يأتي هذا المقال ضمن الملفّ المُعدّ لشهر ديسمبر 2019, في قسم "رود تريب" بـرصيف22، والمعنوَن: "فلنتسكّع معاً في الشّوارع".
في الجامعة يذهب البعض لتلقي العلم، فيما يذهب البعض الآخر لاكتساب المهارات، وبين هؤلاء يذهب آخرون للبحث عن قصة حبّ جديدة عادة ما تتحطم على صخور الواقع بعد التخرج لتبقى مجرد ذكرى.
في الجامعات المصرية يبقى من العادي أن تشاهدوا الطلاب يتزاحمون بين الطرقات والمباني للّحاق بالمحاضرات، بينما خصصت فئة أخرى لنفسها شوارع معينة بعيداً عن الزّحام وعن المهتمّين بالتسابق إلى الصفوف الأولى بالمحاضرات؛ إنها شوارع الحب.
إذا مررتم من هنا فأنتم من العشاق. الكلّ بالتأكيد سينظر إليكم على هذا النحو، فهنا لا مكان لكلّ من هو "سينغل"، إذ لابدّ وأن يكون هناك شريك ينتظركم على المقعد الخشبي أو الإسمنتي أو حتى على الرصيف الذي حُفرت عليه أسماء الأحباب تخليداً لحبّهم الوليد في مهدِه.
البداية من جامعة القاهرة حيث التفاصيل المناسبة لعلاقات بريئة، حروف محفورة على الأشجار، وبقايا من ذكريات وحكايات تروي على الألسن.
أمام كلية الآثار، يبقى المشهد المتكرر أن تشاهدوا العيون التي تفيض منها المشاعر المرهفة، الأجساد التي اختصرت مسافات طويلة لتعلن عن قصص حبّ تضع بذورها الأولى في تربة الجامعة، تماماً كما حدث مع أحمد منصور، خريج كلية التجارة، الذي قال لرصيف22: "أجواء الرومانسية فرضت نفسها على الشارع، رغم دعوات البعض بإغلاقه بحجة أنه يشهد مخالفات كثيرة.".
في ويضيف: "فيه ناس معقدة شايفة إن أي ارتباط بين شاب وفتاة في الجامعة عيب وحرام، لكن شارع الحب كان أقوى من دعوات هؤلاء، وبقي شاهداً على قصص حب كُللت بالنجاح. أنا شخصياً أعرف اتنين أصحابي من أيام الجامعة متجوزين دلوقتي، ده غير اتنين تانيين مخطوبين وكانوا هيتجوزوا من كام يوم قبل أن يتأجل الزواج بسبب أزمة كورونا."
في جامعة عين شمس، يبقى شارع الحبّ معروفاً بين روّاده باسم "ممرّ جيمي"، ولا أحد يعرف من أين جاءت التسمية. المهمّ أن الأحباء هنا معاً، يسرقون من الزمن لحظات تتحدى كلَّ الصّعاب التي يواجهونها خارج هذا المبنى
وتقول منة الله عبدالخالق، طالبة بكلية التربية: "أحيانا من باب الفضول كنت بروح أنا وصديقاتي نقعد في الشارع، وكنا نبقى مكسوفين جدّاً من اللي بيحصل. صحيح الحب مش عيب، بس مش قدام الناس كده اللي رايح واللي جاي، وخصوصاً وأنو في ناس مش بتسيبهم في حالهم، وبتقعد تلقح عليهم بالكلام. مرة قامت خناقة قدامي بسبب واحد عاكس واحدة وهي قاعدة مع حبيبها، وعرفنا بعد ذلك أن الشاب اللي افتعل الأزمة كان مرتبطاً بها قبل ما ترتبط بالشاب الآخر. طبعاً لكم أن تتخيلوا الخناقة وحماسها كان عامل إزاي!"
في جامعة عين شمس، يبقى شارع الحبّ معروفاً بين روّاده باسم "ممرّ جيمي"، ولا أحد يعرف من أين جاءت التسمية أو لماذا سُمي بهذا الاسم، المهم أن الأحباء هنا معاً، يسرقون من الزمن لحظات تتحدى كل الصعاب التي يواجهونها خارج هذا المبنى، حيث عادة ما يُحكم على علاقتهما بالموت."
إذا تواجدتم في الشارع فعلى يمينكم ستجدون الأشجار الكثيفة المتشابكة التي ربما انتقلت إليها عدوى تشابك الأيادي على جانبيها. وعلى اليسار ستكتشفون المقاعد الخشبية والأرصفة التي حفر عليها العشاق الحروف الأولى من أسمائهم تخليداً لقصة حبّ ترعرعت هنا في أمانٍ، بعيداً عن القيود المفروضة خارج أسوار الجامعة."
يحكي وليد رضا خريج كلية العلوم: "بدأتْ شهرة المكان من التسعينات، حين أطلق عليه اسم شارع الحبّ، ثمّ تحوّل إلى (ممرّ جيمي)، وبات قبلة لكلّ الأحباء. وأنا شخصياً كنتُ من روّاده لفترة، حيث ارتبطتُ بفتاة في السنة الدراسية الثالثة، وكانت ترفض أن تكون لقاءتنا خارج الحرم الجامعي، وأنا احترمت رغبتها."
ويكمل التفاصيل لرصيف22: "اتفقنا خلال الدراسة على أن أتقدّم لها رسمياً بعد التخرّج، غير أن الأمور لم تمض كما رسمنا، فقد كان مقرراً أن أسافر إلى إحدى الدول الخليجية حيث يتواجد خالي لأعمل معه، غير أنه توفي بمجرّد تخرجي. (كنت نحس باين!). طبعاً لم أستسلم، وبقيت لفترة أبحث عن عمل حتى عملتُ مندوب مبيعات. لكن العائد المادي لم يكن كافياً لإتمام الزواج. كما أن أسرتها لم تنتظر كثيراً، وقرّرت أن تزوّجها بعد التخرج بعام واحد. خرجتُ من تلك التجربة بأزمة نفسية كبيرة وبدرس كبير مفاده أن (حبّ الجامعة عمره قصير)."
أما أميرة حسن، طالبة كلية الصيدلة، فقالت: "قعدت في الشارع ده مرة واحدة وبس. كان شكلي ملفت أنا وصحباتي، خصوصاً وإننا كلنا كنا بنات. ومن يومها قررنا ما نجلس في هذا الشارع مرة أخرى؛ (إحنا رايحين ندرس مش رايحين نحب)."
من أول سنة دخلت فيها الجامعة وأنا بسمع عن المكان ده، وكان فيه ناس بتقول إنو سمعته سيئة. بس بصراحة لما دخلته أكثر من مرة عرفت أن المكان واللي فيه مظلومين
على ما يبدو إن الإقبال الكبير من قبل الأحباء في الجامعة، كان أكبر من أن يستوعبه شارع واحد، لذلك تمدّدت خريطة العشق والعشاق إلى شوارع أخرى. فهنا "سويسرا عين شمس"، الشارع الواقع بين كليتي الآداب والحقوق، حيث ستجدون أكثر أماكن الجامعة انعزالاً.
عرفنا هذه المرة لماذا هذا الاسم لهذا الشارع. فهو وكما قال تامر حسين، طالب كلية الحقوق، يعود إلى رصيف الشارع المناسب وأشجاره وأزهاره البديعة.
يقول تامر لرصيف22: "فكرة رواج الشارع بدأت مع الألفية الجديدة، وبعد أن ملّ (الكابلز) من ممرّ جيمي، فافتتحوا فرعاً جديداً لهم هنا."
ويواصل: "بصراحة عمري ما روحت (شارع سويسرا) إلا مع أصحابي، وكنا بنقعد في حالنا من غير ما نضايق حد بنظراتنا، رغم أننا عارفين كويس إن أغلب العلاقات دي مش بتكمل أو بتنتهي سريعاً بعد التخرج، وكل واحد بيروح لحاله، بس أهو يومين الشباب بيعيشهم وينفس فيهم عن نفسهم."
وإلى جامعة حلوان حيث التفاصيل المتشابهة مع القاهرة وعين شمس، أشجار كثيفة، مقاعد بلاستيكية وإسمنتية، أرصفة قديمة وعشاق بالجملة.
عند "سور الحبّيبة" الواقع بين كليتي الحقوق وحاسبات ومعلومات، تعوّد الأحبة أن يكون اللقاء يومياً؛ فهنا لا تعقيدات ولا اشتراطات للقاء. فقط عليكم أن تحضروا برفقة من تحبون.
يقول أيمن السّحت، طالب بكلية التربية الرياضية: "من أول سنة دخلت فيها الجامعة وأنا بسمع عن المكان ده وكان فيه ناس بتقول إنو سمعته سيئة. بس بصراحة لما دخلته أكثر من مرة عرفت أن المكان واللي فيه مظلومين."
يضيف أيمن: "مكان عادي، اختاره الحبيبة عشان يكون مخصص لهم. إيه المشكلة؟ اتنين بيحبوا بعض، وحابين يبقوا بعيد عن الدوشة. وبعدين طالما فيه احترام، تبقى إيه المشكلة؟"
وعارضته ولاء محرز، الطالبة بكلية الحقوق: "سمعت عن المكان ده بس عمري ما رحته. إيه المسخرة دي؟ هو إحنا رايحين الجامعة عشان نتعلم، ولا عشان نسيب المحاضرات ونقعد في شارع كل اللي رايح واللي جاى فيه ناس فاشلة جايين يستغلوا في بعض؟ فين أهالي البنات دي؟ أكيد مش فاضين، ومشغولين في حاجات تانية وسايبين بناتهم كده يصاحبوا ويقولوا لك: (ده صاحبي) زي الأجانب. إحنا للأسف خدنا من الغرب أسوأ عاداته . أنا شخصياً بتمنى إنو يكون فيه فصل بين الطلبة والطالبات في الجامعة."
وأضاف زميلها علي مراد: "محدش من الأهل بيبقى موافق إنو بنته تحديداً ترتبط في فترة الجامعة، أو حتى بعدها، طالما إنو الإطار غير رسمي. إذا كان وهي مخطوبة بيحطوا عراقيل قدام خطيبها. بلاش زيارات، بلاش خروج أو سينما. فما بالك لو واحدة راحت قالت لأهلها أنا مرتبطة بزميلي في الجامعة. أكيد مش هيوافقوا وعشان كده بتفضل الشوارع دي متنفس الشباب الوحيد على أمل إنو ربنا يكرمهم بعد التخرج، ويقدروا يكللوا قصص حبهم بالنجاح."
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه