شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"جامعتي جنة"… طالبات يمنيات حبيسات البيوت يتذكرن أيام الدراسة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 4 يوليو 202012:49 م
تترقب بشوق كبير عودة الدراسة، وتبحث كل يوم عن أخبار الجامعة لعلها تجد ما يبشّر بعودة الدوام الدراسي، فالجلوس في البيت ممل، وقاتل بالنسبة لرفيدة محمد.

كانت الجامعة تعتبر لرفيدة (21 عاماً)، طالبة بكلية الهندسة في جامعة صنعاء، مساحتها المفتوحة، وفرصتها كل صباح للتحرر من قيود المنزل وهمومه ومشاكله، وفرصة للتعرف على وجوه جديدة، التجوال في الشارع والبقاء مع صديقاتها، اللعب والضحك.

منذ أعلنت السلطات اليمنية تعليق الدراسة في مارس الماضي، بسبب المخاوف من تفشي وباء كورونا، لم تغادر رفيدة المنزل، حيث تقوم بالأعمال المنزلية، والطبخ، وقضاء جل وقتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

"أنتظر الصباح"

تستذكر رفيدة أيامها الجامعية بحنين، حيث لا يخلو يوم من الضحك والمواقف الكوميدية التي كانت تحدث بينها وبين صديقاتها، وتقارن تلك الأيام بحالتها الآن.

"كنت أنتظر الصباح بفارغ الصبر كي أذهب إلى الجامعة، فهي مكان للتعلم وممارسة بعض المواهب، ناهيك عن متعة القيام مبكراً والتجول في شوارعها ومقابلة صديقاتي واللعب معهن، في جوٍ يملؤه المرح الذي يزيل عني قليلاً من الضغوطات المنزلية"، تقول رفيدة.

لا يمنعها والدها من الخروج من المنزل، لكنها مضطرة لإبداء الأسباب حول خروجها، والمكان الذي سوف تذهب إليه، وأن يكون معها شخص يرافقها من الأسرة أو مع صديقاتها، وفي حال وافق على ذهابها، لا يتكرر ذلك في الشهر أكثر من ثلاث مرات، لكن للجامعة يسمح لها بالذهاب كل يوم ودون رفيق من الأسرة.

لا يمنعها والدها من الخروج، لكنها مضطرة لإبداء الأسباب، والمكان الذي سوف تذهب إليه، وأن يكون معها شخص يرافقها من الأسرة أو مع صديقاتها، لكن للجامعة يسمح لها بالذهاب كل يوم، ودون رفيق من الأسرة

"غياب يوم كان بالنسبة لي مجازفة كبيرة، لا أحتمل غياب يومين متتالين عنها. متعة التعلم والأصدقاء والذكريات الجميلة كلها أصبحت حالياً في ظل الوباء والحجر، أشبه بجداريات محمود درويش"، تقول رفيدة لرصيف22.

منذ تعليق الدراسة لم تلتق رفيدة صديقاتها سوى مرة واحدة، وحتى الخروج من المنزل لم تسمح والدتها لها أو لأشقائها به، مخافة عليهم من الإصابة بوباء كورونا.

"الجامعة ملجأي وصديقاتي"

وقفت "رحيق الورد" لوهلة شاردة التفكير، بعد أن عاد بها شريط الذكريات وكأنها ترى الأمس بعين خيالها، وتسمع هديل الحمام في نوافذ قاعة المحاضرة، وتلك الصديقة التي تضع قبلاتها على وجنتيها كل صباح، وتلك السماء الزرقاء الصافية التي طالما شكلت إطاراً جميلاً لجامعتها، وصوت الدكتور يتردد على المنصة وفي أنحاء القاعة، ويعلن بدء المحاضرة، هكذا كانت رحيق الورد، ترى في جامعتها ملجأ لها ولصديقاتها، ولطالما وصفتها بلغتها الشاعرية بأنها: "جنة تفر إليها من جحيم منزلها وهمومها".

وبواقعية، تعرف رحيق الورد عن نفسها، قائلة لرصيف22: "أنا فتاة، الجامعة المتنفس الوحيد الذي كنت أذهب إليه قاصدة العلم، وكذلك أجد فيه الراحة والمتعة مع صديقاتي، وأتناسى بضعاً من هموم الحياة ومرها".

واكتشفت رحيق (25 عاماً)، الطالبة في كلية اللغات في جامعة صنعاء، كيف قلب وباء كورونا حياتها، والصورة الجميلة التي رسمتها في مخيلتها، وحاصرها المجتمع، الذي يرى في خروج المرأة من المنزل جريمة تعاقب عليها المرأة:

"لكم أن تتخيلوا كيف أصبحت اليوم حبيسة جهل المجتمع، كيف أصبحت أقبع خلف أبواب المنزل الموصدة، والملل يسيطر علي"، تقول رحيق.

أما بالنسبة لجواهر عبدالله، الطالبة بكلية الحقوق، لم تكن الجامعة متنفساً لها بالدرجة الأولى، فأهلها لا يفرضون عليها البقاء، وتخرج متى ما شاءت، ولكن ذلك وفق قواعد تفرضها الأسرة، أولها ألا تتأخر إلى ما بعد غروب الشمس إلا إذا كانت في فسحة عائلية، والأخرى يجب أن يكون معها مرافقات من الأخوات أو الصديقات إذا كان المكان بعيداً.

"ليس لنا إلا الجامعة"

تقول جواهر لرصيف22: "الجامعة متنفس لإخراج مواهبي ومعرفة الكثير من المتعلمين والمثقفين، لأنني أحب التعرف عليهم واكتساب المعرفة، لذا عند توقف الدراسة أشعر بالملل لأنني إن خرجت إلى السوق فسوف أقابل الوجوه التي أراها كل مرة، ولن أكتسب شيئاً جديداً، وحتى وإن سمح لنا أهلنا بالخروج فهو يكون بشكل محدود، فأنا لن أستطيع أن أطلب من أبي إذناً للخروج يومياً كما أخوتي الذكور".

تتذكر جواهر حالها وقت الدوام الدراسي، حيث كانت تستيقظ كل يوم مبكرة، تحمل حقيبتها وتذهب الى الكلية في سباق مع زميلاتها على المقاعد الأولى، وتذهب الى الكافيتريا لتناول وجبة خفيفة، لكنها الآن تبقى نائمة حتى الساعة العاشرة صباحاً، وتتناول الوجبة المعتادة وهي أقراص الخبز والفاصوليا.

تشعر جواهر بالخوف عندما تتجول في الشارع لوحدها، وخصوصاً إذا كان الشارع ذكورياً بالدرجة الأولى، حيث تخشى من حديث الناس عنها بأنها "ليست محترمة والطعن في عرضها"، وأيضاً تخشى أن يعترض طريقها أحد أو يتحرش بها.

"لم يكن لنا إلا الجامعة"، تنهي جواهر حديثها.

"أكثر الفتيات في اليمن يعتبرن الجامعات والمعاهد والكليات مساحة مفتوحة لهن، حيث يعشن في عزلة بسبب العادات والتقاليد التي تمنع خروج المرأة"

في منتصف مارس/آذار الماضي، أعلنت وزارة التعليم العالي بحكومة صنعاء تعليق الدراسة بسبب وباء كورونا، على أملٍ أن يبدأ الدوام الدراسي في مطلع الشهر الحالي، لكن مع تفشي الوباء في البلاد، أقرت السلطات ببقاء الجامعات مغلقة وفتحها بشكل تدريجي، بعد اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء.

"أكثر الفتيات في اليمن يعتبرن الجامعات والمعاهد والكليات مساحة مفتوحة لهن، حيث يعشن في عزلة بسبب العادات والتقاليد التي تمنع خروج المرأة، إضافة إلى أنهن يعشن حالة من العزلة بسبب فيروس كورونا، عزلة لا تعرف نهايتها"، كما ترى وئام الأكحلي، ناشطة اجتماعية.

وتعتقد الأكحلي أن المرأة اليمنية إذا خرجت إلى الشارع ستواجه أعباء خاصة بها كامرأة، الأمر الذي يجعلها تفضل البقاء في البيت، وإذا شعرت بتراكم ضغوطات ومشاكل المنزل والأسرة فليس لها غير الجامعة لتهرب إليها، لذلك هي حاليا تعيش حالة من الحاجة لذلك المتنفس.

وتوضح الأكحلي وجهة نظرها أكثر، في تصريحات لرصيف22: "المجتمع بالنسبة للفتاة اليمنية وحش ضارٍ، تخاف التحدث أمام الناس بما يجول في ذهنها، وكثير من الفتيات يخشين سلطة الرجل، لأنهن يكرهن العنف، لذا بغياب الجامعة تنكمش الحياة الاجتماعية للفتاة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image