شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"كأني أليس في بلاد العجائب… سكرت وصاحبت وتزوجت خارج بلدي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 10 سبتمبر 202005:44 م

أثرت الصورة الاجتماعية التي تتبناها كثير من مجتمعاتنا المحافظة عن المرأة المتحررة، المحبة للمرح والسهرات والصداقات، في إحساسي بنفسي. غالباً ما تراني عائلتي وزملائي طائشة لا أهتم بآراء الآخرين، للدرجة التي تنبأ فيها خطيبي السابق بأني سأموت وحيدة، وأن أفكاري المتحررة لا تناسب "المرأة الصالحة التي ترغب في حياة هادئة وتكوين أسرة".

لاحظت أن كثيراً ممن حولي يربطون احترامهم للمرأة بقدرتها على التعايش مع "الحرمان" من الحياة وسعادتها ومتعها، لذا كان السفر هو الحل الصعب ولكن السحري بالنسبة لي.

أدهشني في الهند أن هذه الطريقة في الحديث عن المرأة المتحررة، المحبة للرحلات والسهر، تغير. قال لي صديقي في نيودلهي الهندية: "الحياة رحلة جميلة"، ورغم تحرري، وحبي للسهر، والرحلات، والحفلات إلا أن عروض الزواج انهالت علي كثيرا، طوال الخمس سنوات التي أقمت فيها هناك، وهو ما لم أكن أتخيله هنا، في القاهرة.

"سنة أولى حرية"

"كأنني أليس في بلاد العجائب"، هكذا وصفت سلمى، (30 عاماً) مصرية تعمل في مجال الترجمة، اندهاشها بنمط حياتها الجديد في مومباي الهندية، أو "سنة أولى حرية"، كما تردد دائماً. تقول عن عامها الأول الذي قضته خارج القاهرة: "كنت ما زلت أتحسس طريقي نحو الاستقلالية، تملكتني في الهند طاقة جبارة لخوض كل ما هو جديد، رقص وحفلات وسينما وسهر لبعد منتصف الليل، يا إلهي ما كل هذا".

لاتزال سلمى تتذكر تلك اللحظات التي شكلت فارقاً نفسياً في التعامل مع الرجال، تقول: "في إحدى الليالي، وأثناء تواجدي مع أصدقائي في أحد النوادي الليلية، وجدته ينظر لي بعيون شغوفة، ظل يتابعني في كل حالاتي وأنا أرقص، وأنا أتحدث، وأنا أضحك".

كانت سلمى سعيدة بنظرات ذلك الرجل، ولكن بقايا نفسية مما عاشته في محيطها الاجتماعي في القاهرة كان مؤثراً على طريقة تفكيرها، تقول: "كنت سعيدة بنظراته لأنه يعجبني أيضاً، ولكن كنت أفكر كيف سنبدأ حديثنا، خاصة في وجود أصدقائي وأصدقائه، هل يا ترى سيرسل لي إشارة أو إيماءة خفية تجعلني أذهب إلى الخارج بحجة التحدث في الهاتف كما في الأفلام، أم سيلحق بي قرب حمام السيدات ليرمي لي ورقة تحمل رقم هاتفه".

غالباً ما تراني عائلتي وزملائي طائشة، وأنانية لا أهتم بآراء الآخرين، للدرجة التي تنبأ فيها خطيبي السابق بأني سأموت وحيدة، وأن أفكاري المتحررة لا تناسب "المرأة الصالحة التي ترغب في حياة هادئة وتكوين أسرة"

اندهشت سلمى، أنه جاء إليها بمنتهى البساطة، قدم نفسه لها وأشاد بجمال ابتسامتها، ولكن ما أثار دهشة سلمى أكثر أنها لم تلمح نظرات منتقدة من أصدقائها الذين يشاركونها السهر، تقول: "الغريب أنني لم ألمح نظرات دهشة أو ريبة علي وجوه أي من الموجودين، وكأنه أمر بديهي".

وظلت سلمى تضع نفسها في حالة تأهب للرد بالسب أو الصفع في حال وجه لها كلمة غير لائقة، ولكن ذلك لم يحدث: "كان مهذباً ودوداً، حتى عندما أراد أن يطلب مني التواصل في المرات القادمة، سألني بمرح هل لدي حساب عبر موقع فيسبوك... أجبت بنعم، وأرسل لي طلب صداقة، وبالفعل تحدثنا وقبلت دعوته على العشاء. ولكن لماذا تراودني تلك الأفكار حول نواياه الخفية رغم أنه لم يتفوه بواحدة منها".

"كنت أذهب للقائه في كل مرة بشعورين مختلفين، الأول سعادة وراحة فأعتقد أنني بدأت أشعر بالحب الحقيقي، أما الثاني فكان مزيجاً من الشك والخوف، خاصة وأن لقاءنا الأول لم يكن في مكتبة أو ندوة، بل كان في ناد ليلي بصحبة أصدقاء، مرتدية فستاناً قصيراً وأرقص بعنفوان طائش".

واندهشت سلمى لطب صديقها الزواج منها، بعد مرور 4 أشهر على علاقتهما، حينها أدركت كم هي المرأة في مجتمعها مكبوتة بعقلية الذكور، تقول: "رغم أني لم أتزوجه، إلا أنه علمني درساً لن أنساه، أنني يجب ألا أستسلم لمعتقدات خاطئة لمجرد أنني نشأت عليها، ووجدتها في أبي وأخي وزميلي ورفيقي، فالمرأة لديها الحق الكامل في كل ما يخصها، داخلياً وخارجياً، شكلاً ومضموناً، سواء كان مرفوضاً من الرجل أم مقبولاً".

"الزوجة هي المرأة الصالحة"

شازيه طهراني، (26 عاما) إيرانية من طهران، عارضة أزياء، هي الأخرى اقتربت بحذر زائد من الانفتاح في بومباي، لم تكن تصدق المجتمعات المنفتحة أو أن الرجل يمكن أن يحترم امرأة يسهر ويسكر معها.

تقول شازيه: "في السنة الأولى خارج إيران، كنت كالبركان المنفجر بعد أن كان خامداً لقرون. أرفض الارتباط الجاد، وفقط أعطي لنفسي فرصة للتقرب من أصدقائي الرجال، حتى أتحقق بنفسي: هل هذا القدر الكبير من الاحترام للمرأة وحريتها هو مبدأ حقيقي، أم مجرد ستار لمواكبة المجتمعات المتقدمة؟".

شازيه لا تفارق الحجاب طالما هي في طهران، تقول: "معظم الرجال في إيران يرون المرأة الصالحة فقط زوجة، يجب عليها ألا تتجمل أو تخرج للقاء حتى صديقتها، فالمكان الطبيعي للأنثى المنزل. هكذا عاشت أمي وسط الكثير من شروط وقواعد أبي، وفي النهاية اكتشفت خيانته مع عشرات من بائعات الجنس. الرجل يعشق المرأة المتحررة فقط عندما تكون خارج منزله، فإذا عاد إلى المنزل فيصبح حاكم المدينة الذي يتمنى تطهير الأراضي من كل العاهرات".

"معظم الرجال في إيران يرون المرأة الصالحة فقط زوجة، يجب عليها ألا تتجمل أو تخرج للقاء حتى صديقتها، فالمكان الطبيعي للأنثى المنزل. هكذا عاشت أمي، وفي النهاية اكتشفت خيانة أبي مع عشرات من بائعات الجنس"

عندما بدأ موقع فيس بوك ينتشر في إيران، كوّنت شازيه العديد من الصداقات مع رجال ونساء في الهند، لقربها الجغرافي من إيران، ولإمكانية السفر من أجل العمل أو التعليم.

لم تكن شازيه لتصدق وهي في بداية شبابها في طهران أنها ستعيش نمط حياة متحرر، وتعمل في الأزياء، وأن ترتبط عاطفياً برجل يدعمها في عمل يعتبره كثير من أبناء بلدها مرادفاً لـ "العهر"، ولكنها في كل مرة تعود إلى إيران لزيارة عائلتها، تعود لها معاناتها من "العقدة الرجعية للمجتمع الذكوري"، تقول لرصيف22: "حتى الآن، عندما أعود إلى وطني في الإجازات أو لزيارة عائلتي، أعاني من تلك العقدة الرجعية، وحتى عبر موقع التواصل الاجتماعي، أتلقى عروضاً للخروج أو ممارسة الجنس ولعب دور العشيقة وحتى الزواج سراً".

"مقيدات في مجتمعاتنا"

لاحظت ريم الشاذلي، صحفية مصرية مقيمة في نيويورك، باحثة في العلوم الإنسانية وتعمل كمندوب لدي الأمم المتحدة، أن العديد من النساء العربيات اللاتي ولدن في بيئات محافظة يغيرن نمط حياتهن في الخارج، ويتفاجأن بالراحة والحرية في علاقتهم مع الرجال الأجانب، ويعدن لنمطهن القديم فور تعرفهن على رجال من بيئتهن الاجتماعية.

تكمل ريم قائلة: "أقوم بتحضير رسالة ماجيستير في العلوم الإنسانية بجامعة نيويورك، وهذا ساعدني كثيراً في فهم ما يحدث لنا في مجتمعاتنا، والتغيرات التي تطرأ علينا عندما نكون خارج بلادنا".

تقول الشاذلي لرصيف22: "تستطيع الفتاة أن ترتدي ما تريد، وتتحدث في أي موضوع دون خوف من حكم خاطئ أو رد فعل جارح، لكن مع رجل من بيئتها الاجتماعية وبلدها يكون الأمر أكثر تعقيداً، لأنه يدرك أن الفتاة نشأت على ثقافة منغلقة، تجعل منه شبيهاً بكل الرجال في حياتها، الأب أو الأخ أو (الولي) كما يسمونه في أدبيات الفقه، ما يجعل الفتاة دون أن تشعر، تضع قيوداً لطريقة التعامل والموضوعات التي تتحدث بها، حتى طريقة إلقاء التحية مختلفة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard