على الرغم من ندرة المعلومات التي نعرفها عن طبيعة وحدود العلاقة بين المسلمين وأتباع الديانات المختلفة في حقبة الإسلام المبكر، إلا أنه يمكن القول إجمالاً إن العلاقة بين اليهود والمسلمين في تلك الفترة اختلفت باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية السائدة.
بدأت البوادر الأولى لتلك العلاقة على شكل تعايش سلمي حذر، ولكنها سرعان ما انقلبت رأساً على عقب، لتتخذ صورة العداء السافر بين الفريقين.
وعلى الرغم من أن حدة التنافس خفتت بعض الشيء في أواخر عهد الرسول، إلا أن ظروف تأسيس الإمبراطورية الإسلامية، وما واكبها من محاولة إظهار الإسلام كالوارث الحقيقي والوحيد للإرث الإبراهيمي التوحيدي، لعبت دوراً مهماً وحاسماً في تأصيل العداء الإسلامي-اليهودي عبر القرون.
يمكن أن نستشف ذلك بشكل واضح مما ورد في روايات تؤكد أن وفاة الرسول كانت بسبب سمّ وضعته له امرأة يهودية في الشاة، وأيضاً في الكثير من المرويات المنسوبة للرسول، والتي تؤكد أنه "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ"، حسبما ورد في صحيح مسلم.
الوجود اليهودي في جزيرة العرب
من غير المعروف على وجه اليقين كيفية وصول اليهودية إلى شبه الجزيرة العربية. رغم ذلك، تؤكد الكثير من الأخبار والروايات الواردة في المصادر التاريخية أن اليهود انتشروا بنسب متفاوتة في كل من اليمن ويثرب وخيبر وتيماء ودومة الجندل.
عرفت اليمن، على سبيل المثال، تواجداً كثيفاً لليهود منذ القرن الخامس الميلادي، بل وظهرت فيها بعض الشخصيات اليهودية القوية التي تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم، ومن أهمها الملك الحميري يوسف أسأر يثأر، الذي اشتهر بانتصاره على الأحباش، وتنكيله بالمسيحيين، وعُرف في الثقافة الإسلامية باسم ذي نواس.
ذو نواس
وأشارت مجموعة من قدامى المستشرقين إلى وجود علاقة تاريخية قديمة تربط بين العنصر العبري من جهة وأهل مكة على وجه التحديد من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، ذهب كل من المستشرق الإنكليزي ديفيد مرغليوث في كتابه "العلاقات بين العرب والإسرائيليين"، والمستشرق الهولندي رينارت دوزي في كتابه "الإسرائيليين في مكة"، إلى أن قبائل سبط شمعون هاجرت إلى بلاد العرب، في وقت غير معروف على وجه الدقة، ووصلت إلى مكة، وأسهمت في إحداث نهضة حضارية كبيرة فيها، خصوصاً بعدما عرّفت المكيين بمهنة التجارة، كما أنها أيضاً نقلت بعض الطقوس الدينية المرتبطة بشعائر الحج إلى مكة، ومن هنا لم يكن من الغريب أن تحظى تلك البقعة الجغرافية بمقام ديني-اقتصادي مميّز في شبه الجزيرة العربية.
وفي كتابه "تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام"، يشير الباحث إسرائيل ولفنسون، إلى أنه من المحتمل أن عدداً قليلاً من اليهود سكن مكة والطائف، ومارس طقوسه وشعائره الدينية في معزل عن الوسط الوثني المحيط به، ومع ذلك فإن جيرانهم العرب احترموا عقائدهم ولم يجدوا بأساً في التعامل أو التعايش معهم.
ويرد في معظم المصادر التاريخية الإسلامية أن اليهود الذين سكنوا في شبه الجزيرة العربية، كانوا في القرن السادس الميلادي ينتظرون ظهور النبي الذي سيستطيلون به على قبائل العرب.
ورغم أن الروايات الإسلامية لا توضح السمات الدقيقة لهذا النبي المنتظر، فإننا يمكن أن نتفهم توقعهم أن يكون يهودياً، سياسياً، قوياً، يملك الأرض ويحكم اليهود، ويهزم أعداءهم، فيحقق لهم السعادة الدنيوية الخالصة، وهي المواصفات التي تتفق مع التصور اليهودي العام لشخصية المسيا أو المشيح الذي سيعيد أمجاد داود وسليمان.
فعلى سبيل المثال، ينقل شمس الدين القرطبي (ت. 671هـ) في كتابه "الجامع لأحكام القرآن"، في معرض تفسيره للآية 89 من سورة البقرة، قول ابن عباس "كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود، فعادت يهود بهذا الدعاء وقالوا: إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا تنصرنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان".
ما قبل البعثة النبوية
على الأرجح، لم يتصل النبي محمد باليهود، بشكل مباشر، في الفترة المبكرة من حياته. ومع ذلك، روّجت المصادر الإسلامية لبعض القصص التي تربط بينه وبينهم، وهي في أغلب الظن قصص مُختلقة، وُضعت في فترة متأخرة نسبياً، وظهر فيها اليهود كمصدر تهديد للنبي العربي.
على سبيل المثال، يذكر محمد بن سعد (ت. 230هـ) في كتابه "الطبقات الكبير"، أن بعض اليهود قابلوا حليمة السعدية ومعها الرسول حينما كانت ترضعه، وأنهم شكّوا في كونه النبي المنتظر بعدما اطّلعوا على بعض صفاته، وكادوا يقتلونه لولا أن حليمة خدعتهم وأبعدت الرضيع عنهم.
بدأت البوادر الأولى للعلاقة بين المسلمين واليهود، في حقبة الإسلام المبكر، على شكل تعايش سلمي حذر، ولكنها سرعان ما انقلبت رأساً على عقب، لتتخذ صورة العداء السافر بين الفريقين
في السياق نفسه، ذكرت بعض الروايات أن أبا طالب اصطحب النبي في صغره، في رحلته التجارية إلى بلاد الشام، فلما وصلت القافلة إلى بُصرى، وهي ناحية من نواحي الشام، خرج راهب اسمه بحيرا أو جرجيس لاستقبالهم، وعرف أن الرسول هو النبي الموعود الذي بّشرت به الكتب المقدسة، "فأكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، يقصد النبي، ولا يقدم به إلى الشام: خوفاً عليه من الروم واليهود، فأرسله عمه مع بعض غلمانه إلى مكة"، بحسب ما ورد في سيرة ابن هشام (ت. 218هـ).
هذه الرواية تحديداً شاعت في التراث الإسلامي على مر القرون، حتى نظمها عبد العزيز بن عبد الواحد اللمطي المكناسي (ت. 880هـ) في صورة أبيات شعرية في كتابه "قرة الأبصار"، بقوله: ثم إلى الشام مع العم ارتحلْ/ والعمرُ في ثالثةِ العشر دخلْ/ فردَّه خوفاً منَ اليهودِ/ عليه أهلِ المكرِ والجحود.
المرحلة الأولى... المهادنة والتقارب
بدأت العلاقة الحقيقة بين الإسلام واليهودية في مكة، في السنوات الأولى من الدعوة الإسلامية، وقد تحدثت بعض الآيات القرآنية عن بني إسرائيل بوصفهم الشعب الذي أنعم الله عليه، وفضّله عن جميع الشعوب، كما تكلمت أخرى بشكل إيجابي عن آبائهم الكبار إبراهيم وإسحق ويعقوب، إضافة إلى إشادة القرآن بأنبيائهم من أمثال يوسف وموسى وهارون وداود وسليمان.
يذكر المستشرق الألماني ثيودور نولدكه، في كتابه "تاريخ القرآن"، أن القسم الأول من القرآن، وهو الذي يسبق نزوله الهجرة النبوية، شهد توافقاً تاماً بين وجهتي النظر الإسلامية واليهودية، وهو الأمر الذي فسره العديد من المستشرقين في ما بعد بكون "النبي الجديد ظهر بمظهر الأنبياء الإسرائيليين كي يثبت صحة رسالته ويؤيد دعوته التي يعرف أهل قريش نظيراً لها في اليهودية"، بحسب ولفنسون.
التناول القرآني الإيجابي لليهودية في تلك الفترة دفع أهل مكة للتواصل مع بعض علماء اليهود ليسألوهم عن رأيهم في الدعوة المحمدية، ومن ذلك ما ورد في سيرة ابن هشام عن عبد الله بن عبّاس من "أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصِفُوا لَهُمْ صِفَتَهُ، وَأَخْبِرُوهُمْ بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُمْ عِلْمُ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ".
على الأرجح، لم يهتم يهود الجزيرة العربية في تلك الفترة كثيراً بما يجري في مكة، إذ اعتقدوا أن الدعوة الإسلامية الناشئة مجرد شأن داخلي في قبيلة قريش، ولكن مع توسع الدعوة شيئاً فشيئاً، ومع دخول الكثير من اليثربيين في الدين الجديد، بدأ يهود يثرب يترقّبون ما يستجد من أحداث، وقيل إن بعض التجار اليهود كانوا حاضرين في بيعة العقبة الثانية في العام الثالث عشر من البعثة النبوية، حسبما يذكر شاكر النابلسي في كتابه "المال والهلال".
بعد هجرة الرسول إلى يثرب، ساد نوع من أنواع الهدوء الحذر بين المسلمين واليهود، واتفق الطرفان على التعايش السلمي، ويشهد على ذلك ما ورد في صحيفة المدينة التي وثّقت الاتفاق بين الرسول ومَن تبعه من الأنصار من جهة، وباقي سكان يثرب واليهود، ومنهم سادات بني قريظة وبني النضير، من جهة أخرى.
وورد في تلك الصحيفة الاعتراف بالكثير من الحقوق لليهود، ومن ذلك "إنه مَن تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين... وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا مَن ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (أي لا يهلك) إلا نفسه وأهل بيته... وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم".
استسلام بني النضير
المرحلة الثانية... النزاع والحرب
لم تستمر العلاقات الودية بين المسلمين واليهود طويلاً في يثرب، إذ سرعان ما ظهر نوع من أنواع المنافسة والتغالب بين الفريقين. ويعلّق المؤرخ التونسي هشام جعيط في كتابه "في السيرة النبوية"، على تلك المنافسة بقوله إن "هذا التغالب الذي انطلق منذ السنة الأولى والذي صار أكثر وضوحاً في العام التالي لم يكن محمد راغباً فيه على الإطلاق. فهو لم يكن ينشده ويرتقبه، إنما كان يتمنى بكل قواه أن يهتدوا إلى الإسلام وكان يرى ذلك من طبيعة الأمور، طالما أن القرآن جاء مصدقاً للتوراة ويعترف بنبوة موسى، وطالما أن الإله الواحد هو المقصود هنا وهناك".
بحسب ولفنسون، بدأت علاقة المسلمين باليهود في يثرب تتوتر شيئاً فشيئاً، خصوصاً بعدما تمسك اليهود بدينهم، وفشل مشروع دمجهم في الدين الجديد، ومما زاد من توتر الأوضاع أن المسلمين الذين انتصروا في موقعة بدر الكبرى في العام الثاني للهجرة استشعروا قوتهم، وبدأوا يمنون أنفسهم بالاستيلاء على أملاك اليهود الكبيرة في يثرب، خصوصاً أن المهاجرين في ذلك الوقت كانوا لا يملكون شيئاً في مجتمعهم الجديد.
مع توسع الدعوة الإسلامية شيئاً فشيئاً، ومع دخول الكثير من اليثربيين في الدين الجديد، بدأ يهود يثرب يترقّبون ما يستجد من أحداث، وقيل إن بعض التجار اليهود كانوا حاضرين في بيعة العقبة الثانية في العام الثالث عشر من البعثة النبوية
هذا التوتر ظهرت أصداؤه في تغيير اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى مكة، وأشار له القرآن في العديد من الآيات التي انتقدت اليهود، ونددت ببعض الأفعال التي مارسها أسلافهم منذ مئات الأعوام، بل وجمع بينهم وبين المشركين في بعض الآيات، ومن ذلك الآية رقم 82 من سورة المائدة "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نصارىۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ".
أول مظاهر الصراع الإسلامي-اليهودي في تلك المرحلة، ظهر مع وقوع غزوة يهود بني قينقاع في جنوب المدينة المنورة في السنة الثانية من الهجرة.
وذكر ابن هشام في سيرته أن الرسول جمع بني قينقاع في سوقهم بعد بدر بأيام قلائل، ثم قال لهم "يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومك؟ لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس".
السبب المباشر الأشهر الذي تناقلته المصادر التاريخية في سبب غزوة بني قينقاع، أن امرأة مسلمة ذهبت إلى حيّهم، فتجرأ عليها مجموعة من اليهود، وربطوا ثوبها إلى طوقها، فلما وقفت كُشف جسدها، فاستغاثت بالمسلمين، ولما أغاثها رجل مسلم، أحاط به اليهود فقتلوه، فخرج الرسول بالمسلمين للانتقام والثأر.
الملاحظة المهمة هنا، أنه على الرغم من شهرة تلك الرواية، إلا أنها ظهرت في وقت متأخر نسبياً، فلم يذكرها ابن إسحاق، ولم ينقلها الواقدي في مغازيه، مما يشير إلى احتمالية زيفها، بحسب ما يذكر محمد رضا في كتابه "السيرة النبوية".
في السنة الرابعة للهجرة، يعود المسلمون للهجوم مرة أخرى على يهود بني النضير، وهي الغزوة التي بررتها المصادر التاريخية بسببين: أولهما هو رفض بني النضير الاشتراك مع الرسول في معركة أحد؛ وثانيهما المؤامرة التي دبر لها بنو النضير لقتل الرسول، عندما كان جالساً تحت أحد بيوتهم، فعزم بعضهم على أن يلقي عليه حجراً عظيماً من أعلى المنزل، ولكن الرسول عرف فانصرف راجعاً إلى المدينة.
في الحقيقة، يمكن القول إن السببين ظهرا في وقت متأخر نسبياً، وإنهما لا يتفقان إطلاقاً مع الحقيقة التاريخية، ذلك أن صحيفة المدينة لم تشترط اشتراك اليهود في المعارك الخارجية، كما أن قصة محاولة اغتيال الرسول من قبل بني النضير تغافل النص القرآني تماماً عن الإشارة إليها، ولا تتفق مع موازين القوى التي كانت تميل إلى كفة المسلمين في هذا التوقيت، ومن ثم فمن الممكن أن ننظر إليها بكثير من الارتياب والشك.
في العام الخامس من الهجرة، وقعت غزوة بني قريظة التي أسقطت المعقل اليهودي الأخير في المدينة، إذ "قضت هذه الغزوة القضاء التام على بطون اليهود في يثرب"، بحسب ما يذكر ولفنسون في كتابه، وحُكم على اليهود المهزومين في تلك الغزوة بالذبح للرجال، والسبي للنساء، حسبما يذكر ابن كثير (ت. 774هـ) في كتابه "البداية والنهاية".
غزوة بني قريظة
بعد سنتين من غزوة بني قريظة، تمكن الرسول من إقرار هدنة وصلح مع أعدائه المكيين، وبدأ يوجه أنظاره ناحية خيبر، والتي كانت تبعد ما يقرب من 150 كيلومتراً شمالي المدينة المنورة، وكانت في ذلك الوقت أهم معاقل اليهود في شبه الجزيرة العربية، كما كانت الملجأ الذي لجأ إليه العشرات من يهود يثرب المنفيين، إذ "كان يهود خيبر قد استقبلوا أعداء محمد من بني النضير ممن شاركوا في تدبير مؤامرة الخندق"، بحسب ما يذكر جعيط، بما يعني أن خيبر مثّلت "وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات العسكرية ومعدن التحرشات وإثارة الحروب"، بحسب صفي الدين المباركفوري في كتابه "الرحيق المختوم".
في خطوة تمهيدية للحرب، قام المسلمون بعمليتي اغتيال لاثنين من كبار زعماء يهود خيبر، وهما سلام بن أبي الحقيق، واليسير بن رزام، وكانا من كبار قادة اليهود الذين يحرضون القبائل العربية على غزو المسلمين.
وفي السنة السابعة من الهجرة وقعت غزوة خيبر، واستولى المسلمون عليها بعد معارك عنيفة مع يهودها، وهي المعارك التي ستخلدها الذاكرة الإسلامية الجمعية في ما بعد بوصفها أهم المعارك التي وقعت بين المسلمين واليهود.
غزوة خيبر
وعلى العكس من مصير بني قريظة، سُمح ليهود خيبر بالبقاء في أرضهم، فقاموا بزراعتها، وأعطوا نصف ثمارها إلى المسلمين، وهو الحل الذي رأى فيه هشام جعيط ضماناً "لإبقاء المحاربين المسلمين في حالة حرب، بعيداً عن هموم الأرض ومشاغلها، ومن دون استملاكها لا بصفة فردية ولا بصفة جماعية".
وبحسب ولفنسون، "قضت غزوة خيبر على استقلال اليهود السياسي في البلاد الحجازية قضاءً نهائياً"، كما أنها منحت المسلمين موارد اقتصادية هائلة، مكنتهم من شحذ قوتهم لفتح مكة في العام الثامن الهجري.
من بين الأمور المهمة التي يقف عندها إسرائيل ولفنسون في كتابه أن انتصار المسلمين في خيبر مثّل نقطة تحول في المعاملة مع اليهود، فبعد خيبر، لم تنزل الكثير من الآيات القرآنية في ذم اليهود، كما وقع قبلها، كما أن هناك أخباراً وروايات تدعم القول بأن بقايا اليهود في جزيرة العرب عوملوا معاملة حسنة، إذ رجع بعض يهود بني قينقاع إلى المدينة مرة أخرى، كما سُمح لهم بهامش واسع من الحرية الدينية، وأمر الرسول عامله في اليمن، معاذ بن جبل بأن "لا يفتن اليهود عن يهوديتهم"، بحسب ما ورد في كتاب "أحكام أهل الذمة" لابن القيم الجوزية (ت. 751هـ).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا