غالباً ما تكون أهم الأسئلة أكثرها بساطة، لذلك لا يطرحها أحد أحياناً. والقانون يشكل هذا المجال الذي يطرح عادة مثل هذه الأسئلة البديهية. من هنا قوة القانون وضعفه في آن: فقوته تنبع من نظرته المجردة إلى الأمور، انطلاقاً من مبادئ عامة تنطبق على الجميع، أما ضعفه فهو تحديداً انفصاله عن الواقع الاجتماعي والسياسي، ما قد يجعل منه عديم الفاعلية. لذلك كان من المفيد طرح سؤال قانوني بسيط: هل أقوى حزب (معطى سياسي) في لبنان هو حزب أصلاً (معطى قانوني)؟
لا يوجد في لبنان قانون خاص يرعى شؤون الأحزاب التي تخضع في تشكيلها وإدارتها لقانون الجمعيات العثماني الصادر عام 1909، فالحزب السياسي هو جمعية مثل سائر الجمعيات الاجتماعية والثقافية والبيئية، وتشكيلها لا يتطلب رخصة من الحكومة بل فقط التقاء إرادة المؤسسين على أهداف معينة، ومن ثم أعلام السلطات الرسمية بتشكيل الحزب أو الجمعية، عبر ما بات يعرف بالعلم والخبر، أي أن الدولة تأخذ علماً بالتأسيس.
لم يقدم حزب الله حتى اليوم بياناً رسمياً يعلم فيه الحكومة بتأسيسه يحتوي على أهدافه وأسماء أعضائه ومركزه، وهو لا يقدم ميزانيته السنوية وكشفاً بمصادر دخله وأسماء المنتسبين الجدد إليه، وهو أيضاً لا يعلم الحكومة بأسماء أعضاء هيئته الإدارية كل مرة يتم فيها تجديد انتخابهم، وهو أيضاً لا يسمح للقوى الأمنية بتفتيش أماكن اجتماعاته، كما تجيزه المادة 18 من قانون الجمعيات.
لم يقدم حزب الله حتى اليوم بياناً رسمياً يعلم فيه الحكومة بتأسيسه يحتوي على أهدافه وأسماء أعضائه ومركزه، وهو لا يقدم ميزانيته السنوية وكشفاً بمصادر دخله وأسماء المنتسبين الجدد إليه، وهو أيضاً لا يعلم الحكومة بأسماء أعضاء هيئته الإدارية كل مرة يتم فيها تجديد انتخابهم
لماذا لم يحترم حزب الله حتى اليوم هذه الشروط التي يفرضها قانون الجمعيات؟ فلنتخيل سوياً محتوى البيان الذي سيقدمه حزب الله لوزارة الداخلية كي تأخذ علماً بتأسيسه، سنجد أن غاية جمعية "حزب الله" تشمل التالي:
- استيراد سلاح وذخائر من دول أجنبية وتصنيع السلاح محلياً.
- إقامة أماكن تخزين سرية للسلاح.
- القيام بعمليات حربية عابرة للحدود.
- التواصل مع دول أجنبية من أجل تبادل المعلومات العسكرية والأمنية.
- الحصول على أموال من دول أجنبية تدخل إلى لبنان سراً ولا تخضع لأي ضريبة أو محاسبة من وزارة المالية.
- إنشاء شبكات اتصالات منفصلة كلياً عن رقابة الدولة.
إن مجرد تخيّل هذا البيان يؤدي حكماً إلى تطبيق المادة الثالثة من قانون الجمعيات التي تنص على التالي: "لا يجوز تأليف جمعيات مستندة على أساس غير مشروع مخالف لأحكام القوانين والآداب العمومية، أو على قصد الإخلال براحة الملكية وبكمال ملكية الدولة (...) ويرفض إعطاء العلم وخبر لها وتحل بمرسوم يصدر في مجلس الوزراء".
جمعية "حزب الله" غير مشروعة قانوناً، وهذا بغض النظر كلياً عن عقائد الحزب أو التبرير السياسي الذي يعطيه لنفسه أو حتى أحقية الأهداف التي يسعى إليها
أي أن جمعية "حزب الله" غير مشروعة قانوناً، وهذا بغض النظر كلياً عن عقائد الحزب أو التبرير السياسي الذي يعطيه لنفسه أو حتى أحقية الأهداف التي يسعى إليها.
لكن حزب الله موجود فعلياً على الرغم من أنه لم يعلم رسمياً الحكومة بوجوده، ما يجعله "جمعية سرية" تنطبق عليها المادة السادسة من قانون الجمعيات التي تنص صراحة: "يمنع منعاً قطعياً تأليف الجمعيات السرية"، وقد يتعرض أعضاؤها للجزاء النقدي أو الحبس.
وهكذا نلاحظ كيف تضعنا هذه المقاربة القانونية البديهية أمام مفارقة هامة: إن أقوى "حزب" في لبنان الذي يتكلم دائماً عن ضرورة احترام منطق الدولة ليس، وفقاً لقانون الدولة ذاتها، حزباً، بل جمعية سرية ممنوعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...