شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"حجم صدرك لا يغريني… لماذا يجرحنا أحباؤنا وشركاؤنا الرجال؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 20 سبتمبر 202001:45 م

بينما كانت الجلسة تحوي كثيراً من الفكاهة والسخرية كالمعتاد، إذ فجأة شردت صديقتي بذهنها بعيداً، فسألتها عن السبب، ردت بأنها تذكرت سراً تود إطلاعي عليه.

تتذكر شيماء، 33 عاماً، من محافظة الفيوم، تعمل في مجال الدعاية والإعلان، واحداً من أهم مواقف حياتها، حدث قبل عشر سنوات من الآن، حين كانت في علاقة عاطفية مع شخص تخللها الكثير من الرفض لها ولجسدها، تقول إنه كان دائما يعلّق: “حجم صدرك لا يغريني...“، متساءلة بينها وبين نفسها: “لماذا يجرحنا أحبائنا وشركائنا الرجال؟“، وما كان من الفتاة إلا أن استجمعت شجاعتها، وأخذت جزءاً كبيراً من ميراثها، وذهبت إلى غرفة العمليات لإجراء عملية تكبير صدر، وذلك حتى تنال إعجاب حبيبها الذي استمر في نبرته الرافضة لها، حتى بعد محاولتها إرضائه.

جنسنة المرأة

لم تكن شيماء هي الحكاية الأولى التي أسمعها عن رجال يفرضون رؤاهم وطلباتهم، والتي تدور معظمها حول شكل جسد المرأة، متجاهلين السمات النفسية والاجتماعية.

وهنا توارد إلى ذهني سؤال محدد: ألم يكن هذا الحبيب يعلم عن حبيبته شكلها وجسدها؟ وإن لم تكن تعجبه إلى هذه الدرجة، لماذا اختارها من الأساس؟ ولماذا يسعى العديد من الرجال إلى "قولبة" حبيباتهم؟ أليس من الأفضل اختيار شريكة وفق أهوائهم وإعجابهم بدلاً من التنميط وفرض آلية التغيير على شركائهم؟

تقول شيماء لرصيف22 إنها أخطأت حين انصاعت لرغبات حبيبها السابق، وإن عاد بها الزمن لن تفعل ذلك، ولكن حينها كانت بحاجة لوجود حبيب معها بعد فقدان والدها وزواج والدتها، فباتت وحيدة تنشد الحب، إلا أنها الآن أدركت الدرس وتزوجت من رجل يقدرها ويقدر كل جزء فيها.

اشترط عليها أن "تتخن شوية"، لأنه لا يحب الفتيات النحيفات مثلها، مع أن ارتباطهم امتد لفترة معقولة، ولكنه اعترف لها بأنه حين يفكر بالممارسة الحميمية لابد أن يفكر في شكل الجسد الذي يعجبه ويغريه

انتقدت الجمعية الأمريكية لعلم النفس "إيه بي إيه" ما سمته جنسنة "sexualize" المرأة، وعرفته بأنه مرتبط بالأشخاص الذين تنحرف نظرتهم إلى الآخرين بشكل جنسي، ويشعرون أن قيمتهم مستمدة فقط من جاذبيتهم أو سلوكهم الجنسي، وأن وجودهم ينحصر باعتبارهم "موضوعاً جنسياً".

ولكن ماذا إذا كان هذا السلوك يصدر عن أحبائنا وشركائنا؟

"اتخني شوية"

سمارة، 35 عاماً، صحافية من القاهرة، تروي عن الرجال المتقدمين للارتباط بها، أنهم رغم معرفتهم بها، وبكافة ظروفها إلا أنهم يفضلون أن يضعوا شروطهم، والتي تأتي أبرزها في محاولة تغييرها، وتغيير نمط حياتها، فهي على سبيل المثال تتذكر أن أحدهم ظل لفترة طويلة يحاول خطب ودها، وبمجرد أن وافقت على الارتباط به، بدأ يُملي عليها شروطه، حيث قال لها إنه يرفض الارتباط بامرأة عاملة، طالباً منها ترك عملها، وهو أمر قابلته برفض واستنكار، نظراً لكونها تعمل في مجال الصحافة لمدة تزيد عن 15 عاماً، وبالفعل كوّنت حياة مستقلة لها ولا يمكنها بأي حال من الأحوال التضحية بها لأجل أي شخص.

وتوضح سمارة لرصيف22 إن تجربتها الثانية كانت مع شخص يريد الارتباط بها وفي الوقت ذاته يرفض أن تكون "غير محجبة"، كما يستنكر صبغة شعرها باللون الأرجواني الفاقع، سفرها بمفردها وطريقة ملابسها، وتؤكد أنها ترفض هذا النوع من الارتباط المشروط، كما ترفض فكرة التغيير لأجل شخص ما.

تتذكر روان، 30 عاماً، من القاهرة، هي الأخرى حين تقدم لها حبيب سابق لخطبتها، ولكنه اشترط عليها أن "تتخن شوية"، لأنه لا يحب الفتيات النحيفات مثلها، مع أن ارتباطهم امتد لفترة معقولة، ولكنه اعترف لها بأنه حين يفكر بالممارسة الحميمية لابد أن يفكر في شكل الجسد الذي يعجبه ويغريه، وأن جسدها بحاله هذا لا يرضي "فحولته".

والأدهى أنه منحها مهلة من الوقت لإصلاح "عيبها"، وفق تعبيره، وما كان منها إلا أن وافقت في البداية، وبالفعل لجأت لوصفات شعبية لزيادة الوزن، مثل تناول "المفتقة"، وهي أكلة مصرية شعبية مكوّنة من الحلبة المطحونة والعسل والسمسم، ومعروف عنها فاعليتها في زيادة الوزن، وفيما لم تفلح هذه الوصفات، لجأت روان إلى حبوب الكورتيزون، وهو ما شكّل خطراً كبيراً على صحتها، لأنها ساهمت بتواجد مياه أسفل الجلد، وهو ما سبب لها آلاماً مبرحة.

تعلمت روان فور تعافيها أنها لن تتغير من أجل أحد، ومن يريدها عليه أن يقبلها كما هي.

تفكر روان فيما جعلها تقبل بشروط حبيبها السابق، تقول لعل ما دفعها في بادئ الأمر للقبول بشروط حبيبها هو خوفها من فكرة تأخير زواجها، خاصة وأن أهلها ينظرون لها نظرة شفقة، كونها وصلت لعمر الثلاثين دون زواج.

"غير مقصود"

طرحتُ على صديقي مصطفى، 40 عاماً، يعمل في مجال الإعلام وتعود أصوله لصعيد مصر، سؤالاً ساخراً وهو: "لماذا نسمع عن كثير من الرجال ارتباطهم بامرأة، ثم بعد مرور وقت يضيفون شروطاً ومتطلبات معظمها متعلقة بجسدها".

أجاب بأن هذا حدث معه بشكل شخصي، ولكنه "غير مقصود" وفق تعبيره، فيقول لرصيف22 إنه حين تزوج كان عمره صغيراً، وكان منبهراً بتفاصيل الزواج، وخاصة التفاصيل الجنسية، ولكن بعد انخراطه في العمل، بدأ برؤية فتيات أشد جمالاً واهتماماً بأنفسهن من زوجته، وهنا بالفعل بدأ النفور.

يقول مصطفى: "غصب عني مابقتش تعجبني زي الأول، بالرغم من إنها ماتغيرتش خالص، ولكني بدأت أرى الشقروات وصاحبات المنحنيات الجسدية البارزة وغيرهن، ولم أعد أتمالك نفسي من إبداء غضبي من مظهر وجسد زوجتي".

استشاري الطب النفسي، جمال فرويز، يوضح لرصيف 22 أن معضلة الارتباط سببها في الأساس بعض التغييرات التي تطرأ بشكل مفاجئ على الشريكين بعد ارتباطهن، فبعض الرجال في مصر يرتبط بفتاة تهتم بجسدها قبل الزواج، ولكن بعد الزواج ومع زيادة المسؤوليات على الزوجة، تبدأ بإهمال نفسها ويزداد وزنها، فيبدأ الشريك بالنفور والرفض لها ولجسدها.

أما الشخصيات التي تبدأ بالارتباط بإحدى الفتيات ثم يتراجعن ويبدأن في الاستنكار وإبداء رفضهم لهن، فيعتبرهم فرويز "شخصيات وسواسية تحكمها الوساوس التي تجعلهم متقبلين أمر ما ثم رافضين لهذا الأمر".

"كرهت الأكل"

تقول أسماء، 32 عاماً، من محافظة الجيزة، تعمل في مجال التسويق الإلكتروني، إنه كان لها حبيب سابق جعلها تكره "منظر الأكل"، والسبب أنه كان متيّماً بأجساد عارضات الأزياء، وكان دوماً يعلّق على طريقة طعامها ويسرد عليها أنظمة الغذاء الصحي.

تروي أسماء لرصيف22 أن حبيبها كان دائم الانتقاد لجسدها، لدرجة أنه كان يلحظ بضعة الجرامات القليلة في وزنها الزائد، وكان ينفجر غضباً في وجهها حال رآها تأكل أطعمة الحلوى المختلفة، وتؤكد أن وزنها طبيعي، إلا أن حبيبها وصل معه الأمر حد الهوس، وهو ما جعلها تعيش حالة سيئة جداً، حيث أمضت عاماً كاملاً تحت ملاحظة الأطباء، لأنها كانت ترفض الطعام خشية زيادة وزنها وأن تصبح غير جذابة في عيني حبيبها.

تقول أسماء أن هذه الفترة علّمتها أن من يريدها عليه تقبلها كما هي، دون محاولة تعليبها في قوالب نمطية بالنسبة له، وأنها تعلمت أن الحب أحياناً يجعل بعض الفتيات يفعلن أموراً تسيء لهن ولصحتهن، تماماً مثلما حدث معها.

" الحب أحياناً يجعل بعض الفتيات يفعلن أموراً تسيء لهن ولصحتهن".

وبينما أتصفح هاتفي كالمعتاد، وقعت عيني على مشكلة لإحدى المشاركات في مجموعة نسائية شهيرة على فيسبوك، متخصصة في مشاكل النساء والتساؤلات وتبادل الأجوبة من خلال الخبرات المتبادلة، فسألت صاحبة المشكلة عن تمارين صوتية تجعل صوتها يبدو أكثر أنوثة، نظراً لأن زوجها بات ينزعج من صوتها الرقيق الطفولي، وبدت عليها الحيرة والغضب في آنٍ، فمشكلتها تتمحور في أن صوتها أصبح مزعجاً لشريك حياتها، وهو أمر لا يمكن التغاضي عنه، فالحياة مشاركة، والمشاركة أحاديث، والأحاديث صوت، والمثير للملاحظة أن صاحبة المشكلة تقول إنها أم لأطفال أحدهما بلغ العاشرة، ما يعني أن صوتها ليس بغريب بالنسبة للزوج المنزعج.

جيف ستورر، المعالج النفسي والمؤلف المشارك لكتاب "أحبك وأكره الإباحية"، علق على تساؤل زوجة وأم بات زوجها يكره جسدها، بسبب اكتسابها كيلوغرامات زائدة، ودائماً ما يعلق بشكل مسيء على مظهرها بأنها "سمينة وقبيحة"، بأن ذلك "إساءة لفظية"، وأنها لن تتوقف حتى تفعل شيئاً مباشراً لحماية نفسها مما سماه "هجمات على قيمة الزوجة وكرامتها".

ويضيف: "إصرار زوجك على أن جسدك موجود لإرضائه هو تشييء خالص، ربما لا ينظر زوجك إلى المواد الإباحية، ولكنه يحمل أحد أكثر العناصر ضرراً في عناصر المواد الإباحية: تشييء أجساد النساء".

كان لها حبيب سابق جعلها تكره "منظر الأكل"، والسبب أنه كان متيّماً بأجساد عارضات الأزياء، وكان دوماً يعلّق على طريقة طعامها ويسرد عليها أنظمة الغذاء الصحي

وطالب ستورر الزوجة بضرورة إدراك أن سلوكيات زوجها أضرت بالفعل بالروابط المرتبطة بالأسرة، وأن ما يقوله لها هو مسؤوليته هو، وعليه إصلاح الضرر الذي أحدثه بكلماته المسيئة.

وينصح ستورر بأن من المهم للنساء في تلك الحالة أن تستعيد جسدها باعتباره جسدها الخاص، وألا تسمح لأحد بالتأثير على إحساسها بنفسها.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، أن 30.8% نسبة الأمية بين الإناث بالمقارنة بـ 21.2% للذكور، مشيرا إلى أن 118.9 ألف سيدة في الفئة العمرية (12-17 سنة) سبق لهن الزواج (1.2 ألف أرملة، 1.2 ألف مطلقة، 111 ألف متزوجة، 5.5 ألف عقد قران)، وذلك وفقاً لتقديرات السكان عام 2017.

وأشار الجهاز، إلى أن عدد عقود الزواج على مستوى الجمهورية بلغ 887 ألف عام 2016، مقابل 912 ألفاً في عام 2018، أما عدد شهادات الطلاق عام 2018، فوصل إلى 211 ألفاً، مقابل 198 ألفاً عام 2017.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard