مع انتشار الاحتجاجات في الولايات المتحدة، على خلفية مقتل جورج فلويد، شهدت عدة مدن أمريكية أعمال عنف وفوضى وتحطيم ممتلكات، وحرق سيارات للشرطة.
وجّه مسؤولون في الإدارة الأمريكية الاتهام بانتشار أعمال العنف خلال التظاهرات إلى أعضاء حركة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة تُعرف باسم "آنتيفا" (Antifa).
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 30 أيار/مايو، إن "العنف والتخريب تقوده آنتيفا وجماعات يسارية متطرفة أخرى تروع الأبرياء وتدمر الوظائف وتضر بالأعمال وتحرق الشركات والبنايات".
وغرّد ترامب بأن الولايات المتحدة سوف تُصنّف "آنتيفا" كمنظمة إرهابية، غير أن العديد من الخبراء يعتقدون أن القانون ينص على أنه لا يحق لترامبالقيام بذلك لأن الدستور الأمريكي يحظر وضع أي جماعة محلية في هذه القائمة حفاظاً على حرية التعبير،
جذور الحركة
تتكون كلمة "آنتيفا - Antifa" من مقطعين (ANTI) و(FA)، وهي اختصار لعبارة "Anti-Fascist" التي تعني "مناهضة الفاشية".
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن قاموس "ميريام وبستر" الشهير يُظهر أن كلمة "Antifa" تم استخدامها لأول مرة عام 1946، وتمت استعارتها من عبارة ألمانية تشير إلى معارضة النازية.
وقالت الصحيفة إن هناك مجموعة تابعة لهذه الحركة تأسست في مدينة "روز سيتي" في ولاية أوريغون عام 2007، وأطلقت على نفسها اسم "Rose City Antifa".
تعود الجذور الأولى المعروفة للحركة إلى أوروبا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً في إيطاليا التي شهدت تأسيس بينيتو موسوليني للحزب الفاشي الذي حَكَم البلاد بين عامي 1922 و1943 في إطار شمولي عمل على قمع الجمعيات الاشتراكية والعمالية وقتها.
بحسب غورد هيل، مؤلف كتاب "مئة عام من الفاشية وحركات مناهضة الفاشية"، في مقابلة له عام 2018 لا يوجد ارتباط مباشر بين "آنتيفا" في أمريكا الثمانينيات وصولاً إلى اليوم وبينها في أوروبا الثلاثينيات، إذ طرأ العديد من التعديلات عليها بشكلها الحديث، لكن تجربة الحركة في تلك الحقبة تبقى ملهمة لنظيراتها.
وبحسب مارك براي، محاضر في التاريخ في كلية دارتموث ومؤلف كتاب "أنتيفا: مناهضة الفاشية"، فإن حركة آنتيفا الأمريكية الحديثة بدأت في الثمانينيات بمجموعة تسمى "حركة مناهضة العنصرية" التي واجه أعضاؤها "حليقي الرؤوس" من النازيين الجدد في الغرب الأوسط الأمريكي وأماكن أخرى.
بحلول عام 2000، كانت آنتيفا خامدة في الغالب، لكنها بدأت تكتسب زخماً وزاد عدد أعضائها بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب عام 2016، ومع توسع نفوذ "اليمين البديل".
وظهرت الحركة إعلامياً بشكل قوي عام 2017، بعدما تصدت لعدد من الفعاليات التي كان ينوي أنصار اليمين الأمريكي تنظيمها، منها إلغاء لقاء لكاتب يميني في جامعة كاليفورنيا، وكذلك الاشتباك مع مسيرة شارلوتسفيل التي نظمها القوميون البيض في فيرجينيا.
من هم أعضاء آنتيفا؟
بحسب "نيويورك تايمز"، من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم أعضاء في هذه الحركة، ويُوصف أتباعها بأنهم تكتل سري، وليس لديها قادة رسميين، وهي منظمة في خلايا محلية مستقلة.
كما يرتدي أعضاؤها أقنعة لإخفاء هوياتهم عن الشرطة، ويحاولون لفت الانتباه لمواقفهم الداعية للتغيير والتمرد على الأوضاع الحالية عبر سلوكيات عنيفة ضد ممتلكات رجال الأعمال وقوات إنفاذ القانون ووسائل الإعلام.
وجّه ترامب الاتهام بانتشار أعمال العنف خلال التظاهرات إلى أعضاء حركة "آنتيفا" (Antifa) وهدّد بوضعها على لائحة الإرهاب... وآنتيفا تعني "مناهضة الفاشية"، ومن بين أهدافها مواجهة اليمين المتطرف، وتكدس الأموال لدى رجال الأعمال، وحماية الأقليات
ومن جهة أخرى، كان الرجال هم الفئة المسيطرة على الحركة، لكن في السنوات القليلة الماضية بدأت الأخيرة تجتذب عناصر نسائية عدة. وعن ذلك، قالت سونسارا تايلور، المنتسبة للحركة، إن سبب انضمام النساء نابع من رؤيتهن للإدارة الأمريكية الحالية باعتبارها "معادية للنساء"، سواء لجهة قوانين الهجرة والرعاية الصحية وحقوق الإجهاض وقوانين أخرى توثر بشكل سلبي على النساء والأقليات.
ما هي أهداف آنتيفا؟
حينما بدأت الحركة في الظهور في العصر الحديث كان أعضاؤها يُعرّفون أنفسهم على أنهم مدافعين عن السكان المضطهدين والمهاجرين ومن أهدافهم مناهضة تكديس الثروة لدى الشركات والنخب.
ومع انتخاب ترامب، بدأ أعضاؤها يدعون إلى إيقاف ما يرونه مجموعات فاشية وعنصرية ويمينية متطرفة من الحصول على منصة لترويج آرائهم، بحجة أن الإعلان العام لهذه الأفكار يؤدي إلى استهداف الأشخاص المهمشين، بما في ذلك الأقليات العرقية والنساء والمثليين جنسياً.
ويؤكد هؤلاء أن حركاتهم سلمية، وأن استخدام العنف له ما يبرره، إذ يرون أنه إذا سمح للجماعات العنصرية أو الفاشية بالعمل بحرية، "فسوف يتجهون حتماً إلى العنف ضد المجتمعات المهمشة".
إلا أنهم شددوا على أن تعبيراتهم الاحتجاجية لا ينبغي لها أن تصل للقتل أو سفك الدماء.
قال براي لنيويورك تايمز:" حجتهم هي أن مناهضة الفاشية المتشددة هي دفاع عن النفس بطبيعتها بسبب العنف الموثق تاريخياً الذي يشكله الفاشيون، وخاصة ضد المهمشين".
وأضاف براي إن أعضاء آنتيفا غالباً ما يستخدمون تكتيكات مشابهة للمجموعات الأناركية، مثل ارتداء الملابس السوداء وارتداء الأقنعة، ولدى أنصار هذه الحركة أيديولوجيات متداخلة مع هذه الجماعات، حيث تجتمع غالباً على انتقاد الرأسمالية وتسعى إلى تفكيك هياكل السلطة، بما في ذلك قوات الشرطة.
وبحسب ما قال سكوت كرو، وهو عضو سابق شارك مع آنتيفا منذ ما يقرب من 30 عاماً في العديد من الأحداث التي نظمتها الحركة، إن الأعضاء يستخدمون العنف كوسيلة للدفاع عن النفس ويعتقدون أن تدمير الممتلكات لا يعادل العنف.
بحلول عام 2000، كانت آنتيفا خامدة في الغالب، حتى عادت لتكتسب مزيداً من الزخم مع صعود ترامب عام 2016، ثم ظهرت إعلامياً بشكل قوي عام 2017، بعدما تصدت لعدد من الفعاليات التي كان ينوي أنصار اليمين تنظيمها... من الصعب معرفة عدد أعضائها وليس لديها قادة رسميين
يُذكر أن أرقام جامعة ماريلاند تُظهر أن 53% من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة بين عامي 2010 و 2016، تم تنفيذها من قبل المتطرفين الدينيين، و35% من قبل المتطرفين اليمينيين، و12% من قبل المتطرفين اليساريين أو البيئيين.
موقف السياسيين من آنتيفا
تعرضت الحركة لانتقادات واسعة من اليسار واليمين في الولايات المتحدة، خصوصاً بعد الاحتجاجات في بيركلي بكاليفورنيا عام 2017، إذ شجبت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي سلوك الحركة.
وقالت بيلوسي التي تعد من أشد المناهضين لترامب إن "الأفعال العنيفة التي ارتكبها الأشخاص الذين يطلقون على أنفسهم آنتيفا مرفوضة ويجب القبض عليهم".
مع ذلك، بفضل التعديل الأول من الدستور الأمريكي، تجنبت حكومات الولايات المتحدة تاريخياً تصنيف الجماعات المحلية من اليسار واليمين على أنها إرهابية إذ يتم إدراج ممارستهم ضمن الأعمال المشروعة لحرية التعبير والمعتقد - سواء كانوا متعصبين بيض قوميين أو يساريين.
وفقًا للبيانات التي جمعتها مؤسسة "New America"، وهي مؤسسة بحثية، فقد قتل إرهابيون يمينيون في الولايات المتحدة منذ 11 أيلول /سبتمبر 2001، 110 شخصاً لأسباب سياسية، بينما لم يقتل أنصار آنتيفا أي شخص لأسباب سياسية.
تقابل منظمة آنتيفا اليسارية منظمة "بوغالو" اليمينية المتطرفة، بينما تشير أدبيات آنتيفا إلى أن جميع الإرهابيين المحليين في الولايات المتحدة خرجوا من جماعات اليمين المتطرف وليس من قوى اليسار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي