شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"منعوني من التعليم وعاملوني كأنثى خادمة"... يوميات نساء أميات في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 13 سبتمبر 202004:15 م

لم تكن إيمان لتتخيل أن الزواج سيفاقم مشاكلها ولا يحلها، بعد أن قررت الهروب من الحياة البائسة التي عاشتها عند أهلها، بعد انقطاعها عن الدراسة في سن مبكرة جداً، فلم تذق طعم الطفولة ولا المراهقة، وكان الزواج الوسيلة الوحيدة للفرار من جحيم أهلها.

"رفض والدي استكمال دراستي"

تقول إيمان، الثلاثينية ذات القامة الطويلة والجسم النحيل، ومقيمة في منطقة "ذراع الميزان" في ولاية "تيزي وزو" لرصيف22، إن التفاؤل كان رفيقها الذي لازمها حتى في أقسى مراحل حياتها، وما شهدته من تقييد حرية وحرمان، فوالدها كان متصلباً ومتشدداً، ومنعها من إكمال دراستها، ومبرره في ذلك علامات الأنوثة التي بدأت تظهر على جسدها، ورفضه فكرة الاختلاط مع الأولاد في المدرسة.

"كبرت قبل أواني".

وتشرح إيمان حالتها آنذاك، وتقول: "كنت أبكي، وأشعر بحزن شديد مع حلول كل موسم دراسي، خاصة عندما أرى من نافذة منزلنا، زميلاتي وهن يرتدين مئزر المدرسة، وضفائرهن ملقاة على محافظهن، بينما كنت منهمكة في غسل الأواني وتنظيف المنزل. أحسست أنني كبرت قبل أواني".

حالة الضياع والتخبط التي عاشتها إيمان دفعتها للتفكير في الزواج والهروب مما تعانيه مع أسرتها، تقول: "لكن للأسف خابت آمالي وتوقعاتي وسقطت أحلامي، لأن عيني لم تبصرا النور حتى بعد زواجي، ولم أجد السعادة والأمان اللذين كنت أبحث عنهما عندما كنت شابة".

"كنت أعتقد أن شخصية زوجي تختلف عن شخصية والدي، لأني كنت أراه مثالاً للزوج الصالح والمثقف، بالنظر إلى مستواه العلمي والأكاديمي، غير أن أحلامي الوردية اصطدمت بواقع مرير"، تقول إيمان.

"يخشى على أبنائي مني"

ووجدت إيمان، التي كانت تتوقع حب حمزة لها، نفسها تعامل باعتبارها "مجرد أنثى جاهلة وخادمة، ساهرة على راحته وإشباع رغباته ونزواته"، وفي كل مرة ينعتها ويوبخها أمام أهله لأنها غير متعلمة، وأنها دائما تابعة وليست مشاركة له، تقول: "حتى أنه يخشى على مستقبل أبنائنا مني باعتباري زوجة غير متعلمة في نظره، لا تعرف كيف تبرمج حياة أطفالها التعليمية ولا تستطيع خلق أبناء متعلمين، حتى أنه يقارنني دائماً بزوجات أشقائه الأربعة، ويراهن دائماً مثاليات، وفي غالب الأحيان يتهمني بالتقصير، خاصة وأنه من النوع الذي يدقق في جميع الأمور والتفاصيل".

"منعني أبي من استكمال الدراسة بسبب بروز علامات الأنوثة على جسدي، وكنت كلما رأيت زميلاتي بملابس المدرسة، وضفائرهن، بينما أغسل أنا الصحون، أبكي"

إنصاف، فتاة في السابعة عشرة من عمرها، من ولاية "تيارت" الجزائرية، نالت قدراً من التعليم وقررت المكوث في البيت بإرادتها لأنها لم تكن متفوقة في دراستها، تعيش اليوم حياة صعبة ومملة بعد أن هزمها اليأس وتناثرت أحلامها في الأفق بلا عودة.

تقول إنصاف لرصيف22 إنها تركت مقاعد الدراسة بمحض إرادتها بعد أن فشلت في اجتياز شهادة التعليم المتوسط مرتين متتاليتين، وتضيف: "بعد أشهر من مكوثي في البيت رفقة والدتي المصابة بالسرطان، ووالدي الذي طعن في السن، قررت البحث عن عمل في إحدى صالونات الحلاقة حتى ولو بأجر زهيد، لكن شقيقي الذي يكبرني اعترض على الأمر، ومنعني من الخروج من البيت لتعلم مهنة صنع الحلويات التقليدية أو الخياطة أو الطبخ".

"أشقائي أوصياء علي"

تروي إنصاف: "التحقت بإحدى مدارس تعليم فن الطبخ والحلويات في مدينة الرويبة (الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية)، وبعد فترة وجيزة تعرفت على شاب يكبرني بسنة. أحببته وتعلقت به، لكن علاقتنا العاطفية باءت بالفشل، بعد ان اكتشف شقيقي العلاقة التي كانت تربطني بالشاب ومنعني من الخروج من البيت، بدافع الحفاظ على شرف العائلة".

وتقول إنصاف: "وصرت منذ ذلك اليوم أجلس على حافة اليأس بعد أن خذلتني الحياة والتهمت المشاعر السلبية داخلي كالنار، لأني في نظر الجميع بدون مستوى تعليمي، غير مثقفة ولا أستطيع تسيير شؤوني الخاصة، ووضع أشقائي أنفسهم أوصياء علي، لم أعد قادرة على اتخاذ أي موقف".

وبعد نوبة بكاء، تواصل إنصاف سرد تفاصيل حياتها، بالقول إنها قررت الارتباط بشاب متدين فرض عليها شروطاً قاسية، أبرزها عدم الخروج من البيت إلا وهي برفقته، إضافة إلى ارتداء النقاب وغيرها من الشروط، ووجدت نفسها مضطرة للقبول للتخلص من اليأس الذي التهمها.

سب وإهانة

الخالة لويزة، 60 عاماً، أم جزائرية من ولاية البويرة، أنجبت تسعة أطفال، خمسة ذكور وثلاثة بنات، لم تذق طعم السكينة والاستقرار طيلة فترة زواجها، وتعزو ذلك إلى أنها لم تعرف القلم والورقة يوماً.

تروي الخالة لويزة قصتها لرصيف22: "تزوجت بابن خالتي زواجاً تقليدياً باعثاً على الملل، فزوجي يفوقني في المستوى الدراسي والثقافي، وكان موظفاً بوظيفة راقية، كما أنه كان يحب قريبة لهما، هي طبيبة ماهرة متفوقة في دراستها".

وتوضح: "لم يعاملني يوماً بحنية، كان دائماً يحسسني أنني أقل شأناً منه، عديمة المنفعة، لا أنفع سوى للطبخ والجلي وخدمة شقيقاته ووالدته، وكلامه معي دائماً بذيء وفيه الكثير من السب والشتم والإهانة، وحاليا صرت أكره حياتي معه وأفكر في الانفصال عنه وأنا في سن كبيرة".

"ازدادت معاملة زوجي لي سوءاً، بعدما نخر المرض الخبيث جسدي الهزيل، فعندما كنت أطلب منه أن يقرأ لي وصفة الدواء، يسخر مني ويذكرني دائماً أنني لا أصلح لشيء"

وتتابع لويزة: "ازدادت معاملته سوءاً معي، بعدما نخر المرض الخبيث جسدي الهزيل، فعندما كنت أطلب منه أن يقرأ لي وصفة الدواء، يسخر مني ويذكرني دائماً أنني لا أصلح لشيء".

وضع لويزة مثل الكثيرات من الأميات في الجزائر، دفع بعضهن إلى الخروج من أميتهن والمضي قدماً في تعليمهن، وغير قليل منهن نجحن في الوصول إلى الدراسات الجامعية عبر المراسلة.

وتقول فدهيلة هاجر، أستاذة محو الأمية بمحافظة البليدة، مدينة الورود الساحرة، تبعد عن العاصمة الجزائرية 45 كيلومتراً، إن برنامج محو الأمية في الجزائر حقق نتائج باهرة في صفوف النساء مقارنة بالرجال، والكثيرات استطعن حفظ القرآن كاملاً في بضعة أعوام، وتؤكد هاجر أن قطاعاً عريضاً منهن يكافحن من أجل إثبات ذاتهن.

وتقول هاجر لرصيف22 أن نسبة الإقبال على برامج محو الأمية شهدت ارتفاعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع تحسن ظروف التعليم في المناطق الداخلية والجنوبية، إضافة إلى ارتفاع نسبة حاملي الشهادات من المتطوعين لتعليم كبار السن ونشر العلم وتشجيع الناس عليه.

ويحصي الديوان الوطني لمحو الأمية في الجزائر 4 مليون أمي بحسب تصريحات الأمينة العامة لجمعية "اقرأ"، عائشة باركي، وأشارت إلى أن الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية مكّنت من تقليص نسبتها إلى 10.16% حالياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image