ظهرت في الآونة الأخيرة ملامح أزمة دبلوماسية بين الإمارات وسلطنة عُمان، حسب ما يقول مراقبون عمانيون يصفون التصرفات الإماراتية بـ"الاستفزازية"، في وقت بدأت تخرج أصوات في العاصمة مسقط تطالب السلطات بمراجعة الاتفاقيات التي تم توقيعها مع أبو ظبي، حتى المعاهدات الحدودية منها.
آخر التصرفات التي يصفها عمانيون بالاستفزاية، كان تأييد محكمة إماراتية حكماً سابقاً بالسجن المؤبد لمواطن عماني متهم بالتخابر مع قطر يُدعى عبدالله الشامسي، بينما كان التوتر قد بدأ في التصاعد، في أيار/مايو الماضي، حينما أعلنت السفارة العمانية في أبو ظبي مقتل مواطن عماني بالرصاص على الحدود بين السلطنة والإمارات.
قضية الشامسي
في حديث مع رصيف22، يصف الكاتب العماني زاهر المحروقي حكم المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي ضد الشامسي بـ"المؤلم" بالنسبة للعمانيين، مذكراً بأن اعتقال الفتى تمّ حين كان قاصراً.
يُذكّر المحروقي بأن "القصة بدأت بخبر نشرته صحيفة البيان الإمارتية ليس لعبد الله فيه ناقة ولا جمل. كان الخبر أحد المواضيع التي تنشرها الصحيفة الإماراتية في قضية الخلاف مع دولة قطر، لكنها أرفقت فيه بياناً قالت إنه صادر عن الادعاء العام العماني، وزُج فيه باسم عبد الله على أنه مهرب مخدرات، وهو ما نفاه الادعاء العام العماني في اليوم التالي قائلاً إن الوثيقة غير صحيحة".
توجه والد عبد الله بشكوى للقضاء الإماراتي يطالب بحق ابنه القاصر بعد عملية الإساءة والتشهير التي لقيها من صحيفة "البيان"، ليستقر الحكم الابتدائي برفض الدعوى، ثم قام الوالد مجدداً باستئناف الحكم لكن الإجراءات لم تنتهِ حتى تاريخ 18 آب/أغسطس 2018، وهو اليوم الذي خرج فيه عبد الله من مكان إقامته في مدينة العين، لكنه لم يعد.
أبلغت عائلة عبد الله الشرطة، وتم فتح بلاغ تغيّب لكن الرد كان بأن لا معلومات عنه، وبعد حوالي الشهر تفاجأت العائلة برجال الأمن يحيطون بمنزلهم ويطلبون تفتيشه، فعرفوا أن ابنهم معتقل في الإمارات.
ويشير المحروقي إلى أن الإمارات ماطلت كثيراً في إطلاق سراح الشامسي، حتى بلغ سن 21 سنة لتحكم عليه بالسجن المؤبد، دون مراعاة ظروفه الصحية.
توتر في الأفق
يقول المحروقي: "لم تكن قضية الشامسي الأولى ولا الأخيرة من الإمارات تجاه العمانيين"، معتبراً أن "السياسة العمانية التي تميل إلى الهدوء والعقلانية في حل الخلافات بعيداً عن الضجيج الإعلامي أغرت المسؤولين في الإمارات لمواصلة السياسة الاستفزازية".
ويضيف: "في الوقت الذي كنا ننتظر فيه رداً عمانياً قوياً، على تلك الانتهاكات، بعد أن حكمت ظلماً على الشامسي بالسجن المؤبّد، وبعد قتل شاب عُماني أعزل بدون ذنب اقترفه، نجد أن الصمت هو سيد الموقف".
يردف الكاتب العماني منتقداً: "سكوتنا على الإساءات زاد عن حده؛ فالجماعة (السلطات الإماراتية) أطلقوا أكثر من بالون اختبار، كنا نسقط فيه بجدارة، حتى وصل الأمر إلى القتل".
آخر التصرفات التي يصفها عمانيون بالاستفزاية، كان تأييد محكمة إماراتية حكماً سابقاً بالسجن المؤبد لمواطن عماني متهم بالتخابر مع قطر، بينما كان التوتر قد بدأ في التصاعد، في أيار/مايو الماضي، عندما أعلنت السفارة العمانية في أبو ظبي مقتل مواطن عماني بالرصاص
في المقابل، ينفي المحلل الإماراتي والعميد المتقاعد خلفان الكعبي وجود أي توتر في العلاقات بين مسقط وأبو ظبي، ويقول لرصيف22: "سلطنة عمان طلبت منذ أسابيع من بنك أبو ظبي قرضاً بالتعاون مع بنك مسقط بقيمة ملياري دولار، وهذا يُعد دليلاً واضحاً على استقرار العلاقات بين البلدين".
وبينما يشدد الكعبي على ضرورة الفصل بين علاقات البلدين ومسألة الحكم الصادر بحق المواطن العماني، يلفت إلى أن تحليلات العمانيين حول الأمر لا تعكس الواقع، إذ تجمع البلدين علاقات سياسية واقتصادية وأسرية ممتازة، ولا وجود للخلاف الذي يتم الحديث عنه، وليس لدى الإمارات أي نوايا سيئة نحو عمان.
بموازاة ذلك، يشير الكعبي إلى وجود "اتصالات قوية تجري على مستوى عالٍ لحل أي سوء فهم، كما أن هناك اتصالات أخوية بين السلطان هيثم بن سعيد وأخيه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد".
بالعودة الى المحروقي، فهو لم ينكر وجود اتصالات تجريها الحكومة العمانية مع نظيرتها الإماراتية، لكنه تساءل عن السبب الذي يجعل نتائج هذه الاتصالات سرية.
بموازاة ذلك، يستبعد المحروقي أن تكون هناك تداعيات رسمية على العلاقات بين البلدين، لأن سياسة عمان مبنية دائماً على الهدوء وحل الخلافات عقلانياً، لكنه يعلق بأن هذه السياسة بالذات هي التي بدأت بعض الأصوات في عمان ترفضها علناً، مؤكداً أن "الأصوات تنادي حالياً بمراجعة في العلاقة مع الإمارات، حيث تُبنى هذه العلاقة على أسس قوية وجديدة، وأن تشمل المراجعات كل الاتفاقيات التي وقعت معها، وأن تتم مراجعة اتفاقيات الحدود التي وقعت بين البلدين، بحيث تعود الحقوق إلى أصحابها".
وبحسب تصريح للأكاديمي العماني الدكتور عبد الله الغيلاني، نقله موقع "الخليج أونلاين"، فإن العلاقة بين عُمان والإمارات تشهد توتراً كبيراً وملحوظاً هو "الأشد" في تاريخ العلاقات بين الدولتين، منذ نشأة الإمارات ككيان سياسي مستقل، عام 1971.
أبعاد قضية الشامسي
في حديث مع رصيف 22، يقول المحلل السياسي والكاتب العماني حمد العلوي إنه رصد عدة قراءات للتحركات الإماراتية الأخيرة.
القراءة الأولى أن السلطنة قد لا تكون مقصودة من قضية الشامسي، إذا علمنا أنه من أب عُماني وأم إماراتية، والكل مقيم في الإمارات.
والقراءة الثانية أن قطر ليست بتلك السذاجة والاستخفاف كي تعتمد على شاب عمره 17 عاماً ليوفر لها معلومات مهمة عن الإمارات، لكن إن كان المقصود بالأمر ليّ ذراع عُمان، فليست بالحجة القوية للتأثير على المواقف العُمانية، وعُمان بالتأكيد ستحاول حل المشكلة عبر القنوات الدبلوماسية.
والقراءة الثالثة مرتبطة ربما بالسعي لمقايضة الشامسي بأربعة من كبار ضباط أمن الدولة في الإمارات قبض عليهم في السلطنة، وتمت محاكمتهم، وحكم عليهم بالسجن بعقوبات شديدة بتهمة التجسس، لكن السلطنة لن تخضع على الأرجح للابتزاز لأن قضية الضباط خطيرة.
يشير طرف إلى أن التوتر بين عمان والإمارات هو "الأشد" في تاريخ العلاقات بين البلدين، في وقت ينفي طرف آخر أن يكون لبعض الأحداث الأخيرة تأثير كبير مستنداً إلى الحلول الدبلوماسية التي ستحسم الأمور... ما الذي يجري تحديداً بين السلطنة وأبو ظبي؟
ويقول العلوي إن القراءة الرابعة هي أن الإمارات تحاول من خلال الحكم على الطفل ومقتل المواطن العماني إرباك السلطان الجديد وإظهاره ضعيفاً أمام شعبه، خاصة وأن الجهات الإماراتية كانت تريد شخصاً بنهج يختلف عن سلفه السلطان الراحل قابوس بن سعيد.
الحديث عن تقارب تركي عماني
في الأيام الماضية، انتشرت أخبار عن قرار عمان بمنح تركيا قاعدة عسكرية، وهو ما لم يتم نفيه أو تأكيده رسمياً من قبل السلطات العمانية والتركية.
اللافت في الأمر كان وصف مفتي عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"القائد المغوار" و"المحنك" على خلفية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
أثارت تصريحات المفتي العماني غضباً شديداً بين المدونيين الإماراتيين الذين بدأوا بشتم الخليلي، وهو ما دفع بعدد كبير من العمانيين للرد على هذه التجاوزات بحملة معاكسة ضد الإمارات.
في هذا الشأن، يقول المحروقي إن الحديث الذي يدور حول تواصل عماني - تركي وإقامة قاعدة بحرية تركية في السلطنة ليس له وجود ولا أساس له من الصحة، إذ لا نيّة لعمان ببناء أي قاعدة تركية على أراضيها، وإنما اشترت عمان من تركيا سفناً لحماية الشواطئ من المتسللين.
ويلفت المحروقي إلى أن اتصال السلطان بأردوغان كان مجرد اتصال تهنئة بالعيد، مثله مثل الكثير من الاتصالات التي تمت مع الزعماء المسلمين، أما تصريح الخليلي فيعتبره مجرّد تصريح شخصي لشيخ مسلم فرح بالحدث، ولا يمثل موقفاً سياسياً لعمان.
ويختم المحروقي مشيراً إلى أن وثائقي "الجزيرة" الذي أُذيع الأسبوع الماضي حول الإمبراطورية العمانية القديمة، والذي تناول أيضاً تاريخ الإمارات بأنها كانت جزءاً من الأراضي العمانية، أثار استفزاز أبو ظبي كثيراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين