يخرج أحمد الزنداني منذ إشراقة شمس صباح الخميس إلى السّوق، لشراء أفضل الطعام والشراب، بالإضافة إلى اقتناء حزمة من أجود أنواع "القات"، ثمّ يعود إلى منزله.
وفي المنزل، تعمل زوجته على تنظيف الغرف، ورشّ الروائح الزكية، وإشعال البخور في كل أركانها، وتشرع بالتحضير لوجبة الغداء، تُحضّر العديد من الأطباق اليمنية. بعد تناول الغداء، ومثل سائر اليمنيين، يبدأ أحمد وزوجته بمضغ أوراق "القات"، والاستماع إلى الأغاني اليمنية الأصيلة، في جلسة رومانسية حتى ساعات مُتأخِّرة من اللَّيل.
يقول أحمد الزنداني (33 عاماً)، يعمل في معرض لبيع السيارات في العاصمة صنعاء: "بعد الإنهاك من العمل خلال أيام الدوام، يعتبر الخميس إجازة وفرصة للجلوس مع زوجتي". ويعتبر أحمد الاستعداد ليوم الخميس، والجلوس في المنزل، وممارسة الجنس "طقساً مُقدَّساً" في حياته.
يحطّ الشخص أتعابه وأحزانه في هذه الليلة، ويستمتع بقضاء وقت حميمي مع زوجته، ليستعدّ لأسبوع جديد من العمل، يقول الزنداني.
النهار مغامرة والليل حميمية
يستعد كثير من اليمنيين منذ صباح يوم الخميس بتوفير المأكولات الشهية، والاحتياجات الأخرى، ويحبّذ آخرون الخروج إلى الجبال، والتنزّه في النهار، ثمَّ العودة بعد يوم حافل بالمغامرة والسعادة إلى السرير، لقضاء الليل بين أحضان الزوجية.
معظم اليمنيين، لا يرتاحون في الحديث عن خصوصياتهم أو حياتهم الزوجية، ويخالجهم الحياء والحرج عند ذكر يوم الخميس وطقوسه.
يبحث اليمنيون عن السعادة والفرح، رغم الحرب ومآسيها، والأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تمرّ بها البلاد
يبحث اليمنيون عن السعادة والفرح، رغم الحرب ومآسيها والأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تمرّ بها البلاد، وفي أغانيهم وأشعارهم ومواويلهم، سواءً كانوا شباباً أو كهولاً، و سواءً كانوا داخل الوطن أو في غربتهم فإنهم يستذكرون ليلة الخميس، وفي الوقت الذي يعبر الشباب عن رغبتهم في الزواج، يستذكر المغتربون أهلهم واللحظات التي عاشوها معهم.
ضريبة يدفعها الزوج إذا تغيَّب
قد تكون ليلة الخميس جنة بالنسبة للمتزوجين الذين يقطنون بجوار أسرهم، لكنها جحيم للمغترب اليمني سواءً كان داخل اليمن أو خارجه، وللشباب أيضاً الذين يحلمون بالزواج، ويقف الفقر حائلاً بينهم وبين أحلامهم.
تفرض النساء في بعض القبائل اليمنية على الزوج دفع مبلغ من المال أو هدية إذا تغيَّب عن منزله ليلة الخميس.
تفرض النساء في بعض القبائل اليمنية على الزوج دفع مبلغ من المال أو هدية إذا تغيَّب عن منزله ليلة الخميس
في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، يضطر الرجل أن يدفع خمسة آلاف ريال لزوجته إذا تأخر عنها ليلة الخميس، ويتضاعف المبلغ إذا تأخر خميساً اخر، يقول علي بن صالح.
ويضيف بن صالح لرصيف22: النوم مع زوجاتنا وممارسة الجنس معهن، واجب علينا، حق من حقوقهن، فإن غاب أحدنا عن الديار وخصوصاً يوم الخميس، يتوجّب عليه دفع المال أو هدية تعويضاً لزوجته.
أما بالنسبة لليمنيين المغتربين فلهم شأن آخر، يتجه بعضهم إلى تنظيف ملابسه ليلة الخميس، ويقضيه آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للقضاء على الملل والأحزان التي تستبدّ بهم إثر غيابهم عن أهاليهم ووطنهم.
قد تكون ليلة الخميس جنة بالنسبة للمتزوجين الذين يقطنون بجوار أسرهم، لكنها جحيم للمغترب اليمني سواءً كان داخل اليمن أو خارجه، وللشباب أيضاً الذين يحلمون بالزواج لكن الفقر يقف حائلاً بينهم وبين أحلامهم وطموحاتهم
قد تكون ليلة الخميس جنة بالنسبة للمتزوجين الذين يقطنون بجوار أسرهم، لكنها جحيم للمغترب اليمني سواءً كان داخل اليمن أو خارجه، وللشباب أيضاً الذين يحلمون بالزواج لكن الفقر يقف حائلاً بينهم وبين أحلامهم وطموحاتهم.
"في الغربة نقضي ليلة الخميس بالرقص والاستماع إلى الأغاني والاستمتاع حتى الصباح" يقول حمزة محمد علي اليمني المغترب في السعودية.
ويضيف حمزة (28 عاماً) لرصيف22: "لا يعوض ذلك عن الجلوس مع زوجتك والاستمتاع معها، لكننا نحاول أن نقضي على الملل في ليلة الخميس خصوصاً وأن لها مكانة في حياتنا الزوجية، ولها طقوس خاصة".
"قات عال العال.. وعود صنعاني"
يحرص الطالب الجامعي نصر الحبيشي (23 عاماً) على شراء كيس من أوراق نبتة "القات"، وتحميل العديد من الأفلام الدرامية والرومانسية، وخصوصاً الأفلام الهندية، لقضاء ليلة شبابية ممتعة.
يُفضّل نصر أن يقضي ليلته مع الغناء ومشاهدة الأفلام حتى الفجر.
"في محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، يجبر الرجل على دفع خمسة آلاف ريال لزوجته إذا تأخر عنها ليلة الخميس، ويتضاعف المبلغ إذا تأخر خميساً آخر"
يقول الحبيشي الذي يسكن في العاصمة صنعاء لرصيف22: "أذهب مع أبي للسوق لشراء القات، فأختار قات عال العال، ومن بعد تناول وجبة الغداء، أجلس مع أصدقائي نمضغ القات حتى المغرب، ثم أعود إلى غرفتي أمضغ القات، وأستمع إلى الأغاني، وأشاهد الأفلام حتى ساعات متأخرة من الليل".
ويضيف نصر: "تشوقني الأغاني والأعراس يوم الخميس للزواج، لكن ما زالت الجامعة أمامي، بالإضافة إلى أن تكاليف الزواج باتت مرتفعة جداً، مقارنة مع حياتنا المادية المتواضعة". ويقارن نصر حاله بغيره قائلا: "أحب فتاة، وأجلس أفكر فيها، لكنني الآن عاجز عن الزواج منها، أو حتى خطبتها، فاحتفاء الرجال بزوجاتهم وخصوصا في يوم الخميس، تجعلك تشعر بالحسرة والحزن".
"يوم الخميس كلٌ لقى حبيبه ، وانا حبيب قلبي من فين أجيبه" بحسرة يردد نصر هذه الأغنية معظم أوقات ليلة الخميس بينه وبين نفسه. "يخفف مضغ القات والاستمتاع إلى العود الصنعاني، من أحزاني وتساعدني الأفلام على نسيان همومي" يفول نصر.
"حق الخميس" صدقة المتسولين
يطوف المئات من المتسولين شوارع العاصمة صنعاء، ويمرون على أصحاب المحلات التجارية، للحصول على المال، أو ما يعرف بـ"حق الخميس".
ويُخصص أصحاب المحلات التجارية، والصرافة أشخاصاً يقفون أمام الأبواب لتوزيع العملات المعدنية على المحتاجين.
يوزّع مراد الصلوي، وهو صاحب أحد محلات الجوالات في شارع الزبيري بصنعاء، أكثر من خمسة آلاف ريال يوم الخميس (10 دولارات)، للفقراء والمساكين الذين يتوافدون على متجره.
يقول مراد لرصيف22: "فكما هو واجب علينا الترفيه على أهلنا وأطفالنا، هناك حق للفقراء والمساكين في أموالنا، فهم لا يأتون إلينا إلا يوم الخميس، ويقنعون بأي مبلغ نعطيهم".
"ليلة الخميس" في التراث الموسيقي
وتناول الكثير من الفنانين والشعراء ليلة الخميس في ألحانهم وأشعارهم، وخصوصاً وأنها غالباً ما تكون الليلة الأولى للعريسين، فقد جرت العادة في اليمن أن تدخل العروس منزل الزوجية مساء الخميس، فتكون هي الذكرى الأولى، وفي كل خميس يحتفون بها.
"ليلة خميس يـا فرحة المزوج، أما العزب مسكين حظه أعوج"، إحدى أشهر الأغاني اليمنية الشعبية، وأغنية أخرى تقول: "ليلة خميس كلاً مع حبيبه، وأنا وحيد في الغربة التعيبة"، و"ليلة خميس في كل غرفة اثنين، وأنا الوحيد النوم فارق العين"، والعشرات من الأغنيات الشعبية الأخرى، التي تؤكد خصوصية ليلة الخميس عند اليمنيين، وسعادة المتزوجين الذين يعيشون بقرب زوجاتهم.
وعن سبب احتفاء اليمنيين بالخميس عن غيره من أيام الأسبوع، يقول عارف محمد، الباحث الاجتماعي، أن الخميس هو اليوم السعيد واليوم الأول الذي يلتقي فيه الزوجان فيعملان كل خميس على تجديد أجواء زواجهما.
ويضيف محمد في تصريحات لرصيف22: "في العادة يكون الزواج يوم الخميس فيحتفي المتزوجون بذلك اليوم، في خلق أجواء فرائحية".
واستدرك عارف: "لكن الأوضاع الاقتصادية المتدنية للسكان أثرت على الأسرة اليمنية، وباتت حاجزاً أمام الكثير من الأسر، تمنعها من الاحتفال وممارسة عادتها وتقاليدها التي نشأت عليها منذ القدم، فمعظم الأسر في اليمن بات همها الوحيد هو توفير القوت الضروري لأبنائهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...