"لم أكن مرتاحاً ولم أحب أبداً فكرة الاستيقاظ كل صباح والذهاب إلى العمل، كنت أشعر بالاختناق وأنا أغرق وسط حياة مملة وروتينية فقررت الهروب من الموجود إلى المنشود، بحثاً عن السعادة الحقيقية"، يقول مهدي بالحاج، لرصيف22، متحدثاً عن تجربته مع السفر والترحال.
"دفنوا الموتى في الشجر"
بعد تفكير طويل، قرر المهندس مهدي بيع كل أملاكه وانطلق لاكتشاف خفايا القارة السمراء، أو كما سمع عنها في الأفلام الوثائقية بأنها "أرض الدم، الدموع والنار".
"كان في محفظتي القليل من المال، حقيبة ظهري، خيمتي والكثير من الأمل"، يقول مهدي.
ويضيف مهدي لرصيف22: "بدأت رحلتي من صحراء المغرب بمبلغ مالي بسيط، وتمكنت إلى حدّ اللحظة من زيارة 24 دولة أفريقية، حبستني كورونا في الكونغو الديمقراطية منذ 4 أشهر، وأنتظر بفارغ الصبر انتهاء الأزمة، وفتح الحدود لمواصلة مغامرتي، لا يزال الطريق أمامي طويلاً".
خلال رحلته التي بدأها سنة 2018، صارع مهدي كثيراً للبقاء على قيد الحياة، يقول: "خلال رحلتي في القارة السمراء أصبت بأمراض معدية مثل الملاريا والتيفوئيد، وعند زيارتي لدولة مالي حوصرت في عملية إطلاق نار، كما سُجنت في نيجيريا، واضطررت لعبور الحدود خلسة نحو الكاميرون، وتعرضت للسطو المسلح من طرف الشرطة في الكونغو الديمقراطية، كما فقدت طريقي وكدت أن أتوه بين حدود غينيا بيساو، وسرقت كل أموالي فور وصولي إلى غانا".
"عند زيارتي لدولة مالي حوصرت في عملية إطلاق نار، كما سُجنت في نيجيريا، وتعرضت للسطو المسلح من طرف الشرطة في الكونغو الديمقراطية، كما فقدت طريقي وكدت أن أتوه بين حدود غينيا بيساو، وسرقت كل أموالي فور وصولي إلى غانا"
اكتشف مهدي الجانب الآخر من "الحوادث والمخاطر"، ما تنطوي عليه من تشويق وإثارة، اختبار للعزيمة والإرادة وامتحان للصبر، يقول: "كل هذه الحوادث ستكون بمثابة قصص مشوقة، يرويها لأحفاده في المستقبل".
وعن كيفية مجاراته للحياة وكسب الأموال، يقول مهدي: "أشتري فقط احتياجاتي الضرورية مثل الأكل أو تذاكر التنقل، عندما أفشل في إيجاد وسيلة نقل مجانية، أنام في خيمتي عندما يحل الظلام وفي أحيان أخرى يستضيفني السكان المحليون أو بعض المهاجرين التونسيين أو العرب".
يحرص الشاب الثلاثيني على توثيق العادات والتقاليد الغريبة لهذه الدول، ومشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما يقول: "كل البلدان التي زرتها اكتشفت فيها الكثير من السحر والجمال، واكتشفت أيضاً أن الشعوب الأفريقية مسالمة، عدا بعض المناطق التي تعرف بكونها بؤر توتر أو يوجد بها متمردون".
يتحدث مهدي بشغف عن العادات والتقاليد الغريبة، الذي صادفته أثناء ترحاله: "كنت شاهداً على عمليات دفن الموتى داخل الأشجار في غينيا بيساو، وزرت الغابات المقدسة في الطوغو، وتعرفت على الحج الأفريقي في السينغال وطقوس السحر الأسود في دولة بنين، شاهدت أقدم مخطوطات العالم الإسلامي في تومبوكتو، وعبرت الصحراء الكبرى مع قوافل الطوارق في النيجر، وقطعت نهر الكونغو في قوارب الموت مع السكان المحليين".
يختم مهدي قوله: "إن النظر بعمق إلى الطبيعة سيجعلك تفهم كل شيء بشكلٍ أفضل، لقد منحني السفر الكثير من الغنى والحرية والراحة، منحني ما لم أكن لأحصله في فراشي الوثير الدافئ أو على مكتبي المكيف المرتب، نعم الترحال منحني الكثير من الحكمة وغيّر نظرتي إلى الحياة".
"السفر مرض"
"انطلقت تجربتي لاكتشاف العالم وخفاياه سنة 1963، عندما كنت طالباً في إحدى المعاهد. كانت الجزائر أول بلد أزوره وأتعرف إلى ثقافته، ومن هناك انطلقت لاكتشاف العالم"، يقول بوراوي رقية، الذي يُعرف بعميد الرحالة العرب لرصيف22.
لم يحظ بوراوي رقية (80 عاماً)، بلقب عميد الرحالة العرب من فراغ، فقد كرّس حياته ووقته وكل ما يملك لزيارة واستكشاف 210 دولة حول العالم، في مسيرة دامت أكثر من 50 سنة، ووثقها في 10 كتب.
يروي بوراوي رقية تجربته مع الترحال والاستكشاف لرصيف22، فيقول: "قبل الانطلاق في رحلتي بحثاً عن الحرية والسعادة، قمت برحلة داخلية زرت فيها كل المحافظات التونسية، ثم انطلقت لاكتشاف العالم الخارجي، كنت حينها شاباً في العشرينيات من عمري، ولم أكن أملك الكثير من المال".
يتابع: "سافرت حينها إلى فرنسا لإكمال دراستي الجامعية، ومن هناك بدأ شغفي بالترحال والاستكشاف، عندها قررت السفر لاستكشاف الدول الاسكندنافية. حملت خيمتي فوق ظهري، وتمكنت رفقة مجموعة من أصدقاء الدراسة من التنقل مجاناً، لأننا لم نملك المال".
"أبدأ رحلاتي الاستكشافية دائماً وأنا فارغ الجيب".
يبتسم العم بوراوي، وهو يعود بذاكرته إلى ستينيات القرن الماضي ويضيف: "أبدأ رحلاتي الاستكشافية دائماً وأنا فارغ الجيب، وعندما أصل إلى وجهتي المقصودة أنطلق مباشرة في البحث عن عمل كي أتمكن من كسب بعض المال، عملت في بعض الفنادق حول العالم، وبعت الخضر والغلال في الأسواق المركزية، كنت أذهب دون مال لكن عندما أعود يكون لدي الكثير من المال".
عندما تنظر إلى التجاعيد التي ملأت وجه العم بوراوي، تشعر وكأن كل تجعيد يحمل حكايات وروايات، من دول بعيدة لا نسمع عنها إلا في الكتب أو الأفلام الوثائقية، فهو قضى حياته بين العمل الجمعياتي والسفر لاكتشاف دول العالم.
لا يحبذ العم بوراوي كثيراً فكرة أن السفر يحتاج الكثير من المال، ويدعو الشباب "للتمرد على الواقع والتخلص من الحياة المملة التي لا طعم لها، والانطلاق لاكتشاف العالم، بخيمة على الظهر وحقيبة فيها بعض الطعام"، بحسب حديثه لرصيف22.
يواصل العم بوراوي أو كما يحب مناداته "عميد الرحالة العرب": "لم يمنعني حب السفر من إكمال دراستي لأصبح أستاذاً جامعياً، ولم يمنعني أيضاً من الزواج وتكوين عائلة صغيرة تعشق الترحال والتخييم في الجبال، زرت حوالي 100 دولة برفقة زوجتي ورفيقة دربي وأصبحت تعشق السفر مثلي".
يتابع: "السفر مرض جميل وإيجابي. لم أخلق لأعيش حياة مملة بين مكتب مكيف ومنزل مغلق، رغم ما تعرضت له من مخاطر ومشاكل خلال ترحالي، لكنني لم أستسلم أبداً، وصممت على التقدم إلى الأمام نحو الحرية المطلقة".
حوَّل العم بوراوي منزله إلى متحف صغير يحتوي على آلاف الطوابع البريدية، ومئات التحف والعملات التي جمعها أثناء رحلته حول العالم، ويعتبر أنه بذل مجهوداً كبيراً للتعريف بالثقافة التونسية في الدول التي زارها، ويعتبر أن "الرحالة سفير وطنه".
"لا تخافوا"
"بعد 6 أشهر من التفكير قررت أخيراً ترك وظيفتي كمهندس في الإعلامية، وبدأت جولة أوروبية، انطلقت من البرتغال "الغرب" وانتهت في تركيا "شرق"، شعرت بالمعنى الحقيقي للسعادة وأنا أتعرف على دول وثقافات جديدة"، يقول زياد علوي (29 عاماً)، لرصيف22، متحدثاً عن شغفه بالسفر واكتشاف مناطق جديدة.
ويضيف زياد: "لم أتقبل فكرة الذهاب يومياً في الساعة السابعة صباحاً إلى العمل. شعرت بعدم الراحة، وبأنني لم أعد قادراً على الإبداع في عملي، بعد أن تركت وظيفتي وبدأت مغامراتي مع السفر والتوثيق، أحسست بسعادة لا توصف، سعادة لم أعرفها من قبل".
ينصح زياد الناس الذين يعملون في وظائف لا يحبونها بالتمرد على الواقع، وكسر القواعد المتعارف عليها، كما ينصحهم بالابتعاد عن الوظائف التي تستنزف راحتهم ونفسيتهم، وتكبل حريتهم بتوقيت إداري خانق، ليقول: "لا تخافوا... فقط تمردوا على الواقع... كونوا أحراراً".
يحكي الشاب التونسي لرصيف22: "زرت 16 دولة في 3 أشهر، أحسست أنني طير حر، أحلق عالياً، فأنا لست شجرة حتى أبقى في نفس المكان دون حركة. السفر جعلني سعيداً ومكّنني من التعرف على ثقافات وحضارات أخرى".
"أبدأ رحلاتي الاستكشافية دائماً وأنا فارغ الجيب، وعندما أصل إلى وجهتي المقصودة أنطلق مباشرة في البحث عن عمل كي أتمكن من كسب بعض المال، عملت في بعض الفنادق حول العالم، وبعت الخضر والغلال في الأسواق المركزية"
يؤكد زياد أن "السفر حول العالم ليس مكلفاً كما يتم الترويج له. أنصح كل المولعين بالسفر ولا يملكون المال بالتوجه أولاً نحو البلدان القريبة منهم، حتى يكتسبوا الخبرة الكافية، وسيفهمون بعدها أنه يمكنهم السفر بتكاليف بسيطة".
يحاول زياد أثناء سفره التنقل بأبسط التكاليف، مثل التنقل المجاني أو عبر الحافلة، شراء مأكولات شعبية مقبولة الثمن والنوم في خيمته في مكان آمن وجميل، كما أنه ينصح متابعيه عبر قناته على "يوتيوب" بالسفر والتمرد على الروتين اليومي للحياة.
"واجهت بعض الصعوبات من قبل الوحدات الأمنية بسبب هويتي العربية في بعض البلدان الأوروبية، مثل كرواتيا، صربيا والبوسنة والهرسك، لكنني أنجو في كل مرة لأني أعرف كيف أتعامل مع مثل هذه المواقف"، يقول زياد.
وينهي زياد حديثه ضاحكاً: "سافروا تصحّوا، فالسفر مصدر السعادة والحرية والبحث عن الذات. لا تكملوا حياتكم جالسين على كرسي في مكتب مكيف من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...