بعد منتصف نهار 27 تموز/يوليو، اتجهت عدسات وسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط صوب جنوب لبنان، بعدما بثّت مواقع إسرائيلية أخباراً عن وقوع اشتباكات مع مقاتلين من "حزب الله" اللبناني في بلدة مزارع شبعا.
انشغل المتابعون بمعرفة تفاصيل الاشتباكات التي بقيت حقيقتها ونتائجها عرضة لروايات متضاربة تم نشرها، سواء في الإعلام الإسرائيلي أو حتى العربي والعالمي.
من جهتها، قالت إسرائيل إنها أحبطت عملية تسلّل نفذها مقاتلون لحزب الله في مزارع شبعا، لكن الأخير نفى ضلوعه في هذه العملية، وهو ما دعا وسائل الإعلام الإسرائيلي إلى مطالبة الجيش بنشر أشرطة كاميرات المراقبة التي رصدت المتسللين، بينما دفعت بمحللين إسرائيليين إلى انتقاد أداء الإعلام في متابعة الحدث، والإشارة إلى إرباك يشوب علاقته "المعتادة" بالجيش الإسرائيلي.
تضارب الروايات
في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قالت إن اشتباكات وقعت بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله "الذي أراد الانتقام لمقتل أحد مقاتليه في غارة جوية على مسلحين موالين لإيران في سوريا".
أما صحيفة "جيروزالم بوست" فقالت من جهتها: "في وقت متأخر من بعد ظهر يوم الاثنين، تصاعدت أعمدة الدخان بالقرب من هار دوف (مزارع شبعا)، وأُمر سكان المستوطنات الإسرائيلية على طول الحدود بالبقاء في منازلهم".
وأفادت القناة "الثانية عشر" الإسرائيلية بوقوع "حادث أمني في مزارع شبعا وهناك أصوات انفجارات تم سماعها في هذه المنطقة"، مشيرةً إلى أن جيش الاحتلال طالب المستوطنين بالإلتزام بالبقاء في منازلهم.
اتفقت كل وسائل الإعلام الإسرائيلية أن حادثاً وقع في منطقة مزارع شبعا، ونسب معظمها أخباره في البداية إلى قناة "الميادين" اللبنانية التي أفادت أن مقاتلي حزب الله أصابوا دبابة اسرائيلية.
اللافت، في المقابل، أن "الميادين" نفسها التي نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عنها خبر إصابة دبابة إسرائيلية، كتبت بعد وقت غير بعيد على بدء الأحداث أنها نقلت عن موقع "إسرائيل اليوم" أن مقاتلي حزب الله أطلقوا صاروخ كورنيت على دبابة ميركافا إسرائيلية.
بالرجوع إلى موقع "إسرائيل اليوم"، فقد كتب أن "قناة الميادين المحسوبة على حزب الله أفادت أن مقاتلي المجموعة الإرهابية أطلقوا صاروخاً مضاد للدبابات على القوات الإسرائيلية".
بالبحث عن الخبر في مصادر إعلامية أخرى، تبيّن أن وكالة "رويترز" نقلت في تقرير لها عن مصدر لبناني أن حزب الله أطلق صاروخاً موجهاً على دبابة إسرائيلية.
وأضافت الوكالة أن "المتحدث العسكري الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل جوناثان كونريكوس قال للصحافيين إنه ليس لديه علم بأي حادث من هذا القبيل".
وكتبت "قناة العربية" في خبر عاجل لها، نقلاً عن مراسلها، أن حزب الله أطلق صاروخاً تجاه مركبة اسرائيلية، وأفادت أن جندياً مصاباً من القوات الإسرائيلية لم يتم إخلاؤه من موقع الحادث.
سرعان ما غيّرت "العربية" روايتها بنفي وجود إصابات من الجانب الإسرائيلي، بل نقلت عن مصادر إسرائيلية أن أربعة مقاتلين من حزب الله قُتلوا في الاشتباكات.
"الإعلام الإسرائيلي كان يحتشد دائماً خلف الجيش، لكن هذه المرة هناك أزمة ثقة وعليه نشر الأشرطة التي تظهر المتسللين"... محللون إسرائيليون يناقشون أداء الإعلام الإسرائيلي الذي أظهر تناقضاً واضحاً وتخبطاً في تغطية التطورات جنوبي لبنان
بالعودة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد نقلت جميعاً في بداية تقاريرها بيان جيش الاحتلال الذي قال فيه إن خلية مكونة من ثلاثة إلى خمسة مقاتلين لحزب الله حاولت عبور الحدود، لكن تم رصدها بعدما تخطت الحاجز بعدة أمتار وفتحت عليها القوات النار.
ونقلت عن الجيش الإسرائيلي أن مقاتلي حزب الله فروا من الموقع، ولم تتم معرفة حالتهم بعدما أطلقت القوات عليهم النيران.
مع نهاية التصعيد وعودة الهدوء، أصدر حزب الله بياناً أكد فيه أنه "لم يحصل أي اشتباك أو إطلاق نار من طرفه في أحداث اليوم حتى الآن"، لكن تعهّد بتنفيذ هجمات على القوات الإسرائيلية بالقول: "ردنا على استشهاد الأخ المجاهد علي كامل محسن الذي استشهد في العدوان الصهيوني على محيط مطار دمشق الدولي آتٍ حتماً"، وذلك في إشارة إلى المقاتل الذي قُتل في سوريا.
"أزمة ثقة"
تحتفل إسرائيل بأنها أحبطت هجوماً لحزب الله، وفقاً لروايتها، فيما نفى الأخير ضلوعه في هذه الأحداث، بل بدأت قناة "الميادين" في التأكيد على أن "تل أبيب خلقت رواية من أجل الترويج لنصر وهمي".
بالنسبة للمتابعين، من الواضح أن الحسم في هذا التناقض بين الروايات الإسرائيلية وحزب الله سيكون من خلال نشر إسرائيل لقطات لما جرى على الحدود قبل بدء القصف.
بحسب صحيفة "جيروزالم بوست"، فإن الجيش يجب أن يكون لديه لقطات للمتسللين الذين حاولوا العبور إلى الأراضي الإسرائيلية، و"عليه القيام بنشر هذه الأشرطة كي يظهر هذا الهجوم الفاشل من قبل حزب الله، وهكذا يمكنه إغلاق هذا الفصل في هذه الجولة الأخيرة".
وتساءلت الصحيفة الإسرائيلية: "كيف يقوم مقاتلو حزب الله بمحاولة التسلل إلى إسرائيل في وضح النهار؟"، منوّهة إلى أن هناك رعاة تسللوا الحدود الإسرائيلية في الشهور الماضية، وقد فتح الجنود النيران عليهم، ما أدى إلى إصابة بعضهم.
وقالت الصحيفة: "بالأمس فقط، أطلق جنود اليونيفيل (قوات حفظ السلام) النار في الهواء بعدما رفض الرعاة إيقاف شاحنتهم على النحو المطلوب. لقد وقع الحادث بالقرب من قرية الوزاني اللبنانية القريبة من مزارع شبعا".
من جهتها، أفادت القناة "الثانية عشر" أن وحدة المراقبة التي تعمل فيها عناصر نسائية هي من رصدت المتسللين، وهو ما اعتبرته منظمات نسائية إسرائيلية "انتصاراً نسائياً على حزب الله".
واستغلت جهات إسرائيلية العنصر النسائي في الأخبار لتعطي لما جرى بعداً آخر. وقالت رئيسة "حركة نعمت" المعنية بالمرأة الإسرائيلية هاجيت بير، رداً على دور المراقبات للحدود في إحباط الهجوم، إن "العديد من الإسرائيليين مدينون بحياتهم للمراقبات الشجاعات من جيش الدفاع الإسرائيلي على مدار العام وفي حادثة اليوم".
وتابعت: "آمل أن يؤدي نجاحهن الإضافي اليوم إلى إسكات أي شخص يعمل ضد اندماج النساء في جميع وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي. إن شعب إسرائيل بأكمله فخور بهن - بناتنا على أهبة الاستعداد".
اللافت، من الناحية المقابلة، كان الحديث الذي تداولته وسائل إعلام إسرائيلية عن أن مجنّدة إسرائيلية (19 عاماً) وصلت منذ مدة إلى القاعدة العسكرية في مزارع شبعا، وكانت في المراقبة، وهي من لاحظت مجموعة مسلّحة قبل أن يحصل ما حصل.
في الوقت نفسه، بقيت هذه الرواية محط شكوك لدى إسرائيليين آخرين وهو شك عزّزه، على سبيل المثال، كلام وزير الأمن السابق نفتالي بينيت الذي قال إنه يعرف المنطقة جيداً، وأحياناً قد تكون فيها حركة ويظن من هو جديد عليها أنها "غير طبيعية".
في سياق آخر، أشار الصحافي الإسرائيلي يعقوب كاتز، في سلسلة تغريدات له، أن الإعلام الإسرائيلي كان يحتشد دائماً خلف الجيش، لكن هذه المرة هناك أزمة ثقة وعليه نشر الأشرطة التي تظهر المتسللين.
أفادت قناة إسرائيلية أن وحدة تعمل فيها عناصر نسائية رصدت "المتسللين"، ما اعتبرته منظمات "انتصاراً نسائياً"... اللافت كان ما تداوله إسرائيليون عن أن مجنّدة (19 عاماً) لاحظت مجموعة مسلّحة قبل أن يحصل ما حصل، وهي رواية بقيت محط شكوك لدى إسرائيليين شككوا في ما رأته المجندة
وقال الصحافي الإسرائيلي إن حزب الله نفذ هجوماً في أيلول/سبتمبر الماضي على القوات الإسرائيلية، وزعم الاحتلال عبر فيديوهات مفبركة وجود مصابين كي يخدع حزب الله بأن عمليته قد نجحت، وقد منعت وزارة الدفاع الإعلام الإسرائيلي من نشر الحقيقة.
وتساءل كاتز عما إذا كان "الإعلام الإسرائيلي لم يعد يثق في المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي؟ وهل ما جرى كان نوعاً من الصراع السياسي بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخصمه وزير الدفاع بيني غانتس؟".
بدوره، غرّد الصحافي والمحلل الأمني بـ"هآرتس" يوسي ميلمان أن "تصرفات الجيش الإسرائيلي كانت مزعجة، ولا تعكس سلوك الجيش القوي في الشرق الأوسط".
وقال ميلمان على حسابه عبر تويتر: "تصرفات الجيش كانت مزعجة، فقد أغلق الطرقات، وحشد القوات ووضعها في حالة استنفار خشية رد حزب الله على مقتل عنصر تابع له بشكل غير مقصود في سوريا".
وأضاف: "لا يتصرف الجيش القوي في الشرق الأوسط بهذا الشكل. من المهم منع إصابة جنودنا، لكن الجيش بث الهلع بدعم من وسائل الإعلام. حزب الله انتصر في صحافة الوعي".
جديرُ بالذكر أن الجيش الإسرائيلي كان قد استهدف سيارة لحزب الله في سوريا خلال الفترة الماضية، وأظهرت الكاميرات أن مستقلي المركبة غادروها قبل وقوع الانفجار، وهو ما كشفت عنه "نيويورك تايمز" وقتها بأنه حصل بعدما تلقوا اتصالاً تحذيرياً "إسرائيلي المصدر" بضرورة ترك السيارة فوراً، وذلك "تجنباً للحرب" وللبقاء ضمن "قواعد اللعبة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...