"يظن الكثير من المسلمين أن الحياة خُلِقَت من أجلهم. يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار وأن الجنة ملكهم وحدهم فقط، أما باقي الناس فسيذهبون إلى الجحيم فقط لأنهم غير مسلمين! لا أستطيع أن أؤمن بهكذا تفكير إقصائي".
هذا ما تقوله منى (اسم مستعار)، وهي محامية شابة في الثامنة والعشرين من عمرها لرصيف22.
تتحدث منى عن خروجها عن الدين الإسلامي الذي وُلِدَت عليه لكنها تخاف البوح لمَن حولها بمعتقداتها، بل أيضاً تضع الحجاب ولا تستطيع خلعه رغم عدم اقتناعها به، فقط لأنها من بيئة تحتّم على البنت أن تتحجب بعد بلوغها.
وأدى ظهور تنظيمات متطرفة إسلامية في عدة أماكن من العالم وممارستها القتل وسبي النساء إلى تعريض الإسلام لجملة انتقادات. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت صفحات على فيسبوك تقتصر مهمتها على نشر منشورات تتهكم على رموز وأفكار الإسلام أكثر من غيره.
مسلمون سابقون: "نكره هذا الدين"
البشر عادةً يتبعون بشكل تلقائي الدين الذي يولدون عليه، أي دين أسرتهم ومحيطهم، لكن هناك أشخاص يرفضون هذا الانتماء عندما يكبرون لأنهم لا يقتنعون به، ما يخلق لديهم حالة تمرد على الأهل والمجتمع والدين نفسه، وربما مشاعر كره أيضاً.
من هؤلاء محمد، مطوّر برامج كومبيوتر في الثلاثين من عمره. يقول لرصيف22: "لستُ كارهاً لهذا الدين فقط، بل أنا أكره أي فكر أو إيديولوجيا لا تحترم الطبيعة الإنسانية، ومنذ طفولتي كنت أمتعض من فرض عبادات يجبروننا على اتّباعها دون أي سبب منطقي".
يتحدث عن أنه بعد وعيه، كوّن معرفة ثقافية واسعة في الفيزياء والكيمياء وعلوم الفضاء، "وهذا ما جعلني أنكر أن الإله الذي خلق هذا الكون بكل هذا التعقيد والنظام يمكن أن يكون مهتماً بمعاقبة امرأة لمجرد أنها قررت أن تخطّ وشماً على ذراعها، ويأمر بجَلد شخصين التقيا على السرير بمحض إرداتيهما".
شريف، صحافي في السابعة والعشرين من العمر، يقرّ بدوره بأنه يكره الإسلام لأنه برأيه "غير حضاري". يقول إنه خرَجَ عنه لأنه وجد فيه "نصوصاً متناقضة غير منطقية أو عقلانية، بعد تمعّن كبير فيه ودراستي له في حلقات الجوامع أثناء مراهقتي".
ويقول لرصيف22: "حاولتُ أن أندمج في مجتمعي ومحيطي الإسلامي لأني سأصبح منبوذاً بمجرد أن ابتعد عن أفكارهم ومهدَّداً بالقتل أيضاً، فغالبية المسلمين لا يتقبلون الآخر الذي خرج من سربهم، ويعتبرونه شاذاً عن قواعدهم ويحق قتله بحكم أن المُرتَد يُقتَل، وهذا بحد ذاته تفكير إجرامي واضح وصريح، عكس ما يُقال عن أن لا إكراه في الدين".
لكن في ما بعد، تحلل من هذا التفكير و"صرتُ أقترب من الأشخاص القريبين من تفكيري لأندمج معهم بشكل أفضل من التعقيد الذي كنتُ أعيش فيه".
اعتقادات خاطئة
يظن العديد من المتدينين أن الملحد يخرج عن الدين لأنه يريد أن يمارس الجنس بحريته مثلاً، أو لأنه مثلي الجنس، أو كي يفعل ما يحلو له فيسرق أو يقتل ويغتصب مَن يشاء ويشرب المُسكِرات...
يقول كريم، شاب في الثلاثين من عمره لرصيف22: "أتابع السوشال ميديا فأجدُ أن أكثر التعليقات التي يواجهها الملحدون تهاجمهم بشكل شخصي وتعتقد أنهم شياطين بشرية لا تأبه للقتل أو السرقة أو الاغتصاب وتمارس الجنس ليلاً نهاراً".
ويعلّق: "هذا التفكير مقزز حقيقةً، فالمنظومة الأخلاقية للبشر وُجدت على الأرض قبل ظهور الأديان كلها بمئات السنين من خلال تشريعات وقوانين وأنظمة وضعتها الشعوب لتنظّم حركة الحياة، وهي ليست حكراً على دين معيّن، فالتحلي بالأخلاق لا علاقة له بالدين أساساً، بل هو نابع من تفكير عقلي سليم مفاده ببساطة أن أفعالك إن لم تؤذِ الآخرين فهي سليمة، وإن فعلتَ ما يضر بغيرك فالقانون سيعاقبك"، مستنتجاً أن "لا ضرورة لوجود الدين إذا طُبِّقَ القانون على الجميع".
في المقابل، يظن بعض الملحدين واللادينيين أن كل شخص مسلم يحمل في داخله تفكيراً إرهابياً إقصائياً حتى لو لم يُظهِره للعلن، الأمر الذي ينفيه علاء وهو شاب مسلم في التاسعة والعشرين من عمره وخرّيج كلية إعلام فيقول لرصيف22: "الدين بين الإنسان وربه فقط، ليس عليه أن يفرضه على أحد أو يقنع غيره به، أنا مسلم وملتزم بالصلاة ولديّ أصدقاء من كافة الأديان والطوائف وأيضاً لديّ أصدقاء ملحدين ولادينيين ونتناقش ونتجادل ثم نضحك على مواقفنا دون أن يفرض أحدنا رأيه على الآخر، لم أهددهم يوماً بالقتل أو أرفض معاشرتهم ودخولهم منزلي ولن أفعل! فالدين علَّمَنا أن نحب الآخر ونحترم أفكاره لا أن نقتله وننبذه وإلا فهو ليس ديناً متسامحاً".
الإلحاد والإسلام على السوشال ميديا
كما تنتشر صفحات كثيرة لشيوخ مسلمين ودعاة تدعو للدين، تنتشر، ولو بنسبة أقل بكثير، صفحات عربية تتهكم على الأديان ومعتقداتها وتحديداً الدين الإسلامي وأفكاره.
شريف، أحد متابعي صفحة كانت سبباً في ترسيخ فكرته عن الخروج عن دين الإسلام، يقول: "بما أنني في دولة لا تعترف إلا بأني مسلم وإنْ رفضتُ هذا الدين، فإني أعتبر أن إعجابي بهذه الصفحات بمثابة هوية وطنية لي تعبّر عن إلحادي الذي أفخر به".
"من الطبيعي أن يكون الإسلام هو الأكثر عرضة للانتقاد من قِبَل الملحدين واللادينيين في المنطقة العربية مقارنةً بغيره من الأديان، فنحن نشأنا في بيئات مسلمة، وبالتالي سننتقد الإسلام حتماً لا الهندوسية مثلاً لأنها لا تعنينا وهي غير موجودة في منطقتنا"
ويضيف لرصيف22: "هذه الصفحات عرّت الأفكار الدينية غير المنطقية والتي تدعو في غالبها للعنف والقتل، ولو حاول المتديّنون تجميلها، وأرى أنه من الضروري وجود هكذا صفحات ناقدة لأي فكر أو إيديولوجيا دينية فليس هناك فكرة أو معتقد فوق الانتقاد مهما كان".
ولكن علي، طالب في كلية التربية الموسيقية في الخامسة والعشرين من عمره، يعتبر أن بعض هذه الصفحات "قد تشوّه صورة الملحدين وتجعل منهم أغبياء بنظر المتدينين ومهمتهم الوحيدة هي مهاجمة الدين فقط، لذا يجب التركيز على نقد الفكرة الدينية دون سخرية منها خصوصاً تلك الأفكار التي تحرّض على القتل والجَلد والرجم وزواج القاصرات وغيرها من الأفكار غير الإنسانية".
يجد بعض المسلمين أنفسهم مضطرين لمواجهة المتهكمين على دينهم، فينبرون للدفاع عما يتمسكون به من معتقدات شبّوا عليها وكبرت معهم وترسخت في عقولهم.
محيي الدين، محامٍ في الخامسة والعشرين، يقول إنه يتقبل الأمر عندما تتهكّم هذه الصفحات على عقيدة الدين، أو سيتغاضى عن ذلك باعتبار أن مَن يتهكمون قد لا يكونون فاهمين لجوهر هذه العقيدة، في حين لا يمكنه تقبّل الهجوم على أشخاص لهم قداستهم كالنبي محمد أو صحابته.
ويقول لرصيف22: "نحن كبشر إذا قُذفنا وشُتمنا أو شتمت عائلتنا، فبديهياً لن نسكت عن الموضوع وسنقابل الإهانة بإهانة أكبر إن اضطُرَّ الأمر، وبالتالي فإن هؤلاء الرموز الذين قد يتعرضون للشتم نرتبط فيهم عقائدياً وروحياً كما عوائلنا ويحق لنا كمسلمين الدفاع عنهم".
لماذا يُنتَقَد الإسلام تحديداً؟
"من الطبيعي أن يكون الإسلام هو الأكثر عرضة للانتقاد من قِبَل الملحدين واللادينيين في المنطقة العربية مقارنةً بغيره من الأديان"، يقول علي، "وذلك يعود إلى عدة أسباب، أولها أننا نعيش في مناطق ذات غالبية مسلمة ونشأنا في بيئات من خلفيات مسلمة، وبالتالي سننتقد الإسلام حتماً لا الهندوسية مثلاً لأنها لا تعنينا وهي غير موجودة في منطقتنا".
أما ثاني الأسباب، برأي علي، "فهو تدخل الإسلام في تفاصيل البشر بشكل فج، فالمتديّنون لا يسمحون بالاستماع للموسيقى، ولا يحبون النحت والرسم ولا التمثيل ولا الغناء، ويركزون على سفاسف الأمور وأتفهها كمعاقبة التي ترسم حاجبيها من النساء، ونتف شعر الجسد، والوشوم، والعلاقات الجنسية، ومهر الزواج، وطريقة الطعام والخروج والدخول إلى الحمام وحتى العلاقة الجنسية بين الزوجين في السرير، والميراث وغيرها من الأمور التي تتحكم بأفعالنا من الرأس حتى أخمص القدمين وكأننا روبوتات ولسنا بشراً لدينا أفكارنا الخاصة وقوانيننا المدنية".
"يظن الكثير من المسلمين أن الحياة خُلِقَت من أجلهم. يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار وأن الجنة ملكهم وحدهم فقط، أما باقي الناس فسيذهبون إلى الجحيم فقط لأنهم غير مسلمين! لا أستطيع أن أؤمن بهكذا تفكير إقصائي"
ينظر علي إلى الأديان الأخرى بطريقة مختلفة، رغم تأكيده عدم اقتناعه بها، فهي "تسمو بالروح وعلاقة الإنسان بربه ولا تقيّدة بأمور حياتية كهذه".
من جانب آخر، يرى أن "تاريخ الإسلام يشهد أنه غير متسامح على الإطلاق ومتزمت لا يتقبل الآخر ويعتبره أدنى منه مرتبةً إنْ كان غير مسلم بل يدعو إلى قتل المرتد عنه، ويسمح بزواج الفتاة القاصر حتى لو كانت في الثانية عشرة من عمرها لمجرد أنها بلغت".
تتبنى عُلا، وهي صحافية وحائزة على شهادة في التاريخ، نفس الرأي. تقول لرصيف22 إنها بعد قراءات طويلة في التاريخ والدين الإسلامي وجدت أن "الإسلام لم ينتشر إلا بحد السيف، فهو دين قائم على السطوة والقوة، والآيات التي تتحدث عن القتل كثيرة".
وتنتقد فرض المسلمين الجزية على غيرهم من معتنقي الأديان الأخرى في الدول التي احتلوها والتي كانوا يدفعونها لبيت مال المسلمين فقط لأنهم غير مسلمين ولحمايتهم من غزو آخر.
لكن محيي الدين يقدّم قراءة أخرى للتاريخ. يقول إن المسلمين الذين احتلوا مساحات واسعة من الأرض في فترة ازدهارهم وقوتهم كانوا قادرين على محو الأديان الأخرى مع معابدها من الوجود، لكنهم لم يفعلوا ذلك لأنها ليست غايتهم بل بقيت حتى اليوم كنائس وكُنُس ومعابد شاهدة على تعايش أديان أخرى تحت ظل الإسلام، ما يعني أن "تهمة العنف التي يوصَم بها المسلمون باطلة".
عن هذه النقطة تقول عُلا "إن المسلمين لم تعُد لعبتهم بعد موت النبي محمد دينية بل أصبحت سياسية محض... وكان من الأفضل بقاء الناس على غير دين الإسلام لتزويد الخزينة بأموال الجزية".
وبرأيها، "عندما تخيِّر السكان بين دفع الجزية أو الإسلام أو القتال فهذا بعيد كل البعد عن حالة التسامح التي يتحدث بها المتحمسون للإسلام بل هي دعوة نشرت بحد السيف ولا تدعو للسلام والمحبة".
يقدّمُ كل شخص حججاً تتناسب مع أفكاره وآلية تفكيره، ويبقى الصراع حاضراً دونما نهاية بين معتنقي الأديان والخارجين عنها، ما يشكّل هوّة كبيرة في المجتمعات العربية، خاصةً أن ثقافة تقبل الآخر ما زالت شبه معدومة في المنطقة العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت