شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ليس انتحار شخص... هو نحر شعب

ليس انتحار شخص... هو نحر شعب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 3 يوليو 202007:18 م

جرى العبث بساحة الجريمة. أجل. الجريمة. مَن عبث بها هو الضحية نفسه. وضع سجلاً عدلياً تبرز في منتصفه عبارة "لا حكم عليه". ولكن لو لم تحكم عليه السلطة اللبنانية الفاسدة والعاجزة بالجوع والفقر لما كان انتحر.

علي الهق أطلق النار على نفسه اليوم في أحد مقاهي شارع الحمرا البيروتي الشهير. تناول فنجان قهوته ورحل. بإرادته؟ قد يقول كثيرون: أجل. هو ضَغَط على الزناد. ولكن هذا منطق يسهل انتقاده. الظروف الاقتصادية والاجتماعية لا يفرضها شخص على نفسه، بل تُفرَض عليه وقد يعاني الويلات من جرّائها. تُفرَض؟ لا. الفاعل ليس مجهولاً. الفاعل هو السلطة وطبقة سياسية فاسدة أمعنت في إفقار اللبنانيين طيلة ثلاثة عقود.

جرى العبث بساحة الجريمة. أجل. الجريمة. مَن عبث بها هو الضحية نفسه. وضع سجلاً عدلياً تبرز في منتصفه عبارة "لا حكم عليه". ولكن لو لم تحكم عليه السلطة اللبنانية الفاسدة والعاجزة بالجوع والفقر لما كان انتحر

الرمزيات كثيرة. ربما أراد علي توديع نمط حياة لم يعد بمقدوره عيشه ولذلك اختار الرحيل من مقهى. لبنانيون كثيرون مثله ودّعوا أنماط عيشهم القديمة بسبب الغلاء ونفاد سلع مستوردة كثيرة بسبب أزمة انهيار العملة وشح الدولار، والآن إما ينتظرون ما سترسو عليه الأمور ليحاولوا التكيّف مع الوضع الجديد أو يفكّرون بالهجرة أو بالانتحار.

لم يكتب علي رسالة انتحار طويلة. كتب جملة بسيطة: "أنا مش كافر". يعرف أن كل مَن يسمعها سيردد تتمتها في ذهنه: "بس الجوع كافر".

انتحار علي ليس فعلاً معزولاً. هو إيصال فكرة تراود عشرات آلاف اللبنانيين اليوم إلى خواتيمها.

هو ليس الأول ولن يكون الأخير. سامر حبلي انتحر اليوم أيضاً في منزله الواقع في منطقة وادي الزينة، قرب مدينة صيدا. غافل زوجته وابنته وشنق نفسه لأن فقره أرهقه.

تعب اللبنانيون من كل شيء. تعبوا من طبقة سياسية وقحة مؤخراتها ملتصقة بكراسي السلطة ولا يعرفون كيف ينتزعونها عنها. تعبوا من التأييد. تعبوا من الاعتراض. حتى الحركات الاحتجاجية لم تعد تخرج لهدف. الناس صارت تخرج إلى الشوارع للصراخ، للتعبير عن الوجع

القائمة طويلة. كل فترة نستيقظ على خبر انتحار لبناني أو لاجئ سوري أو عاملة منزلية أجنبية. العامل المشترك بين كل الحالات هو الأزمة الاقتصادية وضياع الحقوق. السلطة تحوّلت إلى قاتل متسلسل.

تعب اللبنانيون من كل شيء. تعبوا من طبقة سياسية وقحة مؤخراتها ملتصقة بكراسي السلطة ولا يعرفون كيف ينتزعونها عنها. تعبوا من مناكفات السياسيين غير المجدية. تعبوا من التأييد. تعبوا من الاعتراض. حتى الحركات الاحتجاجية لم تعد تخرج لهدف. سيمتعض كثيرون من هذا القول. ليمتعضوا. الناس صارت تخرج إلى الشوارع للصراخ، للتعبير عن الوجع، للقول نحن هنا، موجودون، انظروا إلينا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard