شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عكرمية وحدي وميلود…

عكرمية وحدي وميلود… "أبي يجهل معنى اسمي وأصدقائي يسخرون"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 1 يوليو 202004:54 م
"أسامينا شو تعبوا أهالينا، تلاقوها شو افتكروا فينا"، هكذا غنّت فيروز عن الأسماء، في إشارة منها أن للأهالي فضلاً في انتقاء أسماء أبنائهم، لكن يبدو أن الموضوع مختلف بالنسبة للكثيرين، الذين كانت أسماؤهم سبباً في تعاستهم النفسية، بغض النظر أن تعب أهلهم في اختيارها أم لا.

اسمك يلازمك طوال حياتك، وهو هويتك وورقة تعريفك بين ملايين الناس، وهو الشيء الوحيد الذي مهما بلغت حريتك لن تستطيع اختياره بمفردك، وإلا لما تذمر أحد من اسمه الذي لا يعجبه، بل ويسبب له عدة متاعب في الحياة، خاصة وسط مجتمعات تتنمر على "نسمة الهواء"، مثلما يقولون.

"أبي لا يعرف معنى اسمي"

من البديهي أن يسأل صاحب الاسم أحياناً عن معنى اسمه إذا كان غريباً، لكن طريقة طرح السؤال تختلف عندما يتعلق الأمر باسم غريب أو غير متداول، فمنهم من يطرح سؤاله الإنكاري بتهكم، ومنهم من يقصد إحراج صاحب الاسم، وهو ما حدث مع ميلود (33 عاماً)، من تونس، يقول لرصيف22: "اسمي نادر، لكنه مفهوم نوعاً ما، وليس لدرجة الاستغراب، الذي أراه على ملامح من يسألني عن اسمي لأول مرة، فهو مرتبط بالمولد النبوي، وموجود بكثرة في الجارة الجزائرـ لكن بعض الناس يلقون سؤالهم ذاك كنوع من السخرية المُبطنَّة".

"صدقوني لا أعرف معنى اسمي، وحتى والدي الذي أسماني به لا يعرف، فقط لأنه اسم جده، وبعد معاناة طويلة من التنمر طيلة فترة دراستي وعملي، قررت تغييره"

ويحدث ألا يعلم المرء معنى اسمه أو لماذا سُمّي به، حتى إن بعض الأهل يجهلون أحياناً معنى أسماء أبنائهم، فينساقون وراء تقليد أعمى لأحد الأقارب أو الجيران، ويسمون أبناءهم بأسماء أقل ما يقال عنها إنها غريبة.

أبو عجيلة (28 عاماً)، شاب من ليبيا، يعمل بقالاً، قرر تغيير اسمه من بوعجيلة إلى تيم، بعد أن تعرَّض مراراً للتنمّر من قبل رفاقه والمحيطين به، يقول لرصيف22: "صدقوني لا أعرف معنى اسمي، وحتى والدي الذي أسماني به لا يعرف، فقط لأنه اسم جده، وبعد معاناة طويلة من التنمر طيلة فترة دراستي وعملي، قررت تغييره".

"لا أحب اسمي"

ما معنى اسمك؟ بهذا السؤال تواجه حدي (23 عاماً)، طالبة من تونس، كل من تتعرَّف عليه، وتضطر في كل مرة أن تخبرهم أنّ والدتها أنجبت سبع بنات، وهي الثامنة فأسمتها "حدي"، أي حد الإنجاب، إيماناً منها أن للاسم قدرة سحرية، وهو من موانع الحمل غير المباشرة، كما تقول لرصيف22 ضاحكة.

عكرمية أو كريمة كما أرادت تسمية نفسها، تفادياً للتنمر على اسمها، الذي لا تعرف حتى معناه، والذي سبَّب لها حرجاً مع عائلة خطيبها، تقول لرصيف22: "لم أخبر خطيبي باسمي الحقيقي إلا بعد سنة من الخطبة، لكن عائلته لم يعرفوا حتى يوم عقد القران، وكانت علامات الدهشة والسخرية بادية على وجوههم، كانت من أصعب المواقف التي تعرضت لها بسبب اسمي، الذي لم أحبه يوماً".

وتختلف الأسماء الغريبة وتتنوع من بلد إلى آخر، وتكون السخرية غالباً من الأسماء القديمة، ففي بعض المجتمعات العربية يسمى المولود على اسم جده أو جدته وأحياناً جد جده، اعتقاداً من الأهل أن الاسم سيخلد الشخص الراحل، ويغفلون عما قد يسببه لأبنائهم من تنمّر في المستقبل.

يقول عبد القادر، صحفي من اليمن، لرصيف22: "أمي اسمها غنية، وتعرضت كثيراً للتنمر، فإذا ما ذكرت اسمها أمام أحد، يسألها بتهكم: غنية أم فقيرة؟ وللأسف لم تستطع تغييره لصعوبة الإجراءات".

"اسمي سبّب لي عقدة"

"عتيقة، صالحة، حدي، حدهم..." وغيرها من الأسماء التونسية، التي لا تزال مستمرة  في أيامنا هذه، رغم غرابتها، وندرتها، وتعرض أصحابها للتنمر بشكل مستمر.

تقول عتيقة (29 عاماً)، تونسية تعمل في مجال الحلاقة، لرصيف22: "أسميت المحل باسم أختي الصغرى ميار، تفاديا لأي تنمر على اسمي، فقد سبب لي عقدة نفسية، "تعني قديمة أو محرَّرة" خاصة خلال سنوات الدراسة، حتى إن إحدى الأساتذة سخرت مني، وقالت لي بالحرف الواحد: اسمك على جسمك، آلمني كلامها جداً، فاسمي ليس ذنبي".

تعتبر الأسماء القديمة نعمة مقارنة بتلك التي تنم عن معنى سلبي، على غرار اسم "الشارف" في ليبيا، والذي يعني الكبير في السن، واسم "مناهل" في فلسطين، والذي يعني الفراش في اللهجة المحلية، وكذلك أسماء كيد، وكديس، وعانس في تونس.

  لا تنسى سرور (28 عاماً)، تونسية موظفة في بنك، ما حدث لصديقتها بسبب المعنى السلبي لاسمها، تقول لرصيف22: "كانت لدي صديقة اسمها "عانس"، كانت تبكي بصفة يومية تقريباً بسبب تنمّر الطلاب على اسمها، فمنهم من يناديها "بايرة" أي "عانس" باللهجة التونسية، ومنهم من يسألها بتهكم: لماذا لم تتزوجي؟ وغيرها من عبارات السخرية التي كانت تزعجها جداً".

"أمي تعشق اسمي"

لا تعد الأسماء التي يتعرض أصحابها للتنمر في العالم العربي ولا تحصى، وتختلف درجة حدة التنمر حسب معنى الاسم، مدى قدمه وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه الشخص، كما تلعب الثقة بالنفس أيضاً دوراً مهماً جداً في مقاومة وابل التعليقات الساخرة، تماما مثلما حدث لبوخضرة.

يقول بوخضرة حاجي، صحفي تونسي، لرصيف22: "تعرضت لمشاكل عديدة بسبب اسمي، رغم أني كنت أنيقاً ووسيماً، لكن ذلك لم يسعفني من النظرات الخاصة من قبل الذي يدرسون معي في الصف، وحتى الأساتذة غالباً ما يجدون صعوبة في نطقه، لكن حينما كبرت ودرست الصحافة، عرفت أني أنا الوحيد الذي أحمل اسم بوخضرة في كامل البلاد، وانقلب قلقي إلى فخر باسمي الفريد من نوعه".

"لم أخبر خطيبي باسمي الحقيقي إلا بعد سنة من الخطبة، لكن عائلته لم يعرفوا حتى يوم عقد القران، وكانت علامات الدهشة والسخرية بادية على وجوههم، كانت من أصعب المواقف التي تعرضت لها بسبب اسمي، الذي لم أحبه يوماً"

ويضيف بوخضرة: "كان اسمي نقمة في صغري، لكنه اليوم نعمة، خاصة في مجال عملي، حيث ساعدني في توثيق اسمي بين الزملاء خلال الثورة التونسية، وزادني شهرة، هذا فضلاً عن كون أمي هي من سمتني بعد أن مرضت جداً وهي حامل بي، فأتاها شيخ في المنام أخبرها بأن تسمي طفلها بوخضرة وستكون بخير، وهي تحب اسمي كثيراً لدرجة أنها تبكي حين أخبرها بأني سأغيره، لذلك عدلت عن قراري".

"لن أغير اسمي لأن أمي تحبه".

تسمح قوانين بعض الدول العربية بتغيير الاسم، إذا كان يسبب إحراجاً لصاحبه أو لبْساً أو مشاكل، على غرار القانون التونسي عدد 20 لسنة 1964، الصادر في 28 مايو 1964، المتعلق بالسماح لبعض التونسيين بتغيير اللّقب أو الاسم، والذي سمح رئيس الحكومة يوسف الشاهد سنة 2017 بالعودة إليه، والإذن بتغيير أكثر من ثلاثمائة اسم بعد طلب من أصحابها، والتي نزلت في الجريدة الرسمية (الرائد) رقم 14.

في النهاية، تظل الأسماء مجرد تعريف للشخص بين الناس، ولا علاقة لها بطبعه أو أخلاقه أو معاملته مع المحيطين به، ولا عن مدى نجاحه من فشله أو مدى رقيه من انحطاطه ولا ثقافته أو ثقافة أهله من عدمها، لذلك فليس هناك مدعاة للتنمر على اسم أي كان، كيفما ما كان ومهما كانت درجة غرابته أو قدمه أو معناه، فالناس معادن وجواهر وليسوا أسماء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image