عرف الأدب العربي فترات زاهية ونقلة نوعية كبرى خلال النصف الأول من القرن العشرين، بميلاد حركتين أدبيتين شهيرتين في المهجر، هما "الرابطة القلمية" و"العصبة الأندلسية". تفككت الحركة الأولى التي ظهرت عام 1916 في نيويورك، بموت مؤسسها جبران خليل جبران عام 1932، أما الثانية التي احتضنتها مدينة ساو باولو في 1933، فسرعان ما توقفت بدورها سنة 1941 بسبب تأثيرات الحرب، وبأمر جائر من الرئاسة البرازيلية، دعت فيه وقتها لإيقاف إصدار أي صحيفة أو مجلة أجنبية.
هذه المحاولات الفردية لتأسيس آفاق رحبة وحرة للأدب العرب خارج دياره بعد أن ضاقت به الأقطار العربية ذرعاً، برزت أيضاً في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبولونيا وروسيا وغيرها من الدول الأوروبية. وإن كانت هذه المحاولات متناثرة ومشتتة في أوروبا، إلا أنها خلقت بديلاً للأدب المحلي المسيّج بالمنع والمصادرة.
وبينما تميز عطاء الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية بظهور تيارات أدبية ومجلات وصحف سيارة، على غرار "السائح" و"الرابطة" و"الحياة الجديدة"، نكاد لا نعثر لكتاب المهجر الأوروبي في القرن الواحد والعشرين على إصدار مجلة أو صحيفة خاصة بهم، كما لم يتوصلوا الى تأسيس روابط للفكر مثل نظائرهم بأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية.
فكيف تثبت هذه النماذج المهجرية الفاعلة ذاتها، في ظل قرن متغير تهزه الجوائح والتغيرات السياسية والمجتمعية؟ وكيف تبدو آفاق استمراريتهم في العطاء المعرفي؟ وما هي أهم أسباب عزلة هؤلاء عن بعضهم، رغم نجاح تجربتهم الشخصية؟
فساد الأمكنة
لا يمكن إنكار التجربة الرائدة للثقافة العربية المبكرة في المهجر الأوروبي، ولعل أبرز أعلامها زعماء النهضة، مثل شكيب أرسلان ومجلته "الأمة العربية" بسويسرا، ويعقوب صنوع وصحيفته "أبو نظارة" بفرنسا، ولويس صابونجي وجريدته "الخلافة" الصادرة في انكلترا. هذه المشاريع تهاوت بسرعة وبلا رجعة، وظهرت محلها تجارب محتشمة، بسبب غياب محركات فعالة تسهم في خلافتها بمشاريع أخرى تراكم التجربة وتغنيها أو تناقضها.
سعت محاولات فردية لتأسيس آفاق رحبة وحرة للأدب العرب خارج دياره بعد أن ضاقت به الأقطار العربية ذرعاً، وإن كانت هذه المحاولات متناثرة ومشتتة في أوروبا، إلا أنها خلقت بديلاً للأدب المحلي المسيّج بالمنع والمصادرة
وأمام فشل ما يعرف بتجارب الاستقلال في الوطن العربي، أجبرت أجيال من المثقفين المغاربة والمشارقة على قصد الضفة الشمالية للمتوسط، أي أوروبا، أولاً لأنها قريبة جغرافياً، وثانياً لأن هذه "الأوطان البديلة" توفر المناخ المطلوب من حرية التعبير. كما استفادت موجات الهجرة بقوانين جديدة تتعلق بالإقامة وحرية التنقل وممارسة الشعائر والانخراط في البحث الجامعي.
حتمت حياة المهجر على الوافدين حديثاً على الأراضي الأوروبية أن يبقوا متيقظين باستمرار كي يسلموا من خيلاء تملك المكان والانسجام معه كلياً. ولذلك أطلق الشاعر المهجري علي أحمد سعيد (أدونيس) مقولته الشهيرة: "الداخل ضيق عليّ والخارج ليس لي"، معبراً على مرارة الإقامة في الغربة وفساد العيش في المواطن الأصلية.
وسعياً لفهم ما يقع داخل هذه التجارب المتشابكة لتطليق الأوطان وتعلق المهاجر بالموطن الجديد بما فيها من متعة ومكابدة، وجهنا بعض الأسئلة لعدد من الكتاب والمثقفين بالمهجر الأوروبي. والنتيجة كانت أن رحب البعض عن طيب خاطر، بينما اعتذر آخرون عن الإدلاء بشهادتهم من منطلق أن بلد المنشأ أصبحت لا تعنيهم بشيء، فهم يرون أنهم اندمجوا كلياً في البلد المضيف، وثمة من اعتذر عن التكلم تفادياً للإيغال في الألم، فالبعض يقضي الوقت في البحث عن قوته أكثر من الجلوس إلى طاولة الكتابة.
باهرة عبد اللطيف: أفق غامض
تقول باهرة عبد اللطيف، الكاتبة والمترجمة والأكاديمية العراقية المقيمة بإسبانيا لرصيف22: أخشى أن أكون متشائمة في طرحي، والسبب هو هذا الأفق الغامض الذي لا نتلمس ملامحه، ونحن نقف متأملين المشهد الإنساني انتظاراً لما تحمله الأيام القادمة لنا جميعاً، سواء أكنّا في مغترباتنا الأوروبية أم في أوطاننا.
لا بد من القول أولاً، إن نجاح المثقف العربي على مدى العقود الأخيرة لم يشكل ظاهرةً في الغرب، بل بقي محض أنموذج فردي يضرب به المثل ولا يقاس عليه. أي أنهم يرون فيه الاستثناء الذي يثبت القاعدة: مثقف متفرّد هرب من عالم موغل في تخلفه وتعصبه الديني والاجتماعي ولاذ بالغرب، وذلك وفقاً للرؤية الغربية التقليدية بأحكامها المسبقة وصورها النمطية، التي تصل حد العنصرية في أحيان كثيرة.
ثانياً، يصعب الحديث عن المستقبل في ظل جائحة عالمية كجائحة فايروس كوفيد 19، فقد باتت الأمور أصعب وأكثر تعقيداً بتداعياتها على كافة المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، لذا فالحاضر يستغرق الجميع بلا استثناء. وهنا أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن ما بني في العقود السابقة من حوار إنساني وتفاعل ثقافي بين المجتمعات بات اليوم يجتاز مرحلة دقيقة حرجة، وهو -على قلّته- مهدّد بالتراجع تدريجياً لنعود إلى قطيعة شبه بدائية.
وهذا يتجلى من خلال التوقف شبه الكامل للفعاليات الاجتماعية والفكرية المنتظمة التي تنهض بها المنتديات الثقافية والأدبية والمنابر الأكاديمية وأنشطة منظمات المجتمع المدني، ومردّ ذلك هو حالة التباعد الاجتماعي الضروري لحماية أرواح الجميع، وقواعد الحجر الصحي ومنع التنقل والسفر إلا للضرورة الملحة.
إذن ماذا بوسع المثقف العربي أن يقوم به في المهجر الأوروبي، في ظل هذه الظروف العصيبة التي تجتازها البشرية جمعاء؟ الخيارات قليلة، وأهمها تعزيز الوعي الفردي التفاعلي، والمشاركة في الفعاليات والمبادرات المجتمعية الافتراضية، اجتماعية، أدبية، فكرية... إلخ، ليواصل دوره حيثما كان في المهجر الأوروبي، بوصفه همزة وصل بين مجتمعات المنشأ والاستقبال.
هذا يعني استخدام التقنيات الحديثة المتمثلة بالمنصات الإلكترونية، لأنها الكوّة الوحيدة المتاحة للتواصل عالمياً في الوقت الراهن. ومن لا يجيد استخدامها سيفقد فرصة كبيرة للتعبير عن نفسه وتوكيد حضوره.
محسن الرملي: هوية جديدة أجمل
يقول الكاتب والأكاديمي العراقي المقيم بإسبانيا، محسن الرملي لرصيف22: إن معرفة لغة البلد هي مفتاح كل خطوات المهاجر بعدها، فمن خلال اللغة ستعرف الثقافة والذهنية العامة وطبيعة المجتمع والسلوك الأنسب للتعايش معه أو الاندماج فيه.
الكاتب محسن الرملي لصيف22: أعتقد بأنه مهما حدثت من تغيرات اقتصادية وسياسية بسبب جائحة كورونا، فإن التفاعل الثقافي في العالم لن ينتهي أبداً، وسيبقى هناك تثاقف دائماً وأبداً بين كل الثقافات، بل إن الاهتمام بالشأن الثقافي يزداد ويتعمق أكثر مع وبعد كل أزمة تاريخية تمر بها البشرية
بالنسبة لي، كانت اللغة الإسبانية هي تخصصي الدراسي الأكاديمي أصلاً منذ كنت في العراق، ورافق تعلم اللغة اطلاع كثير ومتواصل بقراءة كل ما يتاح لي من الآداب الإسبانية والتعرف على فنونها. فمن خلال ذلك ستتعرف على أي بلد أكثر مما ستعرفه عنه من خلال أخبار صحفية أو دليل سياحي أو معلومات عامة سطحية. لذا لم أشعر بغربة كبيرة عند انتقالي للعيش في إسبانيا.
إضافة إلى ذلك، قررت ألا يكون هدف هجرتي هو مجرد تدبير أوراق إقامة ولقمة عيش، وإنما أن تكون مزيداً من التجربة المعاشة حقاً واستثمار للوقت، ألا أمثل بأنني أعيش وإنما أعيش فعلاً وصدقاً حيث أتواجد، وليس التفكير بأنها مجرد حل ومرحلة مؤقتة. وهكذا أكملت دراستي للدكتوراه، متعمداً اختيار ذروة ما في الثقافتين العربية والإسبانية، فبحثت في تأثيرات الثقافة الإسلامية في كيخوته.
كتبت ونشرت في الصحف والمجلات وفي عشرات الكتب المشتركة، إضافة إلى ستة كتب تنوعت بين الروايات والقصص والشعر، هذا عدا الكثير من الترجمات بين اللغتين، وشاركت في الكثير من النشاطات الثقافية فيه، وتحولتُ في بعضها من مجرد مشارك إلى منظم لها، بل ووسعت مشاركاتي إلى بلدان أخرى ناطقة بالإسبانية، وهذا دليل آخر على عملية ما قلته، من أن معرفة اللغة هي المفتاح.
هذا الاندماج والتعايش لم يعن الانسلاخ عن ثقافتي الأولى، بل العكس، جعلت انتمائي لثقافتي إثراء لمساهمتي في الثقافة الأخرى، أو يمكن القول بأنني تبنيت الثقافتين معاً وانتميت إليهما بشكل حقيقي، فتحول الشعور الأول بالانفصام أو الانشطار بالهوية إلى شعور بهوية واحدة أقوى وأثرى وأجمل، تضم الهويتين معاً.
أما بالنسبة لاحتمالات تأثيرات الجائحة على مستقبل التثاقف العربي الأوروبي، فأعتقد بأنه مهما حدثت من تغيرات اقتصادية وسياسية، فإن التفاعل الثقافي في العالم لن ينتهي أبداً، لأنه من المستحيل أن تعيش وتتطور أية ثقافة منغلقة على نفسها، وسيبقى هناك تثاقف دائماً وأبداً بين كل الثقافات، ولو بنسب متفاوتة ومختلفة حسب الظروف، بل إن الاهتمام بالثقافي يزداد ويتعمق أكثر مع وبعد كل أزمة تاريخية تمر بها البشرية.
هاتف جنابي: النجاح وما حوله
في حوارنا مع الكاتب والمترجم العراقي المقيم في بولندا، هاتف جنابي، يقول لرصيف22: لم أكنْ أتخيل في يوم من الأيام أنني سأهاجر من بلادي التي تجذرتُ فيها مثل أي نخلة أو شجرة توت. خرجتُ من العراق اضطراراً في العام 1976 أملاً بعودة سريعة، فكانتْ أثقل من كابوس. قاربي رسا بمحض الصدفة في وارسو، وهكذا تشكلت البداية باعتبارها مرحلة مؤقتة وتنقضي.
في البداية، وضعتُ خطةً تقتضي التفوق في الجامعة، بعد اختياري المسرح تخصصاً على أمل العودة! فحققتُ الجزء الأول على أكمل وجه، بحثاً ومشاهدة لأهم العروض المسرحية البولندية والعالمية حتى صرتُ مدمناً على زيارة المسارح ودور السينما.
نجحتُ في تحقيق إنجازات أكاديمية ومعرفية وفشلتُ في العودة. عادة القراءة المكثفة التي تلبستني وأنا طالب في العراق ورافقتني إلى اليوم، سهلت عليّ غربتي ومنحتني متعة ومعرفة غير محدودتين. آمنتُ بتجارب ومقولات من بينها: "الطموح نصف النجاح..."، لكنني صرتُ أبحث عن النصف الثاني، فألفيتهُ في العمل الجاد المثابر وحسن التنظيم. لم أفكّرْ في النجاح مطلقاً، بيد أنني فكرتُ بجدية في عدم تضييع الوقت، وكيفية استغلاله على أحسن وجه.
دخلت كورسات لغوية، فتمكنتُ من القراءة البسيطة في لغات لم أستعملها يومياً، كالألمانية والفرنسية مثلاً. بحكم علاقتي المصيرية بالشعر والكتابة والبحث، تشكلتْ بصورة طبيعية لي علاقات مع أوساط مختلفة بولندية وعالمية، كما تعرفتُ على بعض الشخصيات العربية الزائرة كأدونيس، أميل حبيبي، سميح القاسم، أحمد عبد المعطي حجازي، إبراهيم الكوني وآخرين، ناهيك عن العلاقات التي اكتسبتها في الجزائر وأميركا والبلدان التي زرتها فيما بعد. لكنّ العلاقات مهما كانت طبيعتها لا تنفعك إذا لم يكنْ عندك ما تقوله وتتميز به.
لكي تحقق بعضاً مما تبتغي عليك أن تفكر بالعمل الجاد المتواصل والمتقن في كل مجال تمارسه. كانت حالتي المادية يرثى لها. انقطع عني الأهل: كانوا يخافون من التواصل معي، فأحرقوا قسماً من كتبي وأخفوا القسم الآخر في العراق. عشتُ حياة صعبة في بولندا لكنني لم أستسلم.
عملتُ بمعدل 12-15 ساعة يومياً على مدى أربعين سنة، فنشأت في داخلي عادة انتظام العمل مصحوبة بحس داخلي: إما الحياة الحرة وإما الموت!
أما النجاح محور الحديث فلا أدري بالنسبة لي ما هو؟ هل الغربة نجاح؟ هل مواصلة الكتابة نجاح؟ هل أن تُترجَم إلى لغات أخرى ويكتب أو يتحدث عنك البعضُ هنا وهناك باحترام ويشيدون بما تقوم به هو نجاح؟ هل المثابرة والانتظام في العمل وإنجاز عناوين في مشروعك هو نجاح؟ هل أن تكون رسولاً بدون مقابل في خدمة الثقافة العربية، وأن يُسمع صوتك بها خارج نطاقها هو نجاح؟ هل الجوائز الأدبية والشهادات العلمية ومعرفة بعض اللغات هو نجاح؟ هل أن تُدعى هنا وهناك للمشاركة في المؤتمرات والمهرجات والحوارات وإبداء الرأي هو نجاح؟
إذا كان الجواب على ما تقدم بالإيجاب، إذا نحن أمام نجاح تجربة شخصية بدأتْ من الصفر تماماً، ونشأت في ظل ظروف عائلية ومحلية وعربية في غاية التعقيد والالتباس والتغييب، تجربة غير أنانية تسعى كي تخرج من نطاقها الفردي إلى الجمعي. لكنّ النجاح يبقى كما عبّر عنه ذات يوم الشاعر والكاتب البولندي، تادئوش روزيفيتش: "إصبعٌ في حذاء".
أبو بكر العيادي: بحثاً عن ترياق
من وجهة نظر الكاتب التونسي المقيم بباريس، أبو بكر العيادي: الأمور تسير كالعادة، بالنسبة إلى متقاعد مثلي يشغل وقته بالكتابة، برغم كورونا، ومستقبلي لا أراه إلا تواصلاً لواقع حالي. ما سوف يتغير بحق هو وضع العاملين في شتى القطاعات، موظفين وكادحين بالساعد، فالجائحة خلفت وضعاً اقتصادياً متأزماً، تحاول كل الحكومات تخطيه بإعادة الدورة الاقتصادية، حتى لا يعيش العالم ما عاشه في أزمة 1929.
بصرف النظر عن كورونا التي لم تَزُل ولم يلح في الأفق ما قد يحدّ من انتشارها، ما يعني أن الحكومات في أوروبا وسواها، تضحي بمواطنيها، خاصة كبار السن، لأجل صيانة اقتصادها. أي أن آثار كورونا تصيب صحياً واقتصادياً ابن البلد والمغترب، كلاهما عرضة للبطالة وللإصابة، ولن يتغير الوضع ما لم يهتد العلماء إلى ترياق.
محمد المحفلي: مواجهة خطاب الكراهية
يقول الباحث والكاتب اليمني المقيم بالسويد، محمد المحفلي: على المستوى الشخصي، لا أستطيع الحديث عن اندماج بالمعنى المباشر للكلمة، بيد أن الحديث عن اندماج ثقافي أو اندماج في الثقافة له دلالة أخرى من وجهة نظري، تسمح لي بالزعم بأني ربما قطعت شوطاً كبيراً في هذا الجانب على مستويات مختلفة.
الإنجازات المعرفية بالنسبة لي تمثلت في التعرف على لغات جديدة، لقد أرغمني العمل في بيئة مختلفة تتطلب لغات أجنبية أن أكون مرناً بما يكفي للتحول من الكتابة بلغتي العربي، بوصفي متخصصاً في اللغة العربية والأدب العربي، إلى الكتابة باللغة الإنكليزية، ومن ثم الآن أحاول التعلم والكتابة باللغة السويدية، وهذا الأمر ليس فقط توسيعاً في مهارات اللغة، بل هو امتداد في الجانب المعرفي، فكل لغة بكل تأكيد تجلب معها سياقات معرفية مختلفة.
لقد أنجزت عدداً من الدراسات والأبحاث خارج تخصصي التقليدي، وبدأت أكتب وأنشر باللغة الإنكليزية، إضافة إلى توسع اهتماماتي في المجال التطوعي والعمل في المنظمات الحقوقية ودعم التنمية في اليمن.
هناك مصاعب كثيرة لها امتدادات في الجانب الاقتصادي والاجتماعي في المغترب، فانعدام الأعمال وصعوبة تعلم اللغة الجديدة، إضافة إلى مواجهة خطاب الكراهية، لاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي، والتغيرات القانونية التي تتغير بشكل سريع في مسار تشديد الإجراءات على المهاجرين الجدد، كل هذا يؤثر بشكل سلبي على الإبداع وعلى الإنتاج المعرفي".
إيمان موسى: مهاجرة على وجه الأرض
تسرد لرصيف22 أستاذة الأدب الفرنكوفوني ومدونة السفر والشاعرة التونسية المقيمة بفرنسا، إيمان موسى، تجربتها بالمهجر فتقول: بعد الحصول على دبلوم في اللغة الفرنسية والحضارة والأدب في المعهد العالي للغات في تونس، قررت مواصلة دراستي في فرنسا. على الرغم من الحب الكبير الذي أشعر به لبلدي المتبني، إلا أن الاستقرار كان صعباً بعض الشيء.
الشاعرة إيمان موسى لرصيف22: في فرنسا، تأثرت بشكل خاص بمشاكل مجتمعي، مثل الهجرة غير الشرعية واللاجئين الذين تدفقوا من كل مكان. لهذا اخترت التطوع في الجمعيات كمدرسة لغة فرنسية للاجئين، لدعمهم في جهودهم للاندماج
في الواقع، بمفردي وبدون منحة دراسية، كان عليّ أن أدرس وأعمل في نفس الوقت، لإعالة نفسي واستئجار مسكني ودفع مقابل دراستي. وحصولي على شهادة الماجستير في البحث بدرجة ممتازة، فتحت لي فرصة مواصلة دراستي، لأحصل مؤخراً على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي والفرنكوفوني بجامعة سرجي باريس.
أفضت بحوثي وأعمالي حول قضايا النسويات وكتابة المرأة في المغرب العربي المعاصر إلى نشر كتاب بعنوان "تمثيلات المؤنث في أعمال الكاتبة الجزائرية ميساء باي"، نُشر في Presses Universitaires Européennes في عام 2019.
عندما كنت في فرنسا، تأثرت بشكل خاص بمشاكل مجتمعي، مثل الهجرة غير الشرعية واللاجئين الذين تدفقوا من سوريا وبنغلاديش والسودان والعراق. لهذا السبب اخترت التطوع والعمل مع الجمعيات كمدرسة لغة فرنسية للاجئين وطالبي اللجوء، ولكن أيضاً لدعمهم في جهودهم للاندماج ولينعموا بحياة كريمة خارجة أوطانهم.
أثارت هذه التجارب الترابطية والإنسانية الغنية بالتبادل فضولي بشكل كبير حول ما يحدث في العالم، لذلك بدأت عبور البلدان، وأنشأت حملة تبرع لجمع اللوازم المدرسية والألعاب للأطفال. زرت العديد من البلدان، مثل إثيوبيا وأذربيجان وأرمينيا وكوبا وفيتنام وكمبوديا وإيران وسريلانكا.. حيث تمكنت من مشاركة لحظات لا تنسى مع سكانها.
قمت مؤخراً بنشر مجموعة من القصائد في طبعة هارماتان في باريس. تعتمد هذه المجموعة الشعرية بشكل كبير على تجربتي الذاتية بصفتي "مهاجرة على وجه الأرض"، وتسترجع رحلاتي كامرأة عربية مغاربية أفريقية في المنفى. لذلك يحمل كتابي عنوان "لا بد من جذر في مكان آخر"، هذا لأن الفن هو الوحيد القادر على خلق جذور متعددة فينا، تسمح لنا بأن نشعر في كل مكان في المنزل.
حسني مليطات: اللغة بوابة للاندماج والابداع
يشرح الباحث الفلسطيني المقيم بإسبانيا، حسني مليطات، المتخصص في الأدب المقارن والدراسات الثقافية والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأوتونوما بمدريد، تجربته في الهجرة إلى أوروبا قائلاً: في البداية، تعلمت اللغة الإسبانية بجامعتي الأوتونوما، وقد خصصت لها عامي الدراسي الأول، حيث كانت الدراسة "مكثفة"، وأثناء تعلمي للغة كونت لنفسي مصادر يمكن أن تنمي لغتي الإسبانية، ومن أهم تلك المصادر، سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام والحديث مع الناس.
كان لتعلمي اللغة الإسبانية ولتخصصي في الدكتوراه دور في التعرف على جماليات الثقافة الإسبانية ومحاولة التعايش معها، وذلك من خلال المطالعة اليومية في الصحف والمجلات والكتب، وقد أسهم كل هذه في التعرف على الحضارة الفكرية التي تمتعت بها إسبانيا.
يذكر أن الباحث حسني مليطات، بعد أن أنهى أطروحة حول رواية "البيت الأندلسي" لواسيني الاعرج، قد أنجز عدة ترجمات منها رواية "قبر المنفي" للكاتب الإسباني خوزيه ماريا لوبيث ثونيغا، وهي مزيج بين الرواية القوطية والنفسية والتاريخية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...