شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"فجر شرق أوسط جديد"... كيف تناولت صحف البحرين والإمارات توقيع اتفاقَي "التطبيع"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 16 سبتمبر 202002:29 م

"التضخيم والمبالغة" هما السمتان الرئيسيتان لتغطية الصحف في دولتي البحرين والإمارات ليوم 16 أيلول/ سبتمبر، غداة توقيع البلدين الخليجيين على اتفاقَي "سلام" تمهيداً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. علاوةً على استحضار بعض هذه الصحف "مصالح الفلسطينيين والقضية الفلسطينية" لإضفاء طابع "وطني" على الخطوة.

على النقيض تماماً، لم تهتم العديد من الصحف الإسرائيلية باحتفال التوقيع الذي استضافه البيت الأبيض في حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والموقعين الثلاثة: وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد والبحريني عبد اللطيف الزياني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أجواء "احتفالية ملحمية". بل ركّزت على أنهما "لا ينهيان أية حروب" فيما "الصراع الحقيقي -مع الفلسطينيين- مهمل من دون حل".

"يوم تاريخي للسلام vs ليس سلاماً"... الصحف الإماراتية والبحرينية عمدت إلى "تضخيم أهمية ومكاسب" اتفاقي السلام مع إسرائيل. لكن الصحف الإسرائيلية سخرت من "المبالغة" وانتقدت "محاولة الإيهام بأن حرباً دموية قد انتهت للتو"

الصحافة الإماراتية: "فجر جديد لمستقبل المنطقة"

كانت الصحافة الإماراتي أكثر تضخيماً للاتفاق وتجاهلاً لشريك التطبيع: البحرين. افتتحت صحيفة "البيان" نسختها الورقية بمانشيت: "فجر جديد لمستقبل المنطقة: توقيع معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل" و"الإمارات: المعاهدة ستغير وجه الشرق الأوسط وثمارها تعمّ الجميع".

كذلك اهتمت بقول وزير خارجيتها إن هذا "حدث يغيّر الشرق الأوسط ويبعث الأمل حول العالم".

صحيفة "الخليج" الإماراتية أيضاً تحدثت عن: "حدث تاريخي يجمع عبدالله بن زايد وترامب ونتنياهو في البيت الأبيض: الإمارات توقع معاهدة السلام لمستقبل المنطقة".

وسلطت الضوء على قول بن زايد: "المعاهدة تمكننا من تحقيق آمال الفلسطينيين"، وقول ترامب: "محمد بن زايد قائد عظيم والعالم يحترم الإمارات".

"العدو الفلسطيني في ذهول"... من عجائب القدر أن تأتي "التغطية الدقيقة" من "الحدود" الهزلية عبر مانشيتات مثل: "الطريق إلى القدس تمر فوق الفلسطينيين" و"جيوشنا الباسلة مستعدة لإسقاط أي مؤامرة على صفقة القرن" و"اتفاقات سرية على كل الجبهات"

لم تخرج "الاتحاد" عن السرب، فتصدر صفحتها الأولى العنوان العريض التالي: "سلام المستقبل… يوم تاريخي" وأيضاً: "معاهدة سلام تاريخية بين الإمارات وإسرائيل"، زاعمةً أن "المعاهدة تمكن الإمارات من الوقوف أكثر إلى جانب الشعب الفلسطيني".

النسخة الورقية من "الإمارات اليوم" هي الأخرى قالت: "الإمارات وإسرائيل تفتحان باب الأمل بسلام تاريخي"، مبرزةً قول ترامب: "إسرائيل والإمارات والبحرين ستتبادل السفارات وستتعاون معاً".

الصحافة البحرينية: "يوم تاريخي للسلام"

وتحت عنوانَي: "البحرين والإمارات توقعان إعلان ومعاهدة السلام مع إسرائيل" و"فجر شرق أوسط جديد"، كتبت صحيفة "الأيام" البحرينية: "بتكليف من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، شارك الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية، في مراسم التوقيع على إعلان تأييد السلام بين مملكة البحرين ودولة إسرائيل".

وأشارت إلى كلمة الزياني التي وصف فيها الاتفاق بين البحرين وإسرائيل بأنه "خطوة تاريخية على طريق السلام والأمن والازدهار الحقيقي والدائم في جميع أنحاء المنطقة ولكل شعوبها بمختلف دياناتهم وطوائفهم أو أعراقهم أو أيديولوجياتهم".

ونقلت عن الزياني: "إعلان اليوم ما كان ليتحقق لولا حكمة ملك مملكة البحرين وشجاعته والتزامه، ودعم شعب البحرين". ولم تشر في تقريرها إلى فلسطين أو القضية الفلسطينية.

"وقعنا السلام مع الأشخاص الخطأ"... الصحافة الإسرائيلية تُذكّر نتنياهو بأن "الصراع الحقيقي" مع الفلسطينيين، وتحذّره من التمادي في الترويج لـ"إنجازه" بالتطبيع مع الإمارات والبحرين وتجاهل الصواريخ التي تسقط فوق رؤوسهم من "غزة المحاصرة"

أما صحيفة "الوطن" المحلية، فعنونت صفحتها الأولى: "يوم تاريخي للسلام: البحرين توقع اتفاقية تأييد إعلان تأييد السلام"، مبرزةً قول ترامب: "رؤية الملك أشاعت الاستقرار بالمنطقة".

وبشأن عناوينها الفرعية، فقد عمدت في العديد منها إلى الإشارة إلى الفلسطينيين، منها: "إعلان السلام بارقة أمل للفلسطينيين" و"الفلسطينيون سينضمون للسلام في الوقت المناسب" و"الاتفاق يسمح للمسلمين حول العالم بزيارة الأقصى".

كما أن صحيفة "أخبار الخليج" البحرينية لم تبتعد كثيراً عن تغطية سابقتيها، إذ ركزت عناوينها على "تقدير ترامب للملك" و"دعوة الزياني إلى العمل على سرعة تحقيق سلام دائم وتحقيق حل الدولتين".

صحيفة "البلاد" السياسية كان مانشيتها الرئيسي: "خطوة تاريخية على طريق السلام والازدهار: بتكليف من جلالة الملك وبحضور الرئيس الأمريكي… وزير الخارجية يوقع الاتفاق مع إسرائيل".

وأبرزت: "حل الدولتين أساس إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوصول إلى السلام"، وقول عاهل البلاد إن "السلام خيار إستراتيجي للبحرين" خلال مكالمة هاتفية مسائية مع ترامب.

ماذا عن الصحافة الإسرائيلية؟

لم تُخدع الصحافة الإسرائيلية بالهالة التي أحيط بها التوقيع ولا حتى بالتضخيم العربي لأهميته وترويج نتنياهو بأنه ينهي "الصراع العربي الإسرائيلي"، وهو الأمر الذي تماهت معه الصحف المقربة من رئيس الوزراء وحدها، وأبرزها "يسرائيل هيوم".

 رأى الصحافي الإسرائيلي أنشيل فايفر في مقال تحليلي نشرته "هآرتس" أن "تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين ربما هو أعظم إنجازات نتنياهو، لكنه ليس سلاماً".

وتساءل: "هل وقعت إسرائيل اتفاقاً مع الأشخاص المناسبين؟"، مضيفاً أن مشكلة الاتفاقين في أنهما ليسا مهمين بل اعترف بأنهما "اختراق كبير لإسرائيل في جزء إستراتيجي ومربح من الشرق الأوسط" و"نجاح شخصي لنتنياهو، الذي ادعى منذ عقود أن إسرائيل لا يتعين عليها تقديم تنازلات للفلسطينيين من أجل الانفتاح على المنطقة". لكنه اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"المبالغة والتحريف" في الترويج لإنجازه، مشدداً على أن التطبيع مع "دول لم تحارب إسرائيل يوماً لا يصنع السلام مع الفلسطينيين"، ومشيراً إلى القصف الصاروخي الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة على مواقع إسرائيلية أثناء توقيع الاتفاق، وهو ما اعتبره تذكيراً من الفلسطينيين بأن السلام ينبغي أن يُناقش معهم هم لا مع وكلاء آخرين.

"الصياغة (للاتفاقين) مدروسة بعناية لجميع الأطراف لحفظ ماء الوجه: سيدعي الإماراتيون والبحرينيون أنهم دافعوا عن أشقائهم الفلسطينيين، بينما يمكن نتنياهو أن يخبر قاعدته اليمينية في الداخل أنه يعارض إقامة الدولة الفلسطينية وسيضم أجزاء من الضفة الغربية فى المستقبل"

الصحافية نوعا لاندو، اتفقت مع فايفر إذ أشارت في مقال تحليلي أيضاً عبر "هآرتس" إلى أن الاتفاقين اللذين وقعهما نتنياهو "مهمان لكنهما لا ينهيان حرباً". وانتقدت "المبالغة" في حديث نتنياهو عن نهاية "جروح الحروب"، ساخرةً من أجواء التوقيع التي توحي أن الاتفاق ينهي "حرباً دموية طويلة"، والتي تخللتها موسيقى وأزهار وكلمات تضمنت "عبارات رنانة" و"عاصفة من التصفيق أعقبت التوقيع لأشخاص لا يعرفون لما يصفقون" في "مشهد سريالي".

وأضافت: "صحيح، رمزياً، وافق جزء آخر من العالم العربي الإسلامي رسمياً على وجود إسرائيل وهذا ليس بالشيء الصغير. لكن بينما اجتمعوا (الموقعون) في فقاعتهم بحديقة البيت الأبيض لإعلان السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الخلافات التي لم تكن كذلك، أُطلِقت الصواريخ على إسرائيل من ساحة (حرب) حقيقية للغاية، وهذا تذكير بالصراع الحقيقي في الشرق الأوسط لم يحله أحد على الإطلاق".

وفي مقاله بـ"تايمز أوف إسرائيل"، ركز رفائيل أهرين على أن "الاتفاقين مع الإمارات والبحرين يشيران إلى أن البلدين الخليجيين أصبحا الآن أقل تأييداً للفلسطينيين من أوروبا"، مضيفاً "الوثائق التي وقّعت عليها أبو ظبي والمنامة تدعو بشكل مبهم إلى "حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني"، ولكنها لا تذكر صراحةً حل الدولتين أو المستوطنات". ووصف ذلك بأنه "أمر مذهل".

وأضاف: "الصياغة (للاتفاقين) مدروسة بعناية خدمةً لجميع الأطراف من أجل حفظ ماء الوجه: سيدعي الإماراتيون والبحرينيون أنهم دافعوا عن أشقائهم الفلسطينيين، فيما يمكن نتنياهو أن يخبر قاعدته اليمينية في الداخل أنه يعارض إقامة الدولة الفلسطينية وسيضم أجزاء من الضفة الغربية فى المستقبل".

وروجت "يسرائيل هيوم" لما ذهب إليه نتنياهو وأنصاره كثيراً في الدعاية لأهمية هذا "الإنجاز التاريخي" بالإشارة تحديداً إلى دور مثل هذه الاتفاقات في "إضعاف" حركة مقاومة إسرائيل ومقاطعتها(BDS) وجهودها في فضح انتهاكات الاحتلال.

وادّعت الصحيفة الإسرائيلية أيضاً أن دبلوماسيين ومسؤولين عرباً أخبروها أن "قطار السلام خرج من محطته" وأنه سيمضي قدماً حتى يصل إلى مزيد من الدول العربية، مع مزاعم بتعرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لـ"ضغوط هائلة" لعدم تكرار أخطاء الماضي وإدراك أن "عناده يضرّ الفلسطينيين".

للمفارقة ولسخرية القدر، جاءت "التغطية الدقيقة" من صحيفة "الحدود" الهزلية عبر مانشيتات عدة، أبرزها: "الطريق إلى القدس تمر فوق الفلسطينيين" و"جيوشنا الباسلة مستعدة لإسقاط أي مؤامرة على صفقة القرن" و"البحرين والإمارات تتوغلان في العمق وتلتحمان مع إسرائيل من مسافة صفر" و"اتفاقات سرية على كل الجبهات" و"العدو الفلسطيني في ذهول". علماً أن هذه العناوين نفسها وردت في عدد قديم من الصحيفة يعود إلى آذار/ مارس الماضي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image