شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بياضي القسري... لماذا يُصنّف العرب بيض البشرة؟

بياضي القسري... لماذا يُصنّف العرب بيض البشرة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 21 يونيو 202012:22 م
Read in English:

My Forced Whiteness

قبل بضعة أشهر، ذهبت إلى حدث نظمه الصليب الأحمر للتبرع بالدم. حضرت الممرضة الأفرو-أمريكية التي قامت بمساعدتي، لتطرح عليّ بعض الأسئلة لملء الاستمارات. عندما سألتني عن عِرقي، أجبت بشكل عفوي: أبيض غير قوقازي. نظرت إليّ بعيون مندهشة، وقالت في لهجة حاولت أن تجعلها الأفضل: "لكنك لا تبدين كفتاة بيضاء!"، أتفق معها تماماً، خاصةً مع وضوح بشرتي القمحية، لكن مكتب الإحصاء الأمريكي يعتقد خلاف ذلك.

يُعتبر عرب شمال إفريقيا كحالتي، مع الأمازيغ والفرس والأكراد والأتراك واليهود والأرمن، من ذوي البشرة البيضاء قانوناً وإحصائياً في الولايات المتحدة.

كشفت بعض الأبحاث أن الجيل الأول من المهاجرين الشرق أوسطيين، بدءاً من عام 1909، سعوا إلى التجنّس بادعاء أنهم من ذوي البشرة البيضاء، حيث تم حرمان الأجناس الأخرى من هذا الحق، وترحيلهم لأنهم أجانب ذوي بشرة غير بيضاء. كان هذا الادعاء يسيراً في ذلك الوقت، لأن معظم المهاجرين العرب كانوا من بلاد الشام ويتمتعون ببشرة نقية، والعديد منهم بأسماء مسيحية، مثل اللبناني "جورج شيشيم"، الذي كان أول مهاجر من الشرق الأوسط يثبت أنه من ذوي البشرة البيضاء بحكم قضائي.

لا يزال يتعيَّن على العديد من الأشخاص من نفس أصولي تغيير أسمائهم، من محمد إلى مايك ومن عمر إلى مارك، للحصول على وظيفة مستقرة في مجتمع يربط الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإرهاب والتطرف العنيف.

على الرغم من أن جميع العرب ومواطني شمال إفريقيا يُعتبرون بيضاً في الولايات المتحدة منذ عام 1943، فإن وضعي كمغربية يُعد أكثر تعقيداً بعض الشيء، فكما يعرف الجميع، كان أربعة مغاربة سود قد مُنحوا وضعاً خاصاً بموجب قانون مورس لعام 1790 في ولاية كارولينا الجنوبية، على الرغم من كونهم من ذوي البشرة الداكنة، فقد اعتبروا رعايا أحراراً للسلطان "محمد بن عبد الله"، وتم إعفاؤهم من قانون الزنوج لعام 1740.

لا يزال العديد من السود المغاربة يؤمنون بالقصة الرومانسية لأصولهم المغربية حتى يومنا هذا، ولكن بالطبع الحقيقة أقل شاعرية بكثير. كان لدى المغرب في ذلك الوقت مئات الآلاف من "الرعايا" السود، بفضل توسعها الذي لا يرحم واستعمارها أجزاء كبيرة من غرب إفريقيا، الدولة التي اشتهرت أيضاً بدورها المحوري في تجارة الرقيق إلى القارة الأمريكية، من خلال موانئها المطلة على المحيط الأطلسي.

في ضجيج الاضطرابات الحالية القائمة على الهوية وموجة التظاهرات، يصبح من الضروري تصحيح وضعنا العِرقي كعرب وتصويرنا على حقيقتنا، سواء كنا سوداً أو بيضاً، نحن الملايين التي دائماً ما تقع في صندوق "الآخر". 

بياضي القسري في هذا البلد يأتي بدون امتيازات، لا يوجد تعامل خاص أو حقوق ولادة، وليس هناك حق في ثروات أو أصول الدولة. لا يزال يتعيَّن على العديد من الأشخاص من نفس أصولي تغيير أسمائهم، من محمد إلى مايك ومن عمر إلى مارك، للحصول على وظيفة مستقرّة، في مجتمع يربط الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإرهاب والتطرف العنيف.

كما يفرض عليّ هذا البياض القسري "ذنباً أبيض" سوريالياً حول الفظائع التاريخية التي اقترفها المستوطنون الأوروبيون. بالتأكيد لا علاقة لي بالإبادة الجماعية، التعقيم وفصل الأطفال عن عوائلهم، الذي حدث لسكان أمريكا الأصليين. أنا لا أنتمي إلى أصحاب المزارع ذوي البشرة البيضاء الذين استعبدوا أسلاف الأفرو-أمريكيين الذين يعيشون في يومنا هذا. لا أشعر بـ "عبء الرجل الأبيض" على "حضارة" أي من أبناء الأرض الأصليين، بل على العكس، فقد تعرض شعبي في الواقع لممارسات بربرية مماثلة: الحرب الكيميائية التي قادها الإسبان في الريف في عشرينيات القرن الماضي قطَّعت أوصال جزء كبير من تاريخ المغرب، في الوقت الذي عزل فيه الفرنسيون العربَ والأمازيغ، ولا يزال لديهم حتى الآن مجموعة من الجماجم الجزائرية في متحف التاريخ الوطني، كتذكار لتلك الحقبة المظلمة، ولا حاجة للتحدث عن الإمبريالية الحديثة التي تسعى وراء النفط، فالجميع يدرك حقيقة هذا الأمر.

في ضجيج الاضطرابات الحالية القائمة على الهوية وموجة التظاهرات، يصبح من الضروري تصحيح وضعنا العِرقي كعرب وتصويرنا على حقيقتنا، سواء كنا سوداً أو بيضاً، نحن الملايين التي دائماً ما تقع في صندوق "الآخر"، الأنا المتغيرة داخل جسم الولايات المتحدة، التي غالباً ما يتم الخوف منها، إساءة تقديرها، وإجبارها على البياض القسري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image