"قدمتُ إلى تونس عام 2007 لأهاجر عبرها إلى أية وجهة أوروبية، وبعد فشلي في تحقيق هذا الهدف، قررتُ البقاء فيها برفقة زوجتي المغربية وأطفالي الثلاثة"، يقول المواطن المغربي المقيم في تونس عبد العزيز جناتي لرصيف22.
ويضيف موضحاً تفاصيل قصته: "اشتغلتُ بدايةً في مجال ديكور الجبس مع مغربيين مقيمين في تونس عادوا في ما بعد إلى المغرب، وكانت حينها ظروفي المعيشية ميسورة، فقررتُ العمل بمفردي".
فتح عبد العزيز (37 عاماً) محلاً له، وفي عام 2013 تمكن من الحصول على أول بطاقة إقامة له في تونس، فيما حرمت سلطات الأخيرة زوجته وأبناءه منها. وبانتهاء مدة صلاحية إقامته، تقدم عام 2015 بطلب لتجديدها، ليُفاجأ بالرفض في حال لم يؤمن وثيقة تشغيل "صعبة" تمنحها وزارة التشغيل التونسية، وفق روايته.
بعد محاولات مضنية، نجح جناتي في الحصول على الوثيقة وتقدم بملفّه "المتكامل" ليصطدم، كما يقول، بعراقيل إدارية حالت دون تجديده بطاقة إقامته، وهو ينتظر منذ أكثر من عام ونصف العام رد السلطات التونسية.
عبد العزيز جناتي
"مرضتُ من المراجعة اليومية للإدارات الحكومية، وفي كل مرة يقولون إن ملفي في طور الإنجاز"، يتابع عبد العزيز موضحاً: "منذ أيام فوجئت بإدارة مكتب الأجانب في منطقة الأمن التي أودعت فيها ملفي تخبرني بانتهاء صلاحية وثائقي، وتطلب مني ملفاً جديداً بعد كل هذا الانتظار، لكنني لن أقدم أي ملف".
يختم عبد العزيز ساخراً: "لم يعطوني بطاقة إقامة فما بالك بالجنسية التونسية، قررتُ نهائياً العودة إلى المغرب. لا شيء يشجّع على البقاء هنا".
وللحصول على بطاقة الإقامة في تونس، على طالبها أن "يكون أجنبياً، ودخل التراب التونسي بطريقة شرعية مع احترام تراتيب الإقامة والشغل في البلاد التونسية"، وفق وزارة الداخلية المسؤولة عن منح البطاقة.
ووفق الفصل 20 من مجلة الجنسية التونسية، "لا يمكن منح الأجنبي الجنسية التونسية بطريق التجنس، إلا إذا أثبت أنه اعتاد الإقامة بتونس منذ خمسة أعوام سابقة على تقديم طلبه".
شروط مجحفة
بدوره، وصل المواطن المغربي عبد الكريم أبو ناصر (46 عاماً) إلى تونس عام 2001، بنية العمل على تحسين أوضاعه الاجتماعية، وبعد زواجه عام 2006 التحقت به زوجته المغربية وأطفاله الثلاثة للإقامة في تونس.
يعمل عبد الكريم كذلك في مجال ديكور الجبس بمفرده، بعد انطلاقته مع مشغّلين تونسيين، ويُخبر أن ظروف معيشته قبل اندلاع الثورة التونسية كانت ميسورة، لكن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد منذ الثورة أثّرت سلباً على أحواله.
يقول لرصيف22: "انخفضت قيمة الدينار التونسي وارتفعت أسعار مواد البناء، فأصبحتُ لا أستطيع توفير أجر العمال الذين أشغّلهم، وبالكاد أستطيع توفير احتياجات أسرتي في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وإيجار المنزل وفواتير الكهرباء والماء".
"مرضتُ من المراجعة اليومية للإدارات الحكومية، وفي كل مرة يقولون إن ملفي في طور الإنجاز، ومنذ أيام فوجئت بإدارة مكتب الأجانب تخبرني بانتهاء صلاحية وثائقي، وتطلب مني ملفاً جديداً... لن أقدم أي ملف"
لم يتقدم عبد الكريم بطلب للحصول على بطاقة إقامة، ويعزو ذلك إلى "الشروط المجحفة" التي تتطلبها ومن بينها "عقد شغل وتغطية اجتماعية "، وهو لن يجد مشغلاً تونسياً يقبل بهذا الشرط. الأمر ذاته بالنسبة للجنسية التونسية، فلا يمكن أن يقدّم طلباً للحصول عليها لأن من بين شروطها امتلاك بطاقة إقامة.
عبد الكريم أبو ناصر
بأسف شديد، يقول عبد الكريم: "المغرب وتونس جاران وإخوة، نأسف لهذه الإجراءات الإدارية المعقدة التي تحول دون حصولنا على بطاقة الإقامة والجنسية التونسيتين، فالمنطق يقول إن الأقربين أولى بالمعروف".
عدم حصوله على بطاقة إقامة جعله عرضة لعدد من المواقف الصعبة. "يستغل تونسيون أشتغل معهم هذه النقطة، ويعلمون أني لا أستطيع التظلم لدى الأمن فلا يعطوني أجري كاملاً، أشعر بالحقرة (الاحتقار) وأتمنى في تلك اللحظات أن تنشق الأرض وتبلعني".
ومن المواقف المحرجة أيضاً، كما يُخبر عبد الكريم، إيقافه عدة مرات في وسائل النقل العمومي جراء عدم امتلاكه بطاقة إقامة. ويقول: "يُوجّه لي الجميع نظرات اتهام وكأني ارتكبت جريمة"، متابعاً "أتمنى على الدولة التونسية التدخل المباشر وتسهيل الإجراءات الإدارية وتسريعها لتمكيننا من الحصول على بطاقة إقامة والجنسية التونسية، ولكن في حال تواصلت الأمور على هذه الشاكلة أفكر في العودة إلى المغرب".
صعوبات رغم الزواج من تونسية
وُلد الشاذلي قدادة (68 عاماً) من أبوين جزائريين في محافظة سليانة، شمالي غرب تونس، وهو يحمل بطاقة هوية وجواز سفر جزائريين. عمل في مطاعم ثم في مرحلة ثانية كان أجيراً يومياً، ومع تقدمه في السن تقاعد وتفرغ لرعاية الأراضي الزراعية التي ورثها عن والديه.
رغم زواجه من تونسية وإنجابه منها لثلاثة أبناء، يجد الشاذلي صعوبة في تجديد بطاقة إقامته التي انتهت صلاحيتها منذ عامين، لكن الأهم بالنسبة له هو الحصول على الجنسية التونسية لأنه لا يرغب في العودة إلى الجزائر، وفق تصريحه لرصيف22.
بحسب الفصل 21 من مجلة الجنسية التونسية، "يمكن أن يتجنس بالجنسية التونسية بدون شرط الإقامة المنصوص عليها بالفصل العشرين، الأجنبي المتزوج بتونسية إذا كان الزوجان مقيمين بتونس حين تقديم المطلب".
يقول الشاذلي: "تعبتُ من الذهاب إلى الإدارات ومراكز الأمن، قدّمت منذ سنتين ملفي كاملاً للحصول على الجنسية لوزارة العدل التونسية، وأنا أنتظر إلى اليوم الرد على المطلب، وكل يوم أتلقى وعوداً لا تتحقق".
الشاذلي قدادة
ويتابع "مصلحتي ومصلحة أسرتي هنا في تونس وليست في الجزائر، أستغرب من منح الجنسية التونسية لمواطنين عرب وأفارقة ومن استثنائنا نحن الجزائريين رغم علاقات الجوار والدماء التي تربط البلدين".
بالنسبة للشاذلي، فإن للجنسية التونسية أهمية كبرى لديه لأنها ستمكنه من استخراج بطاقة هوية وجواز سفر تونسيين لتمكينه من إدارة أملاكه في تونس، كما أنه يخاف من أن يوقفه في كل مرة رجال الأمن وهو في سن متقدم، ويقلق من صعوبة تصرف أبنائه بأملاكه في حال وفاته.
أسباب القدوم إلى تونس… وصعوبات البقاء
وفق آخر تعداد للسكان في تونس، أجراه المعهد الوطني للإحصاء (رسمي) عام 2014، يبلغ عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة في البلاد 5565 مغربياً، فيما تُقدَّر الجالية الجزائرية بـ9996 جزائرياً.
من جهته، يُرجّح ممثل الجالية الجزائرية في تونس عبد الله شاكر بلوغ عددها الـ120 ألفاً اليوم، بينما توجد نسبة كبيرة منها غير مسجلة في الدوائر، حسب قوله لرصيف22.
يُذكر أنه وضع الجاليتين المغربية والجزائرية في تونس مختلف عن بقية الجنسيات العربية، إذ لا يُعتبر هؤلاء مقيمين غير شرعيين ولا يُرحّلون، لأن التنقل بين تونس والجزائر أو تونس والمغرب لا يتطلب إلا جواز سفر، لكن الحصول على بطاقة إقامة أو الجنسية التونسية فيلعب دوراً أساسياً في تسهيل العمل وعمليات البيع والشراء والنشاط التجاري وامتلاك العقارات وما إلى ذلك من أمور حياتية وقانونية.
بالنسبة للجالية الجزائرية فهي غالباً قَدِمت قبل استقلال تونس عام 1956، للعمل في المناجم أو هرباً من بطش الاستعمار، وثمة من أتى في إطار علاقات مصاهرة... تحصيل آلاف الجزائريين والمغربيين للإقامة والجنسية في تونس دونه عوائق كثيرة، يصفها المعنيون بـ"المُجحفة"
أما بالنسبة للجالية التي لديها مشاكل في الحصول على بطاقة إقامة، فقدمت في أغلبها للعمل وإما للاستقرار أو كمرحلة للهجرة عبر تونس، وفق المصدر ذاته.
ويواجه أفراد الجاليتين المغربية والجزائرية أنواعاً عدة من الصعوبات، بحسب تحقيق ميداني نشره المنتدى يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي شمل وضعيات 100 مغربي وجزائري يقيمون في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (الجنوب الغربي).
من هذه الصعوبات، كما أظهرت نتائج التحقيق، عدم نجاح طالبي الحصول على الجنسية التونسية بعد مرور ثلاث سنوات على تقديمها، وصعوبة إيجادهم وظائف دون امتلاكهم بطاقة إقامة أو الجنسية التونسية، وتعرضهم للتمييز العنصري في الحصول على الخدمات العمومية واعتبارهم مهاجرين غير نظاميين.
ووفق المصدر ذاته، تمكنت نسبة 65 في المئة من العينة من الحصول على الخدمات الصحية الموجهة للأطفال، لكنها واجهت تمييزاً خلال انتفاعها بهذه الخدمات. أما في ما يتعلق بالعمل، فقد تعرضت نسبة 25 في المئة من عينة التحقيق للتمييز في العمل، وتعرضت نسبة 75 في المئة منها إلى التمييز في الأجر، إضافة إلى التمييز في التمتع بالتغطية الاجتماعية والإقصاء من الأمن الاجتماعي.
عراقيل إدارية
تدعيماً لنتائج التحقيق الميداني المذكور، يلخص شاكر معاناتهم بإلزامية تجديد بطاقة الإقامة كل عامين، وبرفض مطالب التجديد في عدة حالات، فضلاً عن العراقيل الإدارية أثناء استخراج الوثائق المطلوبة التي تتسبب في سقوط ملف طلب التجديد.
مشاكل أخرى يتحدث عنها شاكر لرصيف22 قائلاً: "ليس لدينا الحق في ملكية العقارات والتي تتطلب ترخيصاً من المحافظة، والتي بدورها تتطلب إجراءات إدارية معقدة، كما لا نستطيع إقامة أي نشاط تجاري دون ترخيص من وزارة التجارة والمعاملات الإدارية في تونس تصعّب علينا الأمر".
كما يواجه هؤلاء صعوبات في تسجيل أبنائهم في المدارس والمعاهد لأنهم لا يحملون الجنسية التونسية، فتطول وتتشعب العملية في كل مرة.
تتشارك الجالية المغربية المقيمة في تونس المعاناة ذاتها مع نظيرتها الجزائرية، فالحصول على بطاقة إقامة للمرة الأولى يُعد استثناءاً لكنه يصبح سهلاً نوعاً ما عند تجديدها، رغم وجود بعض التعطيل في الإجراءات الإدارية، وفق رئيس "جمعية النهوض بالجالية المغربية في تونس" عبد الله الغورفي، في حديثه لرصيف22.
ولتجنيبهم مشقة استخراج الوثائق كل عامين، يقترح الغورفي إمهالهم مدة خمس سنوات أو حتى عشرة لتجديد بطاقة الإقامة.
ويعزو المتحدث حرمانهم من الجنسية إلى ما وصفه بـ"التحولات التي تشهدها تونس على غرار سوق الشغل المحلي الذي يعطي الأولوية لليد العاملة التونسية خاصة بعد الثورة، مع ارتفاع نسبة البطالة وقلة الوظائف".
"خطوة إيجابية ولكن"
في 6 تموز/يوليو الماضي، وقّع رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد أمراً رئاسياً يقضي بمنح 135 شخصاً من جنسيات عربية وإفريقية، الجنسية التونسية، مستثنياً الجاليتين المغربية والجزائرية.
يصف بن عمر خطوة سعيّد بـ"الإيجابية لناحية تسوية وضعيات المعنيين بها"، لكنها في المقابل تُكرّس "استراتيجية وضع الدولة لقانون واضح يهم منح الجنسية دون تطبيقه".
"الدولة التونسية تعودت في السنوات الأخيرة منح الجنسية فقط لمن هم على صلة بمصالح السياسة ورياضة كرة القدم تحت عنوان ′المصلحة الوطنية′".
ويرى بن عمر أن على رئيس الجمهورية مطالبة وزارة العدل بالبت في طلب الحصول على الجنسية الذي تتلقاه سواء بالقبول أو الرفض، لافتاً إلى أن الدولة التونسية تعودت في السنوات الأخيرة منح الجنسية فقط لمن هم على صلة بمصالح السياسة ورياضة كرة القدم تحت عنوان "المصلحة الوطنية".
كما يشدّد المكلف بالإعلام في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" على ضرورة تكريس سيادة القانون والمؤسسات بمبادرة رئيس الجمهورية بحل إشكال قانون الحصول على الجنسية في حال وجوده، علماً أن الفصل 19 من مجلة الجنسية التونسية ينص على أن "تُمنح الجنسية التونسية بمقتضى أمر رئاسي".
بحسب بن عمر، فإن الإشكال يكمن في القوانين "القديمة" التي تنظم عملية الحصول على الجنسية في انتظار تعديلها، مقترحاً ضرورة تساهل الإدارة التونسية مع طالبي الجنسية وتأويل القانون حسب مصلحة طالبيها.
من جهته، ينتقد الغورفي ما وصفها "باللقاءات الثنائية الشكلية بين المغرب وتونس التي تُعقد مرة كل ثلاث أو أربع سنوات، ولا تعطي نتائج ملموسة لحل مسألة بطاقة الإقامة والجنسية التونسيتين".
اتهام بالتسرّع
كانت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن التونسية قد تقدمت بمقترح مشروع قانون لتنقيح مجلة الجنسية التونسية، عبر تمكين أبناء التونسيات المتزوجات من أجنبي من التمتع بالجنسية التونسية.
تعليقاً على هذا المقترح، اعتبر المدعي العام ومدير عام الشؤون المدنية في وزارة العدل التونسية محمد العسكري أن وزارة المرأة "تسرّعت في صياغة مشروع القانون المقترح ولم تعد إلى وزارته المعنية أكثر بمشاريع هذه القوانين".
وأضاف خلال جلسة استماع بالبرلمان التونسي، يوم 16 أيار/مايو 2019، أن وزارة المرأة لم تأخذ بعين الاعتبار أن "منح الجنسية التونسية يكون مقيداً بضوابط وشروط معينة حسب ما نص عليه التشريع التونسي".
ولوضع حد لمعاناة المغربيين والجزائريين المقيمين في تونس، يطالب ممثل الجالية الجزائرية في تونس السلطات التونسية بمعاملتهم كتونسيين في مختلف الإجراءات الإدارية وتسهيل الأمور عليهم للحصول على بطاقات إقامة، "خاصة وأن من بينهم من وُلد في تونس ومن تزوّج تونسية وأنجب منها أطفالاً".
بدوره، يدعو رئيس جمعية النهوض بالجالية المغربية في تونس إلى إعادة الحركية لـ"اتحاد المغرب العربي الكبير"، بغية إيجاد حلول لمشاكلهم المشتركة وحتى "يعود القطار من العاصمة تونس حتى كازا (الدار البيضاء) المغربية إلى سابق عهده"، وفق تعبيره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...