شيطنة واتهامات وتهديد بالقتل والحرق وما خفي أعظم طال الزميلة غادة كامل الشيخ، وهي صحافية أردنية تكتب مع رصيف22 باستمرار تقارير صحافية حول قضايا ومواضيع سياسية، اجتماعية وثقافية أردنية، تنقل من خلال أصوات أردنيين وأردنيات إلى المنطقة العربية.
قبل أيام، وتزامناً مع انتحار الناشطة الحقوقية والكويرية المصرية سارة حجازي، وفي سياق موجة استنكار كبيرة في بلاد عربية وغير عربية، منها ما ظهر على أرض الواقع ومنها ما ظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رسم ناشطون/ات في عمّان غرافيتي يحمل صورة سارة حجازي مع عبارة "ولكني سأسامح"، وهي العبارة التي ختمت بها رسالتها قبل انتحارها.
لم تسلم الصحافية الأردنية من التنمّر والتهديدات. قابلتها بقوة وصلابة في البداية، لكن مع ازدياد الحملة الشرسة عليها، شعرت بالقلق والخوف على نفسها، وهو قلق مشروع ومفهوم، خاصة مع إدراك أن الصحافيين/ات لا يشعرون/ن بالأمان والحماية، ولا يعيشون في ظروف سياسية وقانونية تحميهم/ن
لكن، لم يبقَ الغرافيتي مطولاً على جدران عمّان، فقامت أمانة عمان الكبرى بإزالة الرسم. عندها، تواصلت معنا غادة الشيخ لكتابة تغطية صحافية حول الحدث، لكننا في هيئة التحرير اقترحنا عليها أن تكتب تقريراً موسعاً، تتواصل فيه مع أفراد من مجتمع الميم الأردني، لنقل أصواتهم/ن ورواية يومياتهم/ن في ظلّ واقع سياسي واجتماعي يواصل قمعهم/ن يومياً، ولا يختلف كثيراً في عمّان عنه في أي بلد عربي آخر، للأسف.
أجرت غادة الشيخ مقابلات مع أفراد من مجتمع الميم الأردني، وبشكل خاص مقابلة مطولة مع أحد أعضاء حساب "ميم الأردن" عبر تويتر، لنقل صورة عن واقع مجتمع الميم من خلال صوته، بصفته أحد أفراد المجتمع من جهة، ومتابعاً لقضاياه وقصصه اليومية وتحدياته أمام النظام السياسي وكذلك المجتمع. كل هذا نُقل بأسس صحافية ومهنية، وعرض شهادات من أصحاب وصاحبات الشأن، بدون أن يحتوي على أي رأي، إلا في خاتمة احتوت على نبرة أمل بأن يتسع هذا العالم لكل الناس.
لكن، ومنذ لحظة انتشار التقرير، لم تسلم غادة الشيخ من التنمّر والتهديدات التي وصلتها عبر تغريدات تويتر ورسائل خاصّة. قابلتها بقوة وصلابة في البداية، لكن مع ازدياد الحملة الشرسة عليها، شعرت بالقلق والخوف على نفسها، وهو قلق مشروع ومفهوم، خاصة مع إدراك أن الصحافيين/ات لا يشعرون/ن بالأمان والحماية، ولا يعيشون في ظروف سياسية وقانونية تحميهم/ن.
من حقّ أي شخص المطالبة بـ"بلوك رصيف22"، لكننا سنبقى موقعاً صحافياً يدافع حتى عن هؤلاء عندما يتعرّضون لأي قمع.
اتصلت عندها غادة الشيخ برئاسة التحرير، وعبّرت عن قلقها، وخوفها من أن يعيد التاريخ نفسه، بأشكال عديدة، بقمع أصوات صحافيين وصحافيات يكتبون عن قضايا يحاول الكثيرون إخفاءها. واستجاب لها رصيف22 بحذف التقرير عن الموقع، بناءً على رغبتها، واحتراماً لما رأته آلية حماية لها ولأمنها وأمانها.
هذه ليست المرة الأولى أن يتعرض فيها صحافيون/ات أردنيون/ات لحملات تشويه تهدد أمنهم المعيشي والأخلاقي وحتى السياسي، وليس أسهل من كيل اتهامات لا لها أساس من الصحة بحقهم، كان من الممكن أن تلجأ الكاتبة إلى القضاء باعتباره الملاذ الآمن والمنصف للجميع، ليس بسبب التهديدات التي وصلتها فقط، بل بسبب التشهير الذي مسّ شخصها بشكل مباشر.
للأسف، صارت ساحات السوشال ميديا أرضية خصبة لمعارك يطغى عليها كل ما يتنافى مع حق الناس في التعبير عن رأيهم بدون أن يُمارس عليهم دور الرقيب والقامع الذي يريد أن يكتم كل صوت مختلف عنه.
يتخذ كثيرون منصب "السفراء" للحديث عن الدين وعن الأخلاق، يوزعون "شهادات حسن سلوك" على الآخرين، ويمنحون أنفسهم حقّ منع شخص من أن يحبّ من جنسه ومنع أي امرأة من أن تحب شخصاً من دين مختلف عن الذي وُلدت عليه.
هؤلاء يغضّون النظر عن أخ يعنّف أخته أو يقتلها لأنها "خالفت الشرع"، لكنهم لا يتورعّون عن تهديد صحافية تنقل أصوات أردنيين/ات، يعيشون/ن في نفس المجتمع والشارع والحارات مع غيرهم، وهويتهم الجنسية مثلية.
لا يكتفون بأن المثليين "غير مرئيين/ات" في الفضاءات العامّة، وأحياناً يُمارس عليهم/ن القمع داخل "بيوتهم/ن الآمنة"، لكن عندما يتحدث شخص عنهم/ن، يريدون إسكاته ومواصلة ادعاء أن المثليين/ات غير موجودين/ات.
من الواضح أن الهجوم على كاتبة امرأة، هو أسهل الآليات التي يتبعها أتباع العقليات الذكورية.
يتخذ كثيرون منصب "السفراء" للحديث عن الدين وعن الأخلاق، يوزعون "شهادات حسن سلوك" على الآخرين، ويمنحون أنفسهم حقّ منع شخص من أن يحبّ من جنسه ومنع أي امرأة من أن تحب شخصاً من دين مختلف عن الذي وُلدت عليه
في الهجوم على غادة الشيخ، وأي هجوم على الفئات المستضعفة التي تعيش في مجتمعاتنا، سواء النساء أو المثليين/ات جنسياً أو العابرين/ات جنسياً، إلخ… تظهر أصوات تتساءل عن "ما هو الأولى بالحديث عنه في ظلّ الفقر والاستعمار والحروب وغيرها من كوارث تعيشها بلادنا؟"... ستكون إجابتنا دوماً، والتي تحضر من خلال صفحات موقعنا وخطنا الصحافي الحقوقي: كل ما تعيشه المنطقة ويعيشه الناس فيها أولويات، خاصة الفئات المستضعفة. نؤمن بأن بلادنا ستعيش بكرامة وعدالة ومساواة، عندما تعيش النساء ويعيش المثليون/ات بكرامة وعدالة ومساواة، وبلا خوف ومع الكثير من الأمان.
ختاماً، من المهم الإشارة إلى أن الهجوم على غادة تزامن أيضاً مع أصوات طالبت بـ "بلوك" رصيف22. يحمل جزء واسع من مجتمعنا سيف الرقابة ويحاول قطع رأس أي شخص يقول قولاً مخالفاً لرأيه أو يخالف السائد، تماماً كما تفعل الأنظمة القمعية مع كل مَن لا يمشي على "هواها". من حقّ أي شخص المطالبة بـ"بلوك رصيف22"، لكننا سنبقى موقعاً صحافياً يدافع حتى عن هؤلاء عندما يتعرّضون لأي قمع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...