"ما عندنا نساء تتحجّب"، كانت تلك الكلمة التي كانت سوسن تنتظرها من خطيبها لتخلع الحجاب، وما ارتدته منذ ذلك اليوم، وما كانت تستطيع أن تفعله بين مجتمعها، الذي يتشدد في فرضه على النساء.
تقول سوسن (اسم مستعار)، 37 عاماً: "الحقيقة، كنت أنتظر أن يقولها لأخلع الحجاب، وفعلاً منذ ذلك اليوم لم أرتديه. زواجي من شاب من الساحل السوري حلمي الذي أصبح حقيقة".
سوسن، مسلمة سنية من دمشق، تزوجت من شاب مسلم علوي من مدينة صافيتا، في محافظة طرطوس الساحلية، وذلك بعد قصة حب دامت ثلاث سنوات في دمشق.
"المجتمع يخلق المشاكل"
استغرقت سوسن عاماً كاملاً لإقناع عائلة زوجها بالقبول بها كزوجة من طائفة مختلفة، ونجحت أخيراً، أما عائلتها فلم تمانع منذ البداية.
تعمل سوسن وزوجها في تدريس اللغة الإنكليزية، يقطنان في العاصمة، لكنها تتردد في الأعياد والمناسبات إلى قرية زوجها. تقول لرصيف22: "قرية زوجي اسمها بيت الشيخ يونس، عندما دخلت العائلة أخبروني أنهم من عائلة شيوخ، أي من علماء الطائفة العلوية، وتغيّرت نظرتي عن هذه الطائفة بالكامل".
فوجئت سوسن بعد زواجها أن نساء الطائفة العلوية يصلين، ويقرأن القرآن الكريم، على عكس ما كانت تسمعه عنهم، تشرح ذلك: "الفكرة العامة في كثير من أحياء دمشق أن الطائفة العلوية بعيدة عن الدين قليلاً، يقولون عنهم إنهم لا يلتزمون بالصوم والصلاة وقراءة القرآن، لكن الحقيقة التي عشتها غير ذلك، مع بعض الاختلافات في المعتقدات التي فوجئت بها أيضاً".
"كنا عندما نزور عائلتي نراهم يشاهدون محطات فضائية، وعندما نزور عائلة روز نراهم يشاهدون قنوات أخرى، كمية كبيرة من الحقد الطائفي كانت تُبث على التلفاز وتتصدر أحاديث الناس"
تحاول سوسن أن تستذكر المشكلات التي حدثت بينا وبين زوجها بسبب اختلاف الطائفة، لا تجد أي مشكلة، تضيف: "جميعها خلافات تحدث بين أي زوجين، سواء كانا من ذات الطائفة أو غيرها، لكن ربما بعض التعليقات من الأصدقاء أو الأقرباء أو المجتمع المحيط هي ما يثير هذه النعرة الطائفية".
لطالما أحبت سوسن مجتمعات الساحل، لأنهم لا يفرضون قيوداً تقيد المرأة، مثل اللباس، السفر، الدراسة والعمل، على عكس المجتمع في دمشق الذي يفرض، بشكل عام، قيوداً "قاسية"، بحسب سوسن.
تقول سوسن: "كنت في أعماقي أرغب بخلع الحجاب، وكانت أجواء المشروب تستهويني، لكن لم أجرؤ على الافصاح عن ذلك إلا بعد زواجي".
"أرغب في أعماقي بخلع الحجاب، وأجواء المشروب تستهويني".
دارت بين سوسن وزوجها العديد من النقاشات الدينية، خاصة أنها فوجئت بمعتقدات لم تكن تعرفها، منها المقامات الدينية (الخضر) التي يزورها زوجها وعائلته، تقول: "يؤمنون أنه بمجرد دخولهم إلى هذا المقام والدعاء، سواء لعودة الغائب أو شفاء مريض، سيلبي الله دعاءهم ويستجيب لهم".
أما التقمص الروحي، هذه الفكرة لم تستطع أن تقتنع بها سوسن، ولم يحاول زوجها إقناعها، تشرح ذلك: "عندما توفيت والدة زوجي، جاء رجل قال إنه شاهدها في الحُلم، وأن روحها بُعثت بجسد طفلة صغيرة ولدتها أمها في القرية في اليوم ذاته. سارع زوجي وعائلته إلى منزل الطفلة الصغيرة وبدأوا بتقبيلها، سمعتهم يقولون إنها والدتنا خُلقت من جديد، كان الأمر غريباً، لكن التزمت الصمت. لا علاقة لي بمعتقداتهم".
حُرمت من عائلتي
عانت جوليا من جفاء عائلتها بعد أن ارتبطت برجل مختلف عنها في دينها، تقول: "لم أر عائلتي منذ 14 عاماً، تخلّوا عني. قالوا للناس كان لدينا فتاة تدعى جوليا وماتت، هكذا بكل بساطة. ذنبي أنني هربت مع شاب مُسلم من إدلب وتزوجته، لأنني أعلم أنهم سيرفضون زواجي من رجل غير مسيحي. كنت صغيرة بعمر 18 عاماً، صغر عمري لم يشفع لي لدى عائلتي ومجتمعي، حُرمت منذ ذلك الوقت من رؤية أمي وأبي، باستثناء مرة واحدة رأيتهما فيها سراً دون أن يعلم أحد".
هكذا تلخّص جوليا (اسم مستعار)، 32 عاماً، قصتها لرصيف22.
تفكر جوليا كثيراً بينها ونفسها، وتتذكر كلمات والدها "أحلم أن أراك عروسة في الكنيسة"، وهذا ما جعلها تفكر أنه لو عاد بها الزمن لما فعلت، تقول: "خسرت حضن أمي ومنزل أبي الذي أغلق في وجهي منذ 14 عاماً".
"لماذا يخاصمني أبي؟"
أنجبت جوليا طفلين، الكبير 13 عاماً والصغير 12 عاماً، لكنهما لا يعرفان جدهما وجدتهما إلا في الصور، عندما يسألانها عن السبب تقول لهم الحقيقة: "لأنني مسيحية هربت مع والدكما المسلم".
تشرح ذلك: "أشعر أن أبي وأمي لديهما رغبة في مسامحتي، لكن أعمامي وأخوالي يمنعانهما، يهددانهما إن سامحاني لن يكلّمهما أحد بعد ذلك".
تكمل جوليا لرصيف22: "ليس سهلاً على أي فتاة مسيحية أن تتزوج برجل مسلم. أعرف الكثير من الحالات مازالت تعاني مثلي من مقاطعة الأهل ورفض المجتمع لها ولأولادها، لكن الحقيقة لا أعلم لماذا؟ مازلت أمارس طقوسي الدينية الكاملة، أحكي لأولادي الكثير عن الديانة المسيحية. دائماً أخبرهم قصص يسوع ومريم العذراء، نزور الكنيسة سوية، نزيّن شجرة الميلاد، نحتفل بقدوم عام جديد، عائلة زوجي متسامحة دينياً".
"أعمامي وأخوالي روجوا بأني مجنونة".
تستذكر جوليا سنوات زواجها الأولى: "حُرمت من الخروج في إدلب خوفاً من أعمامي وأخوالي، الذين هددوا في البداية بقتلي وحاولوا إعادتي. روّجوا أنني مجنونة وأتناول أدوية نفسية، منعوا كل المسيحيين في إدلب من إلقاء التحية عليّ، كما حُرمت من زيارة الكنيسة في إدلب. كنت أخرج فقط برفقة زوجي، وإذا حدثت صدفة والتقيت بأحدهم كان يدير وجهه ولا ينظر إليّ".
انتقلت جوليا مع زوجها وأولادها خلال الحرب إلى اللاذقية، أما عائلتها فانتقلت إلى حلب. لا تستطيع زيارة منزل عائلتها، تخطط جوليا للقاء سرّي ثان مع أمها وأبيها دون أن يراها أحد، لتقول لهما إنها كانت "صغيرة والمسامح كريم"، ولتحكي لهما عن ولديها وزوجها الذي يحبها.
"عمي لا يكلمني"
"زوجي كان صديق أخوتي، أذكر سهراتهم في بيتنا في ريف اللاذقية، يضحكون وتعلو أصواتهم أثناء مشاهدة المباريات الرياضية، كما أذكر الكؤوس التي كانت تُرفع احتفالاً بفوز الفريق الذي يشجعونه، كنت أسترق النظر إليه من وراء الباب، أعجبني، كنت أعلم أنه ليس من طائفتي".
تحكي روز (اسم مستعار)، 36 عاماً، تزوجت من طلال، وأنجبت طفلين، دون معارضة من عائلاتهما، لكن الصعوبات ظهرت من الأقرباء والمجتمع. تقول روز لرصيف22: "عمي الأكبر لا يكلمني إلى الآن، لأنني تزوجت شاب من الطائفة السنيّة من حي الصليبة في اللاذقية".
اكشتفت روز بعد زواجها أن النظرة العامة التي يرسمها المجتمع عن الطائفة السنيّة ليست صحيحة، تقول: "لم يكن طلال يوماً ملتزماً بالصوم والصلاة، لا قبل زواجي به ولا بعده، أستطيع أن أقول من خلال تجربتي إن نظرة المجتمع تختلف بشكل كامل عن الواقع. باختصار ليس كل مسلم سني ملتزم بالصلاة، ولا كل مسلم علوي مبتعد عنها".
"لماذا غضب الناس مني لأني مسيحية تزوجت مسلما؟ مازلت أمارس طقوسي الدينية الكاملة، أحكي لأولادي الكثير عن الديانة المسيحية. دائماً أخبرهم قصص يسوع ومريم العذراء، نزور الكنيسة سوية"
طلال يؤكد حديث روز، ويروي تفاصيل علاقتهما بعائلتهما وقت الحرب: "لم أشعر أن زوجتي من غير طائفة إلى أن جاءت الحرب في العام2011، كنا عندما نزور عائلتي نراهم يشاهدون محطات فضائية، وعندما نزور عائلة روز نراهم يشاهدون قنوات أخرى، كمية كبيرة من الحقد الطائفي كانت تُبث على التلفاز وتتصدر أحاديث الناس. قلقنا على أولادنا، حتى حظرت على عائلتي مشاهدة أي شيء يخص السياسة، فقط الرياضة والفن".
"حبنا هو الأساس"
بعد عامين على الخطوبة، وعام كامل من المحاولات لإقناع عائلة رهام أن تقبل بمحمد زوجاً لابنتها، قبلت العائلة، وها هي رهام تستعد لعرسها.
تقول رهام إنها الفتاة الأولى في العائلة التي ستتزوج بشاب من غير طائفتها، عائلتها سافرت بعد خطوبتها إلى ألمانيا.
تحكي رهام (اسم مستعار)، 23 عاماً، قصتها لرصيف22: "أنا من عائلة دينية محافظة جداً بريف حماة، وملتزمة بالحجاب والصوم والصلاة وقراءة القرآن، وخطيبي من ريف طرطوس، هذا ما أثار قلق أبي، قال لي أنهم سيجبرونك على خلع الحجاب، وأن عاداتهم مختلفة عن عاداتنا، وبالتالي سأعاني".
"لم يطلب محمد مني خلع الحجاب أبداً، لا يتدخل في معتقداتي، أنا أيضاً لا أدخل معه في نقاشات دينية، وتقبله لي دليل أنه ليس متشدد"، تضيف رهام.
تختم رهام حديثها قائلة: "حبّنا هو القاعدة التي سنبني عليها بيتنا المستقبلي، لست قلقة، بل على العكس تماماً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...