنة أكثر من الرجال، غير أن هذا التمييز يشمل الأطفال الصغار، حتى أن ملابس الفتيات أغلى من الذكور بنحو 13% حتى مع نفس الخامة والتكلفة الأصلية، هذا بخلاف الشفرات الخاصة بالحلاقة الوردية تزيد من سعرها، فأربع شفرات نسائية على سبيل المثال تساوي 6 من اللون الأزرق الخاصة بالرجال، بالجنية المصري.
وقد أرجع خبراء اقتصاد هذا السلوك الذي يعتبر تمييزاً بين الجنسين إلى اهتمام المرأة نفسها بأدوات التجميل، ما يزيد الطلب على السلع وبالتالي يزيد المنافسة والتفنن في تغليف الأدوات بأشكال جذابة، لذا يتحمل المشترى زيادة الكُلفة.
في النهاية، تعتبر كل من سونا وسلمى أنفسهن غير مكترثات بما تكلفهن "ضريبة الجمال" كونهن يحببن ما يفعلن، ويتصالحن مع أنفسهن في نهاية الأمر، بعد إضافة المساحيق التجميلية، أما ليندا فتعتبر أن الماكياج عبء أدمنته لا يمكن الاستغناء عنه على أي حال، على الرغم مما يكلفها من أموال وجهد ووقت أيضاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...