عندما يأتي الحديث عن التأمل واليوغا، أجد أنفاسي تتلاحق بفعل الأدرينالين الذي يضخّ بقوة في جسدي، ويمدني بحماس قد يجعلني لا أتوقف عن السرد لساعات وساعات. التأمل لم يكن مجرد رياضة ذهنية وبدنية تشتهر بها الهند، البلد الذي أعيش بين أحضانه منذ عام 2015، ولكن تلك الثقافة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتي، جعلتني أتواصل مع العديد من عوالمي الخفية.
أصبحت أكثر تواصلاً مع جسدي وروحي، هل تروني أبالغ إذا قلت بأنه لولا التأمل لكنت قتلت نفسي عشرات المرات خلال السنوات القليلة الماضية؟ فرغم صعوبة تجاربي الحياتية إلا أن التأمل كان بمثابة مصباح يلوح لي دوماً من بعيد، بأن الحياة لم تنته بعد، أو كما قال اللورد شيفا، الأب الروحي لليوغا: لابد أن تشعر بالسعادة بعد كل تجربة مؤلمة، لأن الكارما تقوم بدورها بتنقية روحك من أخطاء حياتك الحالية، وربما السابقة أيضاً، لتبدأ من جديد بسعادة.
"كنت أبحث عن بديل روحاني، صوفية غير مرتبطة بمعتقدات وطقوس وأخلاقيات هي في الأساس صحراوية، تبالغ كثيرا في حظر المتع البسيطة، مثل السكر والجنس الحر والسهرات، وتبعدنا عن التفكير في مشاكلنا الاجتماعية والسياسية"
وبعد ثلاث سنوات من تجربتي مع اليوغا في الهند، إذا طُلب مني توصيف نفسي سأقول: "روح شغوفة ألهمتها دروب التأمل رهفاً، شوقاً ودواء يلمس الآلام المصاحبة للواقع القاسي".
اليوغا في الهند
الهند تتعامل مع التأمل واليوغا كإحدى أساسيات الحياة، مثلها مثل الطعام والشراب والتنفس، بصرف النظر عن طبقاتهم الاجتماعية أو درجتهم العلمية، فسائق عربة الأجرة يمارس اليوغا بعد عمله ليتخلص من الآمه الجسدية والضغط النفسي، وكذلك طالب الجامعة، إذا لم يتذكر جملة ما يبدأ بممارسة التأمل ليساعده على التذكر. الأم تمارس اليوغا حتى تستطيع مساعدة أطفالها في التعلّم، وحتى السيدة التي تساعد زوجها في الحقول تمارس اليوغا، لتقوم بتقوية جسدها وتحمّل تلك المشقة.
"يقال إن وقت الصلاة بنكلم ربنا، ووقت التأمل بنسمعه، دي أول جملة شدتني للتأمل"، هكذا بدأت هبة سامي، محاضرة علوم التغيير واستشارية العلاقات الإنسانية، حديثها عن تجربتها مع اليوغا والتأمل.
تتساءل هبة: "مين فينا مش عايز يكون عنده حكمة وواثق في قراراته واختياراته، ومتصل بصوت المصدر جواه؟".
تعود وتجيب سامي، مستلهمة تجاربها الروحانية في اليوغا: "الحقيقة إن التأمل أثره أكتر بكتير من مجرد ممارسة روحية بتطورنا وبتعلى الوعي".
عن بداياتها، تحكي هبة لرصيف22: "بدأت التأمل من 2012 كممارسة ومدربة أثناء جلساتي ومحاضراتي الخاصة والمحاضرات الجماهيرية، بغرض رفع الطاقة الإيجابية واستقطاع وقت من الزمن، بنروح أنا ومتدربيني للحظة الحإلىة، ونملاها إيجابية وسلام أو بغرض استشفائي healing للـ trauma والمعتقدات المعيقة في الحياة".
بدأت هبة ممارسة اليوغا يومياً وبانتظام منذ عام 2015، بأشكال وتطبيقات مختلفة، سواء بقراءات لمعلمين روحانيين مثل أوشو، ديباك تشوبرا، ايكهارت تول ولويز هاي، أو تطبيق مع مدربين عالميين.
"التنفس هو الوعي"
تتحدث هبة كثيراً مع طلابها حول التأمل، وكيف أن تنفساً عميقاً يمكن أن يغير، ليس فقط مشاعرنا وعلاقتنا بالكون، ولكن بمجال العمل والنجاح أيضاً، تقول: "سواء التأمل من أجل هدف معين أو فقط من أجل الاتصال بالذات الحقيقية، والعيش في اللحظة. والحقيقة اللي بدون هدف محدد بيكون أعمق تأثيراً، وبيوسع الوعي، وبيعمل نقلات في الحياة بشكل مذهل".
"التأمل بيخلينا في اللحظة، وبيساعدنا نتنفس صح، وزي ما بيقول ايكهارت تول إن الوعي هو التنفس، لأن الإنسان طول ما هو عايش اللحظة مش مسافر في الماضي أو المستقبل وعيه بيتوسع وبيتطور بشكل هايل".
"حصلت لي نقلات نوعية كتير في حياتي، ونقلات كتير نوعية في حياة طلابي أو الكيانات اللى بشتغل معاها"، توضح هبة.
أحمد مجدي، الممثل المصري، كانت له تجربة مختلفة مع التأمل واليوغا، حيث دفعه الشغف للسفر إلى الهند ومعايشة تلك الثقافة عن كثب.
يقول الفنان أحمد مجدي: "اليوغا رياضتي المفضلة، ولكنها لم تكن مجرد هواية أقوم بممارستها وقت فراغي، كانت ثقافة وأسلوب حياة. لذلك، وفي عام 2017 قررت السفر إلى الهند لمدة 5 شهور، وحصلت على كورس تدريبي عن التأمل، وبعد زواجي سافرت إلى الهند بشهر عسل مع زوجتي، لأنها كانت تحتاج أن تعيش تلك التجربة بشكل أعمق، والآن أقوم بجلسات تدريب يوغا يحضرها العديد من أصدقائي وزملائي".
اللياقة ومرونة الجسم
أما عاليا قاسم، الكاتبة الصحفية المصرية، فحكايتها مع اليوغا بدأت عندما بدأت رحلتها مع اللياقة البدنية، تقول لرصيف22: "كانت مدربة الجيم هي مفتاح باب التأمل، حيث قمت بممارسة اليوغا أول مرة منذ حوالي 14 عاماً، ولم أكن أتخيل الفارق الذي أحدثته في لياقتي ومرونة جسمي، كما أنها ساعدتني في تحسين ممارستي للرياضة بشكل عام، وقد مارست أكثر نوع منها هاثا وأشتانجا وفينياسا".
أحمد شهاب الدين، له كتاب ومقالات في الشؤون الروحانية والصوفية، مقيم في القاهرة، يقول أنه "طلّق الجماعات الصوفية بالتلاتة"، بعد أن التحق بالطريقة الشاذلية، بسبب "الجمود الفكري، والمحافظة الاجتماعية، وربط الروحانيات بالإيمان والواجبات الدينية"، إضافة إلى أن أحد الملتحقين بالصوفية، دكتور جامعي ومتخصص في المعاجم اللغوية، وكان أستاذا له في الجامعة، قام بحرق كتابه "عشقانيات إبليس" أمام أصدقائه، واعتبرها هرطقات، تؤدي إلى الكفر، غير حصوله على درجات متدنية في مادة النقد الأدبي، التي كان شغوفا بها.
"كنت أبحث عن بديل روحاني، صوفية غير مرتبطة بمعتقدات وطقوس وأخلاقيات هي في الأساس صحراوية، تبالغ كثيرا في حظر المتع البسيطة، مثل السكر والجنس الحر والسهرات، وتبعدنا عن التفكير في مشاكلنا الاجتماعية والسياسية، خاصة بعد الاضطرابات النفسية التي غرق فيها كثير من أبناء جيلي الذين شاركوا في ثورة يناير".
"البداية لم تكن من اليوغا، كانت في قراءات لكتاب مثل فراس سواح، وهادي العلوي، وأبكار السقاف، وخليل عبد الكريم، والتي شكلت بالنسبة لي نقدا فكريا للإرث الديني الجامد، ومحاولات للربط بين الروحانيات الشرقية العتيقة، والنقد الفكري والاجتماعي والسياسي، كانت تلك الكتب أساسا فكريا لممارستي لليوغا التي اعتمدت فيها على كتب ومحاضرات أوشو".
وعن تأثيرها النفسي والمهني، يقول: "اكتشفت في 2013 إني شخص روحاني، لا أستطيع الاستمتاع بشيء بدون وجود نفس روحاني فيه، وخيالي، وشاعري، وكانت مشاعري مثقلة بالإرث الديني، كنت أحتاج إلى التحرر النفسي من ارتباطات شرطية حدثت لي عندما تبنيت لفترة غير قصيرة في بدايات حياتي التدين الفقهي والأصولي، لم أكن أتخيل أن ممارسة الجنس، والتي كانت تصيبني بحالة أقرب إلى الشعور بالخواء، والنفور من الناس، أن تحسن من صحتي النفسية والذهنية، وكذلك ما حدث لصديقتي".
في الهند يمارس سائق عربة الأجرة اليوغا بعد عمله ليتخلص من آلامه الجسدية، وطالب الجامعة إذا لم يتذكر جملة ما يبدأ في ممارسة التأمل ليساعده علي التذكر، الأم تمارس اليوغا حتى تستطيع مساعدة أطفالها في التعليم، و حتى السيدة التي تساعد زوجها في الحقول تمارسه حتى تقوّي جسدها
ساعدت تقنيات التأمل، مثل الكاراتاكا أو تأمل الشمعة، شهاب الدين من التخلص من آلام الصداع، وتقلصات المعدة، والتهاب القاولون، وأن تحسن من استمتاعه في ممارسات الحميمية، وفي ترك وظيفته، أو كما يقول:"حولتني نفسيا من شخص يبحث عن الأمان، والاستقرار إلى مغامر أبحث عن مهام وظيفية لها معنى، وقيمة روحانية وإنسانية".
في مصر والعالم العربي، بدأ فكر التأمل واليوغا يقتحم حياة الكثيرين بسبب ضغوط الحياة ومحاولاتهم للاسترخاء، توقف البعض منهم عند هذا الحد، ولكن البعض الآخر قرر التعمّق في تلك الثقافة العتيقة.
تعاليم اليوغا
حياتي في الهند، ومقابلاتي لمعلمي اليوغا، ساعدتني في قراءة وفهم الكتب المرتبطة بتلك الممارسات الروحانية العتيقة.
اليوغا مجرد فصل من كتاب التأمل، الذي يشمل الكثير من "الأسرار الروحانية"، والمعلومات تحدث عنها الكاتب بارماهانسا يوغاناندا، في كتابه الشهير الذي أصدره عام 1946، بعنوان "يوجي كاثامرات" أو " autobiography of a yogi".
الكتاب صدر بالهندية، التاميل والإنجليزية، يتحدث الكاتب عما يمكن أن يفعله شخص وهب حياته للتأمل، وكيف يمكن أن تتحكم في كل ما يخص جسدك وروحك إذا ما وصلت إلى "الالتحام مع الطبيعة".
أما في كتاب "The Yoga Sutras of Patanjali" الصادر عام 1978، فيتحدث عن يوغا راجا الشهيرة، وفيه ستجد وصفاً لأنواع اليوغا الخمسة الأساسية، والتي تفرع عنها أنواع عديدة مطورة ومعاصرة:
1- بيكرام يوغا
هي تقنية لأولئك الذين يرغبون بتطوير القوة والمرونة وتناغم العضلات، من خلال تمرين القلب والأوعية الدموية.
إن ممارسة هذا النوع من النشاط البدني في البيئات الحارة يساعد الجسم أيضاً على الاسترخاء، تحسين التنفس وتطوير تركيز عقلي أفضل.
2- هاثا يوغا
يعود تاريخ هذا النوع إلى القرن الخامس عشر، على عكس الأنواع الأخرى، تُمارَس هذه اليوغا بوتيرة بطيئة ومريحة، لأنها تركز على التأمل، من بين الأغراض الرئيسية هي تقديم المبتدئين لتقنيات الاسترخاء الرئيسية.
3- أشتانجا يوغا
طريقة أساسية لبناء كتلة العضلات، فكل مجموعات العضلات تحظى بنفس الاهتمام، ما يخلق توازناً دقيقاً بفضل الحركة المتدفقة والمستمرة.
4 - يوغا كونداليني
يُعرف هذا النوع أيضاً باسم "يوجا الوعي". في الواقع، هذه الممارسة تخترق عقلك ولها توتر روحي قوي، تكمن خصوصيته في استخدام الحركة والصوت والتنفس والتأمل، للاسترخاء واستعادة العقل والجسم.
5- يوغا أنوسارا
أسسها جون فريند، ويعرف هذا النوع بأنه أحد أكثر الممارسات روحانية، ويركز على نفسك الداخلية، عقلك وروحك، يمكن اعتباره نوعاً واحداً من هاثا يوغا ممزوجة بفلسفة التانترا.
تلك هي الأنواع الأساسية، ولكن يوجد عشرات الطرق للتأمل واليوغا، مثل يوغا الضحك، يوغا العبادة، يوغا الجنس، والتي شرحها المرجع الجنسي الهندي الشهير الكاماسوترا.
عن نتائج تجربة اليوغا على حياتها، تقول هبة، موجزة: "فهمت نفسي بشكل عميق، بقيت أكتر هدوءاً وسلاماً، عقلي أكثر اتزاناً، اتطورت حكمتي الداخلية، ووثقت أكتر بصوتي الداخلي، واتحررت من كتير مخاوف، وبقيت متصالحة أكتر مع نفسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون