تتعدد المزايا التي تجعل من د. طالب عمران واحداً من الشخصيات الأساسية العربية العاملة على ترسيخ نوع الخيال العلمي في الأدب، فبالإضافة إلى إنتاجه الأدبي من روايات وقصص، فقد كتب العديد من التمثيليات الإذاعية والتي بُثّت أسبوعياً على مدى سنوات تحت عنوان "ظواهر مدهشة"، وقدم العديد من الدراسات والكتابات والمحاضرات والندوات في هذا النوع الأدبي، كما أنه أشرف على إصدار العديد من المطبوعات والإصدارات التي تعنى بالتعريف بأدب الخيال العلمي.
العلم والخيال القصصي
لقد أتى د. طالب عمران إلى الأدب من باب العلوم، هو الحائز على شهادة الدكتوراة في المنطويات التفاعلية والفلك، والأستاذ في كلية الهندسة المدنية، ذلك ما جعل نصوصه تحمل الخصائص العلمية بمقدار ما تحمله من المزايا الأدبية. لقد كتب الناقد "محمد عزام" عن هذه التوازن بين العلم والأدب، تحت عنوان "المعادلة المستحيلة": "وعلى الرغم من أن عمران يضع السرد القصصي في خدمة الأفكار العلمية، إلا أن هذا لم يجعل روايته أو قصته تتسم بالجفاف العلمي، لأنه استطاع بمهارة الفنان أن يحقق المعادلة المستحيلة: المضمون العلمي في الشكل الفني".
لكن ما هي الخصائص الفنية والموضوعات الأساسية التي عالجها طالب عمران عبر إنتاجه الروائي والقصصي؟ يستعرض الباحث محمد ياسين في كتابه "الخيال العلمي في الأدب"، والباحثان محمد وكوثر عياد في كتابهما "أدب الخيال العلمي" نماذج من أدب طالب عمران، ويعملون على تحليل إنتاجه الروائي والقصصي ضمن معطيات وأدوات مدارس النقد الأدبي.
يركز الباحث "محمد ياسين" أبرز خصائص أدب طالب عمران في الفقرة التالية: "حيثما قرأت روايات وقصص طالب عمران وجدت النظرية العلمية والأحداث المتفجرة، على أمل أن يسود السلام والإيمان والمحبة نهاية قصته أو روايته، لتعكس تفاؤل الكاتب بغد مشرق، رغم كل الظلام التحذيري الذي يلف إبداعه الروائي. وتقوم معظم كتابات المؤلف على خلفية فلكية واسعة، إذ يصور طموح الإنسان ونضاله للسيطرة على الكون، إما بحثاً عن مثال أسمى للخير تمثله كائنات أكثر شفافية ومحبة من الإنسان، أو لاتخاذ الكواكب الأخرى مهرباً وملاذاً آمناً لذوي العقول النيرة، الذين يفرون من فساد حكام الأرض وظلمهم. وهو في كل ما يكتب يتوخى الحذر في رسم اللقاءات الكوكبية، فيقدم مخلوقات العوالم الأخرى بوصفها كائنات حضارية تنشد السلام وتطمح إلى الصداقة، على عكس ما درج عليه أكثر أدباء الخيال العلمي، من تصوير لقاءات عدائية بين المخلوقات الكونية والإنسان. فرائد الفضاء في قصصه لا يمثل مستعمراً كوكبياً مهمته الاحتلال والسيطرة، بل يمثل رائد الفضاء العربي في قصصه رسول حضارة وتواصل.
على عكس ما درج عليه أكثر أدباء الخيال العلمي، من تصوير لقاءات عدائية بين المخلوقات الكونية والإنسان. فرائد الفضاء في قصص طالب عمران لا يمثل مستعمراً كوكبياً مهمته الاحتلال والسيطرة، بل يمثل رسول حضارة وتواصل
المقاومة في وجه الأنظمة المهيمنة
"الأزمان المظلمة" التي صدرت عام 2003، بينما تدور أحداثها سنة 2025، وينقسم فيها العالم إلى الدول المستبدة والمتحكمة بمصير الدول الفقيرة والخاضعة. تطرح هذه الرواية أسئلة جادة عن مستقبل عالم معرض أكثر من ذي قبل لتنامي مشاعر الكراهية بين الشعوب، كما يشهد ظهور حواجز إيديولوجية من شأنها أن تزيد مناعة الحدود الجغرافية. إن صورة الآخر، وبالأخص صورة الإنسان العربي في هذه الرواية، صورة مقترنة بالعنف والهمجية، يقول الكاتب: "كان رأس النظام العالمي يلهو ويتسلى بالقتل والتدمير وترويع الناس، ويرسم صورة للمستقبل تكون فيها الإنسانية مهانة، ذليلة، مستعبدة لطغمة تتحكم بالرقاب والعباد. حاكمة العالم تريد أن ترهبنا بقنابلها وطائراتها، تريد أن نتحول إلى عبيد، عبيد بلا ملامح".
في هذه الرواية، يبدو أن رفض الآخر هو بمثابة الاختيار الضروري لتأمين النفس عند الغرب، ذلك لأن هذه القوة العالمية الغربية الجديدة تخلق الظروف المواتية لنشأة الإرهاب، ثم تبذل قصارى جهدها لإدانته بعد ذلك، وبالحث على الانسياق نحو التطرف والإرهاب، يعيش العالم في حلقة مفرغة.
يبدو رفض الآخر في رواية "الأزمان المظلمة" بمثابة الاختيار الضروري لتأمين النفس عند الغرب، ذلك لأن هذه القوة العالمية الغربية الجديدة تخلق الظروف المواتية لنشأة الإرهاب، ثم تبذل قصارى جهدها لإدانته بعد ذلك،ليعيش العالم في حلقة مفرغة
ومع ذلك، توجد في "الأزمان المظلمة" بعض الشخصيات التي تسعى لإثبات ذاتها كأشكال للمعارضة، تنتقد النظرة الدونية والعمياء إلى الآخر. المقاومون في النظام العالمي المحكم هم شخصيات متمردة فكرياً على النظام السائد، الذي يصفهم بأصحاب الأفكار الخطرة على المجتمع، فمن يخرج عن العرف يعتبر همجياً تائهاً في المدينة التي هي فضاء مكروه، وتبرز فيه أعلى درجات السيطرة على الإنسان.
ونجد في الرواية شخصيات من أصحاب الضمائر الحية المتفتحة من عالمين مختلفين: الشمال والجنوب، فالطبيب الأمريكي "بيتر" في الرواية يعرض نفسه للخطر لإنقاذ "قاسم"، العالم العربي القابع في سجون القوة العالمية العظمى في غوانتانامو، والذي تجرى عليه تجارب بيولوجية منافية للأخلاق، بذريعة أنه إرهابي، وبالتالي يستحق أن يكون فأر تجارب، فيعمل الطبيب الأميركي بيتر على إنقاذه. يجمع "بيتر" حوله عناصر منشقة ترفض أن تكون مكبلة بمشاعر الخوف والكراهية، وبالتالي تناهض تشويه صورة الآخر.
يكتب محمد وكوثر عياد عن الرواية: "إن وجود منشقين غربيين رافضين لهمجية القوة العظمى الجديدة يمثل شعلة الأمل الوحيدة الموجودة في الرواية. إن الأمل الحقيقي هو إذن، الآخر المقاوم. إن الهدف من تصور مستقبل كوابيسي مظلم لهذه الدرجة، هو دفع الإنسان إلى إدراك أن العزوف عن المقاومة هو تخل عن مسوؤليته تجاه أجيال المستقبل، فكرامة الإنسان المعاصرة عنوانها المقاومة بدونها يكون بيدقاً في أيدي النظم المسيرة".
أدب الخيال العلمي بصبغة عربية
يسعى أدب طالب عمران إلى تبيئة أدب الخيال العلمي عربياً، فهو يبتكر الأسماء والأجواء العربية التي تسمح بخلق أدب خيال علمي. في روايته "فضاء واسع كالحلم" يقرر علماء مدينة العلوم العربية إرسال مركبة مأهولة إلى المريخ بعد أن لاحظوا أن القرود التي أرسلوها إلى هناك في مهمة استطلاعية قد زاد معدل ذكائها خمس مرات، وبالفعل تنطلق المركبة "ابن النفيس 3" وبداخلها أربعة رواد، هم "يمان" الذي كان قد حلق فوق المريخ من قبل، و"نادية" أول رائدة فضاء عربية تمشي على القمر، و"خلدون" كبير المهندسين في المجمع المداري حول الأرض، والعالم الفلكي "نادر زكي" الذي قضى أياماً في المجمع المذكور. كما ينضم إلى الطاقم المهندس الميكانيكي "ماجد" الذي يوافق العلماء على إرساله بعد أن يخضع لتدريبات قاسية في أجهزة الطرد المركزي، ركوب الطائرات ذات السرعة الفائقة، الهبوط بالمظلات وقياس التجاوب الذهني.
نلحظ كيف يبني الروائي شخصيات عربية مختصة في المجال السفر في الفضاء، ليكون أدبه نموذجاً في ابتكار عوالم إبداعية عربية في مجال أدب الخيال العلمي.
الحضارات المسالمة القائمة على العلوم والفنون
في الرواية ذاتها، يصل رواد الفضاء إلى كوكب يمتلك جاذبية كبيرة، يجذبهم إليه. هناك يبتكر الروائي عالماً من ستة مليارات من الكائنات التي تعيش بسعادة تامة، بعد أن أنهت صراعاتها التي دمات مئات السنين وتفرغت للعيش تحت مظلة العلم والسلام. لقد تمكنت هذه الكائنات من التخلي عن أشكالها المادية التي كانت قريبة من أشكال البشر، وتحولت إلى طاقات مكثفة، فلا تظهر أشكالهم إلا على شاشات متطورة جداً. وهم فيما بينهم يتكلمون لغة الموسيقا، ولم تعد لهم حدود أو بلدان أو عائلات، إنما أصبحوا يهتمون بما يسمى "الرياضيات السماوية" التي تدرس الأفلاك والنجوم والمجرات، وقد توصلوا بفضل العلم إلى معرفة ما سيحدث بعد آلاف السنين اعتماداً على قانون الاحتمالات ذي الدقة الفائقة.
إذن، يقترح الروائي على القارئ حضارة مبنية على أسس السلام، العلم والتواصل عبر الفنون. إنه أسلوب الأديب في فتح احتمالات الخيال والسعي الإنساني نحو حضارة تؤسس على هذه العناصر.
تتابع الرواية بسؤال وجودي هام، وذلك حين يعرض علماء الكوكب الجديد على ضيوفهم من البشر التخلي عن ماديتهم والبقاء بينهم مع العلم والسلام. يستصعب الرواد فكرة التحلي عن أجسادهم في بداية الأمر، ولكنهم يوافقون بعد أن يتلمسوا الرخاء والهناء الذي تعيشه حضارة هذا الكوكب، بإستثناء "ماجد" الذي يفضل العودة إلى أسرته في الأرض. إن الروائي يمنح العواطف الإنسانية أو الروابط العائلية قيمة عليا من خلال حبكة روايته هذه.
في رواية عمران "فضاء واسع كالحلم" يقترح الروائي على القارئ حضارة مبنية على أسس السلام، العلم والتواصل عبر الفنون. إنه أسلوب الأديب في فتح احتمالات الخيال والسعي الإنساني نحو حضارة تؤسس على هذه العناصر
أدب التحذير الكابوسي
في قصة "كانوا في الكوكب الخامس" يأتي زائران فضائيان في الليل إلى أحد علماء الفلك، ليعلمانه بأنهم من سكان الكوكب الخامس، الذي كان يدور بين المريخ والمشتري قبل آلاف السنين، والذي اندثر بعد أن فجرته حرب نووية نشبت بين زعاماته لأجل مصالح أنانية ضيقة، مما حدا بعلمائه إلى الهجرة بمراكبهم الفضائية نحو القمر ميماس الذي يدور حول كوكب زحل، وأنهم مازالوا يعيشون هناك في أسمى حالات التطور الحضاري، فقد تمكنوا من إرسال مركبات فضائية للاتصال بعلماء العوالم الأخرى من أجل نشر العلم والحضار والسلام في الكون. وهم قد جاؤوا اليوم إلى الأرض يحملون رسالة تحذيرية من مخزون الأسلحة النووية الذي يتزايد يوماً بعد يوم، ويطلبون من أهل الأرض الوقوف في وجه حرب نووية محتملة.
في القصة يحذر الكاتب من خطر الأسلحة النووية على الحضارة الإنسانية وعلى مستقبل العيش على الأرض، وهو حين يروي قصة كوكب انقرض بسبب الحروب المستمرة لحكامه ومصالحهم الأنانية الضيقة، يذكر باحتمالية حدوث أمر مماثل على كوكب الأرض.
أخلاق رواد الفضاء
في قصة "رواد الكوكب الأحمر، 1999"، تتلقى سفية فضائية اسمها "ابن فرناس" نداءات استغاثة من إحدى السفن الفضائية المجهولة، فيقرر رواد "ابن فرناس" تلبية النداء وإغاثة السفنية المنكوبة، وما إن يدلفوا إلى داخلها حتى يسمعوا صوتاً متهدجاً يرحب بهم ويقول إنهم في انتظارهم منذ زمن بعيد. يريد الكاتب من هذه القصة أن يبين أن رواد الفضاء هم أبطال مغامرون من أجل الإغاثة والمساعدة، حتى دون أن يتأكدوا من المصير الكامن لهم في رحلات المساعدة والإنقاذ.
العوالم الأخرى كائنات من المحبة والسلام
يتميز أدب طالب عمران بتصوير كائنات العوالم الأخرى بأنها كائنات محبة للسلام والخير. في قصة "الطبق الطائر، 1993" يحط طبق طائر هائل الحجم فجأة أمام سيارة العالم الفكلي "عاصم"، بينما كان يقطع طريقاً صحراوياً منعزلاً برفقة زوجته "مريم"، إنه الكائن العملاق "تارا" القادم من كوكب "المتألق" في وسط المجرة، يتحدث إليهما بلغة عربية ويخبرهما بأنه في مهمة صداقة واستكشاف. على العكس من العديد من قصص غزو الكائنات الفضائية للأرض، فإن "تارا" كائن مسالم يأتي في مهمة استكشاف وعلم. في هذه القصة، الإنسان هم من يعتقد أن الكائنات الأخرى عدوانية، فما هي إلا دقائق معدودة حتى تتدفق الحوامات والآليات العسكرية على الطبق الطائر بالقذائف، ومع أن المادة التي صنع منها الطبق لا تتأثر بالقذائف، فإن "تارا" يغادر الأرض مسرعاً عندما يعرف بأنه كائن غير مرغوب فيه، وتقبض السلطات على الدكتور عاصم وزوجته مريم بتهمة التجسس لمصلحة مخلوقات كونية، ثم يحكم عليهما بالموت. هذه القصة تضع رغبة التواصل عند الكائنات الأخرى مقابل الخوف والحذر العدواني في فكر الإنسان.
يبين الباحث "محمد ياسين" أن كائنات الفضاء عند طالب عمران تنتمي لحضارات مختلفة تقام على كواكب بعيدة تنتمي إلى مجموعة شمسية محددة، وهي دائماً تأتي في مهمات سلمية أو استكشافية ولا تبغي إثارة عداء الإنسان، غير أن الإنسان بجهله يهاجمها بالطائرات والقذائف، وأن أشكال الأغيار في أدب طالب عمران لا تأخذ دوماً صوراً مشوهة أو صور مخلوقات هجينة، بل تأخذ أحياناً أشكالاً رائعة. فالمخلوقات في قصة "كوكب الأحلام، 1975" هي أزهار ذكية تسلب الألباب بغنائها وعطرها الفواح. وهذه صورة معاكسة تماماً للنباتات الذكية التي وردت في قصة "يوم النباتات، جون ويندهام" إذ إن النباتات في قصة ويندهام يبلغ طولها المترين، وتطلق من سيقانها سموماً تقتل البشر.
إن المخلوقات الفضائية في أدب طالب عمران هي كائنات خيرة ومسالمة تنشد الصداقة مع بني البشر، وبما أنها حققت تقدماً فائقاً في كافة مجالات العلوم فلا يمكن للإنسان الملتصق بالأرض إلحاق الأذى بها، وهي تستخدم ما تمتلكه من قدرات في سبيل أن يعم السلام والخير الكون بأجمعه.
السفر عبر الزمن
يعبر الأديب أيضاً في شخصياته في رحلات عبر الزمن، في العودة إلى الماضي نجد قصة "النفق، 1999"، حيث يكتشف بطل القصة الشاب بئراً مهجورة تقوده إلى نفق مظلم يتشعب إلى سراديب غامضة، ما يلبث أن يعبر خلاله إلى مدينة "دورا" على نهر الفرات العظيم، ليكتشف أن النهر جرفه إلى عصر حمورابي، سلطان العالم. وفي قصة "أشباح الموت المجاني 1999" وبينما يتجه الطبيب فارس بسيارته في جو ماطر، عبر طريق إلتوائية قاصداً مدينة مصياف، حتى يقابل قاطعي الرقاب الذين يهاجمون القرية بخيولهم الجامحة، حاملين البلطات والأسنة اللامعة، فقتلوا الأطفال واغتصبوا النساء ومثلوا بالجثث. يكتشف الطبيب في نهاية القصة أنه عبر إلى القرن الثامن عشر، زمن السيطرة العثمانية على سورية، وأن قاطعي الرقاب كانوا ظاهرة في تلك الفترة من الزمن.
وفي رواية "مزّون، 2004" الراوي ينتقل في نفق الزمن لملاقاة أجداد الماضي ذوي الأمجاد التليدة، وتعرف عن كثب على مآثرهم التي تبعث على الاعتزاز بالانتساب إلى هذا العالم الذي هو العالم العربي.
أما في رواية "الأزمان المظلمة"، فإن الكاتب ينتقل بأبطاله بين مناطق زمنية ثلاث، اثنتين منها في المستقبل عام 2018 وعام 2040، بينما يسافر الدكتور هاني في مناماته إلى عوالم قديمة وعصور يعيش فيها الناس حكم الإمارة والجند. يكتب محمد ياسين: "وبين هذه الأزمنة الماضوية والمستقبلية، يحرك المؤلف أحداثه وشخصياته مستخدماً طريقة الإسقاط التاريخي على أحداث حاضرة، يستشرف من خلالها أحداثاً مستقبلية فاجعة".
التجميد: الإنسان بين الخلود والحب
يتناول طالب عمران التجميد في عدد من قصصه، في قصته "السبات الجليدي، 1993"، تُجري أكاديمية البحث العربي عام 2020 أول عملية تجميد لإنسان حي، على أمل أن يتم إيقاظه بعد أربعين عاماً. وبالفعل يتم تجميد "نزار" فتحزن حبيبته "لينا" عليه، ثم تقرر اللحاق به عبر تجميد نفسها هي الأخرى أربعين عاماً. وفي عام 2060 تتم عملية إيقاظ الجسدين بإستخدام الشحنات الكهربائية، لكن المفارقة تحدث لنزار ولينا عندما يجدان أن العالم الذي تركاه قد تغير بطريقة متسارعة جداً، فيبدو كل ما حولهما غريباً لعيونهما، وتنتهي القصة عندما يضم نزار لينا إلى صدره، ويعلن المؤلف أن ما من شيء أحلى من الحب.
في رواياته التي يتناول فيها ‘التجميد‘، يبين عمران أن الإنسان في النهاية لا يبحث عن الخلود بمقدار بحثه عن الحب
وفي رواية "رجل من القارة المفقودة" يعثر صياد مغربي على صندوق صخري بداخله مادة متجمدة، دفن فيها جسد ممدد من حضارة قديمة جداً، ليعود من خلالها إلى الحياة، "دارما" الذي يخبر عن قصة تجميده. هو طبيب من قارة أتلانتس التي كانت تملك أسحلة ذرية هائلة استخدمتها في حرب أهلية، فأعلن فيها المركز الطبي عن تجميد أجساد من يرغبون من ذوي العقول المؤثرة للعودة مستقبلاً إلى الحياة، لكن "دراما" كان قد جمد مع زوجته التي بقي صندوقها الحجري الجليدي في البحر، لتنتهي الحكاية بأن يفضل "دارما" العودة إلى البحر والبحث عن زوجته. كأن طالب عمران في كلا الحكايتان عن التجميد يبين أن الإنسان في النهاية لا يبحث عن الخلود بمقدار بحثه عن الحب.
قضايا البيئة
في قصة "هواجس القرن الحادي والعشرين، 1999" يتطرق طالب عمران إلى قضايا البيئة. يصف الكاتب الحالة الخطيرة التي ستصل إليها الطبيعة عام 2035 في مدينة عربية، ويوجه الكاتب أصابع الاتهام مباشرةً إلى البشر بما فيهم من أنانية وجشع قاتلين. فالمصانع التي تطوق المدينة الكبيرة وتنفث سمومها ليلاً ونهاراً دون توقف، تلوث الهواء وترفع درجة الحرارة إلى حد لا يطاق، ويسوء الجو فتهطل الأمطار الحامضية وتسمم مصادر المياه. وثورة الناس على هذه الحال تقع تحت كماشة الاستغلال والفساد، وثورة العمال على تحسين ظروف عملهم الصحية تقابل بالقمع من قبل أصحاب المصانع. هذه القصة تجمع مشكلات البيئة، وشروط العمل الغير صحية وحقوق العمال، إلى أنظمة الفساد وسلطة أصحاب المصانع ورؤوس الأموال.
الطوباوية
في رواية "خلف حاجز الزمن، 1985" يصور الكاتب كوكباً شبيهاً بالأرض تعيش عليه كائنات تشبه البشر تماماً، وهذه الكائنات تعاونت فيما بينها لإنشاء كوكب للمحبة والعلم والسلام، فالعمال يسكنون في قصور جميلة تحيط بها الحدائق، كما تمكن سكان ذلك الكوكب من تدجبن طيور السيدار الجارحة، وانتزعوا منها غريزة العدوان ثم استخدموها للتنقل والمواصلات.
الروبوتات
يبين الباحث محمد ياسين أنه في أدب طالب عمران تظهر العقول الإلكترونية على أنها آلات يستخدمها البشر لتنفيذ أعمال محددة، إذ تقود هذه العقول سفن الفضاء عندما يفقد روادها السيطرة عليها، أو تحذرهم من وجود إشعاعات قاتلة على كوكب بعيد، أو تقوم بمهمة الترجمة عن لغات غربية وغير مفهومة يتكلمها الأغيار. في قصة "الخروج من الجحيم" ينفذ الرجل الآلي المهام الملقاة على عاتقه، ويرافق بطل القصة في رحلة شاقة على سطح الأرض بعد أن تعرضت لدمار نووي هائل، فيحمله على ظهره فوق الثلوج المتراكمة، ويحفر الأنفاق وينقذ بعض البشر الذين أشرفوا على الهلاك. الرجال الآليين، الروبوتات أو الذكاء الاصطناعي هو في خدمة الإنسان في روايات وقصص طالب عمران، فلا وجود لروبوتات متمردة أو شريرة.
الاستنساخ
نتعرف على رأي طالب عمران في موضوعة الاستنساخ في رواية "عوالم من الأمساخ، 1997"، في هذه الرواية تتلاشى الحواجز بين الإنسان ومملكة النبات، إذ ينجح الدكتور "سائد" في زرع نواة خلية حيوانية بداخل خلية نباتية منزوعة النواة، فتظهر له نباتات متفوقة تشعر بالضوء والصوت، ويستطيع التوأمة بين مجموعات كبيرة من الحيوانات، لكنه يفشل في استنساخ البشر. إذ وبعد الجرائم المريعة التي ارتكبها الدكتور سائد، لم يحصل سوى على مخلوقات مشوهة تصرخ من الألم وتطلب الموت فلا تجده، ما يذكر برواية "فرانكنشتاين، ماري شيللي، 1823" التي نبهت أيضاً من طموح الإنسان المتهور في خلق الكائنات دون أن يتساءل عن مصيرها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...