شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أنا ماشية على الهوا"... قصص مندوبي ومندوبات مبيعات في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 29 يوليو 202002:08 م
"مهنة من لا مهنة له"، هكذا وصف معظم من تحدثنا معهم، من مندوبات ومندوبي المبيعات مهنتهم في مصر، تلك الوظيفة التي تبقى اختياراً أخيراً لأي شاب يحلم بأن يجرب حظوظه في سوق العمل، حيث يبدأ باستنفاذ رغباته وأحلامه وكل ما كان يخطط له أولاً، قبل أن ينسف كل ذلك ويلقي بنفسه بين أحضانها.

تقول منال ( 25 سنة)، خريجة معهد تجاري، إنها اختارت المهنة بعد تخرجها من المعهد، وفشلها في الحصول على وظيفة مناسبة.

تحكي منال لرصيف22: "أكثر شي متعب ومؤلم في هذه المهنة أنها بلا مستقبل، دخلتها على أنها وظيفة مؤقتة شهرين أو 3 أشهر على الأكثر حتى أجد العمل المناسب، لكني وجدت نفسي في النهاية مستمرة بها منذ أكثر من 3 سنوات".

"مكسوفة أقول مرتبي كام"

تشتكي منال من مشاكل عملها كمندوبة مبيعات، مثل عدم وجود عقد مع صاحب العمل، إمكانية إنهاء مهامها في أي وقت، وعدم وجود نقابة، الوضع الذي تصفه قائلة: "أنا ماشية على الهوا، والمشكلة الأكبر إن الاعتماد في هذه المهنة على البيع والعمولة التي تحصل عليها مقابل البيع، لأن المرتب ضعيف جداً والله أنا مكسوفة أقوله أصلاً، بس أهو المتاح، هنعمل إيه، يمكن ربنا يحلها من عنده ونخلص من هم الشغل ومضايقات أصحابه لنا يومياً".

"أصعب شيء في هذه المهنة تعامل البعض معنا كنساء بشكل غير لائق،ناهيك عن التلميحات والألفاظ التي نسمعها من البعض، وكأن البنت اللي بتنزل تشتغل دي عشان تصرف على نفسها ملك لهم"

على عكس منال، يتباهى علي الشافعي (28 سنة)، بعمله كمندوب مبيعات بعد انتشار جائحة كورونا، يقول لرصيف22: "كثير من الناس كانوا بيتريقوا على الشغلانة دي من كتر مشاكلها، ومنهم أصحابي، لكن لما الكورونا جاءت، وترك البعض منهم عمله، والبعض الآخر عانى من خفض المرتبات في الشركات الخاصة اللي يعملون بها، أصبحت أنا الملك بينهم، وبعد ما كانوا بيسخروا مني، بقى نفسهم يشتغلوا معي".

"تخرجت من كلية الصيدلة ورفضت العمل في صيدلية، واخترت أكون مندوب لتسويق الأدوات الطبية، وهذا ما يجعلني أتعامل مع ناس شيك، أطباء، أو مراكز طبية، كمان مبيعاتنا كويسة جداً وأرباحنا أفضل من أرباح أي مندوب مبيعات في أي مجال آخر، ومعي سيارة، يعني مش بنزل ألف على رجلي"، يضيف الشافعي.

عن بداية الطريق، يحكي الشافعي: "قبل أن أبدأ العمل في تلك المهنة، حصلت على دورات تدريبية مكثفة حتى أتعلم كيفية التعامل مع الأطباء وأكون قادراً على إقناعهم بالشراء، ويمكن من أكثر المشاكل التي واجهتني في عملي توقيت مقابلة الأطباء".

"تروح العيادة تلاقي الناس عماله تبص لك بصة وكأنك قاتل أبوهم مثلاً، وده لأنك عايز تدخل قبلهم، مع إني مش باخد من وقت الدكتور أكثر من 10 دقائق، وهناك بعض الأطباء يرفضون مقابلة المندوبين في أوقات العمل، وبالتالي اضطر للانتظار لحين انتهاء الطبيب من عمله في الثانية عشر أو الواحدة صباحاً، يعني تقريباً عشان أخلص وأرجع البيت محتاج أرجع الفجر"، يضيف الشافعي.

"لا يفتحون لي الأبواب"

نادر المنسي (34 سنة)، مندوب تسويق إكسسوارات وأدوات تجميل، فبعد إنهاء دراسته بكلية التجارة، لم يجد أمامه سوى إحدى شركات توظيف للعمل في مجال مندوب المبيعات.

يكمل المنسي لرصيف22 : "لا توجد أي عقود موقعة بيني وبين الشركة، وأنا من أختار أيام العمل بنفسي لأني لا أحصل على راتب محدد، فقط عمولة 10% على ما أبيعه، وطبعاً إذا حدث أي ظرف طارئ مش بنزل من البيت، تماماً كما حدث منذ مارس الماضي، بسبب فيروس كورونا، حيث بقيت لأكثر من 3 أشهر في البيت دون نقود".

ويتأثر المنسي بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، يقول: "زمان كانت الناس تفتح أبوابها لنا دون أي خوف أو قلق، أتذكر فقط أن أيام يناير 2011، اللي كانت فيها الناس بتخاف تفتح لنا أبوابها أو لأي شخص لا تعرفه، الآن وبسبب فيروس كورونا البوابين يرفضون فكرة إننا نطلع العمارة لأن السكان بيخافوا يتعاملوا مع حد غريب، رغم أننا نطبق كل الإجراءات الوقائية وملتزمين بالكحول والجوانتى وكل حاجة، وأمر كهذا جعلني أتخلي عن فكرة التسويق بالطرق على أبواب المنازل، وأنشأ جروب خاص للتسويق عبر الإنترنت، وأهو إسمي مش شغال عند حد".

"مهنة سيئة السمعة للبنات"

منى، خريجة كلية التجارة (27 سنة)، تعمل مندوب مبيعات، تبيع إكسسوارات، و"شغل تريكو، وآراكت، وبنزل أسوقه بنفسى لإنى حابه أجهز نفسي دون مساعدة الأهل"، في إشارة إلى تكاليف الزواج.

تشكو منى في حديث لرصيف22 تعامل الناس معها، باعتبارها امرأة في هذه المهنة دوناً عن الرجال، تقول: "أصعب شيء في هذه المهنة تعامل البعض معنا بشكل غير لائق، لأنهم بيبقوا حاسين إن المندوب ده شغال عندهم أو أقل منهم، ناهيك عن التلميحات والألفاظ التي نسمعها من البعض، وكأن البنت اللي بتنزل تشتغل دي عشان تصرف على نفسها أو تجهز نفسها ملك لهم".

وتشاركها في الرأي هند، مندوبة تسويق الملابس، 20 سنة، حاصلة على دبلوم زراعي تضيف: "مهنة مندوب المبيعات للبنت سيئة السمعة، ولا أقصد هنا المعنى الجسدي فقط، زي ما ناس مريضة بتوصف البنت اللي بتشتغل الشغلانة دي بصفات بشعة، بس خلاص تعودنا ومحدش عارف النوايا غير ربنا، وهو وحده اللي عارف إني مضطرة أعمل بها كي أساعد أمي في مصاريف البيت بعد وفاة والدي".

تكمل: "نعمل أنا وهناء معاً، فنحن أصدقاء منذ الطفولة وتربينا في حي واحد، ولنا راتب ثابت 1500 جنيه كل شهر وعمولة 12 %، وكل ما بنبيع أكتر كل ما عمولتنا بتكبر، وبنبدأ من الصبح لحد الساعة 5 مساء، وأحيانا الشغل بيستمر فترة أطول".

أما هناء عبد البر (21 سنة)، التي اختارت تسويق الهواتف الصينية رخيصة الثمن، فتشتكي هي الأخرى قائلة لرصيف22: "بنعاني من معاكسات ومضايقات من الشباب في بعض الأحيان، لأن شغلنا كله في الشارع، بنلف على المقاهي وأماكن التجمعات والمترو، وأحياناً نمر على الناس في المنازل، والمشكلة أن 90% من الناس واخدة فاكرة إن بضاعة مندوب المبيعات مضروبة ومش أصلية وهتبوظ بعد كام يوم، وفكرة إننا ننزل بنفسنا نروح للناس ده للتوفير عنهم، وعشان تكون وسيلة جذب إنه يشترى لكن البعض يفهم ذلك على أن البضاعة مضروبة".

"أشعر بمتعة غريبة في مهنة مندوب المبيعات".

أما أحمد عز الدين، مندوب أغذية، 36 سنة، خريج معهد فني، فيشعر في العمل كمندوب مبيعات، بـ"متعة غريبة" لا يجدها في الوظائف الأخرى، يقول لرصيف22: "الشغلانة متعبة، بس بتحس بمتعة غريبة لما بتحقق التارجت أو تجيب زبون جديد للشركة، الناس بتتعامل معنا بكل احترام، وكل مشكلتي أنا الشخصية في الزبائن ممن يتعمدون عدم تسديد الأقساط المستحقة عليهم في موعدها، يعنى كل ما تروح لحد فيهم يقولك فوت عليا الأسبوع الجاي".

أما أحمد ممدوح (38 سنة)، خريج دبلوم تجاري، يعمل في مهنة مندوب مبيعات الأغذية منذ 8 سنوات، ويرى أن المشكلة الكبرى في المهنة أن "المديرين والمشرفين بياكلوا حق المندوبين الغلابة إنما باقي مشاكل التعب والمجهود مقدور عليها".

"غير مرخصة وبلا ضوابط"

يعلق الخبير الاقتصادي سمير الشامي، لرصيف22: "المشكلة الحقيقية إزاء تلك المهنة أنها بلا ضوابط، وأغلب المكاتب التي يعمل بها هؤلاء الشباب غير مرخصة وبعيدة عن أعين القانون، كون أصحابها يختارون العمل تحت "بير السلم" للتهرب من الضرائب".

"مشكلة أخرى مهمة تواجه أيضاً هؤلاء، وهي عدم وجود نقابة تحميهم، بعكس بعض الدول التي أدركت أهمية مهنة مندوب المبيعات، وقررت أن تنشئ نقابات تهتم بهم وترعى حقوقهم. كذلك أغلب من يعمل بمهنة كتلك لا يفقه أي شيء في آليات أو قوانين أو أساليب البيع والشراء وغير خبير بها بالمرة، ولا يحصلون على أي دورات في البيع والتسويق والإقناع، ومعظمهم يرفض أن يكمل في المهنة بسبب ما يُقال عنها بأنها مهنة من لا مهنة له"، يقول الشامي.

يشدد الشامي على ضرورة عرض مندوبي المبيعات على خبير نفسي، بين حين وآخر، لأنهم يتعرضون لضغوط شديدة ويتعاملون مع أناس مختلفين، كما أن البعض يعاملهم بصورة غير لائقة

ويشدد الشامي على ضرورة عرض مندوبي المبيعات على خبير نفسي، بين حين وآخر، لأنهم يتعرضون لضغوط شديدة ويتعاملون مع أناس مختلفين، كما أن البعض يعاملهم بصورة غير لائقة، "وهو ما يسبب لأشخاص منهم إحباطاً، ويجعلهم يكرهون العمل ككل".

يذكر أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، كشف في آخر إحصائية له عام 2018، عن ارتفاع أعداد خريجي التعليم العالي، بواقع 32 ألف خريج عن العام السابق، حيث تخرج 569 ألف طالب وطالبة من الجامعات المصرية عام 2018.

وفي فبراير 2020 أكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن معدل البطالة بلغ 8% في أواخر 2019، مقابل 8.9% في 2018، فيما بلغ حجم قوة العمل 28.950 مليون شخص خلال الربع الأخير من العام الماضى.

وفي دراسة نشرتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية عام 2018، قدر حجم الاقتصاد غير الرسمى ـ الذى لا يخضع للضرائب ولا يراقب من قبل الحكومة ولا يدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي ـ بحوالى 4 تريليون جنيه، ما يعادل 60% من التعاملات السنوية للاقتصاد المصرى والتي قدرت بـ 400 مليار دولار .

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard