ريما كحيلة، طالبة أدب انكليزي في جامعة تشرين، تمارس الرياضة منذ نحو 5 سنوات، صُدمت بارتفاع أسعار الأحذية "الخيالي"، كما تصفه، تقول لرصيف22: "ارتفاع أسعار الأحذية وضعني أمام عدة خيارات، إما شراء حذاء صناعة محلية جودته متوسطة أو منخفضة، أو حذاء أجنبي سعره مرتفع، أو تصليح أحذيتي القديمة".
"الحذاء الجديد حُلم"
تمارس ريما رياضة رفع الحديد والجري والبوكسينغ، يتطلب ذلك حذاء جودته عالية، لذلك قررت شراء حذاء بجودة مرتفعة، ولو ارتدته عاماً كاملاً، لتضمن ألا يحتاج إلى ترقيع بعد عدة أشهر.
تقول ريما: "لم أعد أشعر بالخجل من ارتداء الحذاء ذاته يومياً، لمَ الخجل بعد أن ارتفع سعر الحذاء المصنوع محليّاً إلى 12500 ليرة؟".
سابقاً، كانت ريما تشتري عدة أحذية بألوان مختلفة، بما يسمح لها بالتبديل حسب ألوان ثيابها، أما الآن فقد اقتصرت على حذاء واحد، لونه أسود. تضحك ضحكة قصيرة، وتقول: "الأسود يليق بكل الملابس، كما أن تصليح الأحذية خياري الثاني. لم أكن أصلّح أي حذاء، لكن الآن زيارة محلات تصليح الأحذية أوفر من شراء حذاء جديد، وحلّ بديلاً ضمن الحلول المتاحة للالتفاف على ارتفاع الأسعار".
تذكر ريما الأسعار قبل سنوات، تقول لرصيف22: "نحن جيل التسعينيات نعلم كم كانت تشتري الـ 100 ليرة والـ 1000 ليرة، الآن عندما أجول في المول، أرى الأحذية النسائية المعروضة بالكعب العالي، سعرها 100 ألف ليرة، أقول لنفسي: هل فعلاً هناك من يستطيع أن يشتريها؟".أما أبو مصطفى، يبلغ الستين من عمره، موظف حكومي، يسكن في مدينة دمشق، يرتدي حذاء بني اللون، رقّعه أكثر من ثلاث مرات، يقول لرصيف22: "هذا الحذاء إيطالي الصنع، اشتريته منذ أكثر من 10 سنوات، كان في العليّة، وعندما ارتفعت الأسعار قلت لزوجتي أن تحضره، احتاج بعض الإصلاحات. طلبتُ من صاحب المحل أن يلصقه من مختلف الجوانب، هذا هو العام الثاني الذي أرتديه، كلّما تمزق أتوجه إلى محل تصليح الأحذية".
"لم يعد يعلم الخيّاط ولا السكافي كيف ينظمون مكان الأكياس في محلاتهم لكثرتها، كل المحلات التي تعتمد على التصليح والترقيع والدرز وإعادة التدوير مزدحمة، بينما تكاد تخلو باقي المحلات من زوارها، هذا واقعنا الذي نعيشه"
ويرى أبو مصطفى أن الحل الوحيد بالنسبة له هو "إعادة التدوير"، لأن ارتفاع أسعار الأحذية جزء من ارتفاع أسعار جميع السلع، يقول: "اشتريت حذاء محلي الصنع لزوجتي وآخر لابنتي، دفعت ثمنهما 25 ألف، أي نصف راتبي تماماً، قلت لهما عندما يتمزّق أي حذاء سنتجه مباشرة إلى درزه بالخيط عند المحل، أما شراء حذاء جديد آخر، فهذا حُلم يمكن تحقيقه العام القادم".
يتنقل أبو مصطفى في أسواق دمشق، يرى محلات تصليح الأحذية مزدحمة، ومحلات الخياطة أيضاً، يقول: "لم يعد يعلم الخيّاط ولا السكافي كيف ينظمون مكان الأكياس في محلاتهم لكثرتها، كل المحلات التي تعتمد على التصليح والترقيع والدرز وإعادة التدوير مزدحمة، بينما تكاد تخلو باقي المحلات من زوارها، هذا واقعنا الذي نعيشه".
"تختلف الموضة بين يوم وآخر، الموديلات كثير ومتنوعة، أحتار ماذا أريد، وكم حذاء أحتاج؟"، هكذا تصف علا حميدوش، طالبة في كلية الحقوق في جامعة تشرين في اللاذقية، حالتها مع ارتفاع الأسعار.
تهتم علا منذ الصغر بالموضة وشراء ألبسة وأحذية متناسقة ومناسبة، خاصة أنها محجبة، فتراعي تنسيق الألوان أكثر بين الثياب والحقيبة والحذاء والإيشارب.
ارتفاع الأسعار لم يمنع علا من التردد إلى السوق، لكنه حصر خياراتها باللون الأسود، وخفّض قدرتها الشرائية، تشرح ذلك: "الألبسة يمكن أن ترتديها لأكثر من عام، أما الحذاء فيتمزق بعد ثلاثة أشهر، خاصة إذا كان محلي الصنع".
ترى علا أنها إلى الآن مازالت تشتري حاجتها من الأحذية، تقول: "هذا العام اشتريت أحذية ولم أشترِ ألبسة، الحذاء لا بديل عن اقتنائه، خاصة أنني مازلت على موقفي بعدم زيارة محلات تصليح الأحذية، لأنها تشوه منظر الحذاء، لكن لا أعلم إن كنت سأجبر مستقبلاً على زيارتها".
جلد صناعي بسعر مناسب
الأوقات التي يقضيها الحسين خليل، في تعليم لعبة التنس من أجمل أوقات حياته، إنها المنفذ الوحيد للهروب من ضغوط الحياة المختلفة، إلا أن الضغوط لم تقف هنا، بل وصلت لأسعار الأحذية الرياضية التي لا بديل عنها أثناء التدريب، يقول حسين لرصيف22 إن آخر حذاء أجنبي الصنع اشتراه قبل ارتفاع الأسعار، كان سعره 25 ألف، أصبح الآن 65 ألف ليرة.
عملية التبديل والتنويع تؤرق حسين والكثير من أصدقائه، كما يقول لرصيف22: "لا يمكن الاكتفاء بحذاء واحد لارتدائه طوال العام، للجامعة والعمل والاجتماعات الرسمية والرياضة والرحلات والشاطئ، وفي ذات الوقت لا يمكننا مجاراة ارتفاع الأسعار".
الحسين اشترى مؤخراً حذاء محلي الصنع، وصفه بجملة "بيمشّي الحال".
وفي المقابل، من يعرف الأسواق والمحلات في المدينة، يمكنه أن يعثر على ما يريد بالسعر المناسب له، يوجد وسط مدينة اللاذقية في منطقة الشيخ ضاهر محلات تبيع الحذاء بسعر 7500 ليرة، اشترته ياسمين (اسم مستعار) منذ أسبوع: "صحيح أنه جلد صناعي، لكن الموديل حديث"، تقول ياسمين لرصيف22: "أسعار الأحذية ارتفعت كثيراً، لذلك غيّرت النوعية بحسب قدرتي على الدفع".
تذهب ياسمين يومياً إلى الجامعة، تلاحظ أن معظم زملائها لا يغيرون أحذيتهم، وعندما يتمزق الحذاء من كثرة الاستخدام يلجؤون لإصلاحه، أو إعادة خياطته على الجوانب، تضحك قائلة: "حلول بديلة ومرنة طورناها لنتمكن من الخروج يومياً، أما الأحذية الأجنبية غالية الثمن، فنكتفي برؤيتها معروضة على واجهات المحلات فقط".
الرجال يفضّلون تصليح أحذيتهم
"أيام صعبة على الجميع"، بهذه العبارة بدأ كامل لويس، صاحب محل لتصليح الأحذية في سوق العنابة في مدينة اللاذقية، حديثه لرصيف22.
يقول كامل: "نحن أحسن من غيرنا، عملنا ازداد، الناس لم تعد قادرة على شراء أحذية جديدة، تحوّلت إلى تصليحها، الفقر دخل كل بيت واستقر فيه".
زوار محل كامل في ازدياد يوماً بعد يوم، خاصة الرجال، يقول: "يفضّل الرجال شراء أحذية جديدة لعائلاتهم، بينما يكتفون بتصليح أحذيتهم القديمة، حتى الصندل وحذاء البيت أصبحنا نصلحها، منذ يومين جاء إلى المحل عامل في البلدية يريد أن أصلح الحذاء الذي يرتديه، قلت له: لا يمكن إصلاحه، مُمزق بالكامل، عليك أن ترميه في سلة القمامة، أجابني: دبرها الله يخليك، حزنت جداً من أجله، أعطيته حذاء جديداً من المحل مجاناً".
ويكمل: "الحذاء الواحد أصلحه أكثر من 5 مرات، غالباً خياطة الحذاء ودرزه تكلفتها 200 ليرة، وتكفل ألا يتمزق الحذاء لمدة ثلاثة أشهر، إنه حل للكثير من العائلات هنا. تصليحه لمرتين يضمن عدم شراء حذاء جديد طوال العام تقريباً، أما سابقاً كانت الحياة وفيرة، الحذاء الذي يتمزق يُرمى في القمامة، أو يتم التبرع به للعائلات المحتاجة التي تقوم بدورها بإصلاحه".
"عمل طويل وزبائن قليلة"
لا تنكر نانسي، صاحبة محل لبيع الأحذية النسائية في سوق الزراعة في اللاذقية، ارتفاع الأسعار الذي سببته جائحة كورونا، كما تقول لرصيف22.
"عدنا إلى العمل بعد فترة الحجر الصحي منتصف شهر نيسان/ إبريل الماضي، فوجئنا بارتفاع الأسعار عدة أضعاف، محلاتنا فرغت من الزبائن، وتكدست البضاعة على الرفوف".
"أحياناً تصبح الساعة الرابعة بعد الظهر، ولا يدخل المحل أي زبون، عندما يدخلون يصدمون بالأسعار. منهم من ترتسم على وجه ملامح الحزن، منهم من يضحك باستهزاء ونكران، ثم يعود أدراجه بحذائه القديم"
استغنت نانسي عن الأحذية الأجنبية، اعتمدت على الأحذية المحلية، تقول: "أسعار الصناعة المحلية رغم ارتفاعها تبقى مقبولة أكثر من الحذاء الأجنبي"، تقول: "كنت أبيع الحذاء محلي الصنع قبل الارتفاع الأخير بـ 7500 ليرة، الآن أصبح سعره 12500 ألف ليرة، أما الحذاء الرياضي أجنبي الصنع لم أعد أبيعه".
تتذكر نانسي وضع البيع في محلها سابقاً، وتقول: "كنا نعرض 5 ألوان للموديل الواحد، اليوم خفضنا العدد إلى 3 ألوان، الأبيض والأسود كألوان أساسية، لأن معظم الزبائن أصبحت تفضلهما لتناسبهما مع الملابس، ولون ثالث غالباً لا يُباع، لكن التاجر يُلزمنا بثلاثة ألوان، أيضاً لم نعد نشتري الأحذية الصينية أو الفيتنامية لأن أسعارها ارتفعت كثيراً، لن يشتريها أحد، ستبقى على رفوف المحل".
تجلس نانسي في المحل من الساعة العاشرة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، لكن قلة الزبائن، جعلت ساعات العمل طويلة، تقول: "أحياناً تصبح الساعة الرابعة بعد الظهر، ولا يدخل المحل أي زبون، عندما يدخلون يصدمون بالأسعار. منهم من ترتسم على وجه ملامح الحزن، منهم من يضحك باستهزاء ونكران، ثم يعود أدراجه بحذائه القديم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون